أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

المعادلة الصعبة:

هل ينجح الكاظمي فى إحداث توازن بين واشنطن وطهران في العراق؟

25 يونيو، 2020


تعكس سلسلة الزيارات الخارجية التي من المرتقب أن يقوم بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أولويات السياسة الخارجية العراقية خلال المرحلة القادمة، حيث من المرتقب أن يبدأها من طهران خلال الأيام المقبلة، ويحتمل أن تكون هناك زيارة إلى الرياض وفق تقارير صحفية لم تتأكد رسمياً، ثم إلى واشنطن الشهر القادم، حيث تعقد جولة تالية للحوار الاستراتيجي العراقي– الأمريكي.

 وتشير هذه الجولة، في دلالة رئيسية، إلى أن النشاط الدبلوماسي للكاظمي يهدف إلى إعادة التوازن في السياسة الخارجية العراقية بما يكرس فكرة "السيادة"، وهى الرسالة ذاتها التي أُعلن عنها صراحة في لقاءات جمعته مع السفيرين الأمريكي والإيراني مؤخراً كان عنوانها عدم تصفية الحسابات بين الطرفين على الساحة العراقية. 

وإلى جانب الأبعاد السياسية، فإن كلاً من طهران وواشنطن أشارتا إلى أن جداول الأعمال تتضمن ملفات أخرى وصفت بالاستراتيجية، في مقدمتها القضايا الأمنية لاسيما الداخلية ذات الصلة بمكافحة عودة تنظيم "داعش" إلى الساحة مجدداً، فضلاً عن مستقبل العلاقات العسكرية والأمنية، حيث تركز طهران على مستقبل ترتيبات الأمن والدفاع بين بغداد وواشنطن في ظل جلسات الحوار الاستراتيجي، وكذلك ملف العلاقات الاقتصادية. 

الفاعل المحوري:

تركيز الخطاب السياسي للكاظمي على فكرة التوازن نابع من انعكاس تنامي التوتر الأمريكي– الإيراني على الساحة العراقية، وما فرضه من تداعيات، وربما تعيد تقديرات أمريكية عديدة ذلك إلى فشل أسلاف الكاظمي في إدارة هذه العلاقات.

 وبشكل أكثر دقة، يرى محللون إيرانيون في مراكز الفكر الغربية أن افتقاد القدرة على ضبط تلك العلاقات يعد أحد أبرز العوامل التي دفعت الطرفين (الأمريكي والإيراني) إلى الصدام المباشر والعلني في العراق خلال الفترة الماضية، وليس فقط عن طريق الوكلاء (الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق) أو الحلفاء الإقليميين (إسرائيل)، الذين انخرطوا في المواجهة بشكل زاد من حجم التشابكات وأخرج الأمور عن السيطرة.

 وهنا، فإن الرهان الآن يرتكز على إعادة الضبط أو استعادة السيطرة على مقاليد الأمور والتي وصفها الكاظمي بشكل عام بـ"السيادة" التي تعني أن تكون العراق هى الطرف المُتحكِّم في آلية القيادة والسيطرة، وليس الطرف المُتأثِّر بها. 

حواران استراتيجيان:

في واقع الأمر، هناك حواران استراتيجيان وليس حواراً واحداً يخوضهما الكاظمي مع كل من طهران وواشنطن، في إطار عدد من المؤشرات الشكلية والضمنية، وبالنظر إلى جداول الأعمال المرتقبة للزيارات القادمة.

 فقد أشار عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الإيرانية- العراقية حميد حسيني، لدى تعليقه، في 23 يونيو الجاري، على الزيارة المرتقبة للكاظمي إلى طهران، إلى أنها زيارة "بالغة الأهمية ومن شأنها أن تعكس آثاراً إيجابية على صعيد العلاقات السياسية والتجارية بين الجانبين"، وهو السياق نفسه المعلن رسمياً عقب لقاء جمع الكاظمي مع رئيس البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي في بغداد في 17 من الشهر نفسه.

