أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

أولوية الجوار:

رسائل صينية من آسيا الوسطى إلى روسيا والغرب

22 سبتمبر، 2022


زار الرئيس الصيني، شي جين بينغ، كازاخستان، في 14 سبتمبر 2022، ثم أوزبكستان يومي 15 و16 سبتمبر الجاري لحضور اجتماع "منظمة شنغهاي للتعاون" (SCO)؛ وهي تكتل أمني وتجاري إقليمي يضم في عضويته 8 دول (الصين، وروسيا، والهند، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان)، فضلاً عن تمتع إيران وأفغانستان بوضعية المراقب. 

وتنبع أهمية هذه الزيارة من عدة اعتبارات؛ أولها أنها تأتي في إطار مشهد جيوسياسي عالمي شديد الدقة والتعقيد في أعقاب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، بالإضافة إلى أنها تُعد أول قمة شخصية لقادة "منظمة شنغهاي للتعاون" منذ عام 2019. ويتمثل الاعتبار الأهم في كون هذه الزيارة هي الأولى للرئيس الصيني منذ انتشار جائحة كورونا، حيث اعتمد الرئيس شي منذ يناير 2020 على المشاركة في المحافل الدولية من خلال تقنية الفيديو كونفرانس؛ وذلك بسبب اتباع الصين سياسات إغلاق صارمة لفترة طويلة بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا المُستجد.

دلالات أساسية:

ثمة عدد من الدلالات المُتعلقة بقرار الرئيس الصيني القيام بأول زيارة رسمية له منذ نحو 3 سنوات، فضلاً عن أسباب اختياره دول آسيا الوسطى لتكون وجهته الخارجية الأولى، وتتمثل هذه الدلالات في الآتي:


1- استعداد الصين للتخلي عن سياسة "الإغلاق الصارم": من أهم دلالات هذه الجولة الخارجية أن الصين بصدد فتح أبوابها والتخلي عن سياسة "الإغلاق الصارم" التي اتبعتها منذ تفشي جائحة كورونا في عام 2020، فضلاً عن أنه من المُرجح أن يتم استئناف حركة السفر الدولي من وإلى الصين بشكل أكثر انتظاماً في أقرب وقت. 

وتجدر الإشارة إلى أن توجه بكين نحو الانفتاح التدريجي لا يُعزى فقط إلى انحسار فيروس كورونا، بل يُعزى أيضاً إلى رغبة الرئيس شي في تأكيد أنه واثق بدعم أعضاء الحزب الشيوعي لسياساته، لاسيما في ظل سعيه للحصول على ولاية حكم ثالثة استثنائية لمدة 5 سنوات، وذلك خلال مؤتمر الحزب الشيوعي المُقرر انعقاده في أكتوبر القادم. كما يسعى الرئيس الصيني لتهدئة بعض الأصوات الغاضبة في الداخل بسبب عمليات الإغلاق الطويلة والمُتكررة؛ نظراً للتأثير الاقتصادي السلبي التي تنطوي عليه بالنسبة للصينيين.  

2- محورية دول آسيا الوسطى بالنسبة لبكين: تشير بعض التقديرات إلى أن آسيا الوسطى يقطنها حوالي نصف مليون من عرقية الإيغور المسلمة، مما دفع الصين لإدراك أهمية توطيد علاقتها بدول هذه المنطقة؛ بهدف تأمين حدودها والتأكد من عدم حصول الإيغور داخل الصين أو في آسيا الوسطى على أي دعم من شأنه أن يشجع انفصالهم عن بكين.

وتأتي زيارة الرئيس شي بعد نحو أسبوعين فقط من إصدار مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الانسان تقريرها الذي اتهم الصين بارتكاب مخالفات جسيمة لحقوق الإنسان ضد أقلية الإيغور. لذا فإن الصين تدرك جيداً أن دول آسيا الوسطى على وشك أن تتعرض لضغوط دولية لتقليل أو منع تنسيقهم الأمني مع بكين حيال الإيغور، لذا سارعت بطمأنة هذه الدول وتأكيد أنها (أي الصين) تدعمها في حال تعرضها لأي ضغوط. 

كما تتمتع دول آسيا الوسطى باحتياطيات وفيرة من الوقود الهيدروكربوني، وبالتالي فهي ذات أهمية حيوية لتنويع مصادر الطاقة المحلية في الصين، حيث تتمتع هذه الدول باحتياطيات نفط مؤكدة تُقدر بنحو 40 مليار برميل، واحتياطيات غاز طبيعي تزيد على 500 تريليون قدم مكعبة، ومن ثمّ يمكن لجمهوريات آسيا الوسطى مساعدة بكين على تقليل اعتمادها على غرب آسيا للحصول على الطاقة.

