أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

معضلة لبنان:

هل تستطيع الحكومة الجديدة إنقاذ الاقتصاد من أزماته؟

23 ديسمبر، 2019


يحمل رئيس الوزراء اللبناني المُكلَّف حسَّان دياب على عاتقه الكثير من الأعباء، والتي يأتي العبء الاقتصادي على رأسها، ولاسيما أن التظاهرات التي اندلعت ضد الحكومة السابقة - ومازالت في الشارع- قد خرجت لأسباب اقتصادية في الأساس، ومازالت هذه الأسباب قائمة. كما أن قرب دياب الواضح من ميليشيا حزب الله يجعل من مهمته الاقتصادية أكثر صعوبة، ففي الوقت الذي يُعوِّل فيه على الدعم المالي الخارجي في إنجاز مهامه الاقتصادية، إذ أنه تعهد بالفعل بتشكيل الحكومة سريعاً من أجل الفوز بدعم المستثمرين والمانحين الدوليين، فإن قربه من الحزب سيقف عقبة أمام جهوده للحصول على ذلك الدعم الخارجي.

أعباء ثقيلة:

سترث حكومة حسَّان دياب ديون حكومية تعادل 150% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يمثل معضلة معقدة بالنسبة لها، حتى أنها قد تقف عاجزة أمامها، بسبب عدم احتكامها على أدوات المواجهة والحل. فالاقتصاد يعاني هذه الفترة من قصور وشح في مصادر الدخل والإيرادات العامة، في ظل عجز كبير في كل من الموازنة العامة للدولة وميزان المعاملات الجارية؛ هذا بجانب أنه حتى إذا توافرت بعض الإيرادات بالنسبة للحكومة فإن خدمة الدين (الأقساط والفائدة) ستسحبها من يدها. إذ أن على لبنان، مثلاً، سداد ديون تبلغ 10.9 مليار دولار في عام 2020، وقد تتسبب الأزمات المالية التي تعرضت لها البلاد خلال الفترة الماضية في تعثرها في السداد، هذا ناهيك عن عدم قدرة الحكومة على القيام بواجباتها تجاه تصحيح المسار الاقتصادي للبلاد، لاسيما مع تراجع احتياطيات النقد الأجنبي إلى 28 مليار دولار وفق بنك جولدمان ساكس. 

بجانب ذلك، فقد تسببت مظاهر عدم الاستقرار السياسي خلال الفترة الأخيرة في تدهور قيمة الليرة التي فقدت نحو ثلث قيمتها الرسمية منذ بداية التظاهرات. ورغم أن محافظ مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، استبعد حدوث المزيد من التراجع في قيمتها، لكن استمرار المعطيات السياسية غير المستقرة، والظروف الاقتصادية غير المواتية، سيدفع العملة إلى المزيد من الخسائر بلا شك. كما قد يضطر المصرف المركزي إلى تغيير نظام سعر الصرف المعمول به، ولاسيما في حال عدم حدوث تطور إيجابي في تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى لبنان.

ولا يمكن في هذا الإطار إغفال التطور السلبي الذي يشهده حجم الودائع البنكية في الجهاز المصرفي، وخاصة الودائع الأجنبية، والتي أظهرت بيانات المصرف المركزي تراجعها بشكل لافت خلال عام 2019، حتى أنها فقدت نحو 5.2% من حجمها خلال الشهور العشرة الأولى من هذا العام، وهو ما يمثل أحد جوانب الأزمة المالية التي يعيشها الاقتصاد، كونها تعطي مؤشراً على فقدان الجهاز المصرفي الثقة في الأوساط الدولية. ويزداد الأمر وضوحاً في ظل القيود التي فرضتها السلطات النقدية على حركة رؤوس الأموال إلى الخارج خلال الفترة الماضية، سواءً كانت أموالاً مملوكة للبنانيين أو لأجانب، فهى إن كانت سعت بهذه الخطوة إلى التقليل من وطأة خروج رؤوس الأموال من الاقتصاد، إلا أن هذا الإجراء أظهر مدى الضعف الذي يعانيه القطاع المصرفي، الذي يفقد الثقة رويداً رويداً لدى المتعاملين.

الخيارات والقيود:

تشير هذه المعطيات إلى أن الحكومة المرتقبة برئاسة حسَّان دياب ستعاني ضيق اليد في مواجهة احتياجات وضرورات الإنفاق، من أجل الوفاء بالالتزامات المتعلقة بإخراج الاقتصاد من أزماته الثقيلة والمعقدة. إذ في الوقت الذي تحتاج فيه الحكومة الكثير من الأموال للإنفاق على المشروعات الكبرى والخدمات العامة وتوفير فرص العمل للمواطنين ودعم الفقراء، كما أنها مطالبة بسداد الديون أيضاً، فإنها تعاني في المقابل قصوراً في موارد التمويل المحلي، سواء تعلق الأمر بالإيرادات العامة أو الاقتراض من مصادر التمويل المحلية، فهى لا تستطيع فرض المزيد من الضرائب من أجل زيادة الإيرادات، كما أنها لن تكون قادرة على الاقتراض بما يكفيها من النظام المصرفي الوطني.

وفي مثل هذه الظروف، فإن الحكومة ستبحث عن احتياجاتها التمويلية في الخارج، سواءً كان ذلك من خلال الحصول على الدعم والمنح المالية من الدول الصديقة، أو عبر الاقتراض من أسواق الدين الخارجية. لكن هذا الخيار سيُقابل بقيود وعقبات أيضاً، لاسيما أن لبنان تعاني تراجعاً كبيراً في ثقة المؤسسات الدولية في قدراتها المالية والائتمانية، نظراً لأدائها الاقتصادي الضعيف منذ فترة، وعجزها المالي العميق والمعقد، بجانب ثقل عبء الدين الحكومي القائم. وبالتالي فإن حصولها على المزيد من القروض لن يكون بالأمر السهل، ولن يحدث ذلك قبل أن تتمكن الحكومة الجديدة من تبني الإصلاحات اللازمة لضمان خروج الاقتصاد، ولو نسبياً، من حالة الركود التي يعانيها.

وعلى مستوى قدرة لبنان على الحصول على الدعم أو المنح من الدول الأخرى، فإن هذا الأمر كذلك ليس سهلاً. فرغم أن لبنان حصلت على تعهدات بحزم دعم ومنح تزيد عن 11 مليار دولار، على هامش مؤتمر دولي انعقد عام 2018 لهذا الغرض، فإن هذه التعهدات ظلت مشروطة بقيام الحكومة بإصلاحات اقتصادية لم تتحقق بعد، ما حرم البلاد من الحصول على أموال الدعم.

وهناك تحدٍ آخر يقف أيضاً أما خيارى الاقتراض والحصول على الدعم والمنح الخارجية، باعتبار أن رئيس الوزراء المُكلَّف، حسَّان دياب، هو مرشح مدعوم من حزب الله، المدعوم بدوره من إيران، والمصنف كذلك من قبل العديد من الدول كـ"منظمة إرهابية". وبالتالي، فإن هذه الدول يتوقع ألا تقوم بتقديم أى مساعدات للبنان في ظل وجود حكومة برئاسة دياب. وينطبق الأمر نفسه كذلك على خيار القروض، إذ أن حزب الله مصنف كمنظمة إرهابية في العديد من دول العالم، الأمر الذي يقلص قدرة الحكومة المرتقبة على إقناع أسواق التمويل الدولي بأن الأموال التي ستحصل عليها كقروض لن يستفيد منها الحزب بشكل أو بآخر.