أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

مغزى التوقيت :

دلالات استعداد الحرس الثوري الإيراني لإطلاق قمر صناعي جديد

29 يوليو، 2022


أعلن قائد القوة الجوفضائية التابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني، العميد أمير علي حاجي زاده، خلال مهرجان "مالك الأشتر"، في 24 يوليو الجاري، استعداد بلاده لإطلاق قمر صناعي جديد إلى مدار الأرض باستخدام الصاروخ "قائم"، خلال هذا العام. 

ويأتي هذا بعد إعلان الحرس الثوري، في 8 مارس الماضي، أنه وضع قمراً صناعياً عسكرياً في المدار باسم "نور – 2"، والذي حمله إلى الفضاء صاروخ "قاصد"، ويُعد "نور – 2" نسخة مطوّرة من القمر "نور – 1"، باعتباره أول تجربة إطلاق أقمار اصطناعية لدى حرس الثورة، والذي يستقر في المدار على بعد 350 كلم من سطح الأرض.

دلالات متعددة: 

يمكن القول إن ثمة دلالات مهمة يمكن الوقوف عليها بعد هذا الكشف من قبل الحرس الثوري الإيراني، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

1- التصعيد في مواجهة الضغوط الغربية: أتى هذا الإعلان من جانب إيران بعد أيام من الزيارة التي أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة في يوليو 2022، والتي مثلت مواجهة تهديدات إيران إحدى أهدافها الرئيسية، وهو ما وضح في اتفاق الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، في "إعلان القدس"، الذي تم التوقيع عليه خلال زيارة بايدن لإسرائيل، على منع إيران من حيازة السلاح النووي، ومواجهة أنشطتها الإقليمية الخبيثة.

كما تعهد بايدن خلال "قمة جدة للأمن والتنمية"، والتي شارك فيها قادة دول الخليج ومصر والعراق والأردن، على الوقوف إلى جانب الحلفاء والأصدقاء في المنطقة في مواجهة سلوك إيران المزعزع لأمنهم واستقرارهم. وعلى الرغم من رفض دول الخليج العربية الانضمام إلى تحالف أمريكي مقترح مع إسرائيل ضد إيران، فإن جمود المفاوضات النووية استمرت قائمة. 

وسعت إيران لمواصلة التصعيد ضد واشنطن من خلال الإعلان عن هذه التجربة، خاصة أن التجارب الصاروخية الإيرانية ما هي إلا غطاء لتطوير صواريخ عابرة للقارات يمكنها حمل رؤوس حربية نووية مستقبلاً، وهو ما يمثل خرقاً واضحاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 بمنع إيران من مثل تلك الأنشطة. 

كما يتزامن ذلك مع تصعيد إيران على المستويين النووي والعسكري، فقد أعلن رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي، في 25 يوليو الجاري، عدم تشغيل كاميرات المراقبة الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو التصعيد الذي أتي بعد يومين من تحذير مدير عام الوكالة الدولية رفائيل جروسي بأن البرنامج النووي الإيراني يتقدم بسرعة، وأن دور الوكالة في الرقابة على أنشطة إيران النووية أضحى محدوداً للغاية، وهو ما يعني أن الوكالة لم تعد قادرة على تحديد حجم التطور في البرنامج النووي الإيراني

وأكد كمال خرازي، أحد كبار مستشاري المرشد الإيراني بأن طهران لديها القدرة الفنية لصناعة قنبلة نووية، لكنه استدرك مؤكداً أن إيران لم تتخذ قراراً بعد لتنفيذ ذلك، وهو ما يؤشر على رغبة طهران في الضغط على واشنطن لإحياء الاتفاق النووي بالشروط الإيرانية، أو الحفاظ على الوضع الراهن، أي استمرار جمود المفاوضات النووية بالتزامن مع تطوير طهران لقدراتها في هذا المجال. 

وعسكرياً، كشفت طهران عن وحدة بحرية مُكونة من سفن وغواصات يمكنها نقل وإطلاق طرازات الطائرات المُسيّرة كافة، هذا فضلاً عن زعم القوة البحرية للحرس الثوري الإيراني بامتلاكها قوارب جديدة سريعة يمكنها التخفي من الرادارات التي تستخدمها السفن الحربية الأمريكية والبريطانية في مياه الخليج، وهو ما يمثل خطراً على تلك السفن لاحتمالية شنّها عمليات هجومية ضدها.

2- تغطية فشل التجارب السابقة: جاء تلك التصريحات من جانب طهران في أعقاب الكشف عن فشل الإطلاق الثاني للتجربة الصاروخية لناقل الأقمار الصناعية "ذو الجناح" في 13 يوليو 2022، بعد وقت قصير من إطلاقه، فضلاً عن إخفاق الصاروخ سيمرج في إطلاق ثلاث شحنات بحثية في مدار الأرض في ديسمبر 2021، ومن ثم تسعى طهران لتأكيد أنها سوف تواصل محاولاتها لتجاوز هذه الإخفاقات.

3- استيعاب إخفاقات الحرس: يحاول الحرس الثوري الإيراني إيصال رسائل للداخل والخارج بأنه تجاوز الأزمة التي تعرض لها مؤخراً جراء اغتيال عدد من قادة وعناصر الحرس داخل إيران، وعلى رأسهم قائد الفرقة 840 المسؤولة عن عمليات الاغتيالات الخارجية، العقيد حسن صياد خدائي، والذي أعقبه زميله بنفس الوحدة العقيد إسماعيل زاده، بالإضافة إلى عناصر أخرى. 

