أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

أداة مزدوجة:

أنماط تقييد وسائل الإعلام المعبرة عن الأقليات في المنطقة

01 ديسمبر، 2016


تمارس وسائل الإعلام دورين متناقضين فيما يخص قضايا الأقليات والقوميات، ففي الوقت الذي تحرص فيه إحدى هذه الأقليات أو القوميات على امتلاك وسائل إعلام خاصة بها تعبر عن رؤاها وسياساتها، تسعى الأجهزة الإعلامية التابعة للدولة إلى محاولة استيعابها أو فرض ضغوط شديدة عليها، وتلك الحالة الأخيرة هي الأكثر انتشارًا في الوقت الحالي داخل العديد من دول المنطقة، حيث تحولت وسائل الإعلام، على اختلافها، سواء كانت تقليدية أم حديثة تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، إلى منصات هجوم بين الدولة المركزية وأقلياتها المختلفة، لا سيما إذا ما صنفت من القوى المعارضة، أو المُطالِبة بالانفصال، أو التي تتبنى مطالب فيدرالية.

ورغم أن أغلب دول المنطقة ذات التركيب الديمغرافي الإثني والعرقي المتنوع سمحت بوجود وسائل إعلام خاصة بهذه الأقليات، أو عملت هي على تأسيس وسائل إعلام تختص بشئونها؛ فإن تقييد إعلام الأقليات يمثل النمط السائد في هذه الدول، وذلك لاعتبارات عديدة، ربما يتمثل أهمها في تصاعد دور الإعلام في القضايا السياسية والخلافية بين الدولة المركزية وأقلياتها، وتحوله، أو تحويله، إلى أداة صراعية بين الطرفين، الأمر الذي يزيد من حالة الاستقطاب بينهما، ويؤدي في النهاية إلى تقييد أو إغلاق وسائل الإعلام التابعة للأقليات من قبل الدولة.

توظيف متبادل:

 في ظل الدور المتنامي لوسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، واعتبار أن امتلاك وسائل إعلام خاصة يعد أحد مظاهر القوة، والقدرة على التأثير، حرصت الأقليات المختلفة في بعض دول المنطقة على إطلاق وسائل إعلام خاصة بها للتعبير عن مواقفها المتباينة، في بعض الأحيان، مع سياسات الدولة.

ورغم أن الإعلام يفترض أن يكون له دور في جسر الهوة بين الثقافات والديانات والمذاهب المختلفة داخل ‏المجتمع الواحد، فإن نمطًا من الصراع قد اتخذ من وسائل الإعلام ساحة له في بعض الدول، بين السلطات وبعض الأقليات التي تتبنى مطالب مثل توسيع هامش الحريات والمساواة ورفع مستوى المعيشة وتطوير البنية التحتية.

وفي هذا الإطار، تتعدد أهداف إطلاق ‏وسائل إعلام خاصة بالأقليات المختلفة، وذلك حسب الجهة التي تقوم بإطلاقها، ففي حالة امتلاك الدولة لهذا النوع من الإعلام، تبرز أهداف مثل التواصل بشكل أفضل مع الأقليات، لا سيما في حالة ما إذا كانت تتواجد في المناطق الحدودية، وتكريس نفوذها الناعم على مجمل أراضيها، فيما يبرز هدف مهم آخر يتمثل في إدماج هذه الأقليات واستيعاب مطالبها، لا سيما وأنها عادةً ما تكون متحكمة في المحتوى الإعلامي المقدم، وبالتالي تُظهر انسجامًا بين هذه الأقليات والدولة المركزية، وتعمل على التعتيم على القضايا الخلافية بين الطرفين، وفي هذه الحالة يغيب الدور الحقيقي لإعلام الأقليات، الأمر الذي يدفع الأخيرة إلى امتلاك وسائل إعلام خاصة بها مستقلة وبعيدة عن سيطرة الدولة.

