أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

منتدى التعاون العربي الصيني.. رسائل التوازن الاستراتيجي

30 مايو، 2024


بدأت في العاصمة الصينية، بكين، فعاليات منتدى التعاون العربي الصيني، يوم الخميس 30 مايو 2024، بمشاركة عربية رفيعة المستوى، بعضها على مستوى القمة. والواقع أن زيارات القادة العرب إلى الصين، وحضور مثل هذه المنتديات السياسية، أصبح معتاداً، ولم يعد يثير نقاشات أو تساؤلات، على خلاف ما كان يحدث قبل إعلان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن مبادرته العالمية "الحزام والطريق" في 2013، والتي تواكبت حينها مع بدء تغيير الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بالتركيز على منطقة الإندوباسيفيك.

ويزور بكين هذا الأسبوع أربعة من القادة العرب، بالإضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى لعدة دول عربية أخرى، والأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط. وهؤلاء القادة هم: صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس التونسي قيس سعيد. 

وبالنظر إلى هذا التجمع العربي الصيني، سيُلاحظ أنه لا يخلو من رسائل سياسية مهمة، وخاصةً في ظل انعقاده بالتزامن مع التحديات المشتركة التي يشهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها استمرار الحرب على قطاع غزة، فضلاً عن أهداف يسعى كل طرف إلى تحقيقها من ذلك المنتدى، سواءً الصين أم الدول العربية.  

نظرة متبادلة:

لعل المنطلق الأساسي في النظرة الاستراتيجية الصينية لمنطقة الشرق الأوسط بما فيها الدول العربية، أنها نقطة أساسية في مبادرة "الحزام والطريق"، وهي في مسعاها لتنفيذ هذه المبادرة ترتبط بعلاقات استراتيجية مع دول الخليج التي تمثل دلالة مهمة في الاستراتيجية الصينية، من حيث التوازن بين منطقتي الشرق الأوسط والإندوباسيفيك.

وعربياً، يُنظر إلى الصين على أن تركيزها اقتصادي واستثماري بالدرجة الأولى في علاقتها مع دول الشرق الأوسط. وهذا في واقع الأمر استراتيجية بكين الدائمة والمُعلنة؛ فهي لا تُحبذ التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو المأخذ العربي على الولايات المتحدة؛ إذ تراهن بكين على التعامل الإيجابي مع دول المنطقة، وتحديداً في البعد الاقتصادي، كعامل مساعد على حل الأزمات والقضايا الإقليمية. وربما يمثل هذا الاعتقاد تحدياً كبيراً بالنسبة للصين، بالرغم من نجاحها في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران بموجب اتفاق مارس 2023.

ويمكن تفهم هذه الاستراتيجية الصينية؛ لأنها تنطلق من المنظور الواقعي الأكثر استخداماً في اللحظة الراهنة من السياسة الدولية، خاصةً من جانب الدول العربية، وتحديداً تلك المشاركة في منتدى التعاون العربي الصيني. فالصين حذرة من الاستغراق الكامل في ملفات الشرق الأوسط، على خلفية طبيعة هذه الملفات وتعقيداتها وتشابكاتها، لدرجة يصعب تفكيكها بسهولة، أو بطريقة ترضي الجميع دون أن تأتي المبادرة من الدول أطراف تلك الملفات بنفسها. 

كما تملك بكين إدراكاً واقعياً لحجم وأبعاد الوجود الأمريكي الممتد في الشرق الأوسط، والذي يعود إلى أكثر من سبعة عقود. كما تعي بكين جيداً طبيعة العلاقات العربية (الخليجية بصفة خاصة) مع الولايات المتحدة؛ مما يجعلها حذرة قبل المُضي قدماً في أية محاولة لاختراق تلك العلاقات، أو الانغماس في قضايا المنطقة على الأقل في المدى المنظور. وهنا قد يكون من غير المنطقي أن تركز دولة مثل الصين تنافس عالمياً وتسعى إلى تعظيم نفوذها الدولي، على الجانب الاقتصادي وحده، دون التفكير في وجود قوة عسكرية حقيقية للدفاع عن مصالحها.

تحركات مختلفة:

تاريخياً، لم يُعرف عن العرب التحرك الدبلوماسي بشكل جماعي إلا في إطارين اثنين: الأول، جامعة الدول العربية، لأنها المنظمة التي تجمع العمل العربي المشترك وتُعبر عن صوتهم تجاه القضايا محل الاهتمام. والإطار الثاني، هو التكتلات الإقليمية للدول المتجاورة جغرافياً، وأهمها مجلس التعاون الخليجي. وغالباً ما تكون تلك التحركات العربية الجماعية تجاه الخارج لأهداف سياسية بالدرجة الأولى، وفيها شيء من الحذر المدروس في جرأة الطرح تحسباً لأي رد فعل أمريكي تجاهها. بيد أن التحرك العربي نحو الصين، والذي تمثله بشكل صريح الزيارة الحالية لقادة أربع دول عربية، يبدو مختلفاً ويمهد لواقع جديد. ويمكن استعراض بعض أوجه هذا الاختلاف من خلال الآتي:  

1- تنسيق عربي: إن الدول العربية الأربع التي يزور قادتها بكين هذا الأسبوع، هي أعضاء في جامعة الدول العربية، وإن كانت من إقليمين جغرافيين مختلفين. فدولة الإمارات ومملكة البحرين تنتميان إلى مجلس التعاون الخليجي، في حين أن مصر وتونس من الدول العربية الإفريقية. وهذا ما يعطي دلالة مهمة بشأن العوامل المحركة للتنسيق العربي، فلم يعد المحرك التقليدي مثل: اللغة والتاريخ هو الأساس، وإنما ظهرت أولويات أخرى لها أبعاد وطنية وفقاً لتقديرات مصلحة كل دولة.

2- أولوية اقتصادية: إلى جانب حرب غزة، فإن البعد الاقتصادي يتصدر الأولويات هذه المرة، حيث إن تركيز الصين ما يزال اقتصادياً، كما أن الأولويات الرئيسية الداخلية لكل من مصر وتونس تبدو حالياً اقتصادية بالأساس، فالدولتان لديهما برامج إصلاحية مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وربما تراهن حكومتاهما على الاستفادة من الرغبة الصينية الطامحة لتنفيذ مزيد من الاستثمارات المتبادلة في العالم.

3- توازن إماراتي: تبرز دولة الإمارات من بين الدول الأربع المشاركة في منتدى التعاون العربي الصيني، بامتلاكها رؤية خاصة تتسم بالتوازن والموضوعية والتنوع أيضاً في علاقاتها مع الدول الكبرى الثلاث (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والصين)، مع التمكن في الوقت ذاته من تحقيق مصالحها وأهدافها والحفاظ على مكتسباتها الوطنية. وتبلورت هذه الرؤية الإماراتية كواحدة من الدروس التي خرجت بها من التجارب الممتدة مع سياسات الإدارات الأمريكية المختلفة، فكان من المهم التفكير في خلق التوازن مع جميع الدول، وعلى رأسها تلك المتنافسة على النفوذ في العالم، فضلاً عن القوى الإقليمية.

وقد ظهرت تجسيدات تلك الرؤية الإماراتية في العديد من المواقف، أبرزها: عندما رفضت الدولة الانصياع للضغط الأمريكي في مجلس الأمن الدولي للتصويت ضد روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، حين كانت الإمارات رئيساً لمجلس الأمن. وفي هذه الفترة، أسهم التوازن الإماراتي في نجاح رئاستها للمجلس، والحفاظ على علاقات جيدة مع الجميع. وقبل ذلك، ظهر التردد الأمريكي في تقديم الدعم المنتظر من الولايات المتحدة لدولة الإمارات رداً على هجمات الحوثيين على الدولة في يناير 2022.