وتجدر الإشارة إلى أن أهمية دول آسيا الوسطى لدى صانعي القرار في الصين قد ازدادت بعد الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق، وذلك بسبب تمتع آسيا الوسطى بموقع استراتيجي متميز كونها تربط الصين بأوروبا والشرق الأوسط، وبالتالي أصبحت آسيا الوسطى جزءاً حيوياً من هذه المبادرة.

3- تعزيز النفوذ الصيني في آسيا الوسطى: تُعد زيارة الرئيس شي بمنزلة رسالة صريحة إلى روسيا بأن الصين تعتبر آسيا الوسطى مجال نفوذها، حيث تأتي هذه الزيارة لطمأنه دول هذه المنطقة التي كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وتضم حالياً أقليات روسية كبيرة. فعلى سبيل المثال، تشكل الأقلية الروسية حوالي 18% من سكان كازاخستان، ومن ثم فإن دول آسيا الوسطى تستشعر الخطر من التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، ويبدو أن قادتها لا يستبعدون قيام الرئيس بوتين في أي وقت بالدعوة إلى "تحرير" السكان الروس في آسيا الوسطى.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "كازاخستانسكايا برافدا" الرسمية تصريحات للرئيس الصيني مفادها أن "الصين وكازاخستان جارتان جيدتان، وصديقتان جيدتان، وشريكتان جيدتان"، وهو ما يشير إلى أن بكين تؤكد لموسكو أن كازاخستان ودول آسيا الوسطى حلفاؤها، ومن ثم فإنه يتعين على روسيا التفكير ملياً قبل تكرار سيناريو أوكرانيا في دول آسيا الوسطى. وهذه رسالة أيضاً لتأكيد رغبة الصين في الاضطلاع بدور أكبر في هذه المنطقة، وهو دور تتطلع إليه دولها، لاسيما في ظل الاضطرابات التي تعانيها روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. 

4- الأهمية الاستراتيجية لكازاخستان: تشترك الصين وكازاخستان في حدود يبلغ طولها أكثر من 1000 ميل، فضلاً عن أن هذه المساحة الشاسعة تجعل من الأهمية بمكان اهتمام الصين بتدشين علاقات قوية مع كازاخستان لتأمين حدودها، إلا أن الأهم في هذا الصدد هو أن كازاخستان تحد الصين من الناحية الشمالية الغربية، أي أنها الدولة الملاصقة لإقليم شينجيانج الذي تقطنه أقلية الإيغور. 

وُيعد أمن الطاقة سبباً إضافياً يدفع بكين لتكثيف علاقتها مع أستانا، فاعتباراً من عام 2019، استثمرت الصين حوالي 14 مليار دولار في قطاعي النفط والغاز في كازاخستان. وفي ضوء ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً بسبب تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، أصبحت كازاخستان أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة للصين.

كما أن كازاخستان تمتلك حوالي 40% من احتياطيات اليورانيوم في العالم، وهو مورد متزايد الأهمية، خاصةً مع تحول الدول المتقدمة إلى الطاقة الذرية كمصدر متجدد للطاقة. وبالتالي فإن حفاظ الصين على علاقات وطيدة مع كازاخستان يُعد أمراً ضرورياً لتأمين مصادر الطاقة لها سواء التقليدية أو المتجددة.

5- حشد الرئيس الصيني الدعم في مواجهة القوى الغربية: من أهم الدلالات التي تحملها مشاركة الرئيس الصيني في اجتماعات "منظمة شنغهاي للتعاون"، هو أن القوى الغربية لا تمثل المجتمع الدولي بأسره، وأن بكين لديها العديد من الأصدقاء في البلدان النامية والعالم غير الغربي، وأن كازاخستان تعد من أهم حلفاء الصين. وما يؤكد ذلك هو ما كتبه الرئيس شي في الرسالة التي تم نشرها في صحيفة "كازاخستانسكايا برافدا"، قائلاً: "نحن أصدقاء يتمتعون بالثقة المتبادلة، وشركاء نعتمد على بعضنا، وشعبانا دائماً يقفان جنباً إلى جنب مع بعضهما". 

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن من أهم أهداف "منظمة شنغهاي للتعاون" منذ تأسيسها في عام 2001 هو تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء فيما يخص قضايا الأمن الإقليمي، ومكافحة التطرف، ومكافحة الانفصالية. وتُعد الأخيرة من أهم القضايا التي تهتم الصين بحشد دعم حلفائها ضد القوى الغربية بشأنها، خاصةً في ظل توتر العلاقات بين بكين وواشنطن على خلفية الاتهامات المُستمرة من الأخيرة للصين باضطهاد أقلية الإيغور، وفي المقابل اتهامات موجهة للولايات المتحدة بالسعي لتعزيز نزعة تايوان الانفصالية عن الصين.   

