أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

"إدارة الصورة":

لماذا تزايد لجوء الدول لشركات العلاقات العامة؟

12 يونيو، 2017


يحرص عددٌ كبيرٌ من الدول على التعاقد مع شركات العلاقات العامة الأمريكية، تسهيلًا للتواصل بين حكوماتها وصناع القرار داخل الولايات المتحدة، وذلك من أجل الحفاظ على صورة الدولة، وإدارة سمعتها الدولية من ناحيةٍ ثانية. 

أهداف وأدوات:

إن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه شركات العلاقات العامة هو "إدارة المعلومات" و"محاولة بناء الصور" من خلال التأثير في الرأي العام، بل وتحريكه، من خلال استهداف العقول والقلوب، وبناء علاقات إيجابية مع الجماهير، وذلك في سبيل تحسين صورة عملائها.

بعبارةٍ أخرى، تتعدد أدوار تلك الشركات لتشمل: صناعة الصورة،  وتشكيل العقول، وتغيير الخطابين السياسي والإعلامي السائدين، على نحوٍ يؤثر في الأحزاب السياسية والمرشحين الرئاسيين، والحكومات، ومؤسسات القطاع العام، المنخرطين جميعهم في التأثير على العملية السياسية أو المخرجات السياسية.

وانطلاقًا من هذا الهدف، تسعى تلك الشركات إلى الضغط على دوائر صنع القرار الأمريكي، على نحوٍ يَحُولُ دون اتخاذ أي قرار أو إقرار أي تشريع لا يتفق ومصالح الدول المتعاقدة معها. ولا يتأتى ذلك دون الدعاية والترويج السياسي والإعلامي لتلك الدول، وتحسين صورتها لدى صناع القرار داخل الولايات المتحدة.

وتنبع أهمية تلك الشركات من قدرتها على تغيير قواعد اللعبة، وإدارة الأزمات، وتغيير الأفكار السائدة، وجذب المستثمرين من خلال نشر رواية الدولة عن مختلف الأحداث.

وفي سبيل تحقيق تلك الأهداف؛ تدير تلك الشركات عددًا من الملفات الشائكة والقضايا رفيعة المستوى، وتعمل على رصد وجمع البيانات عن تلك القضايا، وتحديد الأطراف الفاعلة أصحاب المصالح ذوي التأثير، بهدف عرض وجهات نظر أخرى عن القضية الواحدة. 

وتلعب تلك الشركات دورًا بارزًا في "إدارة المعلومات"، و"إدارة الإعلام"، من خلال  إيضاح بعض المعلومات الهامة أو بعض الوثائق الضرورية، وذلك للسيطرة على الأجندة الإعلامية. وبهذا المعنى، قد تتحول تلك الشركات إلى ممارسة دور "جماعات الضغط"، من خلال حشد وتعبئة أطياف متباينة من الإعلاميين البارزين والمؤثرين في مختلف وسائل الإعلام، من: مجلات، وراديو، وتلفزيون؛ للسيطرة على تدفق المعلومات في وسائل الإعلام، ومن ثم على الرأي العام. فضلا عن استضافتها كبار الشخصيات الأجنبية، وترتيب زيارتهم، بهدف خلق منابر مباشرة للتواصل مع مختلف مراكز صنع القرار داخل الولايات المتحدة، وكذا وسائل الإعلام، والمسئولين التنفيذيين، والخبراء. ومن الجدير بالذكر أن تأثير تلك الشركات يمتد ليصل إلى الحكومات الأجنبية.

وتتواصل تلك الشركات مع عددٍ من الشخصيات الأمريكية البارزة، والقيادات السياسية الأمريكية، مثل: المركز الأمريكي للقانون والعدالة، ومنظمات المجتمع المدني غير الهادفة للربح المعنية بالشفافية والنزاهة، وكذا أعضاء الكونجرس الأمريكي، وأبرز الشخصيات الدينية المسيحية، والمؤسسات العامة والخاصة.

أبرز الشركات:

تتباين شركات العلاقات العامة الأمريكية فيما بينها، وكذا في طبيعة عملائها، لتشمل الدول والحكومات، والعلامات التجارية الناشئة، وشركات التكنولوجيا، والشركات الصحية، والأفراد رفيعي المستوى، وغيرها. وكما يتعدد عملاؤها، تتعدد مجالات اهتماماتها لتشمل قضايا: السياسات العامة، والتكنولوجيا، والجمال، والترفيه، والتجارة، والصناعة.. إلخ. ويتمثل أبرز تلك الشركات فيما يلي:

1- إيدلمان Edelman: وهي الشركة الأولى عالميًّا في مجال العلاقات العامة، وقد بلغت إيراداتها في عام 2014 قرابة 812.3 مليار دولار. ومن أبرز عملائها: شركة ليبتون، وستاربكس، ومايكروسوفت، ويو بي إس United Parcel Service. 

