أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

المسار البديل:

توافقات دستورية مع استمرار الصراع بين حكومتي ليبيا

28 مايو، 2022


أعلنت المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، في ختام اجتماعات اللجنة المشتركة للمسار الدستور التي احتضنتها القاهرة (15 – 20 مايو 2022)، عن التوصل إلى توافقات بين مجلسي النواب والدولة حول 137 مادة من إجمالي 197 مادة يتشكل منها مشروع الدستور المعد من قبل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في يوليو 2017، ما يمثل تطوراً مهماً في مسار المشهد السياسي الليبي، على الرغم من الصراع القائم بين حكومتي فتحي باشاغا وعبدالحميد الدبيبة.

سياقات داخلية متداخلة

استضافت القاهرة الجولة الثانية من اجتماعات اللجنة المشتركة للمسار الدستوري بين مجلسي النواب والدولة الليبيين، وهو ما نتج عنه التوافق حول 70% من مواد مشروع الدستور، والتي تنظم الحقوق والحريات والسلطات الثلاث في الدولة. وتأتي هذه التطورات في وقت شهدت فيه ليبيا جملة من المتغيرات التي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- فشل باشاغا في دخول طرابلس: جاء الإعلان عن التوافقات الأخيرة بشأن المسار الدستور بعد أيام قليلة من محاولة رئيس الحكومة الليبية الجديدة، فتحي باشاغا، الدخول للعاصمة طرابلس، قبل أن ينسحب منها بسبب اندلاع مواجهات عنيفة بين القوات الموالية له، وتلك التابعة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة، عبد الحميد الدبيبة.

2- تحركات خارجية مكثفة للدبيبة: شهدت الفترة الأخيرة تحركات مكثفة للدبيبة، في محاولة منه لحشد موقف داعم له يسمح له بالبقاء في السلطة لحين إجراء الانتخابات، والتي يبدو أنها لا تزال تواجه حالة من التأجيل غير المنظور. 

وفي هذا السياق، زار الدبيبة للجزائر قبل أسابيع قليلة، كما أشارت تقارير إلى ترتيب الدبيبة لزيارة الولايات المتحدة، بدعوى لقاء الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بيد أن الهدف الحقيقي للزيارة هو التوصل إلى تفاهمات مع واشنطن بشأن موقفها من الأطراف المتنافسة.

3- مبادرة فرنسية جديدة: أشارت تقارير فرنسية عن وجود مبادرة تقودها باريس سيتم طرحها عبر تنظيم مؤتمر حول ليبيا، يستهدف مناقشة مقترح بتشكيل دولة ليبية فيدرالية تتكون من ثلاثة أقاليم، طرابلس وفزان وبرقة. 

وألمحت هذه التقارير إلى أن هناك وفداً من إقليم فزان يقوم حالياً بزيارة باريس، برئاسة رئيس الوزراء الليبي السابق على زيدان، وإن نفى الأخير ذلك. وتتراجع فرص هذه المبادرة، خاصة في ظل وجود رفض واسع للنظام الفيدرالي من جانب أغلب القوى الرئيسية في ليبيا، وبعض الدول الخارجية.

دلالات مهمة:

كشفت تطورات الملف الليبي عن عدة دلالات مهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- استمرار خلافات المسار الدستوري: أحرزت الجولة الثانية من اجتماعات القاهرة حول المسار الدستوري تقدماً، بيد أنه لا يزال هناك نحو 57 مادة تنتظر الحسم خلال الجولة الثالثة والتي يتوقع إجراؤها في يونيو المقبل. 

وتمثل النقاط المؤجلة محور الخلاف الرئيسي بين أعضاء اللجنة المشتركة، ما يعني أنه لا تزال هناك صعوبة وشكوك حول إمكانية التوصل إلى تفاهمات بشأنها، إذ تتعلق هذه المواد بمركزية الدولة، وصلاحيات الرئيس، والشروط الواجب توافرها في المرشحين لهذا المنصب.

وتُبذل مساعٍ مكثفة لإحداث اختراق في هذا الشأن، بحيث تصبح الجولة المقبلة حاسمة في الانتهاء من المسار الدستوري، تمهيداً لعرضه على مجلسي النواب والدولة لإقراره، وعرضه على الاستفتاء الشعبي.

2- تقارب مجلسي النواب والدولة: عكست التوافقات الأخيرة التي شهدتها اجتماعات القاهرة بين مجلسي النواب والدولة وجود مؤشرات مهمة بشأن احتمالية إنهاء الخلافات القائمة بينهما. وربما يدفع هذا التوافق بعض القوى الدولية لإعلان دعمها لحكومة باشاغا، وهو ما يقلق الدبيبة كثيراً، ويدفعه لمحاولة صياغة ترتيبات مضادة.

واتساقاً مع هذا الطرح، سرت أنباء حول محاولات يقوم بها رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، للتوصل إلى تفاهمات مع رئيس مجلس الدولة الاستشاري، خالد المشري، ورجحت هذه الأنباء أن تكون هذه قد انطوت على مطالب تقدم بها المشري كشروط مسبقة لدعم حكومة باشاغا، منها إجراء بعض التغيرات على تشكيلة حكومة باشاغا الحالية.