6- مخاوف الصين من استمرار الحرب الأوكرانية: قُبيل عقد الاجتماع المغلق بين الرئيسين الصيني والروسي، يوم 15 سبتمبر الجاري في أوزبكستان، قال بوتين: "إننا نُقدر بشدة الموقف المتوازن لأصدقائنا الصينيين فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، ونتفهم أسئلتكم ومخاوفكم في هذا الصدد". ويأتي الحديث "النادر" للرئيس بوتين عن المخاوف الصينية من استمرار الحرب في أوكرانيا، ليؤكد أن بكين قد أثارت في السابق مخاوفها حيال ارتفاع أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي العالمي. وعلى الرغم من أن بيان الحكومة الصينية الصادر في أعقاب اجتماع الرئيسين شي وبوتين أكد الدعم الصيني "القوي" للمصالح الأساسية لروسيا، فإن تصريحات الرئيس الصيني كانت أكثر حذراً من نظيره الروسي، حيث صرح قائلاً: "في مواجهة التغيرات في العالم والأزمنة والتاريخ، فإن الصين مُستعدة للعمل مع روسيا لتعكس مسؤولية الدول الكبرى لإرساء دعائم الاستقرار في العالم".

في حين أن تصريح بوتين كان أكثر جرأة، قائلاً إن موسكو وبكين تلعبان دوراً رئيسياً في ضمان الاستقرار العالمي والإقليمي. وأضاف "نحن ندافع بشكل مشترك عن تشكيل عالم عادل وديمقراطي ومتعدد الأقطاب على أساس القانون الدولي والدور المركزي للأمم المتحدة، وليس القواعد التي ابتكرها البعض الذين يحاولون فرضها على الآخرين من دون حتى شرح ماهية هذه القواعد".

وربما "النبرة الحذرة" في تصريحات الرئيس الصيني لم تعكس فقط رغبة بلاده في تبني موقف متوازن من الحرب في أوكرانيا، بقدر ما هي رسالة أيضاً بأن بكين لا تدعم موسكو في استمرار هذه الحرب لفترة طويلة.

مكاسب بكين:

لا شك أن تقييم نتائج جولة الرئيس الصيني الخارجية لكل من كازاخستان وأوزبكستان وحضوره اجتماع "منظمة شنغهاي للتعاون"، سيحتاج إلى بعض الوقت، إلا أنه يمكن رصد أهم المكاسب المبدئية التي حصلت عليها بكين خلال هذه الزيارة، فيما يلي:     

1- دعم موقف الصين في قضية تايوان: أصدر الرئيس الصيني ونظيره الكازاخي، قاسم جومارت توكاييف، بياناً مشتركاً تضمن دعم كازاخستان لمطالبة بكين بالاتحاد السلمي مع تايوان، ونص البيان على "اعتراف كازاخستان بأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين، وأنها تعارض استقلال تايوان بجميع أشكاله". كما أكد البيان الصادر في ختام قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" على أهمية احترام مبادئ السيادة والاستقلال وسلامة الأراضي والمساواة والمنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وجددت الدول الأعضاء في المنظمة، عبر هذا البيان، التزامها الثابت بمكافحة الإرهاب والانفصالية والتطرف؛ وذلك في إشارة واضحة لرفضها انفصال تايوان عن الصين أو تدخل الولايات المتحدة في السياسات الصينية الداخلية على خلفية الاتهامات باضطهاد أقلية الإيغور. 

2- توسيع نطاق "منظمة شنغهاي للتعاون": وقّعت إيران، في ختام فعاليات اجتماعات "منظمة شنغهاي للتعاون"، مذكرة تفاهم للانضمام إلى المنظمة، وهي عضو مراقب منذ عام 2005، وسبق أن وافقت المنظمة على قبول عضوية إيران في قمة 2021 التي استضافتها دوشنبه. ومن المُرجح أن تحذو بيلاروسيا حذو إيران قريباً. كما تم التوصل إلى اتفاق حول قبول دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وجزر المالديف والكويت وميانمار كشركاء جدد في الحوار. كما تم توقيع مذكرات تفاهم تمنح مصر وقطر وضع "شريك حوار" في المنظمة أيضاً.

ويأتي التوسع في ضم أعضاء جدد في "منظمة شنغهاي للتعاون"، في إطار رغبة الصين في تعزيز صورتها كدولة تعتمد بشكل رئيسي على مبدأي التعددية والحوار بين دول العالم كافة، وهو أيضاً بمنزلة رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن بكين توسع قاعدة حلفائها. 

ختاماً، من المُرجح أن تُكثف الصين من انخراطها في منطقة آسيا الوسطى خلال الفترة القادمة بشكل أكبر من أي وقت مضى؛ وذلك بسبب انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، وهو ما يُمثل فرصة ذهبية لبكين لتعزيز نفوذها وتحالفاتها في هذه المنطقة الحيوية لتأمين مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية.