أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

التحدي الصعب:

هل يمكن تقويض تنظيم "داعش" مالياً؟

08 يناير، 2015


إعداد: أحمد عاطف

تُثير الموارد المالية لتنظيم "داعش" ومصادر تمويله الكثير من الجدل، حيث يُعتبر "داعش" حالياً من أغنى التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، إذ يتجاوز إجمالي القيمة التقديرية لثروة "داعش" 2 مليار دولار من الأموال السائلة والأصول. وقد مكَّن ذلك التنظيم وحلفاؤه من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي العراقية والسورية.

ونظراً لأهمية هذا البعد الاقتصادي في محاربة "داعش" وباعتبار تعطيل تمويل التنظيم يُعد تحدياً صعباً للغاية، فقد نشرت (مؤسسة راند) دراسة بعنوان: "مكافحة تمويل داعش"، أعدها "باتريك جونستون Patrick Johnston" أستاذ العلوم السياسية في (مؤسسة راند) والمتخصص في مجال مكافحة الإرهاب. ويحاول "جونستون" الإجابة عن عدد من التساؤلات من قبيل: كيف حصل تنظيم "داعش" في العراق والشام على الثروة التي لديه؟ وما أوجه إنفاقها؟ وكيف تفاقم هذه الأموال من التهديد الذي يشكله التنظيم؟ وصولاً إلى معرفة الفرص والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة لتقويض التدفقات المالية لـهذا التنظيم.

مصادر ثروات "داعش"

السؤال الرئيسي الذي يحاول الكاتب الإجابة عليه في هذا الصدد، هو: من أين يأتي تنظيم "داعش" بأمواله؟ ويُعدد "جونستون" مصادر تمويل هذا التنظيم الإرهابي، مشيراً إلى أنه يحصل على التمويل من خلال: (تهريب النفط والمنتجات التي يتم إنتاجها في سوريا والعراق، والابتزاز وفرض الضرائب على الاقتصاد المحلي في المناطق التي سيطر عليها، ونهب غنائم الحرب بما في ذلك الآثار النادرة والقيَّمة في المناطق الخاضعة له، ومن خلال مبيعات السوق السوداء للبضائع المسروقة والمنهوبة).

وتشير الدراسة إلى أنه قبل أن يصبح "أبو بكر البغدادي" زعيماً لـ"داعش"، كان التنظيم لا يحصل على أي تمويل خارجي، بيد أن الجماعة غيرت من نهجها بعد قدوم "البغدادي"، حيث يذكر مسؤولون حكوميون أمريكيون كبار أن بعض التمويل أصبح يأتي لـ"داعش" من الجهات المانحة الخارجية، بل ويعتقد البعض أن التمويل الخارجي يُمكن أن يُصبح أساسياً على نحو متزايد لدعم "داعش" إذا تقصلت مصادر تمويله الداخلية في كل من العراق وسوريا.

علاوة على ذلك، يحذر الكاتب من أنه إذا استطاع "داعش" تحسين علاقته مع "جيهة النصرة" – التي انشقت عن "دولة العراق الإسلامية" لتصبح تابعة لتنظيم "القاعدة" في سوريا - فمن الممكن دمج مصادر التمويل الخارجية لكل من التنظيمين.

وتشير الدراسة إلى زيادة ثروة "داعش" بصورة كبيرة، إذ يُحقق التنظيم يومياً مبالغ تتراواح ما بين مليون و3 مليون دولار، بالمقارنة بالتنظيمات السابقة له مثل "دولة العراق الإسلامية" والتي كانت تحصد شهرياً أقل من مليون دولار طبقاً لتقديرات الفترة من أغسطس 2008 إلى يناير 2009.

وهكذا، فقد ساعدت هذه الموارد المالية الضخمة تنظيم "داعش" في السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق، وخوض حرب على جبهتين ضد الحكومات المتعددة، وكذلك الجماعات المسلحة غير الحكومية الأخرى.

كيف ينفق "داعش" أمواله؟

ثمة خيارات أو أهداف أربعة ينفق من خلالها "داعش" موارده المالية، وهي كما ذكرها الكاتب:

1- توسيع قاعدة التنظيم الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة.

2- يمكن استخدام الأموال لتوسيع نفوذ "داعش" في مناطق استراتيجية أخرى من العالم الإسلامي، بما في ذلك باكستان وأفغانستان، كما يحاول التنظيم انتزاع "الصدارة الجهادية" من "القاعدة". وفي هذا الشأن ذكرت تقارير إعلامية أن مجندين من "داعش" سافروا إلى باكستان وأفغانستان وبلدان أخرى، في محاولة لتجنيد مقاتلين جهاديين للانضمام للتنظيم في العراق وسوريا. كما أعلن عدد من قادة الجماعات الأخرى ولائها لـ"داعش"، مثل (قادة حركة طالبان الباكستانية، وقادة جماعة أبو سياف في جنوب الفلبين، وأنصار بيت المقدس في شبه جزيرة سيناء بمصر).

