أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الشروق:

قانون العلاقات الخارجية الصينى.. والعقوبات الأمريكية

12 يوليو، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا حول أسباب تمرير الصين قانون العلاقات الخارجية والذى يعد الأول من نوعه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وانعكاس ذلك على علاقات بكين مع الدول الأخرى، والاقتصاد الصينى... نعرض من المقال ما يلى:

اعتمدت الصين، فى 28 يونيو 2023، قانون العلاقات الخارجية، بموجب المرسوم الرئاسى رقم 7، الذى وقعه الرئيس الصينى شى جين بينج. ويتكون القانون الجديد من خمس وأربعين مادة مُقسّمة على ستة فصول. ودخل حيز التنفيذ فى مطلع يوليو الحالى. ويُعد القانون الأول من نوعه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية فى عام 1949.

هناك العديد من الأسباب التى دفعت الصين لتمرير هذا القانون، يمكن توضيح أبرزها فى النقاط التالية:

1 ــ تأسيس آلية قانونية لتجنب العقوبات: ترغب بكين فى امتلاك إطار قانونى للرد على أى إجراءات معادية قد تتجه دول، أو تكتلات دولية بعينها إلى فرضها على الصين، وهو ما يتضح من تصريح مدير مكتب لجنة الشئون الخارجية باللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى، وانغ يى، فى 29 يونيو 2023، بأن «اعتماد قانون جديد فى الصين بشأن العلاقات الخارجية يوفر للبلاد أداة لدرء العقوبات وغيرها من الإجراءات التى تُعد معادية»، وهو ما يمكن تفسيره بأنه محاولة استباقية من جانب بكين لردع الولايات المتحدة عن التفكير فى توظيف سلاح العقوبات ضدها فى حالة وجود تعارض فى المصالح بين الطرفين.

2 ــ مواجهة الحصار الأمريكى: تسعى الصين من وراء إصدار القانون إلى مواجهة المحاولات الغربية عموما والأمريكية خصوصا، لاحتوائها وإعاقة تنميتها، وذلك عبر إصدار تشريع يحمى سيادتها الوطنية وأمنها ومصالحها التنموية، كما أشار وانغ يى، مُضيفا أنه سيوفر للصين «قاعدة قانونية» للتصدى «لإجراءات الاحتواء والتدخل والعقوبات وأى عمل ضار بالمصالح الصينية».

يحتوى القانون على ستة فصول، تتضمن 45 مادة، ويمكن توضيح أبرز مضامينه فى النقاط التالية:

1 ــ الالتزام بمبادئ التعايش السلمى: يحدد الفصل الأول الغايات الكبرى للقانون الجديد، وهى تطوير العلاقات الخارجية للصين، وحماية السيادة الوطنية والأمن والمصالح والتنمية، كما أكد التزام الصين بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمى وهى: الاحترام المتبادل للسيادة، وسلامة الأراضى، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، والمنفعة المتبادلة القائمة على المساواة. هذا إلى جانب تأكيد التزام الصين بـ«مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة« والتسوية السلمية للنزاعات الدولية، ومعارضة استخدام القوة أو التهديد باستخدامها فى العلاقات الدولية، ومعارضة سياسة الهيمنة.

2 ــ تحديد الجهات الفاعلة: توضح مواد الفصل الثانى مهام وصلاحيات الجهات ذات العلاقات بالشئون الخارجية، وفى مقدمتها الإدارة المركزية للشئون الخارجية، والمعنية بصنع القرار وتنسيق الشئون الخارجية، بالإضافة إلى المجلس الوطنى لنواب الشعب ولجنته الدائمة واللذيْن يتوليان المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات المبرمة مع الدول الأجنبية وإلغاءها. كما يقوم رئيس الجمهورية بتسيير شئون الدولة وممارسة المهام والصلاحيات المنصوص عليها فى الدستور فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية.

ويتولى مجلس الدولة للشئون الخارجية، إبرام المعاهدات والاتفاقيات مع الدول الأجنبية. وفى المجال العسكرى، تنظم وتدير اللجنة المركزية العسكرية التبادل والتعاون العسكرى الدولى، فى حين يكون دور وزارة الخارجية تنظيم الشئون الدبلوماسية وفقا للقانون، وتتولى مهام إجراء التبادلات الدبلوماسية بين قادة الحزب والدولة وقادة الدول الأجنبية.

3 ــ تأكيد التعددية القطبية: يؤكد الفصل الثالث تبنى الصين لمبدأ التعددية القطبية كمبدأ حاكم للعلاقات الخارجية، واعتزامها الحفاظ على ممارسة التعددية، والمشاركة فى إصلاح وبناء نظام الحوكمة العالمى، وهو ما يتعارض فى مضمونه مع موقف الولايات المتحدة الذى يرتكز على الحفاظ على الهيمنة العالمية. وتشير الصين فى هذا الإطار إلى مشروع الحزام والطريق، الذى أطلقه الرئيس الصينى فى 2013، وتراه واشنطن محاولة صينية لتعزيز نفوذها الاقتصادى، ثم العسكرى، حول العالم.

