أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

قواعد جديدة!

أبعاد استهداف ناقلة نفط إسرائيلية في بحر العرب

05 أغسطس، 2021


استهدفت إيران ناقلة النفط "ميرسر ستريت" شمال بحر العرب قبالة ميناء الدقم العُماني، الجمعة 30 يوليو الماضي، والتي كانت في طريقها من "دار السلام" بتنزانيا إلى الفجيرة بالإمارات، الأمر الذي أسفر عن مقتل اثنين من طاقم السفينة، أحدهما بريطاني والآخر روماني.

وتم الهجوم على السفينة الإسرائيلية بواسطة طائرة مسيَّرة أو أكثر، حيث جاء الهجوم على دفعتين، الأولى قصف الناقلة بصواريخ تحملها طائرة مسيَّرة عادية، وعندما كانت الخسائر طفيفة، جرى إرسال مسيَّرة انتحارية أكبر ضربت مهاجع طاقم السفينة، بهدف إحداث خسائر بشرية، وهو ما أسفر فعلياً عن مقتل بريطاني وآخر روماني.

وتتبع الناقلة النفطية شركة "زودتاك مارتيام"، ومقرها لندن، وهي جزء من شركة "زودياك" المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر، ويمثل هذا الحادث الثاني من نوعه خلال يوليو الماضي، حيث كان الهجوم الأول في 3 يوليو الماضي، حين تم استهداف السفينة التجارية التي تحمل اسم "كاساف تيندال" (Csav Tyndall)، ويملكها الإسرائيلي إيال عوفر أيضاً.

مواقف الأطراف الرئيسية:

تمثلت أبرز مواقف الأطراف المعنية في التالي: 

1- اتهام إسرائيلي مباشر: سارعت تل أبيب بتوجيه الاتهام لطهران بالضلوع في الهجوم على ناقلة النفط "ميرسر ستريت"، وذلك في ضوء تورطها في أحداث سابقة مشابهة، حيث حمَّل وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مسؤولية الهجوم لما وصفه بـ"الإرهاب الإيراني"، متوعداً طهران برد قاسٍ.

كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، خلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته، أن إيران هي من نفّذت الهجوم الذي استهدف الناقلة، مشيراً إلى وجود "أدلة" استخباراتية على تورط إيران في الحادث، ومشدداً على أن "إسرائيل تعرف كيف تمرر لها الرسالة" في إشارة إلى إصرار إسرائيل على الانتقام من طهران. 

2- مواقف أمريكية وبريطانية داعمة: أكدت واشنطن، منذ الإعلان عن الحادث، أن الهجوم تم من خلال طائرة مسيَّرة واحدة على الأقل، الأمر الذي أعقبه تأكيد الخارجية الأمريكية أن إيران هي من تقف وراء الهجوم على ناقلة النفط الإسرائيلية، وتوعدت إيران بالرد المناسب والذي سيكون وشيكاً جداً.

ومن جانبها، أدانت الخارجية البريطانية الهجوم، وقالت إنه "من المرجح للغاية أن تكون إيران هي التي نفذت الهجوم"، مشيرة إلى وجود تعمد مدروس من قبل طهران لاستهداف الناقلة النفطية، محملة إياها عواقب ما قامت به. هذا وقد استدعت وزارتا الخارجية البريطانية والرومانية السفيرين الإيرانيين على خلفية الهجوم.

3- الإنكار الرسمي الإيراني: نفت الخارجية الإيرانية تورطها في الهجوم على الناقلة النفطية في بحر العرب، ووصفت الاتهامات بالباطلة، في حين ألمحت وسائل الإعلام الإيرانية إلى تورط إيران في الهجوم.



