أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تباينات مستمرة:

هل تتواصل التفاهمات الروسية-الأمريكية-الإسرائيلية؟

27 يونيو، 2019


عكست أجواء اللقاء الأمني الثلاثي الأول من نوعه الذي جمع، في 25 يونيو 2019، بين مستشاري الأمن القومي الأمريكي جون بولتون والروسي نيكولاى باتروشيف والإسرائيلي مائير بن شبات، وجهات نظر متباينة حول إيران، لكنها تعبر في الوقت نفسه عن ثبات مواقف الأطراف الثلاثة من طهران إزاء قضيتى التموضع في سوريا والتوتر الراهن مع الولايات المتحدة. ورغم ذلك، فإن أغلب التصورات تشير إلى أن النتائج الفعلية للقاء سوف تُرحَّل إلى لقاء مرتقب سوف يعقد بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في طوكيو، في 28 من الشهر الجاري، والذي سوف يكون لما سيسفر عنه تأثير على المسارات المحتملة للتفاهمات التي يمكن أن تتوصل إليها كل من موسكو وتل أبيب وواشنطن خلال المرحلة القادمة، سواء حول التطورات السياسية والميدانية في سوريا أو حول الموقف من إيران.

قراءات مختلفة:

تضمنت الرؤى الإسرائيلية والروسية والأمريكية لنتائج اللقاء الأمني الثلاثي هى الأخرى قراءات مختلفة أقرب إلى السياسات والمواقف المبدئية التي يتبناها كل طرف، لكن محصلة هذه القراءات انطوت على تحليل لحظي يتعامل مع معطيات مرحلية تظل رهن تطور مواقف هذه الأطراف في المستقبل.

ففي إسرائيل، انصبت وجهات النظر على أن اللقاء حقق العديد من الأهداف حتى وإن لم يتحقق اختراق فى الأجنده الرئيسية، لا سيما فيما يتعلق بأولوية المواجهة مع إيران من خلال درو روسي يمكن أن يعزز المساعي الإسرائيلية والأمريكية لإنهاء الوجود الإيراني في سوريا. لكن يظل هناك إطار تكتيكي في التعامل مع النقاط محل الخلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى.

ففيما يتعلق بالبعد اللوجيستي، فإن إسرائيل كانت الطرف الداعي للقاء والمستضيف له، حيث تمكنت من جمع قوتين دوليتين، على نحو يكشف، وفقًا لها، عن دورها في الملفات التي كانت محل نقاش في اللقاء. وقد انعكس ذلك في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي قال فيها: "إن الاجتماع حدث تاريخي.. لم يحدث شئ من هذا القبيل سابقًا.. يشكل هذا اللقاء دليلاًً على المكانة الدولية المتينة التي تتمتع بها إسرائيل".

أما فيما يتصل بالبعد الاستراتيجي، فإن ما يمكن أن تنتهي إليه المناقشات الحالية قد يؤثر، وفقًا للرؤية الإسرائيلية، على التفاهمات التي تجري بين الأطراف الأخرى المعنية بتلك الأزمات، خاصة الأطراف المشاركة في مسار الآستانة.

وفي روسيا، تركزت تحليلات المراقبين على أن الهدف من اللقاء يكمن في إبعاد روسيا عن إيران، خاصة لجهة محاولة واشنطن وتل أبيب إقناع موسكو بخطورة الدور الذي تقوم به إيران وضرورة إخراجها من سوريا. وإن كان ذلك لا ينفي أن ثمة اتجاهات أخرى اعتبرت أنه يمكن الوصول إلى حلول وسط أو توافقات تتيح الحفاظ على التفاهمات الحالية، مستندة في هذا السياق إلى المقايضة التي توصلت إليها الأطراف المعنية، في العام الماضي، وقامت على تدخل روسيا من أجل إقناع إيران بسحب قواتها بعيدًا عن الحدود السورية مع إسرائيل، في مقابل منح الولايات المتحدة وإسرائيل الضوء الأخضر لعملية عسكرية سمحت للنظام السوري باستعادة جنوب سوريا. 

أما في الولايات المتحدة، فإن هذا اللقاء لم ينفصل عن تطورات ما يجري مع إيران في منطقة الخليج، خاصة في ظل حرص واشنطن على توجيه رسالة بأن خلافاتها مع إيران لا تنحصر في الاتفاق النووي، وإنما تمتد إلى الملفات الأخرى، وفي مقدمتها الوجود الإيراني في سوريا، على نحو يوحي بأنها تتحرك على أكثر من مسار في تعاملها مع هذه الخلافات.

متغيرات عديدة:

في ضوء محصلة القراءات السابقة، يمكن القول إن التفاهمات التي يمكن أن تتوصل إليها موسكو وتل أبيب وواشنطن لها حدود تفرضها رؤى الأطراف الثلاثة لتأثير التطورات الإقليمية المختلفة على مصالحها، وهى الرؤى التي تتحكم فيها متغيرات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- اختلاف التوجهات حول إيران: ففي مقابل سعى واشنطن وتل أبيب إلى إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، أكدت موسكو أن إيران ما زالت طرفًا رئيسيًا على الساحة فى سوريا، وأشارت، في مناسبات مختلفة، إلى أنها ليست الطرف المعني بالتدخل من أجل تحقيق ذلك.

2- تباين الرؤى حول الوجود الأجنبي في سوريا: فرغم أن الدول الثلاثة دعت إلى خروج القوات الأجنبية من سوريا، فقد فسرته كل منها على نحو مختلف، حيث اعتبرت واشنطن وتل أبيب أن هذه الدعوة تركز على إيران والميلشيات الموالية لها،  في حين ركزت موسكو على أنها تشمل أيضًا القوات الأمريكية.

3- تعارض المصالح: لا تقتصر الخلافات الروسية- الأمريكية فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية على مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، بل تمتد لتشمل أيضًا كافة الملفات الأخرى ذات الصلة بإيران، خاصة التصعيد الحالي بين الأخيرة والولايات المتحدة. ففي الوقت الذي تصر فيه واشنطن على رفع مستوى العقوبات ضد إيران ومواصلة توجيه تهديدات باستخدام الخيار العسكري من أجل دفعها إلى القبول بإجراء مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاق مختلف عن الاتفاق النووي الحالي، ترى موسكو أن الإجراءات الأمريكية هى السبب في الأزمة الحالية، بعد انسحابها من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات جديدة على إيران.

نضوج الخلافات:

ورغم ذلك، فإن تل أبيب ما زالت تعتبر أن استمرار التفاهمات الحالية مع موسكو، وبالتنسيق مع واشنطن، يمكن أن يحقق أهدافها على المدى البعيد، لا سيما أن تمسك موسكو بمواقفها السابقة لا ينفي أن مساحة الخلافات بينها وبين طهران تتسع تدريجيًا في سوريا، خاصة بعد أن تغيرت توازنات القوى لصالح النظام السوري، حيث بدأ كلا الطرفين في اتخاذ خطوات إجرائية على الأرض لتدعيم نفوذه وتعزيز قدرته على إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في سوريا بما يتوافق مع مصالحه في المرحلة القادمة.