أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تضارب المصالح:

فرص تشكيل تحالف عسكري ضد "داعش" في ليبيا

01 مارس، 2015

تضارب المصالح:

استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوم 22 فبراير 2015، الدكتور محمد مجاهد الزيات، مستشار المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، في محاضرة عامة تحت عنوان: "فرص تشكيل تحالف عسكري ضد داعش في ليبيا".

ازدواجية سياسية وانتشار للميليشيات

أكد الزيات بداية المحاضرة على أهمية استعراض وفهم ما يحدث في ليبيا، سياسياً وعسكرياً، للوقوف على الفرص المتاحة لمواجهة "داعش" في الوقت الراهن. فعلى الصعيد السياسي؛ ثمة ازدواجية في السلطة بعدما نجح البرلمان المنتخب وأقام حكومة تمثله، بينما لايزال البرلمان السابق يتمسك بحقه وأقام حكومة هو الآخر؛ مما أحدث ارتباكاً دولياً، وأدى إلى مطالبات غربية بدمج البرلمانيين سوياً لإيجاد صيغة مقبولة دولياً للحكومة الليبية، حيث يرى أنصار هذا الطرح ضرورة دمج الإخوان المسلمين سياسياً.

أما على الصعيد العسكري، فثمة مجموعات ميليشياوية متعددة تقاتل لأهداف مختلفة، فيما يحاول الجيش الليبي إعادة تأسيس نفسه والحصول على أسلحة من أجل مواجهة الإرهاب.

"داعش" في ليبيا

ألقى المحاضر الضوء كذلك على ظاهرة انتشار الجماعات الإرهابية المتطرفة في ليبيا، ومنها التمدد الجديد لتنظيم "داعش"، مشيراً إلى أن "داعش" مستقل حالياً عن تنظيم القاعدة، ولكن تبقى دائماً هناك قنوات حوار واتصال بين الطرفين. وتمثل ذلك بوضوح في إطلاق الأردن سراح "أبي محمد المقدسي" – المرجع الفكري لأبي مصعب الزرقاوي - للتفاوض على إطلاق سراح الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة، حيث أجرى المقدسي اتصالات بالفعل مع عدة قيادات من "داعش"، ولكن ذلك لم يثمر أية حلول، وانتهى الأمر في النهاية بإعدام الكساسبة حرقاً.

وفي هذا السياق أشار المحاضر إلى أنه على الرغم مما يثار حول الدعم الذي تلقاه "داعش" في بادئ الأمر من بعض الدول لتحرير سوريا والعراق، فإنه مثل كل التنظيمات المتطرفة يتبنى أفكاراً لينفذ أجندته الخاصة في النهاية، ويعمل على تحقيق تطلعاته في التمدد وفرض مزيد من السيطرة.

وفيما يخص ليبيا تحديداً، فقد ساهم توفر الأرض الخصبة في ليبيا، وامتداد الحدود الليبية لمسافة 3500 كيلومتر مربع في مناطق ضعيفة، باستثناء الحدود مع مصر وتونس، في إيجاد فرصة ممتازة لتوفر المناخ الخصب لانتشار تنظيم "داعش" وظهوره بهذه الوحشية.

وحول أبرز التنظيمات المتطرفة المنتشرة الآن في ليبيا، ذكر المحاضر أن أغلب التنظيمات الفرعية في ليبيا تتمثل في "داعش"، ومجلس شورى المقاتلين، وفجر ليبيا، وثوار مصراتة، ودرع الثورة، وكتيبة أبوسليم، وغيرها، مشيراً إلى أن معظم الميليشيات تفرعت في الأساس من "الجماعة المقاتلة الليبية" في درنة، والتي تحولت فيما بعد إلى "أنصار الشريعة"، حيث بدأت هذه الجماعة في منطقة درنة، التي تحتضن الجماعات المتطرفة الآن، نتيجة لطبيعتها الجغرافية، لأنها تقع بين جبلين ووسط سيطرة قبيلة منفردة بذاتها تحتكر من خلال موقعها الساحلي تهريب الأفراد والأسلحة غير الشرعية من خلال استغلال قربها من شواطئ إيطاليا، وهذا هو الدافع وراء التهديدات التي وجهها "داعش" لإيطاليا، مما جعل إيطاليا تحديداً متورطة في الدفاع عن أمنها، ولهذا أعلنت سريعاً قبول التحالف المؤقت مع مصر للحفاظ على أمنها القومي من مخاطر تدفق جهاديي "داعش" عقب نشر فيديو ذبح المصريين المختطفين في ليبيا، لكن إيطاليا، ولاعتبارات عديدة، أرجأت هذا الأمر وفقاً لارتباط مواقفها بكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