3- مساعٍ لتعزيز موقف باشاغا: قد يؤدي فشل باشاغا في الدخول للعاصمة طرابلس إلى التأثير على مستويات الدعم الداخلي والخارجي له، مقابل تعزيز وضعية الدبيبة، خاصة إذا ما نجح في القيام بزيارة إلى الولايات المتحدة.

ويضاف إلى ما سبق الدعم الجزائري الراهن لحكومة الدبيبة، خاصةً مع الاتفاقيات الأخيرة التي تم إبرامها مع الجزائر، والتي تضمنت اتفاقية الطاقة الجديدة بين شركتي جيكول الليبية والشركة الوطنية الجزائرية للكهرباء، فضلاً عن اتفاقية الغاز الموقعة بين شركتي النفط الليبية وشركة سوناطراك الجزائرية.

وفي المقابل، يقوم عقيلة صالح بتحركات لتعزيز وضع باشاغا، وهو ما وضح في اتجاهه لزيارة تركيا، للتأثير على موقفها من باشاغا، ويستغل صالح في ذلك قلق أنقرة من تراجع مستوى القبول الداخلي والخارجي للدبيبة، لاسيما من قبل الولايات المتحدة بسبب دوره في عرقلة إجراء الانتخابات التي كان مقرراً لها في 24 ديسمبر الماضي.

الحفاظ على التحالفات القائمة:

يبدو أن ثمة انعكاسات محتملة يمكن أن تترتب على المتغيرات الأخيرة التي شهدتها ليبيا، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعزيز التحالفات القائمة: تعكس مؤشرات التفاهم الأخيرة بين مجلسي النواب والدولة، فضلاً عن الزيارة المرتقبة لرئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، لتركيا، وجود محاولات للحفاظ على التوافق بين الشرق والغرب، والذي تجلى في السابق في انتخاب باشاغا. 

وربما يعزز من هذا الطرح استضافة مدينة بوزنيقة المغربية، في 24 مايو 2022، اجتماعات بين عدة أطراف ليبية وممثلين عن بعض المجموعات المسلحة، تضمنت كل من رئيس جهاز دعم الاستقرار، عبد الغني الككلي (غنيوة)، وقائد كتيبة ثوار طرابلس، أيوب بوراس، ورئيس جهاز الأمن العام، عماد الطرابلسي، وكذا ممثلين عن قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر. 

ورجحت بعض التقديرات حضور نجل حفتر، بلقاسم حفتر، بالإضافة إلى بعض أعضاء حكومة باشاغا وأعضاء من البرلمان الليبي، وهو ما يعكس محاولات مستمرة للبناء على التفاهمات القائمة بين شرق وغرب ليبيا وتعزيزها، وهو ما يخصم من نفوذ باشاغا. 

في المقابل، يتحسب الدبيبة لهذه التحركات من خلال الخطة التي طرحها وزير الداخلية بحكومته، اللواء خالد مازن، والتي تستهدف إعادة دمج الميليشيات المسلحة الموجودة في غرب ليبيا وحصر السلاح المنتشر هناك، في خطوة يبدو أنه يستهدف من خلالها تعزيز هيمنته على غرب ليبيا وتجنب تكرار محاولة باشاغا دخول العاصمة، أو حصوله على أي دعم من المجموعات العسكرية الموجودة هناك.

2- فشل طرح حكومة جديدة: تجري محاولات بين بعض الأطراف الداخلية والخارجية لتشكيل حكومة ليبية جديدة، تنهي عمل الحكومتين المتنافستين، بعدما باتت الأمور تسير نحو حالة من الانقسامات السياسية الحادة في البلاد. 

ولاقت هذه الفكرة داعماً من جانب بعض الأطراف الداخلية، لعل أبرزهم المشري، فضلاً عن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، والذي كان قد طرح مبادرة خلال الأسابيع الأخيرة لمحاولة تشكيل حكومة مصغرة برئاسته، تكون عوضاً عن حكومتي باشاغا والدبيبة. بيد أن البرلمان الليبي أكد عدم نيته الموافقة على تشكيل حكومة مصغرة ثالثة، والتمسك ببقاء باشاغا على رأس الحكومة، وهو ما ينذر بفشل هذه المحاولة، خاصة أن موقف القوى الدولية من هذا الطرح لا يزال غامضاً.

وفي الختام، على الرغم من أهمية التوافقات التي أفرزتها اجتماعات القاهرة بشأن المسار الدستوري، بيد أن هناك العديد من المواد الخلافية التي لا تزال تمثل تحدياً كبيراً، وينبغي حسمها خلال الجولة الثالثة. كما أن كل محاولات الدبيبة لتعزيز وضعه الداخلي، لاتزال تواجه بتحديات من مجلس النواب، والذي لايزال متمسكاً برئاسة باشاغا للحكومة الليبية، كما يرفض أي مبادرات أخرى تتعلق بتشكيل حكومة بديلة لباشاغا والدبيبة.