أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تحدي العدالة:

ملامح التنافس العالمي حول توزيع لقاحات "كورونا"

15 ديسمبر، 2020


أسفر إعلان منظمة الصحة العالمية عن اعتبار فيروس كورونا جائحة صحية عالمية، عن إطلاق نشاط عالمي مكثف في مجال البحث والتطوير، تشاركت فيه المنظمات العالمية وشركات الأدوية لتطوير لقاح ضد الفيروس المنتشر. فمنذ ذلك الوقت، وفي إطار استجابة المنظمة للفيروس المتفشي، فقد نشرت في 11 أبريل 2020 مسوّدة حول اللقاحات المرشحة للتحصين ضد الفيروس، كما نشرت المنظمة بيانًا صادرًا عن (130) عالمًا وممولًا ومصنعًا من شتى أنحاء العالم، التزموا فيه بالعمل مع المنظمة على التعجيل بتطوير لقاح مضاد لـ(كوفيد-19). وقد واصلت المنظمة على مدى الشهور الماضية متابعة تحديث تلك المسودة، وصولًا إلى إعلان عدد من شركات الأدوية مؤخرًا عن ثمار جهودها في تطوير اللقاحات، وإجراء المراحل النهائية من التجارب السريرية، بل وتعاقد عدد كبير من الدول على شراء تلك اللقاحات وإقرارها لتطعيم مواطنيها.

ورغم أن تطوير لقاح للاستخدام العام يستغرق وقتًا طويلًا قد يتراوح بين 12-18 شهرًا؛ إلا أن الجهود المكثفة والحاجة العالمية للسيطرة على هذه الجائحة العالمية قد نجحت في اختصار الأمر بضعة شهور. 

وفي خضمّ حالة الصخب العالمية الحالية حول اللقاحات المتاحة، يتناول المقال الحالي استعراض أهم المبادرات العالمية التي انطلقت لتصنيع وتوزيع اللقاحات، وخريطة اللقاحات المتاحة حاليًّا، والمزايا والعيوب لكل لقاح، وكذلك خريطة التوزيع العالمي لتلك اللقاحات بين الدول، وأهم التحديات التي تواجهها.

مبادرات عالمية:

شكل التعاون الدولي عاملًا أساسيًّا ومهمًّا في الإسراع من عملية تطوير اللقاحات ضد فيروس كورونا المستجد، حيث قدم التعاضد الدولي كلًّا من الدعم المالي والتقني للوحدات البحثية وشركات الأدوية. ومن أهم المبادرات العالمية التي انطلقت لدعم عملية تطوير اللقاحات ما يلي:

1- عملية سرعة الالتفاف (Operation Warp Speed (OWS: جاءت كجزء من استجابة إدارة "ترامب" للجائحة، وهي عبارة عن تعاون بين العديد من الإدارات الحكومية الأمريكية، بما في ذلك الصحة والدفاع والزراعة والطاقة وشؤون المحاربين القدامى والقطاع الخاص. حيث قامت بتمويل عدة وحدات بحثية وشركات أدوية من بينها (Janssen) و(Moderna) و(Novavax) و(Merck) بالتعاون مع جامعة أوكسفورد وشركة (AstraZeneca) وسانوفي وجلاكسو سميث كلاين. ويعد (OWS) جزءًا من استراتيجية أوسع لتسريع تطوير وتصنيع وتوزيع لقاحات وعلاجات وتشخيصات "كوفيد-19"، (تُعرف مجتمعة باسم الإجراءات المضادة countermeasures)، حيث تهدف المبادرة إلى تطعيم ما يصل إلى (20) مليون شخص بحلول نهاية العام، وتقديم (300) مليون جرعة من اللقاحات الآمنة والفعالة بحلول يناير 2021. 

2- مبادرة (ACTIV): هي مبادرة فرعية من داخل (OWS)، حيث دخلت بموجبها معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) في شراكة مع أكثر من (18) شركة أدوية بيولوجية، بما يهدف إلى تسريع تطوير الأدوية واللقاحات المرشحة لـمواجهة انتشار فيروس كورونا.