صعوبات تشكيل تحالف عسكري

بناءً على هذا الواقع السياسي والعسكري في ليبيا، رأى الزيات أن إمكانية تحالف عسكري ضد "داعش" في ليبيا تبدو صعبة جداً، نظراً لعدة أسباب، من أبرزها:

1 ـ تباين وجهات نظر دول الجوار، ففيما تطالب مصر بدعم وتسليح الجيش الليبي ورفع قدراته العسكرية، ترى أطراف أخرى أن الحل سياسي بالأساس، وهذا يقترب من وجهة النظر الأمريكية والغربية، التي تحاول أن تقدم مصر وكأنها تفضل العمل العسكري فقط، وهو ما لا يبدو صحيحاً إلى حد بعيد.

2 ـ إن ثمة قدرة محدود لكل من إيطاليا وفرنسا للمشاركة الفاعلة في تحالف مؤقت مع دول من أهمها مصر، إذ يخضع موقف الدولتين للحسابات الدولية الكلية من جانب، كما أنهما قوى متوسطة من جانب آخر، ولا يمكن مثلاً لفرنسا إلا توجيه ضربات عسكرية وسط تحالف دولي أو إقليمي، ولا يمكنها كذلك التدخل المباشر على غرار ما حدث في مالي، حيث اعتمدت الحرب برياً على قوات تم تشكيلها من دول غرب أفريقيا. وعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن هناك حوالي 60 دولة تشارك في التحالف الدولي ضد "داعش" في سوريا والعراق، فإن هناك 14 دولة فقط تشارك بشكل فعلي في الحرب ضد "داعش".

3 ـ إن الرؤية الغربية لليبيا تتمثل في الحل السياسي الذي يقوم على إمكانية دمج التيارات الإسلامية، خصوصاً الولايات المتحدة، وذلك كجزء من مجمل استراتيجيتها بالمنطقة، وهذا بالطبع لا يناسب وضع دولة مثل مصر التي تطالب بأن تكون الحرب ضد الإرهاب في ليبيا جزءاً من الحرب الدولية ضد الإرهاب.

تقييم الموقف المصري

وفقاً لهذه الأسباب، يبقى تأسيس تحالف دولي لمواجهة الإرهاب في ليبيا مرهوناً بتضارب المصالح الدولية والإقليمية التي تتضارب فيما بينها إلى حد بعيد. ولهذا تصطدم محاولة مصر بتكوين مثل هذا التحالف ضد "داعش" والإرهابيين في ليبيا بهذا التضارب، لكنها لا تعارض ضمنياً محاولة دول الجوار، التي تسعى لإيجاد صيغة توافقية بين مختلف التيارات المتحاربة في ليبيا.

ويضاف لما سبق، أن ثمة صعوبات عديدة أمام اتخاذ موقف عربي موحد في ظل الموقف الذي تأخذه قطر من الأزمة في ليبيا، مما يرجح أن الفرصة الوحيدة لتشكيل تحالف عسكري ضد "داعش" مرهونة حالياً بالاتفاق مع دول الجوار الأفريقي لتشكيل تحالف مصري أفريقي، خاصة مع تحسن العلاقات المصرية مع دول أفريقيا في الفترة الراهنة، وذلك في حالة فشل الجهود لتحقيق التوافق والمصالحة في ليبيا.

وفي إطار تقييم الضربة المصرية الأخيرة على معاقل التنظيم في ليبيا، أشار الزيات إلى أن مصر لم يكن أمامها خيار آخر سوى مهاجمة التنظيم، بناء على معلومات استخباراتية مصرية ـ ليبية، وبتنسيق مع الطرف الليبي الرسمي، من أجل توجيه رسالة للتنظيم بأن مصر لن تتهاون أمام أي تطاول على أراضيها أو شعبها.

ومن المتوقع أن تستمر القوات الجوية المصرية في توجيه مزيد من الضربات للمناطق التي يقطن فيها التنظيم، ليس للقضاء عليه لأن هذا غير ممكن حالياً، ولكن لردع التنظيم عن استهداف المصريين، ووقف تمدده على الحدود المصرية. وسوف تلجأ مصر لتوجيه ضربات منفردة جديدة إذا ما اعتدى التنظيم مجدداً على مواطنين مصريين. وفي هذا الإطار تعمل مصر أيضاً على استيعاب المتغير القبلي وتقوية العلاقات مع القبائل، والتي تعد هي الحاجز الأول لانتشار العناصر الإرهابية والأسلحة والمخدرات، فهذا يعتبر أحد العناصر المهمة لتعزيز قدرة مصر على وقف تمدد "داعش" وحماية الحدود المصرية.