أعلن رئيس المجلس العسكري المؤقت في تشاد الجنرال محمد إدريس، في 2 مايو الجاري، تعيين أربعين وزيراً في الحكومة الجديدة برئاسة باهيمي باداكيه، آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس إدريس ديبي قبل إلغاء المنصب في عام 2018، حيث تم استحداث وزارة جديدة للمصالحة الوطنية، وتم تعيين اشيك ابن عمر الزعيم المتمرد السابق الذي تولى منصب مستشار الرئاسة في عام 2019 وزيراً لها. فيما تم تعيين محمد أحمد الهابو المعارض البارز للرئيس ديبي وزيراً للعدل، واستمر بعض الوزراء في الحكومة الأخيرة في تولي مناصبهم أو تسلموا حقائب وزارية جديدة.
عقبات قائمة:
مع ذلك، فإن تشكيل حكومة جديدة لا يؤشر إلى أن الاستقرار سوف يكون سمة رئيسية للمرحلة الانتقالية التي تمر بها تشاد، حيث تواجه تلك الحكومة جملة من الصعوبات التي يتمثل أبرزها في:
1- استمرار المعارك العسكرية: لا تزال المواجهات العسكرية مستمرة بين الجيش التشادي وقوات المتمردين التي تنخرط في إطار جبهة "الوفاق من أجل التغيير" المسلحة والتي قادت التمرد ضد الجيش التشادي منذ 11 أبريل الماضي، وتتمركز العمليات العسكرية الحالية في مناطق واقعة شمال البلاد، وقد طالب المجلس العسكري دول الجوار بمنع تسلل المتمردين إليها والعودة مرة أخرى لدخول البلاد وخاصة النيجر وليبيا، ودعاها إلى التعاون مع الجيش التشادي للقضاء على المتمردين الذين يسيطرون على مقاطعة "كانم" شمال البلاد والتي شهدت معارك عسكرية قوية بين الطرفين خلال الأيام الأخيرة وتحديداً في جبهة "فاكت" الواقعة على طول الحدود التشادية مع النيجر. وفي هذا الإطار، أعلنت القوات المسلحة التابعة للتحالف الرباعي للمعارضة التشادية قيامها بشن هجوم عسكري مسلح على القوات الحكومية في منطقة "كوري 35" التابعة لإقليم "تيبستي" وتمكنت من السيطرة عليها بعد فرار تلك القوات، وقيامها بأسر عدد من عناصرها والاستيلاء على ما كان لديها من أسلحة ومعدات عسكرية، وفي المقابل أعلن الجيش التشادي تدمير بعض الآليات والمعدات العسكرية التي كانت بحوزة المتمردين ولكن دون تحديد حجم الخسائر في صفوف المسلحين.
2- موقف المعارضة: عبّرت الأحزاب والقوى السياسية المعارضة عن رفضها التام لاختيار شخصية باهيمي لرئاسة الحكومة الانتقالية، وذلك نظراً لقربه من نظام الرئيس الراحل إدريس ديبي، حيث سبق لباهيمي تولى رئاسة الحكومة في عهد الأخير خلال الفترة 2016 – 2018، كما سبق له المشاركة مراراً في سباقات الانتخابات الرئاسية لمنافسته وحصل خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة على المرتبة الثانية بـ10% من أصوات الناخبين، ورغم منافسته لـديبي إلا أنه كان ينظر إليه على أنه من حلفائه السياسيين، كما ترى قوى المعارضة أن تشكيل الحكومة هو عملية شكلية وبالتالي لن تحظى بقبول أى طرف سواء كان الأغلبية المؤيدة أو المعارضة أو حتى الجماعات المسلحة.
3- التحالف الرباعي: ظهرت جماعات متمردة جديدة تحت مسمى "التحالف الرباعي للمعارضة التشادية" مكونة من كل من "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية"، و"جبهة الأمة من أجل الديمقراطية والعدالة"، و"اتحاد حركات الديمقراطية والتقدم"، و"الاتحاد الوطني من أجل التغيير"، الذي تتمركز قواته الآن في منطقة "تبيستي" شمال البلاد، وقد أصدر تحالف المعارضة الجديد بياناً في 30 أبريل الماضي أعرب فيه عن عزم القوات المسلحة التابعة له الهجوم على العاصمة انجامينا بغرض السيطرة عليها، وهذا التحالف يعد الثاني من نوعه بالإضافة إلى جبهة "التغيير والوفاق" المسلحة، وتكمن الخطورة في ظهور التحالف الجديد في شنه عمليات عسكرية ضد الجيش التشادي، ودعوته للتنسيق بين الحركات السياسية والعسكرية من أجل ما أسماه بناء بديل شامل وديمقراطي ومنع انتقال السلطة بهذه الطريقة في البلاد، في إشارة إلى تولي نجل الرئيس ديبي رئاسة المجلس العسكري الذي أصبح يسيطر على الحكم وإدارة شئون البلاد خلال الفترة الحالية.
4- رفض المتمردين: أعلنت الجماعات المسلحة رفضها تشكيل مجلس عسكري برئاسة الجنرال محمد إدريس، ومن ثم رفض كافة الإجراءات التي أعلن عنها منذ توليه حكم البلاد، ومن بينها اختيار شخصية رئيس الوزراء المعين باهيمي لرئاسة الحكومة الانتقالية وتعيين أربعين وزيراً فيها، ويستند المتمردون إلى استثناء تلك الجماعات من مفاوضات ومشاورات تشكيلها، كما أن تلك المشاورات تمت إدارتها من جانب طرف واحد فقط ممثلاً في المجلس العسكري مع مؤيدي الحكم العسكري وأنصاره حتى من الأحزاب الممثلة للمعارضة السياسية في العاصمة انجامينا، وهو ما ينذر بفشل الحكومة من هذا المنظور، وفي المقابل أعلن المجلس العسكري رفضه التشاور أو التفاوض مع المتمردين بوصفهم "خارجين على القانون"، وذلك عقب إبداء جبهة "الوفاق من أجل التغيير" التي تقود التمرد رغبتها في الحوار مع المجلس العسكري للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار الذي عرضته النيجر وموريتانيا في إطار دور الوساطة الذي تقومان به.
في النهاية، تكشف التغيرات الداخلية في تشاد عن وجود العديد من العراقيل التي تقف في طريق الحكومة الانتقالية وفي مقدمتها التطورات العسكرية الميدانية والمرتبطة بالمعارك المسلحة بين الجيش وقوات المتمردين من جهة، والعناصر الإرهابية من جهة أخرى، فضلاً عن غياب الدعم السياسي من قبل قوى المعارضة. ورغم تلك الصعوبات، فإن المجلس العسكري سوف يبذل مزيداً من الجهود لدعم الحكومة وتعزيز قدرتها على إدارة شئون الدولة، من أجل إثبات قدرته على تجاوز أولى التحديات السياسية التي يواجهها خلال الفترة الانتقالية الحالية وتحقيق نوع من الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.