أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مسارات مختلفة:

هل يواجه إقليم كردستان عزلة اقتصادية بعد الاستفتاء؟

25 سبتمبر، 2017


واجهت حكومة إقليم كردستان منذ إعلانها إجراء استفتاء للانفصال عن العراق في 25 سبتمبر 2017 معارضة دولية وإقليمية واسعة، حيث أن تمرير الاستفتاء سيكرس، من دون شك، النزعات الانفصالية للأكراد في دول أخرى بالشرق الأوسط، وهو ما قد يتسبب في تصاعد وتيرة التوترات الأمنية بالمنطقة كلها، ويتزامن ذلك مع ظهور بعض الاتجاهات التي ترجح تنافس الحكومة المركزية في بغداد وكردستان للسيطرة على كركوك، المنطقة الغنية بالنفط، مما يجعلها نقطة انطلاق محتملة للنزاع.

وفي محاولة استباقية للحد من تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي للإقليم حال تمرير الاستفتاء، دعت العراق المجتمع الدولي إلى عدم التعامل مع حكومة الإقليم بشكل منفرد فيما يتعلق ببيع النفط بالأسواق الدولية، وهو ما قد يلقى قبولاً لدى مختلف القوى الدولية التي تؤيد حتى الآن سياسة العراق إزاء قضية استقلال كردستان، بشكل يمكن أن يؤدي إلى تجميد الصادرات الرئيسية للإقليم من النفط للعالم.

كما اتجهت إيران إلى غلق مجالها الجوي أمام الإقليم بناءً على طلب من الحكومة المركزية في بغداد، وفرضت تركيا، في خطوة أولى، قيودًا شديدة على حركة التجارة مع الإقليم عبر المعابر الواصلة بين أراضيها وكردستان، وهو الأمر الذي قد يمتد لقطع علاقاتها الاقتصادية كافة مع الإقليم حال تمرير الاستفتاء وفق تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي ضوء التطورات السابقة، يبدو أن الاقتصاد الكردستاني مقبل على صدمة ستتوقف شدتها على الخطوات التصعيدية التي سوف تتخذها الدول المجاورة حيال مساعي حكومة إقليم كردستان لتحقيق الاستقلال الفعلي، والتي قد تمتد من مجرد فرض حصار اقتصادي عليه إلى تبني إجراءات أمنية ضده، وهو أكثر السيناريوهات خطورة بالنسبة لكافة الأطراف، حيث لن تقتصر تداعياته على الأوضاع الأمنية والاقتصادية في كردستان فقط، وإنما ستمتد إلى باقي دول الجوار.

عقبات متعددة:

لا يبدو أن إجراء الاستفتاء سوف يمر دون أن يؤدي إلى صعوبات أمنية واقتصادية لإقليم كردستان، والتي برزت بعض مؤشراتها في الأيام الماضية، وذلك على النحو التالي:

1- صعوبات لوجيستية: فرضت دول الجوار، في الأيام الماضية، قيودًا وإن كانت لازالت محدودة على حركة اتصال الإقليم بالعالم الخارجي، فبناءً على طلب من الحكومة المركزية ببغداد، أغلقت إيران مجالها الجوي مع إقليم كردستان وذلك قبل يوم واحد من إجراء الاستفتاء، حيث أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن قرار إيقاف جميع رحلات الطيران من وإلى كردستان العراق جاء بطلب من الحكومة المركزية في بغداد. وعلى غرار الإجراء السابق، واجهت حركة البضائع والأفراد بين كردستان وتركيا قيودًا شديدة، ولا سيما في المعبر الحدودي الرئيسي "خابور". ورغم أنه يمكن تفسير هذه الإجراءات كاحتراز أمني من قبل الدول المجاورة، إلا أنها تعتبر في الوقت نفسه إشارة واضحة بأنه بإمكان الدول المجاورة تهديد الإقليم وقطع اتصاله مع العالم الخارجي.

2- تعليق صادرات النفط: تأكيدًا لسيادتها على موارد كردستان، ناشدت العراق المجتمع الدولي مجددًا بعدم التعامل مع حكومة الإقليم بشكل منفرد في مجال بيع النفط بالأسواق الدولية، وبما يتوافق مع دعوات مماثلة لها في الشهور الماضية بخصوص المسألة نفسها. إلا أن إقليم كردستان كان يجد تركيا منفذًا له لتصدير النفط بشكل مستقل بعيدًا عن الحكومة المركزية عبر خط الأنابيب الواصل بين أراضيه وميناء جيهان التركي.

لكن مع نجاح الاستفتاء في التمهيد لاستقلال كردستان، سيجد الإقليم نفسه أمام مأزق كبير في تسويق صادراته من النفط، والبالغة 650 ألف برميل يوميًا في الخارج، حيث من المتوقع أن تشدد دول العالم، وبما فيها تركيا، من رقابتها على استقبال النفط الوارد من كردستان، وبما يعني تجميد صادراته. 