فكان لكل تلك المواقف وغيرها أثر بالغ في بلورة الرؤية الإماراتية الحالية، والتي انعكست على تحركاتها السياسية والدبلوماسية. فاتجهت الدولة إلى صياغة علاقات استراتيجية متوازنة مع روسيا والصين وكذلك الولايات المتحدة، وبالشكل الذي لا ينحاز إلى طرف على حساب آخر، وبالقدر الذي يحقق مصالح الدولة بالدرجة الأولى، ويخدم كذلك المصالح العربية والدولية، وفق الرؤية الإماراتية القائمة على حفظ الاستقرار والأمن الدوليين والإقليميين.

4- نشاط بحريني: بدأت مملكة البحرين، مؤخراً، تنشط دبلوماسياً بطريقة لافتة، بل إن تصريحات الملك حمد بن عيسى خلال زيارته روسيا الأسبوع الماضي تعطي انطباعاً بأن ثمة رغبة في الانطلاق بطريقة معززة للعمل الخليجي والعربي بشكل كامل. فالزيارة الحالية للصين هي الثانية لملك البحرين إلى القوى الدولية المنافسة للولايات المتحدة، خلال أقل من أسبوعين. وروسيا والصين هما الدولتان اللتان تقودان تحركات حثيثة باتجاه إعادة تشكيل النظام الدولي الذي لا تزال الولايات المتحدة مهيمنة عليه.

رسائل مهمة:

يكشف الحضور البارز لقادة أربع دول عربية في الصين من خلال منتدى التعاون العربي الصيني، عن بعض النتائج المهمة للعمل العربي المشترك، ويمكن استعراض أبرزها في الآتي: 

1- تتفق الدول العربية على موقف مشترك إزاء الحرب المستمرة على قطاع غزة، وهو ما عكسته كلمات القادة العرب الأربعة وأمين عام جامعة الدول العربية في افتتاح منتدى التعاون العربي الصيني يوم 30 مايو 2024، حيث أكدوا على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وإيجاد أُفق للسلام في منطقة الشرق الأوسط بتنفيذ حل الدولتين، مع الترحيب بالأدوار الإيجابية لدول مثل الصين لدعم الاستقرار الإقليمي خاصةً في ظل التطور الذي تشهده العلاقات العربية الصينية. ومن جانبه، قال الرئيس شي إن الصين مستعدة للعمل مع الدول العربية لحل القضايا ذات الصلة بالبؤر الساخنة بما يدعم تحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل.

2- يمكن للعرب التحرك بعيداً عن التكتلات الإقليمية الخاصة بهم، فالمعيار الحقيقي للتعامل بين الدول بما فيها تلك المتناغمة ثقافياً، هو المصلحة الوطنية لكل دولة، والتي قد تختلف مع دولة جارة، ولكنها تتوافق مع دولة أخرى بعيدة عنها جغرافياً. وربما هذا المتغير هو ما ساعد على نجاح سياسات وتحركات دول أخرى في الإقليم مجاورة للعرب. 

3- تختلف السياسة الصينية في تعاملها مع العرب تماماً عن نظيرتها الأمريكية، ففي حين تفضل واشنطن التعامل العربي كدول منفردة لتكون لها اليد العليا في العلاقات الثنائية، لا تمانع بكين في التعامل مع العرب ككتلة جماعية واحدة وعلى أسس وآليات واضحة، وخاصةً إذا كان الهدف اقتصادياً. ويحدث ذلك في القمة الصينية مع القادة العرب هذا الأسبوع، وسبق أن حدث الأمر نفسه في ديسمبر 2022 عندما استضافت الرياض ثلاث قمم مع الصين؛ واحدة صينية سعودية، والأخرى صينية خليجية، والثالثة صينية عربية.  

ختاماً، يمكن القول إن الدول العربية تجاوزت عقبة الحليف الاستراتيجي الوحيد والانحياز الكامل له دون التفكير في الأولويات الوطنية لها، كما تجاوزت عقبة البعد الأمني كمحرك لكل الملفات الخارجية لها. وبدأت الانفتاح على مختلف القوى الدولية، لتعظيم الاستفادة من حالة التنافس الدولي الراهن، خاصةً وأن الصين متمددة في أرجاء العالم وعلاقاتها تشمل جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة، فتتفقان وتختلفان وتتنافسان، لكن العلاقات بينهما مستمرة دائماً بوجهيها التعاوني والتنافسي.