أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

مرحلة جديدة:

كيف يواجه "داعش" سقوط آخر معاقله في سوريا؟

19 فبراير، 2019


يتعرض تنظيم "داعش" لضغوط غير مسبوقة في سوريا خلال الفترة الحالية، بعد أن حاصرته ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) داخل منطقة تمثل أقل من واحد في المائة من مساحة المناطق التي كان يسيطر عليها بداية من منتصف عام 2014، ليخسر التنظيم خط دفاعه الأول في آخر جيوبه، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول الخيارات المتاحة أمام عناصره في مواجهة "قسد"، لا سيما وأن القضاء عليهم سيمثل نهاية المشروع الذي تبناه "داعش" خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.

مواجهة مهمة:

تكتسب المواجهات التي تشهدها منطقة شرق الفرات وتقودها "قوات سوريا الديمقراطية" ضد ما تبقى من عناصر "داعش"، وتحديدًا في بلدة الباغوز التي تقع على الحدود مع العراق، أهمية خاصة بالنسبة للطرفين. إذ تسعى الأولى إلى استغلال الانتصار في هذه المواجهات للحصول على قدر أكبر من المكاسب السياسية، على غرار تدعيم نفوذها في شمال شرق سوريا، في ظل رفضها لإقامة منطقة آمنة وفق التفاهمات التي تجريها كل من روسيا وتركيا، التي تهدد بدورها بشن عملية عسكرية ضدها، وهو ما انعكس في تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في 15 فبراير الجاري، التي قال فيها أن "القوات التركية فقط هى التي يجب أن تكون في المنطقة الآمنة المزمع إقامتها شمال شرقى سوريا".

ويبدو أن ذلك هو ما دفع الأكراد إلى مطالبة الدول الأوروبية، في 18 من الشهر نفسه، بـ"عدم التخلي عنهم"، حيث دعا القيادي الكردي البارز ألدار خليل فرنسا إلى "تقديم اقتراح لمجلس الأمن بنشر قوة دولية بيننا وبين الأتراك تكون جزءًا منها أو يمكنها حماية أجوائنا".

في حين يحاول تنظيم "داعش" الحفاظ على معقله الأخير في سوريا، حتى لو كان يمثل مساحة ضئيلة من الأرض، حتى يتجنب خطر الانهيار التنظيمي الكامل كما حدث له في العراق، على نحو يمكن أن يُعرِّضه لمزيد من الخسائر البشرية، باعتبار أن هذا الاحتمال معناه فقدانه عددًا كبيرًا من العناصر الموالية له.  

خيارات محتملة:

رغم أهمية المواجهة الحالية في شرق الفرات بالنسبة لتنظيم "داعش"، إلا أن الخيارات المتاحة أمام عناصره للتعامل مع العمليات العسكرية التي تشنها "قوات سوريا الديمقراطية" ليست متعددة، لا سيما في ظل الدعم الدولي الذي تحظى به "قسد"، ويتمثل أبرزها في:

1- الألغام الأرضية: اتجه مسلحو تنظيم "داعش" إلى تلغيم مساحات من المناطق التي فروا منها، حتى تمثل عائقًا أمام تقدم ميليشيا "قسد"، التي تبذل جهودًا حثيثة من أجل نزعها، بشكل يستنزف وقتًا يسمح لعناصر التنظيم الذين ما زالوا مصرين على الانخراط في المواجهة بإعادة تنظيم صفوفهم من جديد.

2- الهجمات الانتحارية: ويمكن أن يستخدمها المقاتلون الأجانب بشكل أساسي، لا سيما إذا ما أدركوا أنهم على وشك الوقوع في الأسر. وتتوقع اتجاهات عديدة أن يتزايد عدد الهجمات الانتحارية كلما اقتربت المواجهة الحالية من النهاية، على غرار الهجمات الأربعة التي شنها بعض عناصر التنظيم في نهاية يناير 2019، واستخدموا فيها سيارات مفخخة استهدفت قوات "قسد"، بشكل أسفر عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف الأخيرة.

3- اللجوء إلى الأنفاق: تمكن بعض عناصر "داعش"، خلال الفترة التي سبقت معارك شرق الفرات، من بناء شبكة أنفاق أسفل عدد من المنازل في القرى التي كانوا يسيطرون عليها في تلك المنطقة، وذلك لتعزيز قدرتهم على شن هجمات مفاجئة والعودة سريعًا إلى الأنفاق، التي يرون أنها يمكن أن تحميهم من الضربات العسكرية التي تشنها طائرات قوات التحالف الدولي. 

4- العمليات الانغماسية: قد يحاول التنظيم شن عمليات انغماسية في مواجهة "قوات سوريا الديمقراطية"، عبر العمل على تمكين بعض عناصره من اختراق صفوف تلك القوات ثم القيام بتنفيذ تفجير بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى في صفوف الميليشيا الكردية. 

وقد أشار المتحدث باسم حملة "قسد" في دير الزور عدنان عفرين، في 27 يناير 2019، إلى هذا الخيار تحديدًا، عندما قال أن "هناك الكثير من الانتحاريين الذين يقتحمون مناطق قواتنا على غرار الهجومين الانغماسيين اللذين نفذتهما انتحاريتان فجرتا نفسيهما في 25 يناير الماضي". وقد شن التنظيم بالفعل عددًا من الهجمات المماثلة، على غرار الهجوم الذي نفذه أربع عناصر تابعة له في منتصف الشهر نفسه، حيث قاموا بتفجير أنفسهم بنقطة تابعة لـ"قسد" في الباغوز بالقرب من جسر البوكمال.

5- الاستسلام: وهو الخيار الأخير الذي قد يلجأ إليه بعض العناصر المتبقية في شرق الفرات، لا سيما العناصر الخطرة التي كانت مصرة على مواصلة الانخراط في المواجهات المسلحة حتى النهاية، وذلك بعد أن تستنفد كل الوسائل الممكنة في تلك المواجهات. ورغم أن هذا الخيار مستبعد في حالة ما إذا كانت لديهم القدرة على مواصلة المواجهات، إلا أنهم قد يستندون إليه في نهاية الأمر، على نحو كشفت عنه مؤشرات عديدة خلال المعارك الأخيرة، حيث أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 13 فبراير الجاري، إلى أن نحو 240 من مسلحي "داعش" المحاصرين في آخر جيب للتنظيم شرق الفرات سلموا أنفسهم لقوات التحالف وميليشيا "قسد" وتم بالفعل إخراجهم من المنطقة.

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن معركة القضاء على "داعش" تبدو صعبة، رغم محدودية المساحة التي يسيطر عليها التنظيم، نظرًا للخيارات المتاحة أمام عناصره، إلا أنه سيتم القضاء على التواجد التنظيمي لـ"داعش" في سوريا في نهاية المطاف، لتبدأ معركة أخرى ربما لا تقل صعوبة عن المواجهة العسكرية، وهى المعركة الفكرية، في ظل انتشار توجهاته بين العديد من الشباب والأطفال الذين ظلوا لسنوات تحت سيطرته في المناطق التي كان يتواجد بها.