أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

"الدول المُنهارة":

إصلاح قطاع الأمن في ليبيا واليمن

10 يوليو، 2015


إعداد: أحمد عبدالعليم

 

تعاني عدد من دول الثورات العربية من العديد من الإشكاليات المرتبطة بالتخلُّص من النظم الاستبدادية التي قامت عليها الثورات الشعبية، ويأتي على رأس تلك الإشكاليات؛ إعادة هيكلة قطاع الأمن، حيث أن دولاً مثل ليبيا واليمن تعانيان بشدة منذ عام 2011 بسبب عدم إصلاح القطاع الأمني بشكل يتواكب مع متطلبات المواطنين. ولاشك أن انهيار الجيوش الوطنية، ووجود جماعات تحمل السلاح في الدولتين يُصعّب من عملية الإصلاح الأمني، ويجعل من الصعب وجود استقرار سياسي في ظل وجود جماعات موازية للدولة تقوم بالدور الأمني وتمتلك السلاح.

في هذا الإطار؛ تأتي الدراسة الصادرة عن "مركز كارنيجي للشرق الأوسط" تحت عنوان: "الدول المنهارة: إصلاح قطاع الأمن في ليبيا واليمن"، والتي أعدَّها "يزيد صايغ" Yezid Sayigh وهو باحث رئيسي في "مركز كارنيجي للشرق الأوسط". وتتطرق الدراسة إلى أهم التحديات والمعوقات التي تواجه إصلاح قطاع الأمن في دول الشرق الأوسط، وتحديداً ليبيا واليمن، مع تقديم عدد من التوصيات في هذا الشأن.

تحديات إعادة هيكلة الأمن في ليبيا واليمن

يشير الباحث إلى أنه باندلاع الانتفاضات الشعبية في كل من ليبيا واليمن مطلع عام 2011، وسقوط نظامي "القذافي" و"عبدالله صالح"، انهارت الأجهزة الرسمية في الدولتين، وهو ما جعل إعادة هيكلة قطاع الأمن من المهام المركزية بعد الإطاحة بهما، ولكن فشلت الدولتان في تحقيق ذلك، في ظل اتجاه ليبيا نحو حرب أهلية، واستيلاء المتمردين على السلطة في اليمن، وما ترتَّب على ذلك من تدخل عسكري خارجي لإعادة الشرعية للسلطة المنتخبة في البلاد.

ويؤكد الباحث أن أي حديث عن إعادة هيكلة قطاع الأمن يتطلب ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية في ظل مجتمعات منقسمة، وكذلك تحقيق التوازن بين المركزية واللامركزية في الحكم من خلال إقرار النظام وتوفير الأمن وإعمال القانون.

وثمة تحديَّات عديدة وعقبات رئيسية أمام تحقيق أي طفرة أو تقدُّم في اتجاه إعادة هيكلة قطاع الأمن في ليبيا واليمن، وتحددها الدراسة في الآتي:

1- إن السيطرة على قطاع الأمن يشكل مجالاً للتنافس بين الميليشيات والجماعات المسلحة في ليبيا واليمن، في ظل محاولة إعادة إنتاج النخبة السياسية القديمة التي قامت عليها الثورة بالأساس في الدولتين.

2- الصراع من أجل الاستحواذ على النفوذ والسلطة يعيق أي تقدُّم في اتجاه إعادة هيكلة قطاع الأمن في البلدين، ويمنع أي أجندات للإصلاح الأمني.

3- انهيار مؤسسات الدولة الليبية واليمنية، سواء كانت المؤسسات التنفيذية أو التشريعية أو حتى القضائية في ظل نظام عاجز للعدالة الجنائية، وبالتالي فإن تلك المؤشرات تعني ضعف الدولة وانهيارها.

4- صعود قوة الميليشيات والجماعات المسلحة في البلدين، وقيام بعضها أحياناً بدور الدولة الأمني من أجل الحفاظ على مصادر القوة والنفوذ داخل المجتمعين الليبي واليمني.

5- انهيار الجيوش الوطنية، وهو ما يعني ضرورة إعادة هيكلة القوات المسلحة الوطنية في ليبيا واليمن، وكذلك إصلاح وزارات الداخلية من أجل تلبية احتياجات المواطنين، وتعزيز شرعية الحكومات، وإنعاش الاقتصاد، بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من إصلاح السياسات في المجالات الأخرى.

6- تدخُّل الجهات الخارجية كان له تأثير في فشل إعادة هيكلة قطاع الأمن في البلدين، خاصةً مع تضارب الأهداف والمصالح، وعدم استثمار الإمكانات المتاحة من أجل تحقيق تقدُّم ملموس.

وبالتالي، يرى الباحث أن هذه التحديّات قد أخذت قطاع الأمن في كل من ليبيا واليمن إلى نقطة الانهيار، فالصراعات السياسية وانتشار الجماعات والميليشيات المسلحة، بالإضافة إلى وجود مجتمعات ضعيفة ومقسمة تستغلها أطراف خارجية، في ظل انهيار الجيوش الوطنية وضعفها، كل تلك العوامل أثّرت سلباً على أي جهود من أجل إعادة هيكلة قطاع الأمن. كذلك، فإن الصراع بين بقايا النظام القديم وبين الأطراف التي ظهرت بعد الثورة يجعل ثمة أهداف متضاربة ومصالح متشابكة تجعل محاولات إصلاح قطاع الأمن تنحسر للغاية.

الأمن الهجين: الفشل المدوِّي لإصلاح الأمن في ليبيا

يرى الباحث أن ليبيا تمثل الحالة النموذجية للفشل المدوِّي في إصلاح قطاع الأمن في بلدان الربيع العربي، حيث إن قطاع الأمن الليبي يتسم بالخلل. وبالرغم من الدور العسكري الكبير لحلف شمال الأطلسي وللحكومات الأجنبية في الإطاحة بـ"معمر القذافي"، بيد أن ذلك الدور لم يمتد إلى مرحلة إعادة إعمار حقيقية للدولة الليبية، ومعلوم أن ذلك كان من الممكن أن يشكل فارقاً حاسماً في إصلاح قطاع الأمن في ليبيا، لكن تردُّد حلف "الناتو" في المشاركة في بناء الدولة الليبية والتركيز على مكافحة الإرهاب فقط، ووجود مساعدات مالية ضئيلة للغاية، فضلاً عن انعدام الثقة بين المقاتلين الثوريين والصراع على السلطة بين الليبيين أنفسهم، كلها أمور حدّت من إمكانية تحقيق خطوة إيجابية تجاه إعادة هيكلة قطاع الأمن الليبي.

من جانب آخر، فإن الذين شكلوا السلطة الجديدة الحاكمة في ليبيا كانوا يفتقرون إلى الخبرة السابقة في مجال القطاع الأمني، بالإضافة إلى وجود مناخ غير صحي يتسم بانعدام متبادل للثقة، وبالتالي استمرت حالة الفوضى في الشرطة الوطنية والاستخبارات ووزارة الدفاع، نظراً لانعدام الرؤية والخبرة. وكذلك شكّل الفراغ التشريعي والرقابي عوامل مؤثرة لضعف قطاع الأمن وعجزه عن القيام بأدواره، ففي ظل وجود مزيج من الموروثات البيروقراطية البريطانية والسوفياتية والإسلامية، أصبح ثمة حزمة من القوانين والأنظمة غير الواضحة، مما شكّل حالة من الفوضى الكاملة التي حدّت من أي مجهود قد يُبذل لإصلاح القطاع الأمني.

ويشير الباحث إلى أنه بحلول عام 2014، فإن الميليشيات الثورية قد عجّلت بأزمة سياسية مع المؤتمر الوطني العام الليبي عندما مدّد الأخير ولايته، مما اضطره إلى التراجع وترتيب انتخابات عامة جديدة، وهو ما أدى إلى زيادة حالة الاستقطاب السياسي في ليبيا على نحو متزايد، وبالتالي فإن ليبيا باتت تعاني من الصراعات السياسية في ظل إرث رقابي وتشريعي وتنفيذي ضعيف للغاية، وصعود الفاعلين من غير الدول، وهي جهات مسلحة تحاول قدر الإمكان الاستحواذ على أكبر قدر من النفوذ والسلطة في مواجهة الدولة الرسمية. ومن ثم، فإن كل تلك الأمور تُعمق من صعوبة القيام بإعادة هيكلة لقطاع الأمن في ظل انهيار وتفتت واضح للدولة الليبية.

الأمن البديل: قطاع الأمن اليمني بدون تغيير حقيقي

يبرز الباحث اليمن باعتبارها من ضمن دول الربيع العربي التي ركّزت على ضرورة إصلاح قطاع الأمن بعد الانتفاضة الشعبية التي حدثت عام 2011، وكان ذلك من خلال الوساطة الخليجية التي نظمت انتقال السلطة في اليمن وتخلّي "على عبدالله صالح" عن حكمه، حيث ركزّت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية على ضرورة إعادة تأهيل من لا تنطبق عليهم شروط الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بالإضافة إخلاء العاصمة وباقي المدن اليمنية من الميليشيات والجماعات المسلحة وغير النظامية وإنهاء جميع النزاعات المسلحة.

ولكن ما أعاق تحقيق تقدم في طريق إعادة هيكلة قطاع الأمن، هو وجود جهات خارجية لها مصالح متضاربة. فالرئيس "عبدربه منصور هادي" حاول الالتزام بإصلاح القطاع الأمني، ولكن البعض اتهمه باستخدام ذلك لترسيخ سلطته ونفوذه، بالإضافة إلى وجود صراع على المناصب والنفوذ داخل وزارة الداخلية، ووجود جماعات وميليشيات مسلحة؛ وبالتالي فإن الأمن في اليمن كان "أمناً بديلاً"، حيث لا تقوم الدولة بوظيفتها في توفير الأمن، ولكن قامت به الجماعات النظامية والميليشيات المسلحة والقبائل، وهو ما فتح الباب لحدوث اختراق مجتمعي في ظل محاولة الجهات الخارجية التأثير على الأوضاع السياسية في اليمن، خاصةً من الفاعلين من دول الإقليم.

ويؤكد الباحث أنه حتى التغييرات التي تمّت لم تشمل إلا المركز فقط، أما الأطراف والمدن خارج العاصمة فكان التغيير فيها ضعيفاً للغاية، وإن كان ثمة تغيير للقيادات المحلية، فإن ذلك التغيير يكون قائماً على الانتماء الحزبي إلى حد كبير.

ويستعين الباحث بدراسة نُشرت من قِبل "المركز اليمني لقياس الرأي العام" في يناير 2013، أظهرت أن (24%) من المناطق الحضرية اليمنية وحوالي (89%) من المناطق الريفية اليمنية لم يكن لديها مركز للشرطة المحلية، وأن سبع محافظات كاملة لا يوجد بها مراكز للشرطة.

وفي السياق ذاته، فإن عدم وجود نظام قضائي أو رقابي يزيد من مشكلة عدم هيكلة قطاع الأمن، إذ يتم الاعتماد في اليمن على الرموز القبلية والتحكيم العرفي في ظل غياب للسلطة المحلية، وبالتالي فإنه في ظل غياب تواجد حقيقي للشرطة في مقابل قوة الميليشيات المسلحة، إلى جانب الصراع على السلطة وعدم الاستقرار السياسي في ظل تراجع قوة الدولة، فإن إصلاح قطاع الأمن سيظل صعب التحقق.

الدروس المستفادة من التجربتين الليبية واليمنية

يرى الباحث أن ليبيا واليمن قد عانتا من التمزُّق بعد عام 2011، في ظل تعاظم الولاءات الفئوية والشخصية، وانتشار الفساد، وكلها أمور تصب في مصلحة انتشار الفوضى والتراجع الأمني. ولا يمكن للقطاع الأمني أن يستقيم إلا بتسوية النزاعات المسلحة الدائرة، ووجود منهجيات ترتقي بالشرطة من أجل أن تتحول إلى وسيلة مُكملة لإنفاذ القانون وتوفير الأمن في المجتمع، بالإضافة إلى وجود نظام قضائي ورقابي وتشريعي يُعلي من القانون.

ويشير صايغ إلى ضرورة أن تستخلص دول الشرق الأوسط الدروس والعِبر من التجربتين الليبية واليمنية في إعادة هيكلة قطاع الأمن، وذلك على النحو التالي:

1- الشمولية والشفافية أمران أساسيان: فمن الضروري بناء الثقة بين كافة أطياف المجتمع من أجل عدم وجود أي اختراق مجتمعي أو تحزب سياسي يُعلي من مصلحة الجماعة على حساب مصلحة الوطن. ومن ثم، يتعين توفير المعلومات الشاملة حول إدارات قطاع الأمن، والشفافية في اتخاذ القرارات أو التعيينات، بالإضافة إلى تخصيص ميزانية تتسم بالشفافية.

2- إعادة إدماج القطاعات الأمنية: يؤكد الباحث على ضرورة وجود منهجية لإعادة إدماج القطاعات الأمنية وفق معايير واضحة، سواء فيما يتعلق بالتعيين أو الترقية أو الحقوق والأجور وشروط الخدمة، وذلك من أجل دمج الهياكل الأمنية الرسمية والبديلة.

3- التوازن بين الأمن في العاصمة والأقاليم: يشترط الباحث التوازن بين الأمن في العاصمة والمركز وبين الأمن في المحليّات والمدن البعيدة عن العاصمة، وهذا التوازن كفيل بتحقيق استقرار أفقي يشمل العاصمة وباقي الأقاليم المختلفة.

4- إنشاء نظم فعّالة: يؤكد الباحث على ضرورة إنشاء نظام رقابي وقانوني ومالي فعّال في إطار حكم ديمقراطي لا يستبعد أي فصيل مجتمعي، ويحاول إدماج كل الكيانات الاجتماعية في إطار من المساواة والتعددية.

5- استحداث مفتشين لهم صلاحيات كاملة: من المهم إنشاء قطاع للحدّ من انتهاكات قطاع الأمن يتكون من مفتشين لهم صلاحيات كاملة، بالإضافة إلى وجود إدارات لحقوق الإنسان في وزارة الداخلية.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "الدول المنهارة: إصلاح قطاع الأمن في ليبيا واليمن"، والصادرة عن"مركز كارنيجي للشرق الأوسط" في يونيو 2015.

المصدر:

Yezid Sayigh, Crumbling States: security sector reform in Libya and Yemen, (Carnegie Middle East Center, June 2015).