أعلنت إيران، في 16 أبريل الجاري، عن إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 60%، حيث قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أن إيران تنتج حالياً 9 جرام من اليورانيوم المخصب بهذه النسبة في الساعة، وهى الخطوة التي أثارت ردود فعل رافضة لها من جانب الدول الغربية المشاركة في محادثات فيينا التي تجري في الوقت الحالي من أجل الوصول إلى توافق يتيح استمرار العمل بالاتفاق النووي من خلال عودة واشنطن للمشاركة فيه، بعد رفع قسم من العقوبات التي تفرضها على إيران، بالتوازى مع التزام الأخيرة بتعهداتها التي ينص عليها.
رد سريع:
ربما يمكن القول إن إيران كانت تستعد لتخصيب اليورانيوم بهذه النسبة منذ فترة، حيث أعلنت عن تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً في مفاعل ناتانز، من طراز "IR4" و"IR6" و"IR2m"، فضلاً غن ضخ الغاز في الأجهزة الجديدة من طراز "IR9" (أعلنت عن ذلك قبل التفجير الأخير بيومين)، لكنها كانت حريصة على تأجيل اتخاذ تلك الخطوة إلى حين انتهاء المحادثات التي تجري حالياً من أجل إنقاذ الاتفاق النووي. وبمعنى أدق، فإن طهران كانت، على الأرجح، ترى أن رفع مستوى التخصيب إلى 60% يمثل ورقة ضغط جديدة فضلت ترحيلها، إلى حين استشراف ما يمكن أن تحققه المحادثات الحالية، وربما التفاهمات غير العلنية مع واشنطن، من نتائج على الأرض.
وقد كان لافتاً، أن كبار المسئولين الإيرانيين سبق أن لوحوا بهذا الخيار في إطار حرصهم على ممارسة أكبر قدر من الضغوط على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث قال المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 22 فبراير الماضي، أن إيران يمكنها تخصيب اليورانيوم حتى مستوى 60%، وهو لن يستطيع التلويح بذلك إلا إذا كانت لدى إيران بالفعل الإمكانيات والاستعداد للإقدام على تلك الخطوة.
إلا أن الضربة الأمنية الجديدة التي تعرضت لها إيران في 12 أبريل الجاري، والتي استهدفت شبكة الطاقة الكهربائية في مفاعل ناتانز، وأسفرت، حسب تقارير عديدة، عن تعطيل عدد غير محدود من أجهزة الطرد المركزي تقول إيران أنها من طراز "IR 1"، دفعتها إلى إجراء تغيير في موقفها، باتجاه تحويل تلك التحذيرات إلى خطوات إجرائية على الأرض عبر رفع مستوى التخصيب بالفعل إلى 60%.
أهداف ثلاثة:
سعت إيران عبر تلك الخطوة إلى تحقيق أهداف ثلاثة رئيسية: أولها، توجيه رسالة مباشرة إلى القوى الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب إسرائيل، التي وجهت إليها طهران اتهامات بالمسئولية عن التفجير، مفادها أن الهدف الذي سعت إلى تحقيقه، وهو إبطاء حركة البرنامج النووي الإيراني في إحدى أبرز منشآته، لن يتحقق، وأن التفجير، على العكس من ذلك، سوف ينتج مفاعيل عكسية تتمثل في الانتقال من تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% إلى التخصيب بنسبة 60%.
وثانيها، التغطية على المعطيات الجديدة التي فرضها التفجير الأخير، والتي يتمثل أبرزها في الاختراق الأمني المستمر الذي تتعرض له إيران، والذي يصل إلى عمق إحدى أكثر مؤسساتها حيوية وأهمية، وهى منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم، خاصة أن التفجير الأخير لم يكن الأول من نوعه، حيث سبق أن تعرضت المنشأة نفسها لتفجير مماثل في 2 يوليو الماضي، وكان يركز على تدمير بعض أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً التي بدأت إيران في الاستعانة بها لرفع مستوى التخصيب.
وثالثها، ممارسة أعلى مستوى من الضغوط على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عبر التحذير من أن عدم الوصول إلى توافق في المحادثات الحالية بالاستجابة لمطالب طهران برفع العقوبات المفروضة عليها، سوف يدفع الأخيرة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية، على غرار توسيع نطاق العمل على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%.
وربما يكون ذلك مرتبطاً باستمرار التباينات في مواقف الطرفين خلال المحادثات الحالية، والتي تشارك فيها واشنطن بشكل غير مباشر. فرغم التصريحات التي أدلى بها بعض المسئولين الذين شاركوا في تلك المحادثات والتي وصفوها بـ"الإيجابية"، إلا أن ذلك لا ينفي أنه ربما ما زالت هناك خلافات حول مستوى التنازلات التي سوف يقدمها الطرفان من أجل الإعلان عن نجاح المحادثات بعودة واشنطن للاتفاق النووي وعودة طهران للالتزام ببنوده.
خطوة رمزية:
مع ذلك، فإن إيران تتحسب، على ما يبدو، إلى ردود الفعل الرافضة التي تبديها القوى الغربية إزاء تلك الخطوة، ومن ثم فإنها كانت حريصة على إبقاءها عند الحد الأدنى، وبدا ذلك جلياً في حرص رئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي على الإشارة إلى محدودية إنتاج اليورانيوم بهذه النسبة، حيث قال أن إيران سوف تنتج 9 جرام في الساعة سوف تنخفض إلى 6 جرام في مرحلة لاحقة. ويعني ذلك أن إيران تسعى إلى الإيحاء بأن تلك الخطوة رمزية ولا تعبر عن تغير جذري في سياستها الحالية، وأنها ترتبط بالتطور الأخير الذي طرأ على برنامجها النووي والخاص بالتفجير الذي وقع في منشأة ناتانز، وأن الهدف منها ربما يكون إثبات قدرة إيران على اتخاذها فقط.
وبعبارة أخرى، فإن هذه الخطوة تبقى تكتيكية وليست استراتيجية، بما يعني أنه يمكن الرجوع عنها في مرحلة لاحقة، في حالة ما إذا انتهت المحادثات الحالية بالوصول إلى توافق على رفع العقوبات الأمريكية، التي تطالب بها إيران، ضمن خطوات أخرى سوف تتخذها الأخيرة لمقابلة التنازلات التي ستقدمها الإدارة الأمريكية في هذا الصدد.
لكن هذه المقاربة قد تكون مؤقتة، وربما تمعن إيران، لاحقاً، في إنتاج كمية أكبر من هذا المستوى في حالة فشل المحادثات، على نحو سوف يؤدي إلى دخول الأزمة الحالية مرحلة جديدة تماماً، باعتبار أن إنتاج اليورانيوم بنسبة 60% يعني اقتراب إيران بشكل كبير من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج السلاح النووي، وهو خط أحمر لن تسمح به لا القوى الدولية المعنية بالمحادثات مع إيران، بما فيها حلفاءها، ولا الأطراف الإقليمية المعنية بالأزمات التي تفرضها طموحاتها النووية والإقليمية.