أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

معضلة معقدة:

تأثير تراجع الخام الأمريكي على أسواق النفط العالمية

28 أبريل، 2020


تراجعت أسعار النفط الخام الأمريكي إلى نطاق الأسعار السالبة في تعاملات يوم الإثنين 20 إبريل 2020. فبعد أن افتتحت الأسعار جلسة التداول عند مستوى 18 دولار للبرميل، خسرت 55 دولار من قيمتها، وسجلت انخفاضاً لم تصله من قبل ببلوغها سالب 37 دولار للبرميل، في حدث لم تشهده الأسواق على مر تاريخها، كما أنه قد لا يتكرر في المستقبل على الإطلاق. 

ورغم أن أسعار خام برنت ظلت متماسكة، في ذلك اليوم، ولم تتأثر بالأجواء السلبية التي فرضها الخام الأمريكي على الأسواق، وظلت أعلى من 20 دولار للبرميل، ورغم التعافي النسبي لأسعار الخام الأمريكي بعد ذلك التاريخ، لكنه لم يسترد جميع ما خسره، كما أن الضغوط انتقلت بالفعل إلى خام برنت، الذي شهد تراجعاً كبيراً بدوره خلال الأسبوع الأخير.

لكن في العموم، فإن ما حدث للنفط الأمريكي جعل يوم 20 إبريل 2020 نقطة فاصلة في تاريخ أسواق النفط العالمية، ووضع على كاهل المتعاملين فيها، ولاسيما المنتجين منهم، مسئوليات كبيرة ومعقدة. 

وجهتا نظر:

في البحث عن تفسير لما حدث وتسبب في دفع أسعار الخام الأمريكية إلى ذاك القاع الاستثنائي، هناك وجهتا نظر رئيسيتان: أولاهما، ترى أن ما شهدته السوق يوم 20 إبريل لم يكن أمراً خطراً بقدر ما هو ناتج عن أسباب فنية ترتبط بآليات التداول، حيث أن الانتهاء الوشيك لتداول عقود الخام الأمريكي الآجلة تسليم شهر مايو، الذي كان موعده اليوم التالي مباشرة (الثلاثاء 21 إبريل)، هو الذي دفع حائزي تلك العقود إلى التخلص منها بأى ثمن، من أجل شراء عقود الشهر التالي، أى شهر يونيو، بدلاً منها. ولأن هذا السلوك مثل توجهاً عاماً في السوق، فإنه خلق موجة بيع واسعة للفئة نفسها من العقود، الأمر الذي دفع الأسعار إلى النزول إلى النطاق السالب.

وثانيتهما، ترى أن هذا التفسير رغم صحته من الناحية الفنية، لكن الأمر يحتاج إلى النظر لما هو أبعد من ذلك، لاسيما وأن الحائزين الوحيدين لعقود النفط تسليم مايو –محل البيع في ذلك التاريخ- هم الكيانات التي كانت تخطط لاستلام الشحنات فعلياً في مايو، وعلى رأسها مصافي النفط، لكن ولأنه لا يوجد طلب على منتجاتهم من النفط والوقود، كما أن صهاريج التخزين لديهم ممتلئة، أو تكاد، فإنهم فضلوا بيع ما بحوزتهم من عقود، بدلاً من استلام النفط. ويعني ذلك أن السوق تعيش حالة من الانعدام شبه التام للطلب على النفط لأغراض الاستهلاك، وأن الطلب القائم على الخام هو فقط لأغراض التخزين، كما أن طاقات التخزين استنفدت إلى الحدود القصوى، أو اقتربت من ذلك.

