أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مستقبل إفريقيا.. مؤشرات القلق والتفاؤل

16 مارس، 2023


غالباً ما تكون وجهات النظر الخاصة بإفريقيا متأثرة إما بأفكار مسبقة أو مفاهيم خاطئة، أو تكون مشوبة بالتفاؤل العاطفي، وهي أمور قد تؤدي إلى الوصول لاستنتاجات خاطئة أو غير دقيقة فيما يتعلق بالقارة السمراء. لقد صور المتشائمون القارة على أنها قضية خاسرة، بينما وصف "اليوتوباويون" مستقبلها بأنه وردي لا محالة.

مؤشرات مقلقة

تجري المنافسة بين دول العالم اليوم في وقت كثرت فيه الصدمات وأصبحت متلاحقة. فقد أصبح مصطلح "الأزمات المتعددة" هو المصطلح الرائج، المعبّر عن: الآثار المتتالية التي أعقبت التعافي من جائحة "كورونا"، والحرب في أوكرانيا، وحتى الوضع في إفريقيا. فلا يمكن إنكار تأثير هذه الأزمات في تقدم القارة، وأن لها تبعات ممتدة، وتظهر في المؤشرات التالية:

  • وصل 30 مليون إفريقي إلى حد الفقر المدقع في عام 2021، بينما فقد 22 مليون وظائفهم بسبب جائحة "كورونا". ومن المتوقع أن تؤدي الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة في أوكرانيا إلى إضافة 4 ملايين إفريقي جدد إلى حد الفقر المدقع بحلول نهاية عام 2023.
  • تشير التقديرات إلى أن القارة السمراء قد تخسر في المتوسط ما بين 5 إلى 15% من ناتجها الإجمالي المحلي بسبب تغير المناخ، ومن المتوقع أن تتسع فجوة التمويل المناخي لإفريقيا لتصل إلى 1.2 تريليون دولار أمريكي من الآن وحتى عام 2030. غير أن نقص الغذاء، بسبب الجفاف والتصحر، أصبح يمثل مشكلة متزايدة.
  • ما زالت الواردات تتقدم الصادرات بالقارة، وخاصة فيما يتعلق بالسلع المصنعة. ولا تزال تكلفة التجارة بين الدول الإفريقية أعلى من تكلفة استيراد المنتجات من خارج القارة.
  • تضاعف المديونيات المتفاقمة على القارة، ووصولها إلى نقطة حرجة في العديد من البلدان الإفريقية، حيث استنزفت فوائد الديون ما يصل إلى 59.9% من إجمالي الناتج المحلي في بعض هذه البلدان.
  • تجاوز معدلات التضخم بإفريقيا متوسط معدلات التضخم الدولية، مما يخلق مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة داخل دول القارة. 
  • محدودية الأراضي الصالحة للاستخدام بسبب الافتقار إلى البنية التحتية أو المياه الكافية. في حين أن النمو السكاني في إفريقيا يصل إلى مستويات عالية جداً، ولا يزال 50% من السكان تحت عمر 25 سنة.
  • لا يزال الصراع المسلح والإرهاب يمثلان مشكلتين عظيمتين يعاني منهما عدد كبير من البلدان الإفريقية، ما يثير تساؤلات جدية حول الآفاق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدول القارة.

ومع كل هذه التحديات الضخمة الواضحة، فليس من المستغرب أن الأمل في "نهضة إفريقيا"، والذي ساد في السنوات الخمس عشرة الأولى من بداية هذا القرن، قد تبدد بلا رجعة. ومع ذلك لا يمكنا التسليم بتبدد هذا الأمل، فعلى الرغم من تلك التحديات الكثيرة وغيرها التي تواجه الدول الإفريقية، إلا أنه هناك فرص عديدة أمام نفس الدول.

فرص واعدة

في عام 2022 وحده، تمّ عقد قمم شراكة إفريقية مع الاتحاد الأوروبي، وتركيا، واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية. وخلال العام الجاري، من المتوقع أن يكون هناك المزيد من الشراكات مع روسيا والهند. ومن الممكن اعتبار دبلوماسية الشراكات هذه انعكاساً للاهتمام العالمي الموجه إلى إفريقيا. وإلى جانب ذلك، قام وزير الخارجية الصيني الجديد بأول رحلة خارجية له بعد تعيينه إلى إفريقيا. إذا وضعت هذه النقاط إلى جانب بعضها البعض فهي تشير إلى أن إفريقيا مرغوبة للغاية.

تُعد القارة السمراء مستودعاً لأكثر المعادن والموارد رواجاً في العالم، وتزيد عائدات الاستثمار في هذه السوق عن المتوسطات العالمية. ومع ذلك فهي سوق لا تعود منافعها على يقرب من 1.5 مليار شخص، قابلين للزيادة، بصورة كافية.

علاوة على ذلك، فإن الدول الإفريقية تعد جزءاً من اتفاقية التجارة الحرة والتي يمكن أن تجعل من القارة أهم سوق مشتركة للسلع والخدمات حول العالم. وربما كان الأهم من ذلك أن هذه الدول الإفريقية يُنظر إليها على أنها حيادية فيما يخص صراع القوى العظمى المستمر. وبالتالي فهي دول يمكن لها كسب أو خسارة حلفاء جدد.

