أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

جولة إفريقية:

فرص نجاح باتيلي في تهيئة الظروف لإجراء الانتخابات الليبية

06 أبريل، 2023


بدأ المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، جولة إفريقية، في 31 مارس 2023، تشمل السودان وتشاد والنيجر، في محاولة لإيجاد مخرج لمعضلة المرتزقة الأجانب الموجودين في الداخل الليبي، والتي تشكل أحد أبرز المعوقات أمام الانتخابات التي يستهدف إجراؤها خلال العام الجاري.

مباحثات باتيلي حول ليبيا

استبق باتيلي جولته الإفريقية بعقد اجتماع في تونس، منتصف مارس 2023، وذلك مع لجان التواصل لكل من ليبيا والسودان وتشاد والنيجر، لتفعيل الاتفاق الخاص بإطلاق آلية لتبادل البيانات حول المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا، وهو الاتفاق الذي تم التوصل إليه في القاهرة بين هذه اللجان ولجنة 5+5 العسكرية المشتركة مطلع فبراير الماضي. وفي هذا السياق، يمكن عرض أبعاد جولة باتيلي الإفريقية على النحو التالي:

1- جولة للدول المجاورة لليبيا: بدأ باتيلي جولته بالسودان، حيث عقد هناك مباحثات مطولة مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبدالفتاح البرهان، ووزيري الدفاع والخارجية، حيث تم بحث خطة البعثة الأممية في ليبيا لعودة المرتزقة الأجانب الموجودين في ليبيا إلى بلدانهم الأصلية بالتنسيق مع هذه الدول، وسيعقبها لقاءات مماثلة مع المسؤولين في تشاد والنيجر.

2- محورية الملف الأمني: يشكل البعد الأمني أولوية قصوى بالنسبة لباتيلي في خطته لإنجاز الانتخابات، إذ يسعى للتنسيق مع الدول التي لها مرتزقة أجانب في الداخل الليبي لمحاولة إعادتهم إلى بلدانهم، ومن ناحية أخرى يسعى لتأمين الحدود الليبية الرخوة، خاصة في الجنوب، وتجنب تحولها لبؤرة رئيسية للجماعات الإرهابية والمتمردين.

3- جولة مرتقبة قادمة: لفتت تقارير ليبية إلى أن باتيلي سيعمد للقيام بجولة أخرى إلى دول عربية مجاورة لليبيا، بالإضافة إلى تركيا، في أعقاب جولته الحالية، لبحث ملف المرتزقة الأجانب، في إطار سعيه لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا خلال العام الجاري، حيث يسعى باتيلي لحشد أكبر قدر من الدعم لمبادرته الحالية التي تستهدف حلحلة الأزمة الليبية.

ويبدو أنه يسعى لتجنب تكرار سيناريو ديسمبر 2021، عندما فشلت عملية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة، وانتشار المرتزقة الأجانب، ناهيك عن المليشيات المسلحة في غرب البلاد، لذا يستهدف باتيلي تهيئة بيئة أمنية مواتية للانتخابات، استغلالاً للزخم الدولي الراهن حول ليبيا، لإخراج المرتزقة من ليبيا، وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية واستيعاب المجموعات المسلحة داخلها.

تحركات داخلية موازية

تأتي تحركات باتيلي في إطار جملة من المتغيرات الداخلية المهمة التي شهدها الملف الليبي خلال الفترة الأخيرة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تصاعد التوتر بين موسكو وواشنطن: قام وفد من البرلمان الليبي برئاسة النائب الثاني لرئيس المجلس، عبدالهادي الصغير، بزيارة إلى روسيا، مطلع إبريل 2023، حيث أجرى مباحثات مع المسؤولين في موسكو، بما في ذلك رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس الدوما، ليونيد سلوتسكي، حيث أكد الأخير دعم بلاده لجهود مجلس النواب، بما في ذلك التعديل الـ13 للإعلان الدستوري وتشكيل لجنة 6+6 المنوط بها إعداد قوانين الانتخابات. 

