أخبار المركز

الأسبوع الصحفي:

تحليل إخباري | مقتل الرئيس الإيراني يعرقل طريق التصالح مع المغرب

16 مايو، 2024


إعداد: سعيد الريحاني

    كيف يعقل أن يتصالح النظامان السعودي والإيراني وهما يقفان على طرفي نقيض في الدين، وفي العلاقات الدبلوماسية، بل هما البلدان المرشحان الدائمان للمواجهة العسكرية، وقد كانت المحافل الدولية شاهدة على الصراع الكبير بين البلدين؟ كيف استطاعت إيران أن توقع اتفاقا استراتيجيا مع الصين؟ وكيف استطاعت أن تخرج أكبر بلد خليجي من تحت عباءة أمريكا ؟

كلمات السر كانت توجد حتما عند الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته عبد اللهيان، ولكن سقوط مروحية الرئيس يوم الأحد، والمغاربة يقولون: “يوم الأحد لا يوجد أحد”، سيكون من نتائجه حتما تأجيل كل نقاش عن إمكانية إصلاح العلاقات بين المغرب وإيران، بل إن إيران ستجد نفسها أمام بشاعة هذا الحادث مجبرة على الاهتمام بإعادة ترتيب بيتها الداخلي، الذي تعرض حتما لاختراق كبير(..)، وما دمنا نتحدث عن اختراق، فإن كشف محور “الخيانة الناعمة” سيتطلب حتما وقتا طويلا، ومن تم، قد لا يكون هناك من جديد مجال للحديث عن دور إيراني في الحرب مع إسرائيل في غزة، أو الحرب مع الغرب في أوكرانيا، وطبعا لا مجال للدبلوماسية والحوار مع بلدان أخرى أقل أهمية..

القصة كما تناقلتها وسائل الإعلام، حصلت يوم الأحد الماضي، وتم تأكيدها رسميا من طرف إيران بعد أن أعلنت في نفس اليوم عن وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، جراء سقوط الطائرة التي كان يستقلها خلال رحلة العودة في محافظة أذربيدجان الشرقية، بعد لقاء من مستوى عال عقده مع الرئيس الأذربيدجاني، إلهام علييف، وهو واحد من داعمي القضية الوطنية المغربية..

كل من الرئيس الأذربيدجاني الذي يقود بلاده بنجاح وبقبضة من حديد في محيط متقلب، محاط بالمؤامرات(..)، وضيفه الرئيس الإيراني، كانا يهدفان إلى دعم مشاريع الحياة، عبر تدشين مشروع عملاق هو سد “قيز قلعة سي”، وهو مشروع مشترك بين الدولتين، من المفترض أن يجمع 2 مليار متر مكعب من المياه سنويا.. لكن الأقدار كانت قد وضعت للرئيس الإيراني موعدا مباشرا مع الموت بعدها، لذلك لا غرابة أن تكون أكثر برقيات التعزية تأثرا هي تلك التي صدرت عن المسؤولين في أذربيدجان، حيث قال الرئيس علييف: ((نشعر بصدمة شديدة بسبب الحادث المأساوي لجمهورية إيران الإسلامية وشعبها، بعد وفاة رئيس جمهورية إيران إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان ومرافقين لهما في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، وفقد الشعب الإيراني في شخص الرئيس، رجل دولة بارز خدم بلاده بإخلاص طوال حياته. ستبقى ذكراه العزيزة حية في قلوبنا دائما))، ونفس الإحساس بالحزن نقلته وكالة “أذرتاج” النشيطة والناطقة بعدة لغات، عن وزارة الخارجية الأذربيدجانية التي قالت: ((لقد شعرنا بحزن عميق إزاء النبأ الرهيب عن وفاة رئيس جمهورية إيران إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، والحاكم العام لمحافظة أذربيدجان الشرقية مالك رحمتي، وإمام تبريز محمد علي هاشم، وغيرهم من المرافقين لهم أثناء حادث تحطم المروحية.. في هذا اليوم المرير، تقف أذربيدجان متضامنة مع جمهورية إيران الشقيقة والصديقة)).

حدث هذا في أذربيدجان.. جوهرة القوقاز، بعيدا عن المغرب، لكن المملكة لم تكن لتتأخر عن تقديم “واجب العزاء” رغم أن العلاقات مقطوعة بين البلدين، وقد تكلف وزير الخارجية ناصر بوريطة، الذي يقف شخصيا على اتهام إيران و”حزب الله” بدعم ميليشيات البوليساريو، ببعث برقية تعزية إلى إيران جاء فيها: ((على إثر حادث سقوط الطائرة المروحية الذي أودى بحياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ومجموعة من المسؤولين، تتقدم المملكة المغربية بتعازيها الصادقة للشعب الإيراني وعائلات الضحايا)).

