أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مساومة الغرب:

دوافع أنقرة من تأكيد دعمها لإقامة دولة "قبرص التركية"

26 يوليو، 2021


زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جمهورية شمال قبرص التركية على رأس وفد رفيع المستوى خلال الفترة من 19 وحتى 21 يوليو الجاري، بمناسبة احتفالات الذكرى 47 لـ"عيد السلام والحرية"، وهي ذكرى اجتياح تركيا الشطر الشمالي للجزيرة رداً على محاولة ضمّ الجزيرة إلى اليونان في 20 يوليو 1974. 

وضم الوفد التركي رئيس الجمهورية رجب طيب ردوغان ونائبه فؤاد اقطاي، إضافة إلي رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة "فخر الدين الطون". وعلى المستوى الوزاري، ضم الوفد وزير الخارجية مولود تشاويش اوغلو، ووزير الدفاع خلوصي اكار، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، ووزير الثقافة والسياحة محمد نوري أرسوي، ووزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية دريا بانيق. وأطلق اردوغان العديد من التصريحات التي تمس قضايا خلافية، أبرزها ما يلي:

1- الاعتراف بسيادة قبرص التركية: جدد الرئيس التركي دعمه المطلق لحل الدولتين لإنهاء المشكلة القبرصية، مشيراً إلى أهمية تأكيد السيادة والمكانة المتساوية مع جمهورية قبرص اليونانية. وفي هذ السياق لفت إلى أن أنقرة ستسعى لضمان اعتراف دولي واسع النطاق بجمهورية قبرص التركية، خاصة أن جميع المقترحات الاخرى فقدت صلاحيتها، لافتاً إلى رفض بلاده بقاء القبارصة الاتراك كأقلية تحت حكم إدارة الروم.

2- تقاسم ثروات شرق البحر المتوسط: شدد أردوغان على إصرار أنقرة على حماية حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك في ثروات شرق البحر المتوسط، واقترح عقد مؤتمر دولي حول شرق البحر المتوسط، لافتاً إلى أن قبرص التركية اقترحت حلولاً لتقاسم ثروات المنطقة بشكل عادل، وهو الأمر الذي رفضته قبرص اليونانية، إذ أعلنت أنها ستبدأ أعمال التنقيب والبحث بمفردها.

3- إعادة فتح مدينة فاروشا: أكد الرئيس التركي بدء حقبة جديدة في مدينة فاروشا تعود بالنفع على الجميع، وذلك من خلال افتتاح نسبة 3% من المدينة المهجورة، والتي هجرها سكّانها الأصليون من القبارصة اليونانيون منذ قرابة نصف قرن ويريد القبارصة الأتراك اليوم بدعم من أنقرة إعادة فتحها تحت إدارتهم.

ودعا أردوغان المالكين من القبارصة اليونانيين للمطالبة، عبر لجنة قبرصية تركية، بتعويض عن خسارة ممتلكاتهم، بعد فرار سكانها منها عام 1974 لحصار الجيش التركي لها، وهو ما يتزامن مع إعلان زعيم القبارصة الأتراك "أرسين تاتار" أن قسماً تبلغ مساحته 3.5 كيلومتر مربع من منطقة فاروشا سيعود من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية.   



دوافع تركية

تتمثل أهم أسباب التحرك التركي تجاه قبرص التركية في ذلك التوقيت في التالي:

1- الضغط على الاتحاد الأوروبي: تشهد العلاقات التركية – الأوروبية حالياً نوعاً من أنواع الجمود. وتسعى أنقرة عبر إثارة أزمة فاروشا إلى دفع الاتحاد الأوروبي إلى فتح قنوات حوار جديدة مع أنقرة حول الملفات الخلافية، نظراً لأن الأزمة تمس عضوتين بالاتحاد، وهما قبرص واليونان، وتمس سيادة قبرص اليونانية، أو تقسيم موارد البحر المتوسط بين الدولتين وتركيا.

ويلاحظ أن هناك العديد من القضايا الخلافية، على غرار أزمة اللاجئين وانضمام تركيا للاتحاد. ولايزال الاتحاد الأوروبي رافضاً لعضوية تركيا للاتحاد، وهو ما وضح في إشادة المستشارة الأمانية أنجيلا ميركل بدور تركيا في استضافة اللاجئين السوريين، مع استبعاد إمكانية انضمامها للاتحاد الأوروبي.

ويرى أردوغان أن أزمة فاروشا تعتبر من أوراق الضغط على الاتحاد الأوروبي، والتي يمكن أن يستغلها لمساومته، وذلك عبر محاولة حل أزمة الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، بصورة تتجاوب مع المطالب التركية، وذلك في مقابل التراجع عن طرح تقسيم الأخيرة لدولتين، وذلك عبر السماح له بمساحات للتنقيب، أو مشاركة قبرص اليونانية في بئر للغاز، أو الحصول على غاز في المنطقة بسعر منخفض جداً.

2- انتزاع تنازلات أمريكية: يأتي التحرك التركي استباقاً لمواجهة جديدة مع إدارة واشنطن التي تضغط لكبح التعاون العسكري التركي – الروسي، حيث أعرب مسؤولو التعاون العسكري والفني الروس، استعدادهم لإجراء محادثات مع الجانب التركي بشأن بيع طائرات "سو – 35" و" سو – 57"، إذا قررت أنقرة شراءها. 