وتستهدف تحركات مجلس النواب نحو موسكو عرقلة مساعي باتيلي لتقويض سلطة مجلسي النواب والدولة في إطار مبادرته المطروحة حالياً للتحضير للانتخابات. وقد لاقى ذلك دعماً من موسكو، وهو ما وضح في تحذير مندوب روسيا في مجلس الأمن من أي تسرع في إجراء الانتخابات الليبية، وهو ما يعد تقويضاً لمبادرة باتيلي، المدعومة أمريكياً.

وفي هذا السياق، يستعد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، لترؤس مباحثات مفتوحة لمجلس الأمن الدولي، نهاية إبريل الجاري، بشأن ملفات الشرق الأوسط، بما في ذلك الملف الليبي، وذلك بالتزامن مع تصاعد التوتر بين موسكو وواشنطن حول ليبيا.

فقد أطلقت الولايات المتحدة نهاية مارس 2023 "خطة عشرية" تستهدف تعزيز الاستقرار في عدد من الدول التي تشهد صراعات حادة، مثل ليبيا. وتنطوي هذه الخطة على استراتيجية تدريجية لمدة عشر سنوات، تتضمن تشكيل سلطة منتخبة وموحدة في ليبيا، قادرة على الدخول في شراكات مع واشنطن والمجتمع الدولي، وهو ما يعكس مدى اهتمام واشنطن المتزايد حالياً بليبيا، وخاصة جنوبها، والذي يشكل نقطة انطلاق لعناصر فاغنر الروسية باتجاه القارة الإفريقية، وهو ما تسعى واشنطن لتحجيمه.

2- تحولات في موقف باشاغا: عاد رئيس حكومة الاستقرار المكلفة من قبل البرلمان الليبي، فتحي باشاغا، إلى المشهد مرة أخرى من خلال التصريحات التي أطلقها من مدينة مصراته بغرب ليبيا، والتي عكست تحولاً نسبياً في موقفه، فقد كان متمسكاً منذ تكليفه بالحكومة، في فبراير 2022، بضرورة تسليم السلطة من قبل حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وبناءً عليه حاول الأول دخول العاصمة طرابلس عدة مرات بالقوة، بيد أن كافة هذه المحاولات باءت بالفشل.

وانطوت تصريحات باشاغا الأخيرة على تحول لافت عن موقفه السابق، حيث دعا إلى خطاب تصالحي لبناء الدولة، وطلب الصفح من خصومه، دون تحديدهم، وإن كان من الواضح أنه يقصد بهم الدبيبة والمجموعات المسلحة الداعمة له في غرب ليبيا، كما أكد باشاغا أن ليبيا عانت كثيراً بسبب الصراعات والانقسامات الداخلية، وأنها مقبلة على مرحلة جديدة من الاستقرار، في مؤشر على توصله لتفاهمات غير معلنة مع الدبيبة. 

3- تقارب عسكري بين الشرق والغرب: شهدت الفترة الأخيرة اجتماعات متكررة بين القيادات العسكرية لشرق وغرب البلاد بحضور باتيلي. فقد عقد ممثلون عن الجيش الوطني الليبي اجتماعات مع آمر المنطقة العسكرية الغربية، أسامة الجويلي، بمدينة الزنتان الواقعة جنوب شرق العاصمة الليبية طرابلس، بحضور أعضاء من لجنة 5+5 العسكرية المشتركة ومدير مكتب حفتر، خيري التميمي، وقادة عسكريين من طرابلس، في مؤشر مهم على اتساع نطاق التفاهمات بين شرق وغرب ليبيا، خاصة بعد الاتفاق على تشكيل قوة عسكرية مشتركة لتأمين الحدود الجنوبية للبلاد.