التعزية في ظل علاقات مقطوعة لها رمزية كبيرة على المستوى الدبلوماسي والشعبي، وأقل ما يقال عنها أن جاءت لتفادي سوء الفهم في هذه الظروف(..)، التي ستفرض على إيران الاعتزال لفترة في بيتها، نتيجة التداعيات المحتملة.. فـ((من المُرجح أن تُسفر الفترة الانتقالية الحالية في إيران عن انكفائها على ترتيب البيت الداخلي، مرحليا، إلى حين انتهاء المدة المحددة لإجراء انتخابات رئاسية، وهي 50 يوما، ثم الدخول في ماراثون انتخابات رئاسية واختيار رئيس وتشكيل حكومة بعد ذلك، لذا قد تشهد بعض الملفات الخارجية تجمدا خلال الفترة المقبلة، ومنها على سبيل المثال المباحثات غير المباشرة التي كان قد أُعلن عنها قبيل الحادث، التي جرت بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين في سلطنة عُمان، وهو نفسه ما حدث عندما تولى رئيسي الحكم، إذ تجمدت المباحثات التي كانت تجرى في نهاية عهد الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، لعدة أشهر. كما قد تتجنب طهران أي أعمال من شأنها استفزاز الولايات المتحدة أو إسرائيل خلال هذه الفترة، إلا أن ذلك قد يكون بشكل مؤقت، ومن ثم تعود طهران لإدارة تلك الملفات مرة أخرى)) (المصدر: الباحث شريف هريدي: التداعيات المُحتملة لوفاة رئيسي على سياسات إيران/ عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

الحوار بين أمريكا وإيران تأجل عمليا حتى إشعار آخر، وتأجلت معه المصالحة المغربية الإيرانية، لأن الرئيس (رئيسي) الذي تصالح مع السعودية، لم يكن ليمضي ولايته دون أن يسعى إلى التقارب مع وجهة النظر المغربية.. كيف يعقل أن لا يتصالح مع المغرب من تصالح مع السعودية؟ وأكثر من ذلك، فإيران التي تفتخر بعلاقاتها مع أذربيدجان في الفترة الأخيرة، تعرف جيدا، كما يعرف العارفون، أن هذا البلد يشبه المغرب فيما يتعلق بعراقة التاريخ والعلاقات المشتركة، وقد يكون لهما نفس العدو أحيانا، ونفس الحسابات الدبلوماسية في غالب الأحيان، لذلك لا غرابة أن تجد أن لهما نفس الرؤى فيما يتعلق بالوحدة الترابية لكلا البلدين..

غير بعيد عن أذربيدجان، دفن الرئيس الإيراني رئيسي، ودفنت معه مرحلة كان من الممكن أن تنتهي بتطوير العلاقات بين المغرب وإيران(..)، تلك العلاقة الملتبسة عبر التاريخ، كما كتبت عنها عدة أقلام، حاولت شرح أسباب هذا التوتر الدائم بين البلدين البعيدين جغرافيا، حيث يرجع التوتر الحاصل بين إيران والمغرب إلى أسباب ذات جذور إيديولوجية وأخرى سياسية.. فلقد ظل الملك الراحل الحسن الثاني أحد الداعمين الأساسيين للغرب، وخصوصا للسياسة الخارجية الأمريكية، تماما كما كان عليه الأمر بالنسبة للشاه

الإيراني الأسبق محمد رضا بهلوي.. هذا الأخير سمح له الملك الحسن الثاني بالفرار إلى المغرب عقب الثورة الإيرانية عام 1979، بعدما أطاح به آية الله الخميني وبنظامه، حيث توجه بداية إلى مصر قبل أن يستقر به الأمر في المغرب، وهو الأمر الذي خلق توترا بين المغرب والقيادة الجديدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية.. وبقيت العلاقة بين الجانبين متوترة، حيث أقدم المغرب سنة 2009 على قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران عقب اتهامات تفيد بتهديد إيران لسيادة البحرين، وكذا إثر شكوك حول تدخل إيران في زعزعة الوحدة الترابية للمملكة.. فلقد أبدى المغرب قلقا بخصوص إشعال إيران للتوترات الطائفية، وكذا بسبب دعمها للطائفة الشيعية بالبلاد، حيث توجد بالمغرب طوائف شيعية صغيرة.

*لينك المقال في الأسبوع الصحفي*