وفي المقابل، أكدت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند في 21 يوليو الجاري، أن الرئيس جو بايدن ملتزم بالإبقاء على العقوبات المفروضة على تركيا بموجب قانون "كاتسا" لإصرارها على المضي قدماً في اقتناء منظومة الصواريخ الروسية "إس 400"، وأنه سيصعدها في حال شراء أنقرة أسلحة رئيسية أخرى من موسكو.

3- عرقلة اتفاقات شرق المتوسط: استهدفت أنقرة من تحركها إبراز قدرتها على تهديد مصالح الغرب بشكل مباشر، وهو ما يمكن إرجاعه إلى إدراك أنقرة أن تحركاتها الحالية في شرق المتوسط لا تكفل لها تحقيق أهدافها هناك، وبالتالي سعت أنقرة لزيادة أوراق ضغطها لزيادة قدرتها التفاوضية مع الغرب.

ترى أنقرة أن دول الحوض الشرقي باتت لا تهتم بالتفاوض مع انقرة من أجل استغلال موارد الغاز بالمنطقة، إذ اتجهت تلك الدول لتصديره عبر العديد من الوسائل مستبعدة تركيا، وبالتالي آثرت أنقرة الضغط على قبرص واليونان لإجراء اتفاق ثلاثي بمعزل عن باقي المنطقة لضمان استغلال موارد الغاز، أو حتى عرقلة مساعي الدولتين للتعاون مع دول الحوض.

وتسعى تركيا لأن تصبح منصة إقليمية لمرور الغاز الطبيعي المتجه لأوروبا، وبما يدعم خططها التنموية، إضافة إلى وجود توجه عالمي لزيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي العقد المقبل بدلاً من النفط والفحم، وهو ما دفع أسعاره للارتفاع أكثر من مرة ونصف خلال الفترة من مارس 2020، وحتى يوليو 2021، الأمر الذي سيتيح لأنقرة عائدات مالية تعزز من وضعها الاقتصادي. ولاشك أن استبعاد أنقرة من اتفاقات استغلال الغاز في شرق المتوسط يحد من قدرتها على تحقيق أهدافها السابقة. 

4- استبعاد المعارضة التركية: سعى الرئيس التركي إلى محاولة توظيف أزمة فاروشا لتعزيز شعبيته الداخلية على حساب المعارضة التركية، وهو ما وضح في انسحاب وفد حزب "الخير" التركي المعارض الممثل عن رئيسته ميرال أكشنار في حفل "السلام والحرية" المقام في قبرص الشمالية، بسبب أزمة برتوكولية وقرر العودة إلى أنقرة.

كما يرتبط ضغط النظام التركي على حزب الخير بمحاولة أردوغان تصفية الحسابات معه، خاصة بعد رفض نائب رئيس حزب الخير لطفي تركان في 17 يوليو الجاري، التحالف مع أردوغان بعدما أعطاهم إشارة واضحة عن رغبته في التحالف معه.

ردود الفعل دولية

انتقدت العديد من القوى والمنظمات الدولية بشكل سريع موقف أردوغان، ونددت بالتحرك التركي، وتمثلت أهم ردود الفعل الدولية في التالي:

1- الولايات المتحدة الأمريكية: أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بيان له يوم 20 يوليو الجاري، أنّ بلاده تعتبر ما يقوم به القبارصة الأتراك في فاروشا بدعم من تركيا عملاً استفزازياً وغير مقبول ولا يتّفق مع الالتزامات التي قطعوها في الماضي للمشاركة بطريقة بنّاءة في محادثات سلام، مطالباً بتجنّب الأعمال الأحادية الجانب التي تزيد التوتّرات في الجزيرة وتعيق الجهود المبذولة لاستئناف محادثات تسوية قبرص.

2- الاتحاد الأوروبي: أعلن وزير خارجية الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل في 20 يوليو الجاري، أن الاتحاد الاوروبي يشدد مجدداً على ضرورة تفادي الخطوات الأحادية المنافية للقانون الدولي، والاستفزازات الجديدة التي يمكن أن تزيد التوترات في الجزيرة، وتهدد استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية شاملة للمسألة القبرصية.

3- مجلس الأمن: أدان المجلس، في بيان له بتاريخ 23 يوليو الجاري، جهود تركيا لإعادة فتح جزء من مدينة فاروشا المغلقة، ووافق المجلس بالإجماع على بيان يدعو إلى تسوية النزاع القبرصي على أساس نظام فيدرالي بمجتمعين ومنطقتين مع مساواة سياسية، وطلب المجلس التراجع الفوري عن هذا الإجراء وعن كل التغييرات التي جرت في فاروشا منذ أكتوبر 2020، حين فتح الجيش التركي ساحل فاروشا.

وختاماً، من الواضح أن التحرك التركي تجاه قبرص الشمالية في ذلك التوقيت له العديد من الأهداف الخارجية والداخلية، حيث يرغب نظام أردوغان في ممارسة ضغوط مباشرة على أوروبا والولايات المتحدة لمحاولة انتزاع أي تنازلات في شرق المتوسط، وكذلك استباق أي محاولة من جانب الولايات المتحدة لرفع العقوبات على أنقرة لتعاونها العسكري مع موسكو. وفي المقابل، يتوقع أن تتجه القوى الدولية المعنية إلى رفض الإعلان التركي، وتتجه إلى إعادة تنشيط المفاوضات بين تركيا وجانب، واليونان وقبرص من جانب آخر في الملفات الخلافية، دون أن يسفر ذلك عن أي اختراق بارز فيها. 

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط