أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تركيا..و"الجمهورية الثانية"

04 يوليو، 2018


رغم أن المقالة الصحفية بمساحتها المتاحة، وكذلك بطبيعتها الخاصة، تركز على الأنماط العامة بعيداً عن تفاصيل الشأن الداخلي لبلاد غير عربية، فإن هناك بعض أنماط الشؤون الداخلية ذات تأثير إقليمي وعالمي لا يمكن تجاهلها. فهل نستطيع مثلاً إهمال تأثير انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة وتأثير سياساته بالنسبة للهجرة أو حروبه التجارية التي قد تؤدي إلى تقلبات مزمنة في الاقتصاد العالمي؟ نفس الاستخلاص تقريباً يرتبط بدولة قريبة منا، ألا وهي تركيا وتأثير انتخاباتها الأخيرة. فهذه الانتخابات تختلف عن أية انتخابات رئاسية أخرى في تركيا، لأنها جاءت بعد تغيير الدستور لإحلال نظام رئاسي محل النظام البرلماني، أي ما نستطيع تسميته بداية الجمهورية الثانية في تركيا خلفاً للجمهورية الأولى مع مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك الذي أنهى الإمبراطورية العثمانية في عشرينيات القرن الماضي بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، والذي ذهب في «تغريبه» للإرث العثماني إلى تحويل كتابة اللغة التركية من الحرف العربي إلى الحروف اللاتيني.

لكن رغم «التغريب» والعلمانية المسيطرين، حافظت تركيا على دينها الإسلامي، حتى وإن لم يعد أساس هويتها، وأصبح هناك «نموذج تركي» يُدلل أنه لا تعارض بين الدين الإسلامي والديمقراطية الغربية. لكن إلى أي مدى يؤثر دستور تركيا الجديد لعام 2017 ونظامها الرئاسي الذي يهمش البرلمان ويمنح أردوغان سلطة مطلقة، على هذا النموذج التركي الذي جسَّده نظام أتاتورك وما بعده؟ وما تأثير ذلك التحول على السياسة التركية وعلى المنطقة العربية؟

فاز أردوغان بولاية رئاسية مدتها خمس سنوات بحصوله على 52.5٪ من الأصوات، بينما حصل منافسه الرئيسي على 31٪. وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في يوم واحد مع الانتخابات الرئاسية، وذلك لأول مرة وفق الدستور الجديد، حصل «حزب العدالة والتنمية» بزعامة أردوغان على 42.5٪ من الأصوات، لكن تحالفه مع الحزب القومي اليميني حصل على الأغلبية البرلمانية (343 من أصل 600 مقعد).

هناك إذن تركز واضح للسلطة، فإلى جانب هذه الأغلبية البرلمانية، فإن الرئيس في الدستور الجديد هو الحاكم الأوحد تقريباً: فهو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وقد يعتقد البعض أن هذا مشابه للنظام الرئاسي الأميركي، لكن أردوغان يُعيِّن من يشاء دون الحاجة لموافقة البرلمان. ورغم أن البرلمان يستطيع عزل الرئيس بموافقة ثلثي الأعضاء، وهو أمر مستحيل بسبب أغلبيته البرلمانية حالياً، فإن هذا القرار في جميع الأحوال يخضع لموافقة المحكمة الدستورية التي يُعيّن الرئيس 12 من أعضائها الخمسة عشر أي 80٪ (بينما في فرنسا 3 من 9، أي 35٪). وأكثر من ذلك فإن الرئيس هو من يُعد الميزانية، وفي حالة عدم تصديقها من البرلمان يستمر العمل بميزانية العام السابق. وفي النظام الرئاسي الأميركي نتذكر كيف أدى فيتو الكونجرس إلى إغلاق الحكومة وشل المجتمع.

وقد ازدادت سلطة أردوغان عقب المحاولة الانقلابية ضده في يوليو 2016، حيث قام بغلق العديد من الصحف والمؤسسات الإعلامية، وبحجب الكثير من مواقع الإنترنت، وبطرد حوالى 152 ألف موظف (منهم 4 آلاف من القضاء و5 آلاف أكاديمي)، وبإغلاق أكثر من 3 آلاف مدرسة وجامعة (خنق مجتمع المعرفة والفكر)، وباعتقال أكثر من 140 ألف شخص.. وهكذا قام بإسقاط النموذج التركي التعددي ليُحِلَّ محلَّه «العثمانية الجديدة».

وأساس «العثمانية الجديدة» هو التوجه نحو دول مثل روسيا والصين وإيران، والابتعاد عن محاولة نيل عضوية الاتحاد الأوروبي، للتركيز على منطقة الشرق الأوسط وإعادة تشكيله حسب خطط أردوغان.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد