أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

فرصة أم تهديد؟

توجهات الصحف الإيرانية حول التدخل التركي في عفرين السورية

29 يناير، 2018


أثار التدخل العسكري التركي في عفرين جدلاً محتدماً بين الخبراء وكتاب الرأي بالصحف الإيرانية، فبينما اعتبر بعضهم التدخل العسكري فرصة لتشكيل "محور إيراني-تركي- روسي" في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، فإن فريقاً آخر قد حذر من تهديدات العملية العسكرية التركية للمصالح الإيرانية في سوريا.

وعلى الرغم من تفاوت آراء وتقييمات الخبراء وكُتاب الرأي حول العملية العسكرية التركية في عفرين؛ إلا أن غالبية مقالات الرأي المنشورة في الصحف الإيرانية اتفقت على أن الخلافات الحادة بين واشنطن وأنقرة حول مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد "داعش" تسببت في الإجراءات التركية الأخيرة، محذرين من امتداد "عدوى التنافس" إلى علاقات تركيا مع الأطراف الدولية الأخرى المنخرطة في سوريا، وخاصة إيران وروسيا.

وفي هذا الإطار، يركز هذا التقرير على رصد ومقارنة مواقف وتوجهات مقالات الرأي والتحليلات التي نُشرت في الصحف ووكالات الأنباء والمواقع الإخبارية التحليلية الإيرانية حول العملية العسكرية التركية في عفرين السورية.

تورط أمريكي - روسي: 

اتجهت أغلب مقالات الرأي المنشورة في الصحف الإيرانية إلى إلقاء مسئولية هجوم عفرين على الولايات المتحدة بعد تصاعد دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، وعدم قدرتها على التوافق مع القوى الموجودة على الأرض السورية على رؤية محددة حول مستقبل سوريا. فيما رأت بعض الأقلام الكردية أن المواقف السلبية للقوى الدولية من أكراد سوريا وامتناعهم عن تقديم الدعم اللازم لهم هو ما حفّز تركيا للهجوم على عفرين لتقويض أي مخططات لإقامة دولة كردية. ويُلاحظ أن الصحف القريبة من الدوائر المحافظة مثل "كيهان" أكدت بشكل خاص ضرورة السعي لتوثيق التحالف التركي-الروسي-الإيراني في مواجهة التمدد الأمريكي، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- الدعم الأمريكي للأكراد: أشار السفير الإيراني السابق لدى أذربيجان "أفشار سليماني" في مقالة له بعنوان: "مخاوف تركيا من الهجوم على عفرين" بصحيفة "اعتماد" في عددها الصادر يوم 20 يناير 2018، إلى أن أسباب الهجوم التركي على عفرين السورية ترجع إلى تصاعد دور وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، والتي تعتبرها تركيا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.

يُضاف إلى ذلك تصاعد الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، حيث أعلن التحالف الدولي في 14 يناير الجاري، في بيان له، عزمه التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية في تشكيل وتدريب قوة أمنية حدودية سورية جديدة يصل عددها إلى 30 ألف شخص، ويرجع هذا الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية بعد هزيمة "داعش" إلى عدد من الأسباب: الرغبة الأمريكية في الضغط على أنقرة بعد تقاربها مع روسيا وإيران، إذ لن تتمكن الولايات المتحدة من التغلب على إيران دون تفكيك هذا التحالف، ويرى "سليماني" أنه قد يكون لدى الولايات المتحدة خطط لانفصال الأكراد عن سوريا، على الرغم من معارضة واشنطن لاستقلال إقليم كردستان العراق مؤخرًا.

2- الخلافات الأمريكية-التركية: رأى الباحث "محمد علي دستمالي" المتخصص في العلاقات الدولية، أن السبب في قيام أنقرة بهذا الهجوم يرجع إلى تزايد الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا في عددٍ من الملفات الرئيسية، ومن أبرزها مستقبل سوريا، وهي الخلافات التي تعود إلى عهد الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، يضاف إلى هذا الأهمية الاقتصادية لسوريا بالنسبة لتركيا، فضلًا عن كونها منطقة نفوذ وساحة خلفية لها، وذلك في مقالة له تحت عنوان "تركيا وطمع النفوذ في سوريا" المنشور بصحيفة "اعتماد" في عددها الصادر بتاريخ 22 يناير 2018.