قواعد جديدة حاكمة:

كشف الهجوم الإيراني الأخير عن عدد من التحولات اللافتة، والتي يمكن توضيحها في التالي: 

1- الاعتراف الإيراني غير المباشر بالهجوم: على الرغم من نفي إيران رسمياً أي صلة بالهجوم على ناقلة "ميرسر ستريت"، فإن قناة "العالم" التابعة للحكومة الإيرانية نقلت عن مصادر، أن الهجوم على الناقلة جاء رداً على هجوم إسرائيل، الأسبوع الماضي، على مطار "الضبعة" السوري، في اعتراف إيراني ضمني عن المسؤولية في تنفيذ الهجوم، وهو ما يُدلل على رغبة طهران في إيصال رسالة للجانب الإسرائيلي بأنها قادرة على رد الضربات وإلحاق خسائر بإسرائيل.

2- تغير قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل: أشارت مصادر إيرانية إلى أن الهجوم على الناقلة "ميرسور ستريت"، جاءت رداً على الهجمات الإسرائيلية على مناطق نفوذ إيراني داخل سوريا، وتُدلل مؤشرات الحادثين على رغبة إيران في فرض معادلة جديدة للتصعيد بين الطرفين. 

وفي المقابل، فإن استهداف إسرائيل لقاعدة عسكرية تستخدمها إيران وجماعات موالية لها في القصير بسوريا، أدّى إلى مقتل أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني، وجرح أربعة من مُقاتلي "حزب الله" اللبناني، وذلك نتيجة لاستهداف الهجمات مهاجع المقاتلين، وليس فقط مخازن الأسلحة ومدارج الطائرات بمطار "الضبعة"، كما جرت العادة.

وارتبط التصعيد الإيراني برغبة الرئيس "إبراهيم رئيسي" فرض قواعد جديدة، تتعلق بسرعة الرد الإيراني على استهداف إسرائيل لوجودها في سوريا، وقدرتها على الرد ليس فقط في البر، وإنما أيضاً في البحر، وإحداث خسائر بشرية، وهو الأمر الذي كانت تتجنبه طهران من قبل في الهجوم على السفن الإسرائيلية.

3- توعد إسرائيلي برد قاسٍ على الهجوم: أعلنت إسرائيل، وعلى لسان كبار مسؤوليها، منذ وقوع الحادث، توعدها برد موجع انتقاماً لهذا الهجوم، وأشارت إلى أن الرد بات جاهزاً وينتظر ساعة الصفر لتنفيذه ضد أهداف إيرانية "مرصودة".

وعلى الرغم من تكرار الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، والتي وصلت لثلاث مرات خلال يوليو الماضي فقط، فإن الحكومة الإسرائيلية تعتزم الرد بشكل قاسٍ، خاصة مع حرص حكومة بينيت على ألا تبدو ضعيفة وغير حازمة في التعامل مع إيران أمام المعارضين في الداخل. 

ويدرس الجيش الإسرائيلي لائحة أهداف إيرانية لاختيار عدد منها لضربها، سواء من خلال قصف غير عادي لمواقع تمركز قواتها في سوريا، أو في عمق الأراضي الإيرانية، مشيرة إلى ثلاثة أهداف محتملة داخل إيران أولها أحد الموانئ الإيرانية وقد يكون مرفأ بندر عباس، وثانيها تدمير سفن قرب الشواطئ الإيرانية، وآخرها استهداف سفينة حربية إيرانية يعتقد أن المسيرات التي شنّت الهجوم انطلقت منها.

4- تدويل الأزمة مع إيران: حرصت إسرائيل منذ وقوع الحادث، على أن يكون هناك تحركاً دولياً ضد إيران، وليس تحركاً منفرداً من قبلها فقط، وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بأنه أعطى تعليمات للبعثات الدبلوماسية في واشنطن ولندن والأمم المتحدة للتحرك دبلوماسياً ضد إيران.

وتعهدت واشنطن، في المقابل، برد جماعي مع حلفائها على إيران، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن "إننا على اتصال وثيق وتنسيق مع المملكة المتحدة وإسرائيل ورومانيا ودول أخرى. وسيكون الرد جماعياً". وتكثف تل أبيب من الجهود في هذا الصدد، لرغبتها في تشكيل جبهة دولية ضد إيران لضمان فرض مزيد من الضغوط عليها.