كما تُشير مواد هذا الفصل أيضا إلى دور الصين الدولى فى العمل على الحد من التسلح، وحظر جميع أشكال أنشطة انتشار أسلحة الدمار الشامل، والمساهمة فى التعاون والمساعدات للدول النامية، لتعزيز التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعى، وهى كلها مبادئ تهدف من خلالها الصين إلى تأكيد أنها فاعل دولى مسئول يسعى إلى تحقيق الاستقرار العالمى، ومن ثم الرد على الاتهامات الأمريكية بأنها تسعى إلى تقويض «النظام الدولى القائم على المبادئ»، والذى تقصد به واشنطن تحدى هيمنتها على النظام الدولى.

4 ــ توضيح النظام القانونى للعلاقات الخارجية: يُشير الفصل الرابع إلى كيفية إبرام بكين المعاهدات والاتفاقيات أو المشاركة فيها وفقا للدستور والقوانين، غير أن الجانب المهم فى هذا الفصل هو تأكيد أحقية الصين فى اتخاذ التدابير المضادة والتقييدية للأفعال التى تنتهك القانون الدولى والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية وتُعرض سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية للخطر، أى أنه سيكون من حق الصين اتخاذ تدابير مضادة، أى أنها لن تكون البادئة بفرض العقوبات على الأشخاص والدول، وإنما ستقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة ردا على تعرضها لعقوبات من دول أخرى.

ومن جهة أخرى، يؤكد الفصل تطوير الصين لعلاقاتها الدبلوماسية مع جميع دول العالم على أساس مبدأ الصين الواحدة، أى التسليم بسيادة الصين على تايوان، وهو ما يُمثل ردا على المحاولات الأمريكية الرامية إلى تعزيز استقلالية تايوان عن الصين. وفى المقابل، يؤكد القانون سلامة وأمن الأجانب والمنظمات الأجنبية فى الصين بوجوب الالتزام بالقوانين الصينية وعدم تعريض الأمن القومى للصين للخطر أو الإضرار بالمصالح العامة أو الإخلال بالنظام العام.

هناك العديد من الانعكاسات المحتملة على إقرار الصين للقانون الجديد الذى يحدد طبيعة تفاعلاتها مع دول العالم، يمكن توضيح أبرزها فى النقاط التالية:

1 ــ توضيح أسس الدبلوماسية الصينية: يؤشر قيام الصين بتمرير قانون حاكم لعلاقاتها الخارجية للمرة الأولى فى تاريخها إلى رغبة بكين فى إرسال رسالة للدول الأخرى بضرورة الالتزام بما يتضمنه هذا القانون من مبادئ ومرتكزات للعلاقات بين الجانبين. وبما أن قانون العلاقات الخارجية الجديد يُعد المرجعية الرئيسية لعلاقات الصين مع دول العالم، فإنه من المتوقع أن تقوم هذه الدول بمراجعة علاقاتها مع الصين، بحيث ترتكز على ذات الأسس والمبادئ التى يؤكدها القانون الجديد.

2 ــ تحدى الهيمنة الأمريكية: يلاحظ أن القانون الجديد يتيح للصين إمكانية التعامل بالمثل مع الولايات المتحدة، فيما يتعلق بمسألة فرض العقوبات، انطلاقا من وجود أساس قانونى واضح بهذا الصدد، وهو ما قد يجعل واشنطن تفكر بمنطق حسابات المكسب والخسارة، قبل إقدامها على فرض أية عقوبات جديدة ضد بكين، لأنها ستواجه فى مثل هذه الحالة برد صينى مماثل، وهو ما يعنى إصرار الصين على تحدى السياسات الأمريكية المناوئة لها، وبالتالى التأثير فى استمرار هيمنتها على النظام الدولى الراهن.

وتجدر الإشارة إلى أنه سبق وأن فرضت بكين عقوبات على شركات أمريكية لتهديد مصالحها، وذلك قبل القانون الأخير، وهو ما تجلى فى فرض العقوبات على شركتى «لوكهيد مارتن» و«رايثيون تكنولوجيز» الأمريكيتين، فى فبراير 2022، لبيعهما أسلحة إلى تايوان.

3 ــ تأثيرات محتملة فى الاقتصاد الصينى: تُشير تقديرات غربية إلى أن أحد التداعيات المُحتملة للقانون الصينى الجديد هو التأثير فى وضع الصين الاقتصادى، ولاسيما من حيث جذب الاستثمارات الخارجية، إذ من المتوقع أن يُثير هذا القانون مخاوف الشركات الأجنبية بشأن إمكانية تعرضها لإجراءات عقابية من جانب السلطات الصينية فى حالة إقدام الدول التى تنتمى إليها هذه الشركات على فرض عقوبات على الصين.

فى المجمل، يمكن القول إن قيام الصين بإصدار قانون جديد لإدارة علاقاتها الخارجية مع دول العالم، يُعد تحولا استراتيجيا مهما، لاسيما فيما يتصل بكيفية مواجهة السياسات والإجراءات الأحادية الأمريكية، وخاصة ذات الطابع العقابى، وهو ما يتوقع معه قيام بكين بتوظيف الأداة القانونية كآلية جديدة للرد على أية عقوبات قد تستهدفها مستقبلا، مما يجعل الغرب عموما، وواشنطن خصوصا، يفكر بجدية فى عواقب أية عقوبات يفرضها على الصين، لأن الأخيرة باتت تتبنى سياسة جديدة تقوم على التعامل بندية مع واشنطن، وهو ما يعنى أن المرحلة المقبلة يتوقع أن تشهد تصاعدا فى التوتر فى العلاقات بين الجانبين

*لينك المقال في الشروق*