3- يمكن أن تُستخدم هذه الأموال من قِبل "داعش" في التخطيط لهجمات إرهابية ضد أهداف في أمريكا الشمالية وأوروبا وأماكن أخرى من العالم. ويعد ذلك الخيار هو الأخطر على الأمن القومي الأمريكي.

4- سيكون تنظيم "داعش" بحاجة لإنفاق بعض ثرواته لتمويل أعضائه وتقديم الخدمات لهم، وتأسيس نظام قائم على الشريعة الإسلامية في الأراضي التي يسيطر عليها. ويعد هذا الخيار إلى الجانب الخيار الأول هو الأكثر أولوية لـ"داعش" في ظل سعيه لإقامة "الخلافة الإسلامية" المنبثقة من العراق وبلاد الشام.

فرص وتحديات تقويض تمويل "داعش"

أعلن مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية "ديفيد كوهين"، في كلمته التي ألقاها يوم 23 أكتوبر الماضي بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، عن ثلاثة عناصر أساسية لقطع التمويل عن داعش، وهي:

1- منع مصادر التمويل المعتمدة على النفط والابتزاز:

يعتمد العنصر الأول من استراتيجية وزارة الخزانة الأمريكية على قطع مصادر التمويل الرئيسية لـ"داعش"، لا سيما إيراداته من مبيعات النفط، والابتزاز والجريمة.

ففيما يتعلق بالنفط، أعلنت وزارة الخزانة أنها ستفرض عقوبات مالية على أي شخص يتاجر في النفط المسروق من "داعش". ولكن يؤكد الكاتب في هذه الدراسة أنه غير واضح ما إذا كان يمكن القيام بذلك الأمر بشكل فعَّال للحد من الثروة النفطية لداعش. فعلى الرغم من توافر بعض بعض المعلومات عن مبيعات "داعش" للنفط ومخططات التهريب التي تستخدم لنقل النفط إلى السوق في تركيا وكردستان وأماكن أخرى، بيد أن الحصول على معلومات استخباراتية على درجة عالية من الدقة حول كيفية تهريب وبيع النفط سيكون أمراً صعباً.

لذا، يرى الكاتب أن تعطيل عائدات النفط لهذا التنظيم الإرهابي عن طريق "العقوبات"، قد يكون ممكناً، ولكن بطريقة أقل دقة مما تود واشنطن. ولمواجهة هذا التحدي، ينبغي وضع البنوك في المنطقة تحت الملاحظة والمراقبة، مع إعطاء وزارة الخزانة الصلاحيات اللازمة لمعاقبة هذه المؤسسات المالية المتوررطة مع "داعش" في بيع النفط.

وبالنسبة لعمليات الابتزاز، فإنها بلا شك تعد أهم مصادر تمويل "داعش"، ومع ذلك فإن الأدوات المُعلنة من وزارة الخزانة للقضاء على هذا المورد المالي للتنظيم لا تُعد مناسبة. وقد اعترف مساعد وزير الخزانة الأمريكي أن الحد من عائدات عمليات الابتزاز يتطلب تراجع سيطرة "داعش" على الأراضي الخاضعة لها، وهو ما يُمثل تحدياً عسكرياً.

وفي هذا الإطار، ينصح الكاتب بأمرين، الأول: العمل مع الشركاء خاصةً العراقيين (العرب والأكراد) لمراقبة تدفق البضائع من وإلى الأراضي الخاضعة لداعش في العراق وعلى طول المناطق الحدودية الرئيسية، والحصول على معلومات من سائقي الشاحنات بشأن المبالغ المفروضة كرسوم عبور وغيرها من الضرائب. أما الأمر الثاني، فيتعلق برصد ومراقبة جميع العقود مع الهيئات في الأراضي التابعة لـ"داعش"، وإلغاؤها بمجرد التأكد من خضوعها للابتزاز.

2- تقييد وصول "داعش" إلى النظام المالي العالمي:

أشارت الدراسة إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية تعمل بنشاط للحد من قدرة "داعش" على التعامل من خلال النظم المصرفية العراقية والسورية والدولية. وتقع العشرات من فروع البنوك في المناطق التي تخضع لهذا التنظيم، لذا تهدف وزارة الخزانة إلى التعاون مع السلطات العراقية والمجتمع المالي الدولي، لمنع "داعش" من استخدام فروع تلك البنوك، وتقويض الخيارات المالية المتاحة لهذه الجماعة الإرهابية.

