أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تفنيد الافتراضات:

لماذا تعرض تقرير الوكالة الدولية لانتقادات من أوساط الطاقة العالمية؟

07 يونيو، 2021


أثار تقرير الوكالة الدولية للطاقة المعنون بــ"صفر انبعاثات بحلول 2050: خارطة طريق لقطاع الطاقة العالمي"، كثيراً من الجدل داخل أوساط الطاقة العالمية، وقد رأت الوكالة أن مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، ستهيمن على إمدادات الطاقة العالمية، في حين ستتراجع مشاركة النفط والغاز الطبيعي بشكل كبير في مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2050، وهى افتراضات لاقت انتقادات واسعة نظراً لوجود صعوبات عديدة في تطبيقها، قد تحول دون الإحلال السريع وشبه الكامل لمصادر الطاقة النظيفة في غضون ثلاثة عقود فقط، رغم التقدم الذي أحرزته مؤخراً. 

الحياد الكربوني:

وضعت الوكالة الدولية للطاقة في التقرير الجديد، الذي أصدرته في مايو الفائت، سيناريوهات من أجل تحقيق الحياد الكربوني على مستوى العالم بحلول عام 2050، تعتمد بصفة أساسية على التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة بدلاً من مصادر الوقود الأحفوري، المسئولة تقريباً عن ثلاثة أرباع الانبعاثات الكربونية بالوقت الحالي. 

واللافت في التقرير ما أشارت إليه بضرورة وقف جميع مشاريع الفحم والنفط والغاز الطبيعي الجديدة، وذلك بخلاف التي تم الالتزام به بالفعل في عام 2021، من أجل بلوغ هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وهو ما أثار كثيراً من الجدل داخل أوساط قطاع الطاقة العالمي. 

وبناءً على تصورات الوكالة، من المرجح أن تتقلص مشاركة الفحم في مزيج الطاقة العالمي بنسبة 90% إلى 1% فقط من إجمالي استخدام الطاقة بحلول عام 2050. فيما سينخفض الطلب العالمي على الغاز بنسبة 55% إلى 1750 مليار متر مكعب، كما سيتراجع الطلب العالمي على النفط بنسبة 75% إلى 24 مليون برميل يومياً من حوالي 90 مليون برميل يومياً في عام 2020. 

في مقابل ذلك، سيتوسع العالم في استخدام الطاقة المتجددة، وستصبح الطاقة الشمسية أكبر مصدر للطاقة في العالم، حيث ستمثل خُمس إمدادات الطاقة العالمية. ومن المتوقع، بحسب الوكالة، أن تزيد سعة الطاقة الشمسية الكهروضوئية بمقدار 20 ضعفاً من الآن وحتى عام 2050، فيما تزداد طاقة الرياح بمقدار 11 ضعفاً.

ووفق ما تراه الوكالة، يتطلب تحقيق الحياد الكربوني نشر فوري لتقنيات الطاقة النظيفة وتنفيذ برامج كفاءة الطاقة على نطاق واسع للغاية. وبناءً على افتراضاتها، ستزداد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بسرعة خلال هذا العقد، وستتحقق إضافات سنوية لقدرة الخلايا الكهروضوئية الشمسية بنحو 630 جيجاوات، والرياح بــــ390 جيجاوات بحلول عام 2030، أى أربع مرات المستويات القياسية التي تم تحديدها في عام 2020. وبالإضافة إلى التقنيات التقليدية للطاقة النظيفة المنتشرة حالياً، رأت الوكالة أن هناك فرصاً متزايدة لنشر تقنيات أخرى مثل البطاريات المتقدمة والمحللات الكهربائية للهيدروجين، وتقنيات التقاط وتخزين الكربون وغيرها.

صعوبات عديدة:

يأتي إصدار التقرير الأخير للوكالة متماشياً مع هدف اتفاقية باريس للمناخ للحد من درجة الحرارة في الكرة الأرضية بما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، والذي يواكبه اتجاه كثير من الحكومات في العالم المتقدم في الفترة الأخيرة نحو التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، وكذلك تكييف شركات الطاقة نماذج أعمالها لضخ استثمارات جديدة في تقنيات طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها.

ورغم أن التقرير يضع أساساً وافياً لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، إلا أن افتراضاته تظل غير واقعية، حيث توجد العديد من الصعوبات الفنية والسياسية والاقتصادية التي قد تُبطئ من المساعي العالمية لتحقيق الحياد الكربوني. فرغم الإجماع العالمي للوصول لهدف صفر انبعاثات كربونية، لازال الكثير من دول العالم، ولاسيما الدول النامية، متمسكة بالاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري لاعتبارات تتعلق بانخفاض كُلفته، وتأمين مصادر الطاقة، بالإضافة إلى غياب تكنولوجيات الطاقة المتجددة.

وفي هذا السياق، أكد معهد البترول الأمريكي أن خارطة طريق الوكالة الدولية للطاقة تعتمد على حلول تكنولوجية جديدة، غير منتشرة على نطاق واسع، فضلاً عن أن العالم لا يتحرك بالوتيرة والسرعة المناسبة لكى يصل إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050. فيما تجاهلت الوكالة حقيقة أن التخلي كلياً عن مصادر الوقود الأحفوري سوف يؤدي لإلحاق أضرار واسعة باقتصادات الدول المنتجة للنفط والغاز الطبيعي والفحم، ويفرض ضغوطاً قوياً على حكوماتها، وقد يؤدي إلى انتشار الاضطرابات السياسية والاقتصادية بها.

وذهبت بعض الآراء إلى أن العالم لازال بحاجة للوقود الأحفوري لتلبية احتياجات الطاقة العالمية في الأمدين المتوسط والطويل، ومن ثم فإن هناك ضرورة لاستمرار مشاريع النفط والغاز، والتي إن توقفت ستتسبب في اضطراب الإمدادات وصعود أسعارهما بشكل كبير. وهنا، رفضت منظمة "أوبك" تقرير الوكالة، مشيرة إلى أن توصياتها بشأن الحد من الانبعاثات الكربونية قد تؤدي إلى تقلب أسعار النفط.

وكذلك، رأت شركة "ريستاد إنرجي" الاستشارية، ومقرها أوسلو، أن هناك حاجة لآلاف آبار النفط الجديدة لتلبية الطلب العالمي على الخام حتى لو انخفض بشدة في منتصف القرن الحالي، وذلك بالنظر إلى انخفاض إنتاج آبار النفط بمعدل يزيد عن 20% سنوياً. ومن ثم تظل هناك حاجة لمشاريع النفط الجديدة التي تقوم على تطوير الحقول القديمة أو تدشين حقول جديدة.

وختاماً، يمكن القول إنه لاتزال هناك صعوبات فنية وتكنولوجية وسياسية قد تحول دون الإحلال الكامل لمصادر الطاقة النظيفة قبل منتصف القرن الحالي، مما سيجعل مصادر الوقود الأحفوري تحافظ على حصة كبيرة بمزيج الطاقة العالمي مستقبلاً.