وإذا كانت تلك النظرة السلبية تركزت حول أسواق النفط الخام الأمريكي، على اعتبار أنها هى من شهدت ذلك الحدث الاستثنائي، لكن في الحقيقة فإن ذلك يمثل مؤشراً سلبياً بالنسبة لأسواق النفط العالمية ككل؛ فحالة الإغلاق الاقتصادي العالمي الواسعة تدفع جميع أسواق النفط العالمية إلى المصير نفسه إن آجلاً أو عاجلاً، لاسيما مع اقتراب طاقات التخزين النفطية العالمية من النفاد، كما توقعت الكثير من المؤسسات الدولية، والتي رجحت حدوث ذلك في النصف الثاني من شهر إبريل. ولعل التراجع الأخير في أسعار خامى برنت وغرب تكساس، لاسيما بداية من يوم الإثنين 27 إبريل 2020، ناتج في الأساس عن تلك المخاوف.

ما العمل؟

من الضرورة بمكان إمعان النظر فيما حدث في أسواق النفط، على مدار الأسبوع الماضي، وبداية من يوم الإثنين 20 إبريل 2020، لاسيما أنه إذا بقيت الأوضاع على حالها بشأن الإغلاق الاقتصادي العالمي، فإن ما حدث للخام الأمريكي في ذلك التاريخ، لن يكون بعيداً عن باقي الأسواق.

وما يزيد المخاوف هو ما توقعته وكالة الطاقة الدولية مؤخراً، والتي قدرت تراجع الطلب العالمي على النفط بنحو 29 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من العام، بسبب التداعيات الاقتصادية لفيروس "كورونا". ومع الأخذ في الاعتبار أن أول تخفيض للطلب من قبل الوكالة بلغ نحو 2.5 مليون برميل في الربع الأول من العام، فإن اتساع الإغلاق الاقتصادي العالمي دفع الوكالة إلى تعميق تقديراتها للخفض إلى ما يصل 20 مليون برميل يومياً، ثم إلى مستواه الحالي، وهذا يعني أن الطلب على النفط مرشح إلى المزيد من التراجع في حال ظل الإغلاق الاقتصادي العالمي على حاله أو اتسع.

وفي ظل هذه المعطيات، فإن الفترة المقبلة تتطلب اتخاذ أكثر من إجراء لمعالجة الخلل الواضح في العلاقة التوازنية بأسواق النفط العالمية، وبجانب المضى قدماً في خفض الإنتاج المتفق عليه من قبل تحالف "أوبك+" مؤخراً، البالغ 9.7 مليون برميل يومياً بداية من مايو، فإن الأمر يستلزم كذلك دفع باقي منتجي النفط إلى المساهمة في سحب المزيد من النفط من الأسواق، وإيجاد آلية فعالة وملزمة –بشكل أو بآخر- لدمجهم في الجهود العالمية لضبط حركة الأسواق وأسعار النفط، وبجانب ذلك فهناك حاجة إلى إعادة النظر في آليات التداول في أسواق النفط العالمية، وجعلها أكثر تعبيراً عن الطلب الحقيقي، ووفق معطيات الوضع الراهن، والذي يشهد تطورات متسارعة وتغيرات آنية، وهو ما يحتاج ربطاً دقيقاً بين حجم الإنتاج وحجم الاستهلاك الفعلي.

وهناك مطلب هام تحتاجه أسواق النفط العالمية لا يقل أهمية عن تخفيض المعروض، وهو تحفيز الطلب من خلال إيجاد آلية تنسيق بين منتجي النفط، وكذلك مع مستهلكي النفط حول العالم، لطرح خيارات عملية لإعادة فتح الاقتصاد بشكل تدريجي، وقد يكون من المفيد بحث ذلك من خلال تنسيق وإشراف عالمي موحد، مبني على دراسة التجارب واستخلاص الدروس وتعميم تطبيقها على نطاق عالمي. وهناك أيضاً آلية تكميلية لتحفيز الطلب، تتعلق بزيادة الطلب المحلي على النفط لدى منتجيه، فقد يكون من المفيد في الوقت الراهن، التفكير في استخدام المنتجين لاستراتيجية "النفط الرخيص" في دعم اقتصاداتهم الوطنية، عبر تخفيض أسعار الوقود المحلية، واعتبار ذلك جزءاً من الحزم التحفيزية في مواجهة تبعات فيروس "كورونا".