وهي شركة متعددة الجنسيات، لديها مكاتب في 65 مدينة حول العالم، ومقرها نيويورك. وقد تم تأسيسها بولاية شيكاجو عام 1952 من قبل دانيال إيدلمان، ويرأسها الآن ريتشارد إيدلمان، وتتخصص في عدة مجالات رئيسية بما في ذلك الأزمات والمخاطر، والأعمال التجارية والتسويق، وغيرها.

2- ويبر شاندويكWeber Shandwick : تم تأسيسها عام 1921، ومقرها نيويورك. ومن اهتماماتها: التجارة، والتكنولوجيا النظيفة، والغذاء، والإعلام، وغيرها. وهي وكالة للإعلان، وشركة عالمية رائدة، لها أفرع في 34 دولة، وتضم فريقًا متخصصًا من الخبراء الاستراتيجيين والمحللين. ومن أبرز عملائها: أمازون، وبيبسي، وسامسونج، وشركة الخطوط الجوية الأمريكية. 

وهي إحدى الشركات التابعة لمجموعة إنتربابليك جروب. ومن أبرز إنجازاتها، التعاقد في عام 2012 مع مراكز خدمات الرعاية الطبية الأمريكية، لزيادة الوعي بالتأمين الصحي الحكومي، وفقًا لقانون الرعاية الصحية.

3- كتشوم Ketchum: وهي شركة متعددة الجنسيات، مقرها نيويورك، ولها 22 فرعًا في 46 دولة، وتمتد خبرتها لأكثر من 90 عامًا في مجال العلاقات العامة، وتقدر إيراداتها سنويا بـ550 مليون دولار. ومن أبرز عملائها: الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، وإيكيا، وخطوط دلتا الجوية، وشركة آي بي إم IBM، وفيدكس. 

وقد نفذت الشركة عدة عقود لصالح حكومة الولايات المتحدة، بما في ذلك وزارة التعليم والصحة، والجيش الأمريكي. وفي عام 2015، عملت الشركة مع مكتبة الكونجرس للدعاية لمهرجان الكتاب الوطني. ويعد "روب فلاهرتي" المدير التنفيذي الحالي لها، وقد سبق وعمل في اللجنة التنفيذية لمجلس إدارة جمعية آرثر دبليو، ومعهد العلاقات العامة. 

4- مجموعة بوديستا Podesta Group: تأسست عام 1988، ويملكها "توني بوديستا" أحد أهم خبراء السياسة الأمريكية، والحملات الانتخابية. ويتميز بتأثيره الكبير في أروقة صناعة القرار الأمريكي، سواء داخل الإدارة الأمريكية أو في الكونجرس، وعلى الأخص داخل الحزب الديمقراطي. وهو على علاقة وثيقة بالرئيس السابق "باراك أوباما". 

وقد تولى شقيقه "جون بوديستا" منصب رئيس حملة "هيلاري كلينتون" الانتخابية في عام 2016، كما سبق وتولى منصب رئيس موظفي البيت الأبيض في الفترة من 20 أكتوبر 1998 حتى 20 يناير 2001، وهو عضو في الحزب الديمقراطي الأمريكي. 

وتقدم المجموعة الدعم للمنظمات والحكومات والأفراد على السواء، وأبرز عملائها: بنك أمريكا . وشاركت في عددٍ من الحملات السياسية لأعضاء الكونجرس الأمريكي وللرئيس "بيل كلينتون". وقد تم تسميتها أكثر من مرة كـإحدى أقوى جماعات الضغط وجمع التبرعات في واشنطن.

5- جلوفر بارك جروب Glover Park Group: وهي شركة استشارات أمريكية مقرها واشنطن. وتم تأسيسها في عام 2001، من قبل "مايكل فيلدمان"، المسئول الأسبق بالبيت الأبيض، و"جو لوكهارت" السكرتير الصحفي للرئيس الأسبق كلينتون، و"كارتر إسكيو" المدير الاستراتيجي لحملة آل جور الانتخابية لعام 2000، وأخيرًا "شيب سميث" نائب مدير الحملة.

تشتهر الشركة بعلاقاتها العامة، والإعلانات، وبحوث الرأي العام، وخدمات الضغط. وتخدم كلًّا من المؤسسات، والمنظمات غير الربحية، والحكومات، والاتحادات التجارية، وغيرها. وقد بدأت الشركة في تقديم الخدمات الحكومية والتشريعية في أوائل عام 2005.