وكان من الواضح أن هناك تقصيراً كبيراً في أداء الأجهزة الأمنية الإيرانية، وهو ما وضح في إقالة كبار القادة بالحرس، مثل رئيس استخبارات الحرس الثوري حسين طائي وقائد فليق حماية المرشد الأعلى محمد كاظمي.

وفي سوريا، تلقى الحرس صفعات قوية تمثلت في الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع ومخازن أسلحة ومعدات تابعة له وللميليشيات المرتبطة به في سوريا، وهي أمور تزعزع من مكانة ومصداقية الحرس الثوري داخلياً وخارجياً، ما دفعه إلى تبني إنجاز جديد يسهم في الحد من تراجع الثقة فيه.

سياقات ضاغطة: 

يمكن القول إن ثمة عوامل دولية وإقليمية تتزامن مع هذا التصعيد المُحتمل تمثل ضغطاً على طهران، ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:  

1- تعثر المفاوضات النووية: أتى ذلك الإعلان من جانب إيران، في الوقت الذي تبعث فيه واشنطن إشارات سلبية بشأن جدية إيران في العودة إلى الاتفاق النووي الموقع في 2015، وذلك على خلفية فشل جولة المباحثات التي عُقدت في الدوحة، بسبب فرض إيران لشروط جديدة، وقد حذرت واشنطن في ضوء ذلك من زيادة الضغط على طهران في حال استمر سلوكها المتعنت في المفاوضات، وهو ما تم بالفعل في فرض عقوبات على شبكة تضم أفراداً وكيانات تقوم بعمليات تسهيل بيع المنتجات النفطية الإيرانية إلى الأسواق الآسيوية.

وتسعى إيران، في هذا السياق، إلى تأكيد استعدادها لتصاعد حدة التوتر التي قد تنشب على خلفية فشل المفاوضات مع الغرب، كما تحاول إفراغ الضغوط التي يفرضها الأخير عليها من مضمونها لإجبارها على تقديم تنازلات، وهو ما أكده متحدث الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، بأن طهران لن تتسرع في المباحثات الهادفة لإحياء الاتفاق بشأن برنامجها النووي رغم الضغوط الغربية. وما يساعدها على ذلك تردد واشنطن في وضع سقف زمني للمفاوضات، حتى لا تضطر إلى إعلان فشلها، والنظر في تدابير بديلة. 

2- تزايد التهديدات الإسرائيلية: يكرر القادة السياسيون والعسكريون في إيران التأكيد على التعامل بحرية لإبطاء برنامج إيران النووي ومواجهة تهديداتها في المنطقة، حيث تكثف تل أبيب من ضرباتها التي تستهدف بها إيران في إطار ما يُعرف بـ"عقيدة الأخطبوط"، والتي تعني استهداف إيران بشكل مباشر إلى جانب استهداف أذرعها في المنطقة. 

وأعلنت وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية، بعد يوم واحد من الإعلان عن الاستعداد لإطلاق قمر صناعي باستخدام الناقل "قائم"، توقيف عناصر مرتبطة بالموساد على الحدود الغربية مع إقليم كردستان، بدعوى محاولة تفجير إحدى المنشآت النووية بمحافظة أصفهان، والتي تضم مواقع نووية وعسكرية مهمة، على رأسها منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم.

وجاء هذا التطور بعد أيام من تداول أنباء حول استجواب عملاء جهاز الموساد لمسؤول بارز في الحرس الثوري الإيراني يدعى يد الله خدمتي، والذي اعترف بالمشاركة في نقل أسلحة من إيران إلى ميليشياتها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وهو ما يُدلل على استمرار الانكشاف الأمني الإيراني أمام محاولات الاختراق الإسرائيلية المتكررة.

هذا إلى جانب مواصلة إسرائيل استهداف الوجود الإيراني في سوريا، حيث قامت بشن غارة استهدفت مستودع تابع لقوات الحرس الثوري الإيراني في مجمع العقيد هيثم سليمان الذي بناه الإيرانيون في بلدة الحجيرة جنوب دمشق، بالإضافة إلى مصنع للطائرات المسيرة في الست زينب، وهي منطقة تُعرف بأنها معقلاً للإيرانيين، وقد أسفرت الغارة عن مقتل ما لا يقل عن 10 منهم.

3- محاولات التقارب مع السعودية: تبادلت كل من طهران والرياض الإشارت الإيجابية عقب قمة جدة، والتي أعلن فيها ولي العهد السعودي أن يده ممدودة للتعاون مع إيران، والتي وصفها بالدولة الجارة، وهو التصريح الذي لاقى ترحيباً من الجانب الإيراني. ولفت وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في هذا الصدد، إلى جولة مُحتملة من المباحثات بين الجانبين الإيراني والسعودي ستعقد قريباً على مستوى دبلوماسي علني في بغداد.

ويبدو أن إيران تسعى من هذه التجارب الصاروخية تعزيز موقفها التفاوضي، وتقليص أي تنازلات يمكن أن تقدمها، غير أن ذلك سوف يؤدي إلى وضع العراقيل أمام أي محاولة للتقارب الحقيقي مع السعودية، أو دول المنطقة، والتي تشترط ضرورة وقف إيران لتهديداتها.

وفي التقدير، فإن كشف إيران عن إجراء تجربة صاروخية في هذا التوقيت تُدلل على اتجاهها لتبني إجراءات تصعيدية خلال الفترة المقبلة، لاسيما في الوقت الذي تتعثر فيه المفاوضات النووية، إلا أن هذا المسعى سوف يقابل بتصعيد إسرائيلي ضد إيران وأذرعها في المنطقة، كما أنه يضع العقبات أمام تحسين طهران علاقاتها مع دول الجوار، خاصة إذا ما استمرت إيران في سياستها التصعيدية، نووياً وعسكرياً.