كما عقدت اجتماعات سرية أخيراً في طرابلس مع المجموعات المسلحة الموجودة في غرب البلاد أفرزت صفقة جديدة بشأن التزام هذه المجموعات بإجراء الانتخابات خلال 2023، مقابل الحصول على ضمانات بالحفاظ على المكتسبات التي تحظى بها هذه المجموعات، والانخراط في المؤسسات التي سيتم تشكيلها، سواء في وزارة الداخلية، أو من خلال السماح لها بتشكيل شركات أمن خاصة، مع ضمان عدم ملاحقة أعضائها جنائياً.

تحديات قائمة

قد يشهد الملف الليبي عدداً من التطورات المهمة خلال الفترة المقبلة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعزيز المسار العسكري: قد يشهد المسار الأمني والعسكري في ليبيا مزيداً من التقدم خلال الفترة المقبلة، في ظل تحركات باتيلي، المدعومة من واشنطن، فضلاً عن التقارب بين مصر وتركيا. ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة لذلك إحراز اختراق في ملف خروج المرتزقة الأجانب من ليبيا، من خلال التوصل لاتفاق مع بلدانهم الأصلية على عودتهم.

كما يرجح كذلك توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وإعادة تأهيل واستيعاب المجموعات المسلحة الموجودة في غرب ليبيا، في ظل الاجتماعات المستمرة بين الأطراف المعنية.

2- إشراف حكومي مزدوج: أشارت تقارير ليبية إلى عقد البعثة الأممية في ليبيا اجتماعات خلال الأيام الأخيرة، بناءً على ضغوط أمريكية، بغية دمج حكومتي الدبيبة وباشاغا، أو على الأقل التنسيق بينهما، بهدف الإشراف المزدوج على الانتخابات المزمع عقدها خلال العام الجاري. وفي هذا السياق، لفتت تقارير إلى وجود اجتماع مرتقب سيعقده "مركز الحوار الإنساني" في جنيف الشهر المقبل، بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا، في ظل الحديث عن توافقات تمت بالفعل بين الحكومتين برعاية أممية وأمريكية.

3- استمرار المأزق القانوني: لا تزال القوانين الانتخابية تشكل أحد أبرز معوقات العملية السياسية الراهنة في ليبيا، فرغم اختيار مجلسي النواب والدولة لممثليهما في لجنة 6+6 التي ستتولى صياغة قوانين الانتخابات وحسم المواد الخلافية، إلا أن الانقسامات تبقى قائمة بشأن شروط الترشح للانتخابات، وسط قلق متزايد لدى المجلسين من احتمالية تقويض سلطتهما في هذا الملف حال استمرار الخلافات المتعلقة بالقاعدة القانونية، واتجاه البعثة الأممية لتشكيل لجنة توجيهية تتولى هذه المسؤولية.

وأشار تحليل صادر عن مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إلى وجود مباحثات جارية بشأن منح أعضاء السلطة التشريعية الحالية في ليبيا حصانة من أي ملاحقة قضائية ضد أي ممارسات تم ارتكابها فترة توليهم لمناصبهم، في محاولة للدفع نحو إنجاز القوانين الانتخابية.

وفي الختام، ثمة ضغوط أمريكية وأممية لإنجاز الانتخابات الليبية خلال العام الجاري، عبر توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية لتعزيز فرص إجراء الانتخابات، غير أنه من الملاحظ أن هذه الجهود قد تلاقي تحديات غير هينة، ولذلك، فإن محاولة إجراء الانتخابات من دون توفر الظروف المناسبة قد تؤدي إلى تفاقم الوضع القائم، ما لم يتم تهيئة الظروف الأمنية والسياسية المناسبة، التي تزيد من فرص نجاح العملية الانتخابية، وتضمن درجة معقولة من القبول الداخلي بنتائج هذه الاستحقاقات، وليس من الواضح بعد ما إذا كانت التحركات الراهنة للمبعوث الأممي سوف تنجح في تهيئة هذه الظروف أم لا.