 وفي كثير من الأحيان يتم استخدام وسائل الإعلام المملوكة للأقليات كمنصات للهجوم على الدولة إذا ما كانت على خلاف معها، وهو نمط تشير إليه نماذج الإعلام التابع للأكراد في إيران وتركيا، والإعلام التابع للأورومو في إثيوبيا، على سبيل المثال، في حين أن أنماطًا أخرى لإعلام الأقليات لا تعبر بالضرورة عن خلاف مع الدولة، وهو نمط يظهر على سبيل المثال في الإعلام الأمازيغي في المغرب.

نماذج متعددة:

تبرز عدة نماذج توضح كيف يمكن للإعلام أن يكون أحد أدوات الصراع بين الدولة المركزية والأقليات، ومن أهم هذه النماذج:

1- استهداف عقابي: رغم مساحة الانتشار الذي تستخدم فيه اللغة الكردية في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة في تركيا، وكذلك مساحة تواجد الأكراد في الدراما التركية، إلا أن محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو 2016، دفعت الدولة إلى اتخاذ إجراءات عديدة لتقييد الإعلام التركي بشكل خاص والإعلام المعارض بشكل عام، وفي مقدمته الإعلام الخاص بالأكراد، والأحزاب الكردية المختلفة، وكذلك وسائل الإعلام المؤيدة للأكراد. وقد كانت الصحف العلمانية والتابعة للأكراد الأكثر تضررًا من بين وسائل الإعلام التركية التي اختفى منها ما يقرب من 170 وسيلة إعلامية مختلفة، بحسب بعض التقديرات، الأمر الذي ساهم في حلول تركيا في المرتبة 151 بين 180 دولة تضمها قائمة "مؤشر حرية الصحافة" السنوي الذي تصدره منظمة "صحفيون بلا حدود"، وذلك في تقريرها الأخير الصادر عام 2016.

 لكن لا يمكن اعتبار أن محاولة الانقلاب الفاشلة كانت السبب الوحيد في تعرض الإعلام الكردي في تركيا لممارسات قمعية من قبل السلطات، حيث تفرض قيود شديدة على وسائل الإعلام الكردية، لا سيما المقروءة منها، كما يتعرض الصحفيون الأكراد للاعتقال بشكل مكثف بتهم تتركز حول تورطهم في دعم حزب العمال الكردستاني، أو القيام بدعاية له.

2- تقييد ممنهج: تعتبر الأورومو في إثيوبيا من أكثر القوميات خلافًا مع الدولة، حيث تعرضت في أكثر من مناسبة لقمع من قبل السلطات بسبب الاحتجاجات المتتالية على الأوضاع الاقتصادية، وتجاهل الدولة لمطالبها، وقد عمدت الأورومو إلى امتلاك وسائل إعلامية مختلفة خاصة بها، تتعدد بين قنوات تلفزيونية وصحف وإذاعات ومواقع إلكترونية، كما تنشط على صفحات التواصل الاجتماعي. 

 وقد أعلن المكتب الإعلامي لجبهة الأورومو، في 7 فبراير 2009، عن إطلاق أول قناتين تلفزيونيتين بثلاث لغات محلية، هي الأورومية والأمهرية والصومالية، تبث الأولى من أداما، والثانية من أديس أبابا، وقد تعرضت القناتان منذ إطلاقهما لتضييقٍ من قبل الحكومة الإثيوبية أكثر من مرة.

 وفي مواجهة ذلك لجأت الجبهة إلى بث قنواتها من خلال موقع "يوتيوب"، مثل قناة "BilisummaaTV Oromia"، كما تبث الجبهة أكثر من محطة إذاعية من خلال الإنترنت، مثل إذاعة "Radio Hegeree Oromia" الناطقة بالإنجليزية، وإذاعة "مستقبل أوروميا للأخبار عربي RHO". 