3- عقوبات محتملة: في إطار ضغوطها على حكومة الإقليم، هددت دول الجوار أيضًا باتخاذ إجراءات عقابية أخرى ضدها. وفي هذا الصدد، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 20 سبتمبر الجاري: "مجلس الوزراء ومجلس الأمن في تركيا سيدرسان الخيارات المتاحة... المجلسان سيعرضان موقفهما بشأن نوع العقوبات الذي يمكننا أن نفرضه، إن كنا سنفعل". وعلى الأرجح، سوف تشمل هذه العقوبات ليس فقط تقييد حركة التجارة مع الإقليم، والتي تمثل الجانب الأعظم من تجارته،  وإنما أيضًا إلغاء تسهيلات الاستثمار التي منحتها تركيا للإقليم وكذلك خطوط الإئتمان، بشكل سيكون بمثابة بداية لتأزم أوضاعه المالية والاقتصادية.

سيناريوهات مطروحة:

بغض النظر إن كانت التهديدات السابقة ستمثل أداة ضغط لتراجع إقليم كردستان عن مساعيه لتحقيق الاستقلال أم لا، فإنها، من دون شك، ستؤثر سلبًا على الأوضاع الاقتصادية في الإقليم، حيث بات الآن يواجه مستوى غير مسبوق من المخاطر الجيوسياسية مع احتمال تصاعد التوترات الأمنية على حدوده مع إيران وتركيا فضلاً عن منطقة كركوك في العراق.

وعلى أقل تقدير، فإن هذه المخاطر ستتسبب في تراجع بعض المكاسب التي حققتها صناعة النفط الكردستانية على الأخص في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع إحراز قوات البيشمركة الكردية انتصارات نوعية على تنظيم "داعش" بالقرب من حدود إقليم كردستان، والتي تمثلت في تسوية جزء من ديونه لدى شركات النفط الدولية، بالإضافة إلى إبرام صفقات استراتيجية مع شركات نفط روسية كان آخرها في 18 سبتمبر الجاري، حيث تم التوصل إلى اتفاق مع شركة "روسنفت" الروسية لبناء خط أنابيب للغاز الطبيعي في كردستان.  

ولكن اتجاه دول الجوار إلى تنفيذ تهديداتها الاقتصادية والعسكرية ضد حكومة إقليم كردستان، سيُعرِّض الاقتصاد الكردستاني، من دون شك، لهزة ستتوقف شدتها على الخيارات التي ستتبناها الدول المجاورة حيال مساعي حكومة الإقليم لتحقيق الاستقلال الفعلي، سواء كانت خيارات اقتصادية أو أمنية، ولكنها على أية حال ستكون مكلفة للجانب الكردستاني.

 وإذا اختارت دول الجوار قطع العلاقات الاقتصادية مع كردستان، بما في ذلك قيام تركيا بإغلاق خط أنابيب جيهان، فحينئذٍ سينهار اقتصاد الإقليم بدرجة كبيرة وبما سيتسبب في اندلاع أزمة إنسانية واسعة في الداخل، ولن يكون أمامه مفر من التراجع عن مساعي الاستقلال الفعلي.

 ولكن هذا السيناريو سيفرض أضرارًا لن تقتصر على كردستان فحسب، وإنما ستمتد إلى دول الجوار أيضًا التي لديها مصالح تجارية واستثمارية واسعة في الإقليم، فضلاً عن احتمال تصاعد مشكلة نزوح سكان الإقليم إليها.

 وعلى غرار خيار العقوبات الاقتصادية، فإن اتخاذ أى إجراءات أمنية ضد الإقليم، وهو أكثر السيناريوهات خطورة، سوف يتسبب في توترات ستطال كافة الأطراف ولن تقتصر تداعياته الأمنية بطبيعة الحال على إقليم كردستان. ومن ثم، وبحساب المكاسب والخسائر لكل الأطراف، فالأرجح أن تتبنى دول الجوار مزيجًا من الإجراءات الاقتصادية والأمنية والعقابية المحدودة النطاق التي قد توقف في المستقبل القريب تقدم كردستان نحو تحقيق الاستقلال الفعلي نسبيًا بدلاً من الخيارات الجذرية التي ستتسبب في خسائر اقتصادية وأمنية  لكل الأطراف.

 وفي الوقت نفسه، تدرك الدول المعارضة أن كردستان استثمرت شراكتها مع روسيا في المجال النفطي بشكل جيد وفي وقت ملح، حيث أن امتداد تعاونهما النفطي ليشمل تسويق النفط وتطوير الحقول وبناء خط أنابيب سيمنح الإقليم قدرة على المناورة الاقتصادية، والإبقاء على حيوية صناعته النفطية في مثل هذه الأوقات الصعبة. وفي الوقت نفسه، لن تتخلى روسيا عن الحفاظ على هذه المكاسب الواسعة في كردستان على غرار الوضع في سوريا.

 وفي هذا الصدد قال ميخائيل ليونتيف المتحدث باسم شركة "روسنفت" الروسية تعقيبًا على اتفاق خط الأنابيب: "إجراء الاستفتاء لن يؤثر على عملنا. لدينا أعمال في إقليم شبه مستقل في العراق معترف به بحكم القانون... هذا المكان تديره دولة كردستان العراقية وشعب كردستان العراق يعيش هناك. ولذلك نحن لا نعتقد أننا بصدد الشروع في مغامرة".

 وختامًا، يمكن القول إن مساعي إقليم كردستان لتحقيق الاستقلال محفوفة بكثير من المخاطر الاقتصادية في الفترة المقبلة، إلا أن سيناريو العزلة الاقتصادية التامة يبدو مستبعدًا، لا سيما في ظل الآثار السلبية الواسعة التي ستطال كافة الأطراف.