أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

وثائق "أبوت آباد":

كيف أدار "بن لادن" تحالفاته مع إيران والإخوان؟

09 نوفمبر، 2017


في خضمّ التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، أفرجت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عن كم ضخم من وثائق زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، التي تم التحفظ عليها خلال عملية تصفيته في مقر إقامته بمدينة أبوت آباد الباكستانية في عام 2011 التي تبعد 50 كيلومترًا فقط عن العاصمة الباكستانية إسلام أباد.

وتُعد هذه هي الدفعة الرابعة من وثائق "أبوت آباد" التي تعلنها الاستخبارات الأمريكيّة منذ العملية العسكرية التي أسفرت عن قتله، حيث سبق وأن قام "مركز مكافحة الإرهاب" التابع للأكاديميّة العسكريّة في وست بوينت الأمريكيّة، بداية من مايو 2012، بنشر 17 وثيقة من وثائق "أبوت آباد"، لكنها ركزت على تهديدات القاعدة للولايات المتحدة، وإعداد تنظيم القاعدة لهجوم إرهابي ضخم ضدها.

لكن الدفعة الأخيرة من الوثائق التي تم الكشف عنها في نوفمبر 2017 تُعد هي الأضخم، حيث تضمنت 470 ألف ملف تشمل مستندات ومقاطع فيديو تم تخزينها في أكثر من 5 أجهزة كمبيوتر، وعشرات الأقراص الصلبة.

ومن أبرز المواد التي كشفت عنها المخابرات الأمريكيّة هي تلك المذكرات التي كتبها "بن لادن" أو أملاها على أحد أبنائه، وتحوي 228 صفحة، وقد حملت عنوان "مذكرات خاصة لأبو عبدالله.. جلسة مع العائلة"، حيث كشفت عن رؤى بن لادن للثورات العربية، وقناة "الجزيرة"، وعلاقات تنظيم القاعدة بإيران.

لماذا الآن؟

يرتبط كشف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عن هذه الوثائق بعدة دوافع، يتمثل أهمها فيما يلي:

1- الضغط على إيران: أكدت وثائق "أبوت آباد" وجود ارتباط بين تنظيم القاعدة وإيران، وهو ما تسعى الولايات المتحدة لاستغلاله في تعزيز الضغوط الإقليمية والدولية على إيران وتصنيفها ضمن الدول الراعية للإرهاب. ولا ينفصل ذلك عن فرض واشنطن حزمةً جديدةً من العقوبات ضد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وسعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني.

2- توجيه الانتباه للقاعدة: أدى الانحسار الميداني لتنظيم داعش في معاقله الأساسية في سوريا والعراق إلى تصاعد الاهتمام بتنظيم القاعدة وفروعه المحلية، إذ يتزامن الكشف عن الوثائق مع حصار آخر مناطق تمركز داعش في دير الزور بسوريا، وهو ما جعل الولايات المتحدة تعيد ترتيب الأولويات بالتركيز على محاربة تنظيم القاعدة وفروعه المنتشرة على المستوى العالمي.

3- أزمات الثقة بين ترامب والاستخبارات: يأتي الكشف عن الوثائق في خضم التوترات المكتومة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومؤسسات الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل تزايد وتيرة التسريبات حول ارتباط ترامب والمحيطين به بروسيا قبل الانتخابات الرئاسية والتي تم الاستعانة بها في التحقيق الخاص، وضغوط ترامب على هذه المؤسسات من خلال عدة وسائل من بينها السماح بنشر وثائق سرية مثل الوثائق المتعلقة باغتيال الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي، وهو ما دفع الوكالة للكشف عن هذا الكم الضخم من وثائق بن لادن في خطوة استباقية.

تحالفات "القاعدة":

تكشف مراجعة محتوى وثائق "أبوت آباد" عن خريطة العلاقات الخارجية لتنظيم القاعدة -فكريًّا وتنظيميًّا- وفقًا لرؤى بن لادن. وتتمثل أهم ما كشفته الوثائق فيما يلي:

1- التأثر الفكري بالإخوان المُسلمين: أكد بن لادن في مذكراته ارتباطه فكريًّا بالإخوان المُسلمين خلال مرحلة التنشئة بقوله: "لقد كنت ملتزمًا مع جماعة الإخوان المسلمين رغم مناهجهم المحدودة"، كما أشار بن لادن إلى تأثره بمؤسس تنظيم جماعة الإخوان في اليمن "عبدالمجيد الزنداني" القيادي بحزب التجمع اليمني للإصلاح باليمن، والمصنف من جانب الولايات المتحدة ضمن الشخصيات الإرهابية.

ويُعد ذلك تأكيدًا للمعلومات التي ذكرها أيمن الظواهري في تسجيل سابق لمؤسسة "سحاب" التابعة للقاعدة، حيث ذكر "الظواهري" أن "بن لادن" كان عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين، وأن "التنظيم" هو الذي أرسله إلى باكستان عندما وقع الغزو السوفيتي في مهمة محدّدة، وهي توصيل الدّعم إلى الجماعة الإسلاميّة الموجودة هناك، وكانت تعليمات "التنظيم" إليه بألا يدخل أفغانستان، وأشار "الظواهري" إلى أنّ مرشد جماعة الإخوان الأسبق "مصطفى مشهور" قد زار بيشاور بعد ذلك، وقابل "بن لادن"، وطلب منه العودة إلى تنظيم الإخوان.

2- تأييد سياسات أردوغان: كشف بن لادن عن ارتباطه بالتيارات الدينية في تركيا منذ مراحل مُبكرة، حيث أشار إلى أن أول "رحلة جهادية" له كانت إلى تركيا عبر سوريا، حيث التقى قيادات "حزب أربكان" في عام 1976، ويقصد به "حزب السلامة" الذي كان يتزعمه نجم الدين أربكان آنذاك الزعيم الروحي للإسلام السياسي في تركيا والذي يُعد "رجب طيب أردوغان" ضمن الجيل الثاني من مريديه.

وفي سياق آخر، أشار بن لادن إلى رؤيته حول التطورات في ليبيا، واختتمها بقوله، إن أردوغان "يقوم بعمل طيب"، ويقصد بذلك أن تدخل تركيا في الصراع الدائر في ليبيا سيدعم صفوف التنظيمات المتشددة.

3- علاقات القاعدة بإيران: كشفت الاستخبارات الأمريكية ضمن وثائق "أبوت آباد" عن وثيقة كتبها قيادي بارز في القاعدة كشفت عن أن طهران عرضت على التنظيم إمداده بكافة احتياجاته مثل "المال والسلاح والتدريب في معسكرات حزب الله في لبنان" في مقابل استهداف "المصالح الأمريكية في السعودية والخليج العربي".

وأكدت الوثيقة أيضًا قيام المخابرات الإيرانية بتسهيل سفر بعض أعضاء تنظيم القاعدة بتأشيرات الدخول لإيران، كما ساعدت القيادي "أبو حفص الموريتاني"، قبل أحداث 11 سبتمبر، في إيجاد ملاذ آمن لرفاقه داخل إيران.

وكشفت وثيقة أخرى للقاعدة ضمن وثائق "أبوت آباد" عن التنسيق بين القاعدة وإيران حول إقامة بعض قيادات القاعدة وعائلاتهم في طهران، وحددت لهم إيران الدول التي يمكنهم الانتقال إليها ومن بينها سوريا وقطر، كما تضمنت الوثائق تأكيدًا على أن "أبو مصعب الزرقاوي" (الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) قد انتقل إلى إيران مع اشتداد العمليات العسكرية ضد تنظيمه، إلا أن السلطات الإيرانية قد ألقت القبض عليه، وخيّرته بين السفر إلى ماليزيا وتركيا وباكستان وإندونيسيا، إلا أنه اختار العودة إلى العراق.

وتضمنت الوثائق أيضًا رسائل كتبها "بن لادن" لأبنائه وزوجته في إيران، كما دعا نجله حمزة لعدم الوثوق في مستضيفيه الإيرانيين، في إشارة إلى الاستخبارات الإيرانية.

وتؤكد وثائق "أبوت آباد" على وجود تحالف مصلحي بين القاعدة وإيران في ظل تلاقي المصالح بين التنظيم وطهران فيما يتعلق بالعداء للولايات المتحدة الأمريكية، كما حذر أسامة بن لادن تنظيم "القاعدة" من تهديد إيران، واعتبرها "الشريان الرئيسي للأموال، والموظفين، والاتصالات" لتنظيم القاعدة.

4- متابعة الثورات العربية: أكدت وثائق "أبوت آباد" اهتمام ومتابعة "بن لادن" للثورات العربية، حيث كشفت الوثائق التي تم تدوينها قبل نحو شهر من مقتله، أنه يدرس الوقت المناسب لتدخل "القاعدة" بشكل علنيّ على خط الثورات، إلا أنّه أبدى -في الوقت نفسه- تردُّدًا في إعلان دعمه للإسلاميّين في ليبيا، خشية توسيع الولايات المتّحدة وجودها في ليبيا عقب الإطاحة بنظام "القذافي".

كما كشفت وثيقة أخرى عن تأييد "بن لادن" للثورات العربية، واعتبر أنها توفر البيئة المناسبة لتحقيق أهداف "القاعدة"، ونشر أفكاره، إلا أنه أشار في مرحلة لاحقة إلى عدم رضاه عن سرعة التغيير الذي صاحب الثورات العربية، قائلًا: "أنا محبط بسبب السرعة التي تسير بها الثورات العربية، لقد طلبنا منهم تخفيف سرعتها". واعتبر بن لادن إسقاط نظم الحكم في الدول العربية في مصلحة تنظيم القاعدة.

5- دعم قناة "الجزيرة": وصف "بن لادن" قناة "الجزيرة" بأنها "حاملة لواء الثورات"، وأشار إلى أن القاعدة استغلت القناة كمنبر يساعد في نشر أخبارها وأفكارها، مؤكدًا أن القاعدة تجنبت التدخل في الثورات العربية لعدم تأزيم موقف "الجزيرة".

وفي تفسيره لتجنب "الجزيرة" تغطية الاحتجاجات في بعض الدول العربية، أشار بن لادن إلى أن "الجزيرة" تجنبت الإشارة للاحتجاجات بسبب المخاوف من الهجوم عليها، إلا أنها حينما تحتدم الاحتجاجات تقوم بتكثيف التغطية.

وأشاد "بن لادن" باستضافة "الجزيرة" لقيادات التيارات الدينية المتشددة، خاصة يوسف القرضاوي المصنف على قوائم الإرهاب في عدد من الدول العربية، قائلًا: "القرضاوي عندما يتكلم عن الثورات يزيد ثقة الناس في أن الثوار على حق".

وختامًا.. من المرجح أن تكشف وثائق "أبوت آباد" عن المزيد من المعلومات المهمة حول شبكة التحالفات والعلاقات الخارجية لتنظيم "القاعدة"، والدول الداعمة له ماليًّا ولوجيستيًّا، والمنصات الإعلامية وثيقة الصلة به والتي تقوم بالترويج لأفكاره، فضلًا عن الارتباط بين القاعدة وتيارات الإسلام السياسي التي تسعى للوصول للسلطة وتدعي الاعتدال ونبذ العنف في دول الشرق الأوسط.