أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تفاقم التوتر:

كيف يُؤثر التقارب بين واشنطن ومانيلا في العلاقة مع بكين؟

16 يناير، 2024


أجرت الولايات المتحدة الأمريكية والفلبين، في 3 يناير 2024، دورية عسكرية بحرية مُشتركة، في بحر الصين الجنوبي، شملت 4 سفن من القيادة الأمريكية في المحيطيْن الهندي والهادئ تشمل حاملة طائرات وطرادة ومُدمّرتيْن، و4 سفن فلبينية، لمدة يوميْن. وتُعد هذه التدريبات المُشتركة الثانية بين البلدين، بعد الأولى التي تم إجراؤها في نوفمبر 2023، واستمرت لمدّة ثلاثة أيام في المياه القريبة من تايوان وبحر الصين الجنوبي.

توتر مُتزايد:

جدير بالذكر أن العديد من الأحداث والتطورات قد وقعت في مُحيط بحر الصين الجنوبي خلال الفترة الراهنة، ويمكن الاستدلال منها على تزايد حدّة التوتر في العلاقات بين الفلبين والصين، الأمر الذي يمكن إيجازه على النحو التالي:

1. تزايد وتيرة الاحتكاك البحري: شهدت الفترة الأخيرة، تزايداً في مستوى التحرشات البحرية، بين الصين والفلبين، ولاسيما في المناطق المُتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وفي هذا السياق، فقد حذّر وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال ديسمبر 2023، من أن العلاقات تشهد صعوبات خطرة في ظل احتدام وتيرة الاحتكاك البحري العسكري بين البلدين.

وفي بداية ديسمبر 2023، وفقاً للتقديرات الصادرة عن خفر السواحل الفلبيني، فقد تحرشت السفن الصينية بمجموعة من السفن الفلبينية أثناء إبحارها في بحر الصين الجنوبي (بحر الفلبين الغربي) باستخدام خراطيم المياه ومحاولة الاصطدام بها، وكان رئيس الأركان على متن إحداها ولم يُصب بمكروه.

وكانت السفن الفلبينية تحاول إعادة إمداد الأفراد العسكريين المُتمركزين على متن سفينة حربية جنحت منذ سنوات لاستخدامها كقاعدة. وقدمت الفلبين احتجاجات دبلوماسية واستدعت سفير الصين بسبب تصرفاتها العدوانية في بحر الصين الجنوبي، والتي تمثل تهديداً للسلم والأمن. وأعلنت وزارة الخارجية الفلبينية استمرار مهام إعادة الإمداد للسفينة دون الاضطرار إلى تقديم إشعار مسبق للصين.

2. التنصت الصيني على التدريبات البحرية: كانت التدريبات التي أجرتها الولايات المتحدة مع الفلبين، في مطلع العام الجاري، تحت المُراقبة من قبل فرقاطة تابعة لسلاح البحرية الصيني كانت توجد بالمنطقة المتنازع عليها مع الفلبين، وزعمت أنها كانت تقوم بأنشطة مشروعة داخل الحدود البحرية الصينية. وأعلنت الصين بالفعل أنها نظمت مُناورة بحرية وجوية روتينية مُشتركة في بحر الصين الجنوبي.

أسباب التوترات:

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أسباب التوتر في العلاقات بين الصين والفلبين ودور الولايات المُتحدة في تلك الإشكالية، وهو ما يُمكن إيجازه كما يلي:

1. الخلاف حول ترسيم الحدود، في ظل إصرار الصين على مُطالباتها ببسط سيادتها على كل بحر الصين الجنوبي، في حين أن حكم مُحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي لعام 2016، أقر ببطلان الخطوط التي تتمسك بها الصين لترسيم حدودها البحرية، وتحديد منطقتها الاقتصادية الخالصة ببحر الصين الجنوبي، والتي تنتهك المناطق الاقتصادية الخالصة لفيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي وإندونيسيا، إلا أن بكين لم تعترف بهذا الحكم واستمرت في ممارسة سيادتها هناك.