3- مبادرة (COVAX): هي جزء من برنامج منظمة الصحة العالمية للوصول إلى مسرع أدوات كوفيد، وتأتي بالشراكة مع تحالف ائتلاف ابتكارات التأهب للأوبئة (CEPI)، و(Gavi)، وهي منظمة غير ربحية توفر اللقاحات للبلدان النامية، حيث تم إنشاؤها لمراعاة مخاطر عدم العدالة في توزيع اللقاحات من جانب العديد من الحكومات الأوروبية والمجموعات غير الربحية. وتمثل الهدف من المبادرة في الاستثمار في تطوير وتصنيع وشراء محفظة من اللقاحات المرشحة لمواجهة فيروس كورونا، مما يوفر للدول الأعضاء قدرًا من العدالة في الوصول إلى اللقاحات الفعالة حال توفرها. وقد التزمت غالبية الدول المرتفعة والمتوسطة الدخل بتمويل COVAX، وذلك لتمويل وصول اللقاحات للدول منخفضة الدخل. وفي حين لا يزال هناك عدد قليل من الدول الذين أكدوا اهتمامهم بالانضمام إلى المبادرة، إلا أنهم لم يقدموا بعد التزامًا ماليًّا ملزمًا.

وتهدف المبادرة بشكل عام إلى توفير ما بين ملياري جرعة بحلول نهاية عام 2021، وذلك لحماية السكان المعرضين لمخاطر عالية في جميع أنحاء العالم. على أن يتم تزويد الدول المنضمة للمبادرة بجرعات كافية لتغطية حوالي (20%) من سكانها على المدى الطويل. 

وتظل هناك بعض الجهود الأخرى المحدودة، حيث يقوم كل من الاتحاد الإفريقي ومركز مكافحة الأمراض في إفريقيا بتجميع بعض التمويلات لشراء اللقاحات وتوزيعها داخل القارة أو زيادة القدرة التصنيعية، وهو ما قد يساعد مثل هذه الدول منخفضة الدخل في إفريقيا وأمريكا اللاتينية على تعزيز مكانتها في سوق اللقاحات العالمية.

تنافسية اللقاحات المطروحة:

مع بداية نوفمبر بدأت الجهود العالمية لابتكار لقاح آمن وفعال في مواجهة فيروس (كوفيد-19) تؤتي ثمارها، نتيجة للمضيّ قدمًا في عمليات التطوير والتجارب السريرية بسرعة غير مسبوقة، حتى أضحى العالم أمام ما يقرب من (200) لقاح مرشح لمواجهة الفيروس؛ وأكثر من عشرة لقاحات في المراحل النهائية من التجارب السريرية، بل وحصول بعض اللقاحات على تصاريح طارئة أو محدودة للاستخدام البشري الآمن والشروع في توزيعها دوليًّا. وتتمثل أهم تلك اللقاحات التي حصلت على تصاريح بالاستخدام فيما يلي:

1- لقاح شركتي (Pfizer) و(BioNTech): وهما شركتان متعددتا الجنسيات في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا. وقد أصدرت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وكندا، والبحرين، والمكسيك، موافقة تنظيمية/ طارئة على استخدام اللقاح. وتبلغ نسبة فعالية اللقاح حوالي (95%)، حيث يُؤخذ على جرعتين. إلا أنه يحتاج إلى درجة حرارة منخفضة جدًّا تصل إلى (-70) درجة سليزيوس. وتبلغ تكلفة اللقاح حوالي (20) دولارًا.

2- لقاح شركة (Moderna) الأمريكية: ويتقارب مع اللقاح السابق من حيث نسبة الفعالية وعدد الجرعات، إلا أنه لا يحتاج إلى درجة حرارة شديدة الانخفاض مثل اللقاح السابق، حيث تكفيه درجة حرارة تصل إلى (-20) درجة سليزيوس. ومن ثم، فإنه أعلى من حيث التكلفة التي تصل إلى حوالي (33) دولارًا. ولم تصدر موافقات بعد على استخدام اللقاح.

