أقدمت ميليشيا "ربع الله" على تنظيم استعراض عسكري في العاصمة العراقية بغداد في 25 مارس الجاري، على نحو لا يمكن فصله عن حالة الاستنفار الذي تبدو عليها الميليشيات المسلحة الموالية لطهران في المنطقة بشكل عام، وفي الساحة العراقية على وجه الخصوص، وذلك في ضوء مسعى إيران الحالي لممارسة أقصى مستوى من الضغوط على خصومها المحليين والدوليين في العراق، في إطار سياسة تحاول من خلالها تعزيز موقعها التفاوضي في مواجهة الولايات المتحدة.
دوافع عديدة:
يمكن تفسير دوافع إقدام ميليشيا "ربع الله"، بإيعاز من إيران، على تنظيم الاستعراض العسكري في بغداد، وذلك على النحو التالي:
1- توظيف إيراني متزايد للجماعات "المجهولة": أشارت تقارير عديدة مؤخراً إلى أن إيران تستخدم حالياً أكثر من 12 جماعة مسلحة غامضة في العراق، وأن تلك الجماعات صعّدت من الهجمات ضد المصالح الأمريكية داخل العراق خلال العام الماضي. ولعل أبرز هذه الجماعات هى ميليشيا "ربع الله" التي ظهرت في الأشهر الأخيرة، ويُعتقد أنها ترتبط بشكل مباشر بميليشيا حزب الله العراقي، وقامت في أوقات سابقة بحرق مقر قناة دجلة، ومقر الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأغلقت مراكز مساج، وتُتهم بتفجير محال بيع المشروبات الكحولية في بغداد.
وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن "ميليشيات الظل" تعتبر واجهات لـ"الحشد الشعبي" المرتبطة بإيران والنافذة بعمق في الهياكل الأمنية والسياسية في العراق، بما في ذلك ميليشيات "بدر" و"عصائب أهل الحق" و"حزب الله". ويُشار في هذا الإطار إلى أن ميليشيات "الحشد الشعبي" غير المجهولة تمكنت من تقنين أوضاعها القانونية في عام 2016 اعتماداً على دورها في الحرب على تنظيم "داعش"، حيث أصبح القسم الأكبر منها جزءاً من الجيش العراقي. وانخرطت تلك الميليشيات لاحقاً في التفاعلات السياسية عبر مشاركتها في الانتخابات التشريعية لعام 2018.
2- ممارسة ضغوط على واشنطن: تسعى إيران إلى توظيف "ميليشيات الظل" من أجل الضغط على واشنطن للخروج من العراق، حيث لا تزال تحتفظ بـ2500 جندي أمريكي في الساحة العراقية. ويُشار في هذا الصدد إلى أن ميليشيا "ربع الله" أصدرت بياناً خلال عملية الاستعراض العسكري، باركت عبره السلاح الذي يتم رفعه في وجه القوات الأمريكية.
3- تحدي الكاظمي: تعمدت ميليشيا "ربع الله" شن حملة قوية ضد حكومة مصطفى الكاظمي، وهو ما لا ينفصل، على ما يبدو، عن الإعلان الأمريكي عن مشاركة معلومات استخباراتية مع بغداد قبل الضربات الأمريكية الأخيرة على الميليشيات العراقية في شرق سوريا. ويُشار في هذا الصدد إلى أن ميليشيا "حزب الله العراقي" التي تُتهم بأنها من تقف وراء ميليشيا "ربع الله"، هى إحدى الميليشيات التي تم استهدافها خلال القصف الأمريكي، وتعتبر من أشد الميليشيات عداءً للكاظمي، وهو ما يعني أنها أوعزت لميليشيا "ربع الله" لتنظيم هذا الاستعراض العسكري لتوجيه رسالة تحدي للكاظمي.
4- رسالة تحذير للصدر: كان من اللافت أن الاستعراض العسكري لـ"ربع الله" جاء مباشرة بعد البيان الذي أصدره زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والذي عرض خلاله على الحكومة العراقية المساعدة في إنهاء ظاهرة السلاح المنفلت في البلاد. وقال الصدر إن "على الحكومة العراقية العمل بجد وحزم ضد كل الأعمال المسلحة التي تستهدف أمن العراق والمواطنين مهما كان انتماء الفاعلين". وأضاف: "فأنا على علم أنهم مأجورون لزعزعة الأمن والاستقرار ويسعون إلى إضعاف هيبة الدولة وتشويه سمعة المقاومة الشريفة لينتفع بذلك من لهم أجندات خارجية". وبالتالي، سعت هذه الميليشيا إلى ممارسة ضغوط على الصدر، بشكل ضمني، لإثنائه عن هذا التعاون.
5- محاولة استمالة الحراك الشعبي في البلاد: يبدو من خلال البيان الذي أصدرته ميليشيا "ربع الله" خلال الاستعراض العسكري أنها تحاول بشكل لافت استقطاب دعم الحراك الشعبي وتحسين صورتها لدى أوساط الرأى العام العراقي. ويتضح هذا الأمر من خلال تهديدها بـ"عدم السكوت طويلاً ما لم تتحقق مطالب الشعب، وبالخصوص المحافظات الجنوبية في فقرات الموازنة العامة". كما أكدت الميليشيا دعمها لتحركات بعض أعضاء مجلس النواب المطالبين بخفض سعر الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، وبررت ذلك بأنه يأتي انطلاقاً من حرصها على "نصرة الفقراء في البلاد باعتبارهم الأغلبية".
انعكاسات سلبية:
يفرض الاستعراض العسكري لميليشيا "ربع الله" في بغداد انعكاسات سلبية، يتمثل أبرزها في:
1- عرقلة جهود السلطات: ربما تؤدي هذه التحركات إلى عرقلة جهود السلطات لتعزيز الاستقرار الأمني في البلاد. وعلى الرغم من أن الحكومة وضعت الملف الأمني على رأس أولوياتها، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في احتواء الخلل الأمني في البلاد، ولا شك أن الاستعراض العسكري الأخير لميليشيا "ربع الله" يخصم من قدرتها على القيام بمهامها الرئيسية.
2- تثبيت العراق كساحة صراع أمريكي- إيراني: من الواضح أن العراق تعتبر المتضرر الأكبر من وجود "ميليشيات الظل" التي تستخدمها إيران، خاصةً وأن هذا الأمر رسّخ من كونها ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران، على نحو يبدو جلياً في الضربات الأمريكية الأخيرة على الميليشيات العراقية الموالية لإيران في شرق سوريا. والجدير بالذكر في هذا السياق أن تقارير عديدة كانت قد نقلت عن مسئولين أمريكيين ما يفيد بأن الضربات الأمريكية استهدفت ميليشيا "حزب الله العراقي"، وليس الجماعة التي تبنت هجوم أربيل وهى "كتيبة حراس الدم"، وأن هناك قناعة في الأوساط الأمريكية بأن الجماعة التي تبنت الهجوم مجرد واجهة للميليشيات الإيرانية الحقيقية.
في المجمل، من الواضح أن الاستعراض العسكري لميليشيا "ربع الله" يوجه رسالة تحدي واضحة من جانب تلك الميليشيات، ومن خلفها إيران، لحكومة الكاظمي، مفادها أن الفترة المقبلة ستشهد تصعيداً أكبر ضد الحضور الأمريكي في البلاد، وأن على الحكومة أن تنأى بنفسها عن تقديم مساعدة لواشنطن في مواجهتها.