أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

التضحية بـ "باشاغا":

تغير خريطة التحالفات الداخلية في ليبيا بعد إقالة صنع الله

21 يوليو، 2022


أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المقالة، عبد الحميد الدبيبة، في 12 يوليو 2022، إقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، وتعيين المصرفي، فرحات بن قدارة، خلفاً له، في خطوة تنذر باحتمالات إعادة تشكيل التحالفات الداخلية القائمة.

تطورات مفاجئة:

شهدت الأسابيع الأخيرة استقطاباً حاداً بين شرق ليبيا وغربها، مع تحول ورقة النفط إلى أحد أبرز محددات هذا الصراع، وهو ما ارتبط بمساعي حكومة الدبيبة إقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، بالتوازي مع تحركات البرلمان الليبي لمحاولة إقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصادق الكبير، واستبداله برئيس فرع مصرف ليبيا في شرق ليبيا، علي الحبري، كمحافظ عام. وعلى الرغم من عدم تنفيذ هذه القرارات حينها، بيد أن الأيام الأخيرة شهدت عودة الزخم المرتبط بالصراع على النفط، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- إقالة سريعة لصنع الله: أعلن وكيل وزارة الاقتصاد بحكومة الدبيبة، مصطفى السمو، والذي ترأس لجنة التسليم والتسلم، استكمال عملية تسلم رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الجديد، فرحات بن قدارة، لمهام عمله في 14 يوليو الجاري، بمقرها في العاصمة طرابلس. 

وكان الدبيبة قد أصدر قراراً، في 12 يوليو الجاري، بتشكيل مجلس إدارة جديد للمؤسسة الوطنية للنفط، برئاسة فرحات بن قدارة، وعضوية كل من حسين صافار، ومسعود سليمان موسى، وأحمد عبد الله عمار، وقد أمهلت قوة "حماية الدستور" و"القوة المشتركة مصراتة" صنع الله ساعة واحدة لقبول الاستقالة ومغادر مقر المؤسسة.

2- رفض صنع الله القرار: أعلن رئيس مؤسسة النفط الوطنية المقال، مصطفى صنع الله، رفضه قرار الإطاحة به، وذلك بعد نحو 8 سنوات قضاها في هذا المنصب منذ 2014، حيث اتهم صنع الله حكومة الدبيبة المقالة باقتحام مقر مؤسسة النفط بالقوة عبر مجموعات مسلحة لتنفيذ قرار إقالته بالقوة، كما ألمح إلى أن الشركات التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط والمسئولين التنفيذيين لا يزالون يعترفون به رئيساً للمؤسسة.

وحمل صنع الله مسؤولية الانتهاكات التي تعرض لها بعض موظفي المؤسسة والأضرار التي لحقت ببعض المستندات والأصول الخاصة بها، للدبيبة، وابن قدارة وأعضاء لجنة التسليم والتسلم، مشيراً إلى تقدمه بشكوى رسمية إلى النائب العام.

3- مواقف داخلية وخارجية متباينة: طالب رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، الدبيبة بضرورة إلغاء قرار إقالة صنع الله، وهو الأمر الذي رفضه الدبيبة، حيث اعتبر أن رأي مجلس الدولة استشاري غير ملزم بالنسبة لحكومته.

وأكد رئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب الليبي، عيسى العريبي، على شرعية مجلس مصطفى صنع الله، معتبراً أن قرارات حكومة الدبيبة لا يعتد بها باعتبارها صادرة عن جهة غير ذات صفة. فيما لم يصدر أي موقف واضح من قبل رئيس مجلس النواب، أو رئيس حكومة الاستقرار، فتحي باشاغا، في مؤشر على تفاجئه بالخطوة الأخيرة. 

ومن ناحية أخرى، عبّر السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نوريلاند، عن قلقه البالغ إزاء التطورات المرتبطة بالمؤسسة النفطية، التي وصفها بأنها ظلت مستقلة سياسياً وذات كفاءة تقنية تحت رئاسة صنع الله، مشيراً إلى أنه يمكن الطعن على قرار إقالة الأخير، لكنه حذر من تحول هذا الملف لموضوع مواجهه مسلحة، مشيراً إلى أن الإشكالية الرئيسية تتمثل في مدى إمكانية استعادة إنتاج النفط والغاز، في مؤشر على استعداد واشنطن للتضحية بصنع الله، إذا ما أزداد إنتاج النفط والغاز. 

أما السفارة البريطانية فقد اكتفت فقط بالتعبير عن قلقها من التطورات الراهنة، بينما لم تصدر أي بيانات من قبل بقية القوى الأوروبية المرتبطة بالملف الليبي، وهو ما قد يعزى لمصالحها الرئيسة المرتبطة بالنفط والغاز الليبيين، ورغبتها في الاستفادة من عودة الصادرات الليبية.