3- إضعاف الدولة السورية: أكد الكاتب الإيراني الدكتور "محمد حسين محترم" في مقاله المعنون: "أهداف الولايات المتحدة في شمال سوريا" والذي نُشر في 25 يناير 2018 في صحيفة "كيهان"، أن ما دفع تركيا للقيام بعملية عفرين هو سعي الولايات المتحدة المتزايد لبناء دولة كردية في شمال سوريا بعد أن باءت محاولاتها بالفشل في إقليم كردستان العراق، بالإضافة إلى دعمها المستمر للإرهابيين في هذه المنطقة على حدّ ما ذكره الكاتب.

من جانب آخر، تسعى الولايات المتحدة إلى تحويل انتباه الحكومة السورية إلى تأمين حدودها مع تركيا بدلًا من حدودها مع إسرائيل، وذلك في إطار سياسات الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل. كما أن الولايات المتحدة تريد السيطرة على منابع النفط والغاز في هذه المنطقة حتى لا تستخدمها الحكومة السورية في عمليات إعادة الإعمار، وقد دعا الكاتب في مقاله كلًّا من العراق وسوريا وإيران وتركيا، بدعم من روسيا، لمواجهة الخطة الأمريكية الرامية لتقسيم المنطقة من خلال بعض الجماعات الكردية.

4- الدعم الأمريكي لإسرائيل: رأى الصحفي والكاتب الإيراني "محمد أمين آبادي" في مقالة له في "كيهان" بتاريخ 25 يناير 2018، تحت عنوان "العمليات التركية في عفرين: نزاع الفيلة وتحطم الأعشاب"، أن الولايات المتحدة ترغب في الحفاظ على تواجدها العسكري في سوريا من أجل تأمين إسرائيل، وقد يؤدي هذا الدور الأمريكي إلى تهديد الأمن والاستقرار التركي، ويؤكد "آبادي" على ضرورة تحالف روسيا مع تركيا، خاصة وأن مصالح الطرفين في الشمال السوري تكاد تكون متوافقة، كما أن سعي الولايات المتحدة لتشكيل دولة فيدرالية في سوريا من شأنه أن يُهدد مصالح كافة دول المنطقة وكافة الفاعلين المؤثرين في الأزمة السورية.

وفي هذا الإطار، أكد الكاتب أن تركيا لن تستطيع وحدها إدارة الأزمة في شمال سوريا، داعيًا أنقرة إلى تشكيل ائتلاف مع دول إيران وسوريا والعراق لحل تلك الأزمة.

5- الدور الروسي السلبي: أكد "جلال جلالي زاده" أمين عام مجلس تنسيق جبهة الإصلاحيين وعضو البرلمان الإيراني السابق، أن تعقد الوضع في عفرين السورية يرجع إلى تخلي بعض القوى الداخلية والخارجية عن الأكراد وعلى رأسها روسيا، وهو ما سبق أن فعلته روسيا منذ 72 عامًا عندما تخلت عن الدولة الكردية الناشئة -آنذاك- في أقصى شمال غرب إيران "جمهورية مهاباد". وألقى "جلالي زاده" اللوم على روسيا في استمرار معاناة الأكراد، مشيرًا إلى أنها تخلت عنهم خلال الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، وفي الهجوم التركي على مدينة عفرين السورية، وذلك في مقاله المعنون: "من مهاباد إلى عفرين" المنشور في صحفية "مستقل" في عددها الصادر في 25 يناير 2018.

تقييمات سلبية للتداعيات:

تضمنت وسائل الإعلام الإيرانية تقييمات ورؤى سلبية حول عملية "غصن الزيتون، حيث حذرت بعض مقالات الرأي من أن هجوم عفرين قد يؤدي إلى خسائر ضخمة في صفوف الجيش التركي في ظل الطبيعة الجبلية لعفرين، بالإضافة إلى إمكانية تنفيذ بعض الجماعات المرتبطة بالأكراد عمليات انتقامية في الداخل التركي، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع شعبية أردوغان قبيل الانتخابات الرئاسية في 2019، وتتمثل أهم التداعيات التي حذرت منها وسائل الإعلام الإيرانية فيما يلي: 

1- تصاعد انتهاكات القانون الدولي: ركز بعض الحقوقيين الأكراد على تقييم العملية التركية من منظور قانوني، حيث أكد "حسين أحمدي نياز" الصحفي الكردي والناشط في مجال حقوق الإنسان والذي تولي مسبقًا رئاسة تحرير صحيفة "آسو" الكردية، أن الهجوم التركي على عفرين يُعد بمثابة انتهاك للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة بسبب انتهاكه لسيادة دولة أخرى، والعنصرية التركية تجاه الأكراد، وذلك في مقاله الذي جاء تحت عنوان "عفرين والقوانين الدولية" المنشور بصحيفة "شرق" في عددها الصادر بتاريخ 25 يناير الجاري. وانتقد "نياز" صمت العديد من المنظمات الدولية على ما وصفه بأنه جرائم تركيا في قتل النساء والأطفال في مدينة عفرين. واختتم مقاله بتوقع أن تتحول عفرين إلى "كوباني" أخرى ضد الأتراك.

2- استنزاف القوات التركية: أجرى موقع "دیپلماسی ایرانی" أو "الدبلوماسية الإيرانية"، الذي يديره السفير الإيراني الأسبق في فرنسا والأمين العام لحزب "نداي ايرانيان"، "محمد صادق خرازي" حوارًا مع رئيس التحرير السابق بوكالة مهر للأنباء الإيرانية "حسن هاني زاده" في 23 يناير 2018.

وأشار زاده إلى أن عفرين تُعد "مصيدة" للجيش التركي الذي سوف يتعرض للعديد من الخسائر من قبل الأكراد، وقد يدفع هذا الصراع الممتد بين تركيا والأكراد الولايات المتحدة إلى التصرف بشكل منفرد تجاه الأزمة السورية، خاصة وأن موقف الولايات المتحدة قد أصبح أكثر غموضًا تجاه سوريا منذ مطلع عام 2018، وهو ما يعني أن صمت واشنطن على ما تقوم به تركيا ما هو إلا "فخ استراتيجي" لإضعاف القوات التركية واستنزاف قوتها.

كما فسّر زاده "الصفقة الروسية-التركية" حول عفرين بأن روسيا لديها تخوفات من التعاون الأمريكي مع الأكراد، وهو ما دفعها للسماح للقوات التركية بدخول عفرين، وتوقّع أيضًا أن يكون لنتائج معركة عفرين تأثير على الانتخابات الرئاسية في تركيا عام 2019.

3- اتحاد أكراد تركيا وسوريا: أكد "هاني زاده" في مقالة أخرى له بصحفية "آرمان" في عددها الصادر بتاريخ 25 يناير الجاري على التهديدات الأمنية التي سيواجهها الجيش التركي عقب عملية "غصن الزيتون" التي من الممكن أن تمتد إلى داخل الأراضي التركية ذاتها، خاصة وأن عملية عفرين ستساعد على التقارب بين أكراد سوريا وأكراد تركيا، وقد يتم تنظيم هجمات مشتركة على الجيش التركي بقيادة حزب العمال الكردستاني، وقد تصل هذه الهجمات إلى مدن الجنوب التركي. ولا يعني هذا التعاون إمكانية إنشاء دولة كردية في شمال سوريا، خاصة وأنها تلاقي معارضة من بعض دول الإقليم وعلى رأسها إيران التي لن تسمح باستقلال الأكراد، إلا أنها -في الوقت ذاته- تحترم حقوقهم، وذلك على حد تعبيره.

4- تأسيس دولة كردية: ذهب الصحفي والناشط الإصلاحي "صلاح الدين خديو" في مقال بعنوان "الزمن في صالح الأكراد" بموقع "الدبلوماسية الإيرانية" بتاريخ 20 يناير 2018، إلى أن الفرصة سانحة أمام أكراد سوريا لإنشاء دولة كردية خاصة بهم مقارنة بأكراد العراق وإيران.

ووفقًا للمقال، أدى التدخل الروسي في سوريا في سبتمبر 2015 والتقارب بين المحور الروسي-الإيراني إلى اتجاه الولايات المتحدة إلى الاعتماد على الأكراد بصورة متصاعدة لتحقيق أهدافها في سوريا، خاصة وأن واشنطن ليست على استعداد لأن تسقط "سوريا ما بعد داعش" تحت سيطرة الروس والإيرانيين.

ويُضاف إلى ذلك أن المناطق الكردية ومدنًا أخرى مثل الرقة ومنبج التي تم تحريرها من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي، سيتم إدارتها من قِبل بعض القوات الدولية التي ليست لديها توجهات معادية تجاه أكراد سوريا، ومن ثم فإن التطورات الأخيرة بما فيها هجوم عفرين قد تكون في صالح الأكراد للحصول على الحكم الذاتي في مناطق تمركزهم.

إجمالًا، تُرجح وسائل الإعلام والخبراء في إيران أن تكون عملية "غصن الزيتون" نقطة تحول رئيسية في الحرب الدائرة في سوريا باعتبارها كاشفة عن علاقات القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع، وتوازنات القوى بين الفصائل الداخلية في سوريا، كما أنها تثير تداعيات سياسية وأمنية قد تؤثر على الأمن والاستقرار على الحدود السورية-التركية ومستقبل الأكراد في منطقة الشرق الأوسط.