2. بناء الصين الجزر الاصطناعية، والذي يُعد أحد أهم الأدوات الصينية لبسط هيمنتها الإقليمية على المناطق البحرية المتنازع عليها، فضلاً عن تدشين المنشآت العسكرية مثل مهابط الطائرات والموانئ والقواعد العسكرية على الجزر المُتنازع عليها مع الفلبين؛ كما في جزر باراسيل وتريتون. الأمر الذي أدى لتأجيج مخاطر وقوع صدام عسكري في العديد من الأوقات بين الصين والولايات المتحدة.

وطالبت الفلبين الصين بإزالة جميع "المباني غير القانونية" التي بنتها داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لها، والتوقف عن الاستصلاح في تلك المناطق، مع المطالبة بمساءلتها عن الأضرار التي تسببت فيها جراء تلك الأنشطة.

3. العلاقات مع الولايات المتحدة، بادرت الولايات المتحدة بترميم علاقاتها مع الفلبين بُعيد تولي فرديناند ماركوس الابن زمام الرئاسة، خاصة وأن سلفه الشعبوي رودريجو دوتيرتي، كان مُعادياً بشكل علني للولايات المتحدة وحاول تقريب بلاده من الصين، وتتزايد أهمية الفلبين بالنسبة للولايات المتحدة في ظل تنامي حدة التنافس بينها وبين الصين في منطقة بحر الصين الجنوبي ومحيط تايوان، الأمر الذي يجعل واشنطن تعوّل على حليفها الإقليمي في خضم تلك المواجهات.

إذ تستمر الولايات المتحدة في توجيه الانتقادات للصين؛ لتدخلها في العمليات البحرية للفلبين وتقويض الاستقرار الإقليمي، وحثت بكين على وقف سلوكها الخطر والمُزعزع للاستقرار. وقد أشار المتحدث باسم البنتاغون إلى أن بلاده أكّدت التزامها بمعاهدة الدفاع المُشترك بينها وبين الفلبين، وهي الاتفاقية المُبرمة منذ 1951 والتي تُعد بمثابة أحد أقدم الاتفاقات العسكرية الأمريكية مع الدول الآسيوية. فضلاً عن الانتقاد الأمريكي للتزايد الحاد في عمليات الاعتراض الخطرة والعدوانية التي يقوم بها الجيش الصيني ضد الطائرات الأمريكية العاملة في المجال الجوي الدولي وفقاً للقانون الدولي.

واتصالاً، ناقش وزير الخارجية أنتوني بلينكن ونظيره الفلبيني إنريكي مانالو، مطلع العام الجاري فرصاً مُهمة لتعزيز تحالفهما الطويل الأمد في عام 2024.

4. تنامي الدور البحري الأمريكي في المنطقة، وهو الأمر الذي تعارضه الصين جملة وتفصيلاً، خاصة وأن الفلبين والولايات المتحدة قد استأنفتا الدوريات المشتركة في بحر الصين الجنوبي في نوفمبر 2023، بعد توقفها لسنوات، وترى الصين أن النزاعات البحرية بين الصين والفلبين هي قضية بين البلدين، وأنه لا يحق لأي طرف ثالث التدخل بها.

5. توسع القواعد العسكرية الأمريكية، والتي تُعد أحد أهم أدوات النفوذ الأمريكي في المنطقة، بموجب اتفاق الدفاع المُشترك والتي تسمح للولايات المتحدة باستخدام المرافق العسكرية الفلبينية، ففي إبريل 2023، تم الإعلان عن توسيع نطاق ذلك الاتفاق (EDCA) الذي تم توقيعه في عام 2014 في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، على نحو يسمح بمضاعفة عدد القواعد العسكرية والمرافق التي يمكن للولايات المتحدة استخدامها في الفلبين للتدريب المُشترك والتمركز المُسبق للمعدات، مع السماح ببناء مرافق مثل مدارج الطائرات وتخزين الوقود والإسكان العسكري بشكل مُؤقت. 

إذ تُشير تقديرات الخبراء إلى أن الولايات المُتحدة تعتبر الفلبين موقعاً مُحتملاً للصواريخ والقذائف وأنظمة المدفعية لمواجهة الغزو البرمائي الصيني المُحتمل لتايوان. وخلال عام 2023، أجرى الجيش الأمريكي مُحادثات لتطوير ميناء مدني في جزر باتانيس التي تقع على بعد أقل من 200 كيلومتر من تايوان وبالقرب من قناة باشي؛ من أجل تعزيز سبل وصول الولايات المتحدة لتايوان، وتعزيز السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية في تلك المنطقة، وهو ما قد يؤدي لإثارة المزيد من التوترات مع الصين.

تداعيات مُحتملة:

ثمّة العديد من الدلالات والتداعيات المُحتملة التي قد تترتب على تزايد حدّة التوتر بين الصين والفلبين في ظل التقارب الأمريكي مع الأخيرة، ولعل أبرز تلك التداعيات:

1. تزايد التوترات في بحر الصين الجنوبي، وهو أمر تتزايد فرص حدوثه، وذلك في ضوء تنامي الانخراط العسكري الأمريكي داخل الفلبين، وفي ظل تأكيد البنتاغون الالتزام الأمريكي بمعاهدة الدفاع المشترك، وإرسال رسائل للتأكيد أن الفلبين ليست وحدها. ومن ثم، تتزايد احتمالات التوترات في بحر الصين الجنوبي، وذلك قياساً على الرفض الأمريكي لواقعة التحرش الصيني بسفن الفلبين.

2. اتساع نطاق الاستقطاب الإقليمي، من خلال التحولات في أنماط العلاقات الإقليمية مع الفلبين، إذ إن اليابان هي الأخرى بادرت بتعزيز تعاونها العسكري البحري مع مانيلا، في إطار مساعيها للتصدي للخطر الصيني عبر تشكيل بيئة أمنية من خلال إرسال وحداتها إلى منطقة المحيطيْن الهندي والهادئ، ففي ديسمبر 2023، بدأت الفلبين واليابان مُحادثات بشأن اتفاق وصول مُتبادل يسمح بنشر قوات عسكرية على أراضي كل منهما.

3. علاقات أكثر براغماتية للفلبين، إذ تتبنى مانيلا نهجاً مُتعدد الأوجه تؤكد فيه حرصها على تبني علاقات ودّية مع جميع القوى، ففي الوقت الذي تعزز فيه تحالفها العسكري مع الولايات المتحدة، فإنها لا تقطع السبيل أيضاً أمام الحلول الدبلوماسية السلمية مع الصين بشأن الحدود البحرية. فضلاً عن تبني نهج إقليمي تعاوني للحيلولة دون المخاطر الصينية، وذلك عبر التنسيق مع دول "آبيك" و"الآسيان" وغيرها.

4. رد فعل صيني أكثر صرامة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من التصريحات التي تؤكد فيها الصين تمسكها باتخاذ إجراءات حازمة ضد أي انتهاك لسيادتها وأي تصرف يستهدف استفزازها ويضر بمصالحها وحقوقها البحرية.

كما أن تولي الأدميرال دونغ جون، منصب وزير الدفاع في الصين، قد يكون له تأثير سلبي في التوازن الإقليمي، فخبرته البحرية في منطقة بحر الصين الجنوبي، ستؤهله لأداء دور محوري في تحقيق تطلعات الصين في تلك المنطقة، وفي التصدي للتهديدات المحدقة بالمصالح والأمن الصيني هناك.

وفي التقدير، يمكن القول إن الأوضاع الإقليمية في بحر الصين الجنوبي تزداد توتراً في ظل تنامي الانخراط الأمريكي هناك لمواجهة المخاطر الصينية عبر بوابة الفلبين، الأمر الذي يضع إقليم بحر الصين الجنوبي على حافة الهاوية. ومع ذلك، فثمّة إشارات يمكن الاستدلال منها على حرص مُختلف الأطراف على الإبقاء على قنوات الاتصال والتنسيق مفتوحة؛ لتجنب الانزلاق نحو حافة الهاوية والانجرار إلى مواجهة عسكرية مُباشرة ستكون نتائجها وخيمة على السلم والأمن الإقليمي والدولي وتضر بمصالح الجميع.