3- لقاح (Oxford Uni-AstraZenca): وهي شركة بريطانية-سويدية، وتتراوح فعالية اللقاح بين (62-90%)، إلا أنه لا يحتاج إلى درجات حرارة شديدة الانخفاض، وتبلغ تكلفته (4) دولارات فقط. كما تعهدت الشركة Oxford-AstraZeneca بتوفير (64%) من جرعاتها للدول النامية. ولم تصدر موافقات بعد على استخدام اللقاح.

4- لقاح (BBIBP-CorV): وهو اللقاح الصيني الذي طوره معهد بكين للمنتجات البيولوجية، والمجموعة الصينية الوطنية للصناعات الدوائية (سينوفارم)، حيث أقرته كل من الصين والإمارات العربية المتحدة. كما أقرّت الصين لقاحين آخرين هما لقاح (CoronaVac) واللقاح الذي طوره معهد ووهان للمنتجات البيولوجية، والمجموعة الصينية الوطنية للصناعات الدوائية (سينوفارم).

5- لقاح (Sputnik V) الروسي: صنعه معهد (Gamaleya) الحكومي، كما أطلقت روسيا برنامج التطعيم الشامل في محاولة لوقف الانتشار اليومي للفيروس في البلاد. وذلك على الرغم من أن اللقاح لم يكمل بعد تجارب المرحلة الثالثة، بينما أكد المعهد أن فعالية اللقاح بلغت حوالي (92%). كما أعلن المعهد الحكومي عن قيامه بتلقيح (150) ألف شخص فعليًّا، في حين أنه من المفترض تطعيم (70%) من سكان روسيا البالغ عددهم (143) مليون نسمة. وتمنح روسيا الأولوية في التطعيم لكل من الأطباء والمعلمين لتلقي اللقاح أولًا، وذلك بدلًا من كبار السن. في حين يشيع تلقي اللقاح فعليًّا بين أعضاء النخبة السياسية والتجارية.

خريطة التوزيع العالمي:

سادت حالة من التنافس المسبق بين دول العالم للحصول على اللقاح من أجل زيادة فرصهم في تأمين تغطية حاجة سكانها للقاح، وهو الأمر الذي بدأ بشكل مبكر، سواء من خلال قدرة تلك الدول على التطوير الذاتي للقاحات، أو استثمار تلك الدول في ضخ الأموال في عمليات البحث والتطوير للقاحات، والاستفادة من القوة الشرائية لعقد صفقات واسعة النطاق عبر مجموعة من اللقاحات المرشحة. ومن ثم، فقد أجرت الكثير من دول العالم والشركات متعددة الأطراف تعاقدات مسبقة مع عدد من الشركات والتي كانت قد أعلنت عن خوضها المراحل النهائية من التجارب السريرية للقاح، وذلك حتى قبل طرح أي لقاح مرشح في السوق. ويمكن استعراض حصص الدول وفقًا لتعاقدات السوق المسبقة (AMCs) المحتملة والمؤكدة على النحو التالي: 

تكشف البيانات المتاحة عن التعاقدات وفقًا لآخر تحديث في 11 ديسمبر 2020، أن هناك حوالي (9.6) مليارات جرعة محجوزة بالفعل، وتنقسم إلى (7.2) مليارات جرعة محجوزة كمشتريات مؤكدة، مع (2.4) مليار جرعة أخرى قيد التفاوض حاليًا أو محجوزة كتوسعات اختيارية للصفقات الحالية القائمة  .

ويتضح من خلال تلك التعاقدات أن الدول ذات الدخل المرتفع تمتلك حاليًا نحو (3.9) مليارات جرعة مؤكدة، في مقابل مليار جرعة حصلت عليها الدول ذات الشريحة الأعلى من الدخل المتوسط، وتأمين أكثر من (1.6) مليار جرعة للدول في الشريحة الأدنى من الدخل المتوسط. بينما لا توجد أي دلائل على عقد صفقات مباشرة من جانب الدول منخفضة الدخل، مما يشير إلى اعتمادها الكامل في تغطية حاجة سكانها على مبادرة (COVAX). 