السيناريوهات المتوقعة: 

يمكن القول إن أمام إسرائيل خيارين رئيسيين في التعامل مع التهديدات الإيرانية، والتي يمكن توضيحها في التالي: 

1- مسار التصعيد: يقوم هذا المسار على تنفيذ إسرائيل تهديداتها ضد إيران، بل والعمل على تعبئة المجتمع الدولي ضد إيران. ويستند هذا المسار على فرضيتين: الأولى تتعلق برغبة تل أبيب وواشنطن في منع إيران من الرد على الاستهداف الإسرائيلي للقوات الإيرانية في سوريا، والفرضية الثانية هي الرغبة في توجيه رسالة حازمة للرئيس الإيراني الجديد "إبراهيم رئيسي" بأن أي تصعيد إيراني سوف يقابله تصعيد إسرائيلي أكبر.

وفي هذا الإطار، قد تقوم إسرائيل بتصعيد عملياتها العسكرية في سوريا ضد إيران، أو شن هجمات تستهدف منشآت استراتيجية داخل إيران، أو اغتيال شخصيات إيرانية مؤثرة، أو هجمات سيبرانية ضد مرافق ومصالح إيرانية.

2- مسار التهدئة: يقوم هذا المسار على أساس إقناع واشنطن تل أبيب بضرورة التهدئة مقابل قيام واشنطن بفرض عقوبات جديدة على إيران، وممارسة مزيد من الضغوط عليها، بما يرتبه ذلك من تعديل سلوكها الإقليمي، وعودتها لمسار المفاوضات في فيينا، وإدراج بند يتعلق بمناقشة ملف تدخلات إيران الإقليمية لاحقاً أو الاتفاق على التفاوض عليها مستقبلاً. كما قد تتجه واشنطن لفرض عقوبات على برامج الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة لطهران.

وقدمت الحكومة الإسرائيلية شكوى لمجلس الأمن رسمياً ضد إيران، في محاولة لإقناع مجلس الأمن، ليس فقط بإدانة سلوك طهران، ولكن فرض عقوبات عليها. فقد أكد جلعاد أردان، السفير الإسرائيلي، على ضرورة أن يقوم مجلس الأمن بـ "اتخاذ كافة الوسائل المطلوبة من أجل محاسبة النظام الايراني بشكل كامل بسبب انتهاكاته المتكررة والخطيرة للقانون الدولي".

ولعل ما يضعف من فرص حدوث هذا السيناريو أنه من قراءة السلوك الإسرائيلي السابق، يتضح أنه من المستبعد أن تحجم إسرائيل عن الرد على إيران جراء استهداف مصالحها، لاسيما أن هذا الحادث يمثل بالون اختبار للحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نفتالي بينيت أمام الداخل الإسرائيلي والمعارضين في الليكود، حيث تؤكد حكومة بينيت على أنها تتبني النهج الثابت للحكومات الإسرائيلية في التعامل بحزم مع إيران.

3- مسار وسط: قد تتجه إسرائيل للجمع بين الإدانة الدبلوماسية لإيران وتنفيذ عمليات تخريبية ضد إيران، وإن في وقت لاحق، حتى لا يعيق ذلك جهودها الرامية إلى الحصول على دعم المجتمع الدولي لإدانة هجمات إيران، واتخاذ إجراءات ضدها، كما أنه في حالة تخاذل مجلس الأمن عن اتخاذ عقوبات ضد إيران، فإن إسرائيل سوف تجد المبرر لتنفيذ عمليات انتقامية ضد إيران. 

وفي الختام، فإن الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل في البحار المحيطة بالمنطقة أضحت أكثر خطورة، حيث تهدد بشكل مباشر حركة الملاحة والتجارة في المنطقة، فضلاً عن أمن واستقرار دولها، خاصة أنه يبدو أن حروب الظل بين إيران وإسرائيل سوف تستمر.

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط