أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تسوية الملفات:

دوافع زيارة وزير الخارجية التركي إلى العراق

29 أغسطس، 2023


أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، يومي 22 و23 أغسطس 2023، زيارة إلى العراق، التقى خلالها نظيره العراقي فؤاد حسين في بغداد، كما اجتمع مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني، ووزير داخلية الإقليم ريبر أحمد في أربيل. وقد بحث وزير الخارجية التركي الملفات المشتركة ومنها ملف المياه والنفط والأوضاع الأمنية مع المسؤولين العراقيين. 

وتُعد تلك الزيارة الأولى من نوعها لفيدان بصفته وزير الخارجية؛ إذ كانت زياراته السابقة إلى العراق إبان توليه رئاسة الاستخبارات التركية. 

دوافع مُتعددة: 

جاءت تلك الزيارة في ضوء عدد من الدوافع والأهداف التي سعت أنقرة لتحقيقها، والتي يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1. تبني نهج دبلوماسي جديد: يمثل تطبيق هاكان فيدان لدبلوماسية تركية جديدة بعد توليه منصبه في يونيو 2023 أحد الأهداف الأساسية لزيارته إلى العراق؛ إذ تربط فيدان علاقات قوية مع المسؤولين والسياسيين العراقيين لكونه عمل لمدة 13 عاماً رئيساً للاستخبارات التركية، وهي السنوات التي شهدت انخراطاً تركياً متنامياً في العراق على كافة المستويات ومن أهمها المستويان الاستخباري والعسكري فضلاً عن المستويين السياسي والاقتصادي اللذين برزت أهميتهما بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. ولا شك أن الحكومة التركية في مرحلة ما بعد انتخابات مايو 2023 تعمد إلى تعظيم الاستفادة من هذا الانخراط والتشابك الذي يتمتع به وزير الخارجية هاكان فيدان، لتحقيق المكتسبات التي روجت لها الحكومة التركية الحالية خلال الانتخابات وما قبلها، ولعل أهمها الحفاظ على النفوذ السياسي والعسكري في العراق، واستمرار الضغط على العراق من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات التي يملك فيدان خبرة توظيفها على نطاق واسع، ومنها بالطبع الأداة العسكرية. 

ويدخل في إطار هذه الدبلوماسية الجديدة، العمل التركي على لملمة التحالفات وإعادة صياغة خارطة النفوذ السياسي التركي في العراق، والذي تبدو التغيرات الداخلية الطارئة على التحالفات في العراق مؤثرة فيه، ولاسيّما داخل تحالف السيادة السني إثر الخلاف الحاد بين مكونيه ائتلافي "عزم" و"تقدم"، ولذلك حرص فيدان على أن يلتقي على انفراد مع كل من محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب ورئيس ائتلاف "تقدم"، وخميس الخنجر رئيس ائتلاف "عزم". 

2. توطيد التعاون الاقتصادي والتجاري: التقى فيدان، في اليوم الثاني لزيارته إلى العراق، بالرئيس عبداللطيف رشيد، وقد تم خلال الاجتماع تأكيد زيادة التجارة الثنائية بين الجانبين، والتي تبلغ حالياً نحو 20 مليار دولار، وقد وصف وزير الخارجية التركي حجم التبادل التجاري بأنه "أقل من إمكانات البلدين". كما دعا دول المنطقة إلى تقديم الدعم اللازم لاستكمال مشروع طريق التنمية الذي يربط دول الخليج العربي مع أوروبا من خلال العراق وتركيا، قائلاً إن "هذا المشروع سيجلب الازدهار للعراق والمنطقة ويحول العراق إلى مركز للتنمية في المنطقة". وقد تمت الإشارة، خلال الزيارة، إلى أن هناك نحو 850 شركة تركية تعمل بالعراق في قطاعات متنوعة، وتطرقت الزيارة أيضاً إلى ضرورة عقد اجتماع للجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة بين البلدين. 