مع محدودية القوة الشرائية، لجأت الدول متوسطة الدخل إلى اعتماد استراتيجيات أخرى للوصول إلى مقدمة قائمة الانتظار لالتزامات السوق المسبقة. حيث نجحت الدول ذات القدرة التصنيعية، مثل الهند والبرازيل، في التفاوض بشأن التزامات السوق المتقدمة الكبيرة مع المرشحين الرائدين للقاحات كجزء من اتفاقيات التصنيع. بالنسبة للبلدان التي ليست لديها القدرة على التصنيع أو تطوير اللقاحات، فقد شاركت من خلال البنية التحتية المتوافرة لديها لاستضافة التجارب السريرية، مثل بيرو، حيث دفعت بذلك الحل كوسيلة للتفاوض في صفقات الشراء المستقبلية.

على صعيد آخر، فإن بعض الدول الأخرى متوسطة الدخل، بما في ذلك الهند، ما زالت لديها برامج قوية لتطوير اللقاحات، إلا أنها قد تستغرق بعض الوقت ولكن اكتمالها وحصولها على الموافقات التنظيمية قد يغير المشهد العالمي بشكل كبير.

وتثير تلك التعاقدات العديد من التساؤلات حول تحديات العدالة العالمية لتوزيع اللقاح، وهو الأمر الذي خططت العديد من المبادرات العالمية السابق الإشارة إليها لتفاديه. فوفقًا للمخطط التالي يتضح أن ما يقرب من (70) دولة ذات دخل منخفض ستكون قادرة فقط على تطعيم واحد من كل (10) أشخاص.

تحديات اللقاح: 

تتمثل أهم تحديات اللقاح الحالي فيما يلي:

1- محدودية القدرات التصنيعية: تتنبأ النماذج الحالية لعمليات تصنيع اللقاحات بأنه لن يكون هناك لقاحات كافية لتغطية سكان العالم حتى عام 2023 أو 2024، وهو ما يعني أن محدودية القدرات التصنيعية سيحد من عدد الجرعات المتاحة على المدى القريب، الأمر الذي يستدعي توسيع القدرة التصنيعية من خلال الاستثمار المستهدف في قطاع الصناعات الدوائية، ولكن إلى الحد الذي يحقق الغرض وفقًا للمعدلات المطلوبة.

2- لوجيستيات اللقاح: حيث إن تلك اللقاحات في الأغلب تحتاج إلى تجهيزات شديدة الدقة للحفاظ على فعالية اللقاح، بحيث يظل آمنًا وفعالًا، وهو الأمر الذي يستدعي وجود معايير معينة لعمليات التخزين والنقل. فاللقاح الذي قدمته شركة فايزر يحتاج إلى أقل من 70 درجة مئوية، وهو ما يُعد استثنائيًا بالنسبة للقاح. وفي ظل البنية التحتية المحدودة لتبريد الكميات الكبيرة المطروحة من اللقاح. فقد قامت شركة فايزر بتطوير حاويات الشحن الخاصة بها بحجم حقيبة السفر، واستخدام الثلج الجاف لإبقاء اللقاحات في درجة الحرارة المناسبة لمدة تصل إلى 10 أيام. وبشكل عام، يمثل التخزين البارد والنقل أربعة أخماس التكلفة الإجمالية لبرامج التطعيم باللقاح الخاص بفيروس كورونا.

3- عدم توافر البنية التحتية: بالإضافة إلى عدم المساواة في توزيع اللقاحات، قد تواجه الدول منخفضة الدخل أيضًا تحديات كبيرة في توزيع اللقاحات، خاصة في ظل حاجة العديد منها لاشتراطات خاصة من حيث التبريد والتخزين. ففي دول مثل الهند وإثيوبيا وبيرو، لا تزال خطط التوزيع والتنفيذ لهذه البلدان قيد التطوير، ولكنها تتوافق بشكل عام مع الإرشادات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية للمجموعات ذات الأولوية التي ستغطيها جرعات (COVAX) الأولية التي تغطي (20%) من السكان.