دلالات مهمة:

عكست هذه الخطوة المفاجئة من قبل حكومة الدبيبة بإقالة صنع الله العديد من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- خلافات بين صنع الله والدبيبة: شهدت الفترة الأخيرة تفاقم الخلافات بين المؤسسة الوطنية للنفط من ناحية، وحكومة الدبيبة المقالة ووزارة النفط بها من ناحية أخرى، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بلغت ذروتها خلال الأيام الأخيرة، باتهام كل طرف الآخر بالتورط في قضايا فساد والارتباط بأطراف خارجية.

وتجدر الإشارة إلى أن صنع الله كان قد وجه خطاباً للدبيبة قبل أيام قليلة من إقالته، حذره فيه من أي تحركات تستهدف إقالة المجلس الحالي للمؤسسة النفطية، وردت وزارة النفط بحكومة الدبيبة على ذلك ببيان حاد، حملت خلاله مجلس صنع الله نتائج التدهور الحالي في عوائد النفط.

2- التزامن مع زيارة بايدن الشرق أوسطية: تأتي خطوة إقالة صنع الله بالتزامن مع الجولة الأولى للرئيس الأمريكي، جو بايدن، لمنطقة الشرق الأوسط، والتي يمثل ملف الطاقة محور المباحثات التي ستركز عليها هذه الجولة.

ويبدو أن الدبيبة عمد إلى اختيار هذا التوقيت لبث رسائل لواشنطن مفادها استعداده للعمل على زيادة حجم الصادرات الليبية من النفط والغاز بما يتسق مع الرغبة الأمريكية، لاسيما أن ليبيا تمتلك أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط في أفريقيا، بحوالي 48 مليار برميل، بالإضافة إلى نحو 53 تريليون قدم مكعبة من الغاز، فضلاً عن سهولة وصول الطاقة الليبية إلى الأسواق الأوروبية.

3- صفقة جديدة بين الدبيبة وحفتر: كان الرئيس الجديد للمؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، محافظاً للبنك المركزي في حقبة القذافي، وأشارت تقديرات إلى ارتباط بن قدارة بعلاقات قوية بقائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، وكذا بعض القوى الإقليمية الداعمة للشرق الليبي، في مؤشر ربما يعكس دلالة مهمة بشأن احتمالات وجود تقارب محتمل بين الدبيبة وحفتر.

ويتسق هذا الطرح مع تأكيد تقرير نشر في الأول من يوليو الجاري يتحدث عن وجود مباحثات بين قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، للإطاحة بصنع الله، حيث عرض الدبيبة على حفتر اختيار خليفة لصنع الله، واستعادة دفع رواتب المؤسسة العسكرية، مقابل دعم حفتر للدبيبة في الاستمرار في السلطة.

وتجدر الإشارة إلى توتر علاقة حفتر وصنع الله خلال الأشهر الأخيرة بسبب موقف الأخير المتردد من حكومة باشاغا المدعومة من قبل الشرق الليبي، كما تراجع تمويل الجيش الليبي، بعدما توقف مصرف ليبيا المركزي الموازي في الشرق عن العمل.

واقع داخلي جديد:

يبدو أن المتغيرات الجديدة التي شهدها الملف الليبي تكشف عن احتمالات إفراز واقع داخلي جديد، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- إعادة هيكلة التحالفات الداخلية: جاءت خطوة تعيين رئيس جديد للمؤسسة الوطنية للنفط بناء على صفقة مشتركة بين حفتر والدبيبة، وهي الصفقة التي ربما تؤسس لتوافقات أوسع بين الرجلين خلال المرحلة المقبلة.

وعلى الرغم من وجود توافق في موقف مجلسي النواب والدولة برفض تعيين رئيس جديد للمؤسسة الوطنية للنفط، فإن دوافعهما مختلفة، ففي حين يعترض مجلس النواب على هذه الخطوة باعتبارها تتجاوز سلطات المجلس، يرتكز رفض مجلس الدولة لقرار تعيين بن قدارة لاعتبارات تتعلق بعلاقة الأخير القوية بقائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، بالإضافة لابتعاده عن تيار الإسلام السياسي، بل أن هذه التقديرات أشارت إلى إمكانية حدوث تصدعات في تحالفات شرق ليبيا بالنظر إلى الدعم الذي كان يحظى به صنع الله من قبل رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، وكذا باشاغا.

ومع ذلك، يجب التعامل مع هذا الاستنتاج بحذر، إذ لم يصدر أي اعتراض رسمي من قبل مجلس النواب على تعيين بن قدارة، باستثناء اعتراض رئيس لجنة الطاقة بالمجلس، وهو ما يدحض احتمالات حدوث تصدعات بين مجلس النواب والجيش الوطني الليبي، لاسيما وأن الأخير كان قد دافع عن استمرارية البرلمان الليبي ضد الدعوات التي طالبت بحل كافة الأجسام السياسية.