على الرغم من آثار جائحة "كوفيد19" فقد بلغ النمو الاقتصادي الإفريقي 4.8% في عام 2021، مما يعني أن الانتعاش كان على قدم وساق. إلا أنه ووسط التحديات الكبيرة التي فرضتها الحرب في أوكرانيا، فقد انخفض إجمالي نمو الناتج المحلي لإفريقيا إلى 3.8% في عام 2022. ومع ذلك وعلى الرغم من تباطؤ النمو، فقد سجلت 53 دولة إفريقية نمواً بالعام الماضي.

ومن المتوقع على مدى العامين المقبلين أن تتفوق إفريقيا على بقية دول العالم من ناحية النمو الاقتصادي، حيث من المنتظر نمو متوسط إجمالي الناتج المحلي بإفريقيا حوالي 4% في عامي 2023 و2024، وهو أعلى بكثير من المتوسطات العالمية المتوقعة في خلال نفس العامين والبالغة 2.7% و3.2% على التوالي. ومن المتوقع أن تسجل اقتصادات الدول الإفريقية الخمس الأولى، والتي كانت هي الأعلى قبل جائحة "كوفيد19"، أكثر من 5.5% في المتوسط بعامي 2023-2024. ومن المتوقع أيضاً أن تنمو اقتصادات ستة بلدان إفريقية أخرى بمتوسط 6.5 إلى 9.5% في الفترة 2023 إلى 2024. 

تفاؤل حذر

يقوم التفاؤل الحذر بشأن الأداء العام للقارة على أربعة افتراضات، أعتقد أنها ستكون صحيحة.

1. الشباب الإفريقي

يتعلق أكبر سبب للتفاؤل فيما يخص القارة السمراء بشبابها، حيث تعد القارة موطناً لنحو 1.3 مليار شخص، أي حوالي 17% من سكان العالم، 40% منهم دون سن الخامسة عشرة، مما يجعلها إلى حد بعيد القارة الأكثر شباباً بالعالم من الناحية الديموغرافية. وعلى الرغم من أن هذا يشكل تحدياً من ناحية، لكن من ناحية أخرى يوفر هذا الجيل الشاب فرصة لا تضاهى لقارته. 

ويبدو ذلك جلياً في مجال الشركات الناشئة الإفريقية وحالة رأس المال الاستثماري في القارة، ففي عام 2022، تم جمع 6.5 مليار دولار من إجمالي تمويل رأس المال الاستثماري حول العالم بإفريقيا. ويمثل هذا المبلغ زيادة بنسبة 8% عن عام 2021. 

وقد شهدت القارة السمراء أعلى نسب نمو في تمويل رأس المال الاستثماري اعتباراً من عام 2021. وقد شارك أكثر من 1150 مستثمراً في النظام البيئي بالعام الماضي، ويمثل هذا زيادة بنسبة 29% عن العام الذي سبقه. ولا تقتصر قصص النجاح كلها على مجال التكنولوجيا المالية وطرق الدفع والتجارة الإلكترونية؛ ولكن تشمل قصص النجاح أيضاً ما يلي:

- في مصر، تساعد الشركات الناشئة الناجحة المزارعين على زراعة محاصيل أفضل وتقليل الفاقد أثناء النقل.

- في تونس، تم بيع شركة ناشئة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتشغيل النقل إلكترونياً والتنبؤ بتفشي الجراد، إلى شركة "بيونتك BioNTech" مقابل 680 مليون دولار.

- ذهبت أكبر سلسلة تمويل بعام 2020 إلى شركة كينية ناشئة توفر الحصول على الطاقة المتجددة في المناطق الريفية.

 وهكذا، فإن براعة الشباب الإفريقي لا تعرف الحدود. فعندما ألقي نظرة على الشباب في إفريقيا، ولاسيما كل تلك العقول الشابة والرائعة والتي تعمل في مجال الشركات الناشئة، أرى تجسيداً حقيقياً لعبارة "هناك حلول إفريقية لمشاكل إفريقيا".

2. منطقة التجارة الحرة

أما فيما يتعلق بالتجارة، فهناك ميل إلى استنكار الوتيرة البطيئة التي تتبعها المفاوضات بشأن معاهدة التجارة الحرة بالقارة الإفريقية. لكن الحقيقة هي أن الوتيرة كانت مستمرة وثابتة كما يتضح من النقاط التالية:

- منذ دخول معاهدة التجارة الحرة حيز التنفيذ بمايو 2019، وافقت الدول الإفريقية الأعضاء على تخفيض التعريفة الجمركية بنسبة 88% من بنود التعريفة الجمركية الأصلية تدريجياً خلال ثلاث سنوات.

- في فبراير 2023، تم اعتماد ثلاثة بروتوكولات إضافية جديدة للمعاهدة من قبل قادة الاتحاد الإفريقي بشأن حماية الاستثمار، وحقوق الملكية، وحماية المنافسة.

- في سبتمبر 2022، بدأت مبادرة تجارية منظمة في تسهيل المعاملات التجارية، بموجب قوانين منطقة التجارة الحرة، في ثمانية بلدان.

- تم إطلاق نظام الدفع وتسوية النفقات بالعملات الإفريقية المحلية مقابل البضائع العابرة للحدود لتسهيل الدفع على التجار.

- تم إنشاء صندوق للتسهيلات لمساعدة الحكومات في معالجة أي اضطرابات قصيرة الأجل يمكن أن تنشأ عن التجارة الحرة.

- تتفاوض الدول الإفريقية الأعضاء حالياً بشأن إضافة بروتوكول لتشجيع النساء والشباب على دخول السوق الحرة عن طريق تمويل مشاريعهم الصغيرة ومتناهية الصغر بالحوافز التي تسمح لهم بالاندماج بشكل أسرع في منطقة التجارة الحرة.

- بافتراض أن الطلب المحلي قائم على كل شيء. فأرجح أن القطاعات الرئيسية التي تمثل أعلى عائدات من الاستثمارات بموجب اتفاقية التجارة الحرة، في هذه الحالة، ستكون هي: صناعة السيارات، والأدوية، والمنتجات الزراعية، والصناعات التي تقوم على الزراعة.

3. الاستثمار في البنية التحتية

 لفهم ضرورة الاستثمار في البنية التحتية بالقارة السمراء، تجدر الإشارة إلى أن 600 مليون مواطن إفريقي لا يزالون يفتقرون إلى الكهرباء. وعلى سبيل المثال أيضاً، فإن 43% فقط من سكان القارة يمكنهم الوصول إلى الإنترنت.

يقدر بنك التنمية الإفريقي أن البنية التحتية للقارة تحتاج إلى 130 إلى 170 مليار دولار أمريكي سنوياً، بينما لسوء الحظ هناك فجوة تمويلية في حدود 68 إلى 108 مليارات دولار أمريكي. أي وبعبارة أخرى، تنفق القارة حوالي 2.5% من ناتجها الإجمالي المحلي، والذي يحتاج إلى زيادة سريعة، على بنيتها التحتية.

لذا تحاول الحكومات إيجاد طرق جديدة للحصول على التمويل المطلوب لسد الفجوة التمويلية للبنية التحتية. ومن هنا يلاحظ أن العديد من البلدان الإفريقية قد بدأت بالفعل في إصدار سندات بالدولار وأدوات دين لسد فجوة التمويل.

احتياجات البنية التحتية في إفريقيا هي من سيحدد كيفية التوجه إلى الدول المانحة. مع الأخذ بالاعتبار أن البلدان الإفريقية بدأت في إصدار سندات بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي في محاولة لتنويع مصادرها التمويلية. هذا وضع في اعتبارك أيضاً أن الصين وحدها قد استثمرت 23 مليار دولار أمريكي في مشاريع البنية التحتية بالقارة بين عامي 2007 و2020؛ وهذا يزيد بمقدار 8 مليارات دولار أمريكي عن أكبر ثماني دول مانحة مجتمعة.

4. الموارد الطبيعية

فيما يتعلق بالموارد الطبيعية، تظل قارة إفريقيا هي مصدر أكثر من 70% من مجموعة معادن البلاتين "PGMs"، و60% من الكوبالت، و20% من الذهب واليورانيوم، و10% من النفط، من نسب الاحتياطي العالمي، ناهيك عن نسب احتياطيات الفوسفات، والنحاس، وخام الحديد، والماس، والتنتاليوم بالقارة. لنفترض أن سلاسل التوريد حول العالم تتجه نحو الفصل العنصري كنتيجة للمنافسة الصينية الغربية. ففي تلكم الحالة، هذا يعني أن ودائع القارة إما ستكون دافعاً أكبر للنمو أو ستكون مادة جاذبة للصراع، اعتماداً على كيفية إدارة هذه  الودائع.

ختاماً،  لست متشائماً فيما يتعلق بشأن مستقبل إفريقيا، وفي الوقت نفسه فأنا مدرك تماماً لحجم التحديات التي تواجهها القارة. إن القارة السمراء بالتأكيد تقف الآن عند مفترق طرق. وعلى المجتمع الدولي، وبعد تاريخ طويل من استنزاف كنوز القارة، تقديم المساعدة.

إن نجاح إفريقيا وجاذبيتها يتحددان، على أفضل وجه، من خلال اعتماد سياسات تنمية متماسكة ومستدامة من شأنها القدرة على معالجة المشاكل الاقتصادية الهيكلية، وتحديد الاتجاه الاستراتيجي للقارة، وبالتالي طمأنة الشركاء الحكوميين والقطاع الخاص على استمرار التوجه الإيجابي داخل إفريقيا.

تعج الدول الإفريقية بالتحديات التي يجب مواجهتها، ولكن هذه الدول مليئة في الوقت نفسه بفرص كبيرة لا بد من اغتنامها واستغلالها على أكمل وجه. وسيحدد التعاون والتآزر الحتمي بين العدالة الدولية والذكاء الإقليمي، المسار الذي ستتبعه القارة بعد مفترق الطرق الذي تقف عنده.