 كما تكشف تقارير عديدة لوكالات الأنباء الإيرانية عن مدى اهتمام إيران بالملف الأمني أيضاً إلى جانب الملفات الاقتصادية والسياسية مع العراق، في مؤشر على أن حكومة الكاظمي بصدد وضع ترتيبات شاملة لكافة الملفات، الأمر الذي لا يختلف كثيراً عن محاور الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي. 

القاسم المشترك: 

يسعى الكاظمي إلى إظهار نفسه كطرف يمتلك المصداقية والتأثير على الطرفين. فقد حرص على أن تكون التحركات الإيرانية في العراق في أطرها الرسمية، ومن قبيل ذلك فرض على الوفد الأمني الإيراني الذي زار العراق، في بداية يونيو الجاري، برئاسة قائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني، الحصول على تأشيرات دخول رسمية، على عكس ما كان مسموحاً به من قبل.

 كذلك، فإن لقائه مع قادة الحشد الشعبي، في منتصف مايو الفائت، انطوى على رسائل مفادها التكريس للطابع المؤسسي في سياق برنامج الهيكلة الأمنية الجديد. وفي المقابل، كانت رسالته السياسية قبيل إطلاق الحوار الاستراتيجي مع واشنطن هى إعادة الاعتبار لسيادة العراق. 

فرص وتحديات: 

وانطلاقاً من ذلك، يمكن القول إن الكاظمي يمثل خيار التوافق لإدارة التوازنات المختلة بين واشنطن وطهران، حتى وإن لم يكن ذلك عبر صفقة بين الطرفين، كما أعلنت الخارجية الإيرانية ذلك صراحة. وقد نجح رئيس الوزراء العراقي، على مستوى الخطاب، في إظهار المنهج الذي يتبناه في السياسة الخارجية لنزع فتيل التوتر على الجانبين، وربما يضاف إلى ذلك إدراكه أن هناك فاعلاً جديداً في المشهد يتنامى تأثيره وهو الشارع الذي ينظر إلى حكومته باعتبارها حكومة انتقالية لها برنامج ومهام تتعلق بجدول أعمال سياسي داخلى. 

إلا أن الكاظمي لا يزال في مرحلة الاختبار الفعلية، فنتائج الحوارين الاستراتيجيين مع واشنطن وطهران لم تظهر بعد، وعلى المدى المتوسط، سيتعين عليه التعامل مع معضلة التشابكات بين الداخل والخارج، إضافة الى تنامي تهديدات أخرى تشكل تحديات مرحلية لا تنفصل عن تلك التشابكات، منها حضور "داعش" مجدداً، وظهور جماعات التمرد الأيديولوجية المسلحة، التي لن تنضوي تحت مظلة الحشد في هيكلها الجديد، وقد ركزت أولوياتها صوب استهداف الوجود الأمريكي في البلاد. 

فضلاً عن ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في أن ساحة التوتر بين واشنطن وطهران لا تتوقف عند حدود العراق، لاسيما في ظل اتجاه الأولى إلى رفع مستوى العقوبات على الثانية ووكلائها الإقليميين، بالتوازي مع الانخراط في معركة تجديد حظر الأسلحة المفروض عليها، والذي بدأته في الأمم المتحدة، وبالتالي كلما تقاربت مسارح التواجد بين واشنطن وطهران في الإقليم، فإن شرارة التوتر ستظل قادرة على إعادة إشعال الأزمة التي تسعى العراق إلى نزع فتيلها. 

وفي النهاية، ستحدد الزيارات التي يقوم بها الكاظمي إلى طهران وواشنطن مسارات العلاقات على الجانبين في العراق، التي طالما كرر الكاظمي وصفها بـ"الاستراتيجية". لكن الأمر لن يتوقف على الدور الذي سيمارسه، وإنما سيرتبط بمدى وجود رغبة لدى طرفى الأزمة في تجنيب الساحة العراقية تصفية حساباتهما والعودة إلى قواعد اللعبة القديمة التي تسمح لطرف ثالث بإدارة مصالح الطرفين على رقعة واحدة.