3. مواجهة تهديدات "حزب العمّال": تمثل مواجهة التهديدات المتعلقة بأنشطة حزب العمّال الكردستاني لتركيا، أحد أبرز أهداف الزيارة، وقد التقى فيدان بكبار المسؤولين في إقليم كردستان، وأكد حرص أنقرة على توسيع التعاون الأمني مع الإقليم لمواجهة أنشطة حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، وقد تزامنت تلك الزيارة مع مواصلة تركيا شن هجماتها ضد مواقع الحزب في شمال العراق، والتي كان أحدثها في 24 أغسطس 2023، عندما نفذت طائرة مسيرة تركية ضربة في منطقة سيدكان بمحافظة أربيل عاصمة الإقليم. 

ومثلما سبقت الإشارة، يبني فيدان في هذا الملف بشكل واضح على علاقاته الاستخبارية الوثيقة التي تربطه مع مسؤولي الإقليم وخاصة من الحزب الديمقراطي الكردستاني. وعلاوة على ذلك، كانت لقاءاته مع قادة الفصائل والتيارات الشيعية الأساسية في العراق، مثل رئيس منظمة بدر وتحالف الفتح هادي العامري، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، علاوة على وزير الدفاع ثابت العباسي، لعدم اقتصار التنسيق التركي في هذا الملف الحدودي مع إقليم كردستان على مسؤولي الإقليم وإنما مع أصحاب القرار الأساسيين والمشكلين للحكومة العراقية الحالية من قادة الإطار التنسيقي للقوى الشيعية.

4. التمهيد لزيارة أردوغان: أعلن وكيل وزارة الخارجية العراقية، هشام العلوي، أن زيارة وزير الخارجية التركي، والتي ستعقبها زيارة مزمعة لوزير الاقتصاد والتجارة إلى العراق ستهيئ لزيارة الرئيس رجب طيب أردوغان، خلال شهر سبتمبر 2023. ولا شك أن أحد الأهداف الأساسية لزيارة فيدان إلى العراق هو التمهيد لزيارة أردوغان من خلال التباحث مع المسؤولين العراقيين للتوصل إلى أرضية مناسبة في الملفات العالقة بين البلدين تسمح بزيارة أردوغان وأن تكون هذه الزيارة بمثابة إنجاز في علاقات البلدين. 

نتائج الزيارة:

يمكن الوقوف على أبرز النتائج التي أسفرت عنها الزيارة على النحو التالي:

1. تشكيل لجنة مُشتركة بشأن المياه: احتلت قضية المياه أولوية على أجندة زيارة وزير الخارجية التركي إلى العراق، وقد أعلن فيدان، الاتفاق مع نظيره العراقي، على تشكيل لجنة مُشتركة بشأن المياه، مشيراً إلى أن أنقرة تتابع عن كثب ملف نقص المياه في العراق، والتي تسبب نقصها في أزمة جفاف واسعة النطاق، أثرت بشكل كبير في الأنشطة الاقتصادية والزراعية بالعراق، مؤكداً أن أنقرة تتعامل مع القضية من وجهة نظر إنسانية. وقد خلص الاجتماع بين الطرفين على تأكيد حصول العراق على حصة عادلة من المياه. 

2. دفع جهود حلحلة تصدير النفط: ناقش وزيرا الخارجية التركي والعراقي الاستئناف المُرتقب لصادرات النفط من إقليم كردستان العراق إلى تركيا، والتي جمدتها أنقرة في مارس 2023، رداً على الحكم الصادر عن غرفة التجارة الدولية في باريس لصالح العراق، والذي يقضي بحصوله على تعويضات تقدر بـ1.47 مليار دولار، على خلفية اتهام أنقرة بالحصول على النفط من إقليم كردستان دون إذن الحكومة الفدرالية في بغداد. وتكتسب تلك المساعي أهميتها في ضوء الاتفاق المؤقت الذي جرى توقيعه بين الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان، في إبريل 2023، بشأن استئناف صادرات النفط إلى تركيا. 

3. تعزيز التعاون الأمني: أعلن وزير الخارجية التركي بشكل واضح أن اعتراف العراق رسمياً بحزب العمّال الكردستاني كمنظمة إرهابية مطلب أساسي وفقاً للصداقة والأخوة بين البلدين، ويجب عدم السماح لـ"العدو المشترك"، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، بتسميم العلاقات الثنائية. وعلى الرغم مما يبدو من هذه التصريحات بأن تصنيف حزب العمال كمنظمة إرهابية شرط من الشروط التركية للتقدم في المسارات الأخرى للعلاقات بين أنقرة وبغداد، فإنه لا يمكن الجزم بأن العراق سيوافق على ذلك المطلب؛ بالنظر إلى التعقيدات السياسية والأمنية الكبيرة التي تكتنف إصدار مثل هذا القرار، في ضوء علاقات أطراف كردية بالحزب، ووجود علاقات بين أطراف شيعية ذات اتصال بإيران بحزب العمال وكون هذا الملف أحد الملفات التنافسية بين أنقرة وطهران. 

ولكن في المقابل، يتوقع أن يجري الاتفاق خلال الفترة المقبلة على تسوية جزئية لهذا الملف تضمن تهدئة التخوفات التركية والوصول إلى أرضية مشتركة بشأن أنشطة حزب العمال الكردستاني، وذلك على غرار الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إيران والعراق، في 28 أغسطس 2023، والذي يقضي بمنع تسلل المسلحين من إقليم كردستان إلى إيران، وتسليم المطلوبين وفقاً للقانون، بالإضافة إلى نزع السلاح وإزالة المعسكرات من الإقليم، وذلك تنفيذاً لمذكرة التفاهم الأمني الموقعة بين الجانبين في مارس الماضي. 

4. بناء الثقة مع الأطراف الكردية: بالنظر إلى أن معالجة ملف نشاط حزب العمال الكردستاني لا يمكن أن تجري بالسُبُل الرسمية بين الحكومتيْن التركية والعراقية فقط دون النظر إلى العلاقات المتشابكة داخل إقليم كردستان ووجود أطراف كردية على صلة وثيقة بحزب العمال مثل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني؛ تكون محاولة إعادة بناء الثقة بين أنقرة والأطراف الكردية وتحديداً في السليمانية أمراً ضرورياً لتقويض أو تقليص نشاط حزب العمال الكردستاني، ولاسيّما وأن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يملك من المعلومات والدلائل إبان توليه رئاسة الاستخبارات ما يؤكد هذه العلاقات بين السليمانية وحزب العمّال. ومن المحتمل أن يسهم لقاء فيدان مع قوباد طالباني في إعادة بناء هذه الثقة التي قُوضت إلى حد كبير بعد الهجوم على مطار السليمانية في إبريل 2023، وذلك جنباً إلى جنب مع التعاون الوطيد القائم بين تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني، ومن ثم الإسهام في محاصرة أو تحجيم نشاط حزب العمال إلى حد ما، وتثبيت الحضور التركي كعامل استقرار داخل إقليم كردستان المتصدع إثر الخلاف بين حزبيه الرئيسييْن.

وفي التقدير، يمكن القول إنه من المُرجح أن بيان نتائج زيارة فيدان إلى العراق سيتوقف على موقف المسؤولين العراقيين على اختلافهم مما طرحه وزير الخارجية التركي خلال زيارته بغداد وأربيل، وما يمكن أن تقدمه العاصمتان في مقابل المطالب العراقية من تركيا والعكس. ولا يبدو مستبعداً أن تكون هناك زيارات متبادلة قادمة لمسؤولين عراقيين إلى أنقرة أو أتراك آخرين إلى بغداد لحسم هذه الملفات قبل الزيارة المُرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق خلال الشهر المقبل.