تواجه الدول النامية أيضًا مشكلات تتعلق بمحدودية سعة سلاسل التبريد، خاصة في المناطق الريفية والنائية، وتوريد الإبر والتخلص السليم من النفايات البيولوجية الخطرة. بالإضافة إلى نقص أعداد مقدمي خدمات التطعيم المدربين، لا سيما في المناطق الريفية، والقدرة على المتابعة الدقيقة لجرعات التطعيمات المقدمة وتوقيتاتها، خاصة بالنسبة للقاحات التي تحتاج أكثر من جرعة واحدة.

4- اشتراطات التطعيم: حيث أعلنت خمس شركات طيران عالمية عن إصدارها بطاقة صحية رقمية للركاب المسافرين من خلالها، للتأكيد على أنهم خالون من فيروس كورونا قبل السفر، وذلك في محاولة لإنقاذ قطاع السفر والطيران من الانهيار التاريخي. وبناءً عليه، ستطرح كل من شركات يونايتد إيرلاينز، ولوفتهانزا، وفيرجن أتلانتيك، والخطوط الجوية الدولية السويسرية، وجيت بلو، ما يسمى بـ(CommonPass) للركاب على بعض الرحلات اعتبارًا من ديسمبر. ويعد المشروع الذي طورته مجموعة (The Commons Project) غير الهادفة للربح وبدعم من المنتدى الاقتصادي العالمي، بإصدار شهادة رقمية وتثبيتها على الهاتف المحمول لإظهار سلبية نتيجة اختبار (كوفيد-19) للركاب كدليل يسمح لهم بالانتقال بين الدول. وفي حين أن شركات الطيران لم تجعل تلك الخدمة إلزامية، إلا أنها قد تطورها لإثبات تلقي الركاب للقاح، مما قد يضع قيودًا إضافية على حركة وتنقل الأفراد. 

5- الحملات العدائية المضادة للتطعيم (anti-vaccine): شهدت العديد من دول العالم انطلاق الحملات المضادة من جانب مناهضي التطعيمات، حيث أتاح لقاح (كوفيد-19) الفرصة مرة أخرى لتلك الحملات. فوفقًا لبحث أجرته مجموعة الحملات "مركز مكافحة الكراهية الرقمية" فهي تقدر أن أكبر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي باللغة الإنجليزية التي تروج للشك في اللقاحات قد زادت من متابعيهم بنحو الخمس خلال العام الماضي. 

بينما تشير التقييمات الاستخباراتية إلى أن غالبية الدعاية المضادة للقاحات، أو المضادة للتطعيم، التي يراها مستخدمو الإنترنت في بريطانيا، تأتي من داخل بريطانيا، وأن هناك نسبة صغيرة يتم تضخيمها أو إطلاقها من قبل الدول المعادية، ولا سيما روسيا.

ويمكن تلمّس تأثير تلك الحملات من خلال استطلاعات الرأي، حيث كشف استطلاع رأي أجرته صحيفة "ليفادا" أن (59%) من المستطلعين الروس لا يخططون للحصول على اللقاح، وذلك مقارنة بـ(26%) فقط من الأمريكيين في استطلاع آخر أجرته وكالة "أسوشيتد برس".

وفي أوروبا، يعتقد واحد من كل ثلاثة فرنسيين أن اللقاحات بشكل عام غير آمنة، وفقًا لمؤسسة "ويلكوم ترست" الخيرية البريطانية. كما أكد (46%) أنهم سيرفضون لقاح covid-19 عند تقديمه، وفقًا لاستطلاع Ipsos mori. وفي أوروبا الشرقية، أكد أكثر من (40%) من الأشخاص في بولندا والمجر أنهم سيرفضون لقاح (كوفيد-19)، إذا عرض عليهم.

6- انتشار الأخبار الكاذبة: تزامن مع إعلان العديد من الشركات عن اقتراب إجراء المراحل النهائية من التجارب السريرية انتشار سلاسل من الأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وهي الحملات التي جاءت في أغلبها ممنهجة، وهو ما يجعل الكثير من المواطنين في مختلف دول العالم سواء المتقدم أو النامي متشككين في اللقاحات المطروحة، الأمر الذي يستهدف مدى سلاسة تعافي العالم من جائحة (كوفيد-19).

وقد تضمنت تلك الأخبار الكاذبة الادعاء بأن تلك اللقاحات قد تحول البشر إلى قرود، أو أن الصين تستهدف نقل فيروس كورونا من خلال شبكات الجيل الخامس (G5)، أو أن اللقاح سيُستخدم لزرع الرقائق الدقيقة، أو جعل النساء عقيمات. 

وقد واجهت الحكومات تلك الادّعاءات من خلال معالجة النطاق الكامل للمحتوى المضاد للقاحات، في محاولة لمنع سوء الفهم وتكرار المعلومات الخاطئة. وقد زاد من تلك الحالة من الممانعة المجتمعية لتلقي اللقاح، تضاؤل حجم الرهبة المجتمعية من الإصابة بالفيروس، وزيادة أعداد الحالات التي تمكنت من الشفاء من خلال العزل المنزلي وبروتوكولات العلاج المنزلي، هذا فضلًا عن إقرار بعض اللقاحات من جانب عدد محدود من الدول، أو على جانب آخر عدم الثقة المجتمعية في القدرات الطبية لدولها مثلما هو الحال في روسيا التي ستتوسع في أكبر عملية تلقيح من خلال لقاح (سبوتنيك V).

وفي حين تواجه الدول المتقدمة مخاطر انتشار الأخبار الكاذبة، فإن مناخ عدم الثقة المنتشر في الدول منخفضة الدخل خاصة تلك التي ستشهد انعقاد الانتخابات الوطنية فيها سيعزز من حالة الرفض لتلقي اللقاحات أو الاستغلال السياسي لعملية توزيع اللقاحات في حشد المؤيدين، لا سيما في دول مثل إثيوبيا وبيرو.

7- الهجمات السيبرانية: بينما ينتظر العالم توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، تجددت المخاوف بشأن الأمن السيبراني كتهديد محتمل للتسليم السلس لشحنات اللقاح. يأتي ذلك في الوقت الذي شهدت فيه عمليات تصنيع اللقاحات نفسها عدة هجمات لقرصنة أبحاث اللقاحات، حيث تم الكشف مؤخرًا عن أن مجموعة القرصنة الروسية - المعروفة باسم Cozy Bear أو APT29 - بذلت خلال الفترة الماضية عدة محاولات لسرقة أبحاث لقاح لفيروس كورونا في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا.

على جانب آخر، كشف تقرير آخر لفريق عمل استخبارات التهديدات التابع لشركة IBM، أن المهاجمين السيبرانيين استهدفوا سلسلة التوريد المبردة اللازمة لتقديم لقاحات فيروس كورونا، حيث حاولوا تعطيل أو سرقة المعلومات حول العمليات الحيوية اللازمة للحفاظ على اللقاحات باردة أثناء عملية النقل من المصانع إلى المستشفيات أو أماكن تلقيح الأطباء. وقد أورد التقرير سيناريو تفصيليًّا لعملية معقدة يقوم من خلالها المتسللون باستهداف المنظمات المرتبطة بمنصة سلسلة التبريد التي يديرها تحالف لقاح (Gavi)، وهي شراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير اللقاحات للدول الفقيرة . علمًا بأنه من المحتمل أن تكون عمليات القرصنة مدعومة من قبل روسيا. 

ختامًا، يمكن القول إنه على الرغم من تمكن عدد لا بأس به من الشركات من تطوير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا؛ إلا أن إتمام إنجاز عملية التلقيح تواجهها العديد من التحديات، بل أضحى إحدى المعضلات الحالية أمام الدول هي إقناع مواطنيها بأن اللقاح آمن وفعال. كما أن هناك عددًا من الدعوات التي وجّهتها الدول والمنظمات لإتاحة حقوق الملكية الفكرية الخاصة باللقاحات، الأمر الذي قد يزيد من قدرة الدول متوسطة ومنخفضة الدخل على تصنيع اللقاحات وتوفيرها لمواطنيها.