وثمة تحديات كبرى تواجه محاولات تقييد وصول "داعش" للنظام المالي العالمي، أولها خضوع عدد من المصارف في شمال العراق بمدينة الموصل وحولها، لسيطرة تنظيم "داعش". ومن الواضح أن هذه البنوك ليس لديها أي حافز للامتثال للسياسات الأمريكية. وثانيها ضعف الحكم في العراق، فضلاً عن السياسات الطائفية، مما يُصعب من الرقابة على شريحة من البنوك المُرجح استخدامها من قبِل "داعش". ولطالما لايزال عنف هذا التنظيم الإرهابي يهدد أولئك الذين يرفضون التعاون معه، فإن الولايات المتحدة ستجد صعوبة في كسب تعاون البنوك المستهدفة في العراق وسوريا.

3- العقوبات الموجهة ضد قيادات "داعش" والمتعاونين معهم:

يهدف العنصر الثالث في استراتيجية وزارة الخزانة لتفكيك الأسس المالية لجماعة "داعش" من خلال استهداف قيادات الجماعة والداعمين لها. فلا شك أن إدارة منظمة إرهابية - خصوصاً إذا كانت كبيرة مثل "داعش" – يُمثل تحدياً من حيث التكلفة والبيروقراطية. ويعتمد "داعش" على شبكة إدارية معقدة، ومجموعة من الإداريين المحترفين لمتابعة جميع موارده. ومن ثم فقد جعلت وزارة الخزانة تحديد وتسمية أعضاء وقيادات هذا التنظيم في مقدمة أولوياتها، خاصةً أن فرض عقوبات على هذه القيادات، سيجعل من الصعب على "داعش" القيام بالأنشطة المالية والتجارية الرسمية.

ولكن يرى الكاتب أن خطة تمويل "داعش" تختلف عن تنظيم "القاعدة"، ومن ثم فإن استهداف قادة "داعش" والداعمين لهم بفرض عقوبات عليهم، قد يضر بهذه الجماعة بشكل أقل من الضرر الذي لحق بالقاعدة نتيجة العقوبات الماضية. ومن ناحية أخرى، فإن المسؤولين الماليين والإداريين في "داعش" يقومون بتحصيل ونقل معظم أموال الجماعة داخلياً، ونقداً. ومن ثم فإن اعتماد التنظيم المحدود على الاقتصاد الرسمي قد يقلل من القيمة الاستراتيجية لمنع وصوله إلى القنوات الاقتصادية الرسمية.

أبرز التوصيات

ختاماً، عرضت الدراسة ثلاث توصيات رئيسية من أجل تقويض الموارد المالية لتنظيم "داعش"، وتتمثل هذه التوصيات في الآتي:

1- مواصلة تنفيذ الضربات الجوية ضد الأصول والمصافي النفطية، فرغم أن هذه الضريات وحدها ستظل غير كافية لوقف التدفقات المالية لتنظيم "داعش"، فإنها تساهم في تعطيل عمليات النفط الخاصة بهذا التنظيم والحد من أرباحه، والأهم من ذلك كسب مزيد من الوقت لبناء قدرات عسكرية واستخباراتية ودبلوماسية أكثر فعَّالية لإضعاف "داعش" مالياً. ويؤكد الكاتب في هذا الصدد على ضرورة تجنب تدمير تلك الأصول التي ستحتاجها الحكومات الشرعية في الحفاظ على إيراداتها.

2- تطوير أساليب جمع معلومات استخباراتية لفهم الشبكات المالية لداعش، وهذا الأمر ضروري لاستهداف المخططات المالية المحلية، والتي تمثل الغالبية العظمى من أموال هذا التنظيم. وتحقيق ذلك يتطلب شراكات قوية مع الحكومات المحلية والإقليمية، وينصح الكاتب باتخاذ العديد من الخطوات الرئيسية في هذا الصدد، بما في ذلك تعزيز التعاون الاستخباراتي مع الشركاء الأكراد والعراقيين لتحديد من يساعدون "داعش" في الحصول على النفط، وأيضاً إعطاء الأولوية لجمع معلومات عن كميات وأسعار النفط التي يتم تهريبها.

3- مواصلة دعم إرسال مستشارين أمريكيين إلى العراق، لتحسين قدرات قوات الأمن العراقية، وتقديم المشورة لها في العمليات العسكرية. ويرى الكاتب أن الحرب المالية ضد "داعش" ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحملة العسكرية التي تجرى على أرض الواقع، بمعنى أن قطع الموارد المالية عن هذا التنظيم لا يمكن أن يتم دون تراجع سيطرته على المناطق الخاضعة له.

* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "مكافحة تمويل داعش"، الصادرة عن مؤسسة "راند" البحثية الأمريكية في نوفمبر 2014.

المصدر:

Patrick Johnston, Countering ISIL’s Financing (Washington, Rand Corporation, November 2014).