 ويمكن القول إن القنوات التلفزيونية والإذاعية الأورومية قد لجأت في فترات كثيرة إلى البث من الخارج، نظرًا لتشويش الأجهزة الأمنية الإثيوبية عليها، كما أنها تعتمد بشكل أساسي على ما ينشره النشطاء على موقعي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" من صور وأخبار، لا سيما خلال فترة الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها إثيوبيا بين الجبهة والسلطات، والتي فرضت تداعيات مباشرة على وسائل الإعلام التي تملكها داخل إثيوبيا، فيما تجدر الإشارة إلى أن أكثر من صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" نشطة، وبصفة خاصة خلال الفترة القصيرة الماضية، على الأرجح من خارج البلاد، وتهتم بالتركيز على أوضاع إقليم أوروميا، بشكل عام، والقمع الممارس ضد سكانه من قبل الحكومة الإثيوبية على وجه الخصوص باللغتين العربية والإنجليزية، مثل صفحات"Oromia Region"، ومنصة أوروميا الإعلامية ‏"Oromia Media Platform"، إلى جانب مجلة إلكترونية اقتصادية تحمل اسم "Oromian‏ ‏Economist" تهتم بتقديم تحليلات اقتصادية عن وضع الإقليم، وإثيوبيا بشكل خاص، وإفريقيا بشكل عام.

3- سياسة مزدوجة: رغم كون إيران إحدى الدول التي اهتمت بما يمكن تسميته بالإعلام المناطقي، من خلال إطلاق التلفزيون الرسمي للبلاد لقنوات محلية تبث من داخل الأقاليم الإيرانية المختلفة، وتعبر هذه القنوات عن الإقليم الخاص بها، مما أتاح للقوميات والأقليات المختلفة التعبير عن مواقفها إعلاميًّا، حيث تمتلك إيران 37 قناة تلفزيونية مناطقية، ‏إلا أن ذلك لم يساهم في جسر الهوة بين الأقليات والقوميات الإيرانية وبين الدولة المركزية، لا سيما وأن الإعلام الرسمي قد انخرط أكثر من مرة في حالة الاستقطاب التي يعاني منها المجتمع، وتناول الأقليات والقوميات في أكثر من مناسبة بقدر من الاستخفاف والاستهزاء، ربما كان آخرها خلال عام 2015، عندما اتهم أحد البرامج التلفزيونية الآذاريين بـ"عدم النظافة"، حيث نشر على شاشة التلفزيون رسمًا كاريكاتيريًّا يحمل هذا المعنى، مما أدى إلى قيام مظاهرات في المناطق التي يقطنها الآذاريون.

   كما تفرض السلطات الإيرانية قيودًا شديدة على وسائل الإعلام الخاصة بالقوميات والأقليات، لا سيما تلك المعارضة للنظام، والتي توجه انتقادات مستمرة لأوضاعها وحرياتها، مثل القوميتين الكردية والعربية، والأقليات السنية والبهائية، حيث تخضع وسائل الإعلام الخاصة بها لقيود متصاعدة، لا سيما في ظل فترات الأزمات والاضطرابات، وتصدر قرارات بإغلاق صحفها، ويتعرض الصحفيون العاملون فيها للاعتقال، فيما تصنف إيران في مرتبة متأخرة ضمن قوائم المنظمات الدولية المعنية بحرية الإعلام والصحافة، ومن أهمها تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود" الذي وضعها في المرتبة 169 من أصل 180 في التقرير الأخير الصادر عام 2016.

 وفي النهاية، يمكن القول إن الإعلام الخاص بالأقليات الذي يعد من أعقد أنماط الإعلام نظرًا لأهداف إطلاقه المتعددة والمختلفة حسب الجهة المالكة له، سيظل -على الأرجح- محل جدل خلال الفترة المقبلة في ضوء تصاعد حدة الاستقطاب والاضطرابات داخل بعض دول المنطقة، والتي عادةً ما تلجأ فيها الأجهزة المختصة إلى تبني سياسة متشددة في التعامل مع هذا النمط من الإعلام.