أبرز التعاقدات:

إن تعاقد الدول مع شركات العلاقات العامة الأمريكية ليس حكرًا على دولةٍ بعينها، وإنما هو نهجٌ تلجأ إليه الدول تحقيقًا لمصالحها القومية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتتساوى في ذلك الدول أجمع، سواء كانت دوًلا كبرى أو صغرى، وإن اختلف بطبيعة الحال عمق تلك المصالح من دولة إلى أخرى، والتكلفة المالية التي تتكبدها الدول دفاعًا عن تلك المصالح. ومن أبرز أمثلة تلك التعاقدات ما يلي:

1- روسيا: في عام 2006، استعان "ديميتري بيسكوف" الملحق الصحفي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشركة كتشوم، لتحسين سمعة روسيا في "قمة الثمانية G8" بعد أن قامت شركة غازبروم بقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن أوكرانيا. وامتد التعاون بين موسكو والشركة طوال الفترة من 2006 حتى 2015، بمقابل بلغ 40 مليون دولار. واستخدمت الشركة وسائل الإعلام المختلفة والمؤتمرات الصحفية، للدعاية والترويج لروسيا كدولة جاذبة للاستثمار. كما رفعت عدة شعارات منها: "استثمر في موسكو"، و"التعليم والصحة وأكثر من ذلك" و"الاستدامة في التنمية الاقتصادية الروسية".

وفي عام 2013، ساهمت الشركة في نشر مقال للرئيس الروسي "بوتين" في صحيفة "نيويورك تايمز" حول الحرب السورية، لثني الولايات المتحدة عن القيام بعمل عسكري ضد سوريا. وفي مارس 2015 صرح المتحدث الرسمي باسم فلاديمير بوتين بأن روسيا قد أنهت التعاقد مع الشركة لأنه لا يمكن لها النجاح في بيئة هستيرية معادية. 

2- غينيا الاستوائية: منذ عام 2010 تعاقدت حكومة غينيا الاستوائية مع شركة Orvis التابعة لمجموعة MSL group للمساعدة في تحسين صورة الرئيس الحالي للبلاد "أوبيانج أنجيما أمباسوجو"، وذلك من خلال مراقبة وسائل الإعلام، ورصدها، وصياغة رسائل إلى محرري البرامج الإذاعية والتلفزيونية، ووكالات الأنباء، ووزارة الخارجية، وتوزيعها على النشرات الصحفية نيابةً عن غينيا الاستوائية. 

وقد روجت تلك البيانات لنجاح الدولة في الحد من معدلات الأمية، ومحاربة الأمراض المتفشية، وقبول المعارضة السياسية. وقد ساهم ذلك في تحسين الصورة الدولية لها، على نحو مكَّنها من التهرب من الانتقادات الدولية لما ترتكبه من جرائم ضد حقوق الإنسان.

تحديات عدة:

يواجه عمل شركات العلاقات العامة عدد من المعوقات والتحديات، يتمثل أولها في صعوبة تغيير الصور الذهنية التي ظلت عالقة في الأذهان لسنوات طويلة، ذلك أن بناء تلك الصور استغرق بطبيعة الحال أعوامًا عدة، من خلال عمليات تراكمية ممتدة. ومن ثم، يعتمد نجاح أو فشل تلك الشركات في القيام بالدور المنوط بها، على طبيعة المجتمع، ومدى انفتاحه، وقدرته على تقبل أفكار جديدة، على نحو يرتهن بالمناخ الثقافي والخطاب السياسي السائدين.

ويشير ثانيها إلى التباين في فعالية الاستراتيجيات المستخدمة من قبل تلك الشركات من حالة إلى أخرى، فما يصلح لدولة ما قد لا يكون صالحًا بالضرورة لغيرها، فضلا عن تزايد التكلفة المالية للتعاقد مع تلك الشركات، على نحو يقدر بملايين بل ومليارات الدولارات.

ولا يمكن إغفال أن التعاقد مع إحدى شركات العلاقات العامة يحتم على الدول الإبقاء عليه، وأن تلك الصورة رهن بطبيعة وحجم ونشاط الشركة التي يتم التعاقد معها، فعادةً ما يتضاءل تأثير الشركات صغيرة الحجم، قليلة الخبرة، ضئيلة الميزانية، التي قد لا تمتلك الموارد الكافية واللازمة للحملات الدعائية. 

وأخيرًا، تتطلب الدعاية والترويج لدولة ما معرفة شركات العلاقات العامة مسبقًا، بمختلف أوضاع الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على نحو يتجاوز فكرة "ترجمة المحتوى" المطلوب الترويج له، وصولًا لقولبته في قوالب تلائم الدول المستهدفة، وهو الأمر الذي لا تملك بعض الشركات الوقت أو الخبرة الكافية له.

وختامًا، إن الدور السياسي الذي تضطلع به عدد من شركات العلاقات العامة الأمريكية، ليس حكرًا بطبيعة الحال على البُعد المعلوماتي القاصر على إتاحة المعلومات للجمهور المستهدف، وإن تبنته معظم شركات العلاقات العامة عمومًا، ذلك أن الدور السياسي لها ما هو إلا نتاج لعملية منظمة هدفها السعي الهادف والدؤوب للتواصل والتأثير والانخراط مع نخبة أو جمهور مستهدف، تحقيقًا لأهداف الدول السياسية. ولعل اعتماد الدول على تلك الشركات قد يعد ضرورة بحتة دفاعًا عن مصالح الدولة القومية من جانب، ولمواجهة تأثير جماعات الضغط من جانب آخر.