2- تنامي الشك حول مستقبل باشاغا: إذا ما أكدت الترجيحات وجود تنسيق بين الدبيبة وحفتر بشأن التغيرات الأخيرة في مجلس المؤسسة النفطية، فإن فرص نهاية حكومة باشاغا سوف تزداد، لاسيما مع وجود تقديرات ألمحت إلى أن الدبيبة سيعمد إلى إجراء بعض التعديلات على حكومته الحالية للاستمرار في السلطة.

وربما تؤدي هذه الخطوة إلى تهدئة الاحتجاجات التي كانت قد اندلعت خلال الأسابيع الأخيرة، اعتراضاً على تردي الأوضاع المعيشية، كما يمكن أن تفضي الترتيبات الجديدة إلى حلحلة أزمة إمدادات النفط والغاز، وبالتبعية مشكلة الكهرباء في الداخل الليبي، مع إمكانية التضحية بحكومة باشاغا. وبالإضافة لباشاغا، فإن الخاسر الأكبر من هذه الترتيبات هو المجلس الأعلى للدولة، الذي يسيطر عليه التيار الإسلامي وعناصر من إخوان ليبيا بقيادة خالد المشري.

3- موقف خارجي غامض: يحظى صنع الله بدعم واسع من غالبية الشركات النفطية العاملة في ليبيا، سواء الوطنية أو الأجنبية، الأمر الذي يطرح تساؤلات واسعة بشأن موقف هذه الفواعل إزاء هذه الخطوة، حيث لا يزال هناك غموض بشأن ما إذا كانت هذه الشركات ستعترف بشرعية المجلس الجديد للمؤسسة النفطية.

وحاول ابن قدارة توجيه رسائل طمأنة لها من خلال التأكيد على الالتزام بكافة العقود والتعهدات الدولية، كما ألمح إلى أنه يجري مشاورات حالية مع السفارة الأمريكية والفرنسية في ليبيا، كما تجري حكومة الدبيبة اتصالاتها مع الشركاء الدوليين.

ويرتبط الأمر أيضاً بالموقف الأمريكي الملتبس حتى الآن، فقد جاءت تصريحات السفير الأمريكي على إقالة صنع الله فضفاضة، فعلى الرغم من انتقاده لإقالة صنع الله، لكنه جعل المجال مفتوحاً أمام احتمالية دعم المجلس الجديد للمؤسسة النفطية، بيد أن ثمة تقديرات استبعدت ذلك باعتبار أن هذه الخطوة تصب في مصلحة روسيا، التي باتت تمثل فاعلاً رئيسياً في الملف الليبي، لاسيما فيما يتعلق بملف النفط والغاز.

ومن جهة أخرى، ربما تلاقي خطوة الدبيبة دعماً من أنقرة، باعتبار أنها ضمنت استمرار حليفها الدبيبة في السلطة، مع عدم خسارتها الخطوات الإيجابية التي اتخذتها مؤخراً نحو الشرق الليبي.

4- رفع الحصار عن الموانئ والحقول النفطية: أدى تعيين فرحات بن قدارة على رأس المؤسسة الوطنية للنفط إلى رفع الحصار المفروض على بعض الحقول النفطية، منذ أبريل الماضي، والتي تسببت في تراجع الصادرات الليبية من النفط من حوالي مليون برميل يومياً إلى حوالي 400 ألف برميل فقط، مما أدى إلى خسائر مالية تجاوزت الـ 3.5 مليار دولار.

وأعلن ابن قدارة، في 15 يوليو الجاري، انتهاء حالة القوى القاهرة عن كافة الموانئ والحقول النفطية، وهو ما تزامن مع انسحاب الجماعات القبلية التي كانت تحاصر المنشآت النفطية، والتي اتفقت مع ابن قدارة على استئناف الإنتاج والتصدير.

وفي الختام، يبدو أن التطورات الأخيرة التي شهدها الملف الليبي سيعيد تشكيل المشهد الداخلي، لكنه ربما يكرس مزيداً من التنافس الروسي – الأمريكي في ليبيا، لاسيما أن قرار تغيير مجلس المؤسسة الوطنية قد يعرقل المشروع الأمريكي الساعي لتشكيل لجنة لإدارة عوائد النفط، مقابل تعزيز النفوذ الروسي في المشهد، وربما تكون موسكو قد قبلت فكرة المكسب طويل الأجل، مقابل بعض التنازلات المتعلقة بزيادة حجم الصادرات الليبية من النفط والغاز، خاصةً أن هذا الأمر ربما يفرز بعض الانقسامات في الموقف الغربي، بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.