أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

مداخل متعددة:

الدرس الجزائري في تفكيك التطرف ومحاربة الإرهاب

02 نوفمبر، 2017


على الرغم من انتشار التهديدات الإرهابية العابرة للحدود في شمال إفريقيا، لم تشهد الجزائر عمليات إرهابية كبري منذ حادثة اختطاف الرهائن في عين أميناس عام 2013، حيث تمكنت الجزائر من ترسيخ حالة السلم الأهلي، وتطبيق نموذج ناجح للمصالحة الوطنية، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، ونظم مراقبة الحدود مع دول الجوار، بالإضافة إلى ميراث المأساة الوطنية، حيث تحولت العشرية الحمراء إلى رادع سيكولوجي يُثني الشباب والمراهقين عن مجرد التفكير في ذلك.

المداخل السياسية والقانونية:

أدركت الجزائر انطلاقًا من خبرتها الطويلة في مجال مكافحة الإرهاب أن المداخل الأمنية وحدها باتت عديمة الجدوى والفائدة بسبب تركيزها فقط على الأساليب الإكراهية في التصدي للإرهاب، فالإرهاب ظاهرة اجتماعية متعددة الأوجه والأبعاد، يتطلب علاجها مقاربة تأخذ في الاعتبار كل مكونات الظاهرة. 

وتأسيسًا على ذلك، تبّنت الجزائر استراتيجية جديدة تدعى "تفكيك التطرف ومحاربة الإرهاب"، حيث تتضمن عدة تدابير: سياسية، وأمنية، واقتصادية، واجتماعية، وقضائية، وعقابية، تهدف للحفاظ على النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات، والمؤسسات الدينية، وتقوم باتخاذ عدة خطوات لمراجعة المحتوى الإرهابي المتداول في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وإصلاح مناهج التربية.

ولعل أبرز ما تهتم به هذه الاستراتيجية إقامة دولة القانون والديمقراطية التشاركية، حيث رأى مهندسو هذه الاستراتيجية أن الديمقراطية يمكن أن تلعب دورًا في الوقاية من التطرف العنيف والإرهاب، فالتنمية القائمة على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص تُشكل حاجزًا منيعًا ضد الدعاية الظلامية المتطرفة، وتُحصّن المواطنين -لا سيما الشباب والمراهقين- ضد محاولات تجنيدهم في صفوف الجماعات الإرهابية، خاصة وأن احترام حقوق المواطنين وبناء دولة القانون يجب أن يسبق كل سياسة لتفكيك التطرف، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة الفساد، والقضاء على التعذيب، لأن مثل هذه الممارسات تُغذي التطرف والإرهاب. 

ولبلوغ هذه الغاية، تحاول الدولة الجزائرية منذ سنوات تقليص رقعة الفساد، وإصلاح الإدارة، والقضاء على البيروقراطية، وإقامة الحكم الرشيد، وتكريس الديمقراطية واحترام اختيار الشعب في مختلف الانتخابات، وإشراك المجتمع المدني في تسيير البلديات، وهي أدوات يرى المراقبون أنها آليات فعّالة للتصدي للفكر المتطرف والتكفيري.

فدولة القانون تشمل كل المواطنين الذين يحترمون النظام الجمهوري والدستوري للدولة، ويرفضون استخدام العنف ضد أبناء وطنهم أو من أجل الوصول إلى السلطة، ولديهم وعي بأن التغيير يتم دون اللجوء إلى العنف، وهو الأمر الذي يرتبط بالسماح بحرية التعبير لجميع المواطنين.

من جهة ثانية، تبذل الجزائر جهودًا كبيرة لإصلاح منظومتها القانونية والقضائية، واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تضمن احترام حقوق الإنسان، بدليل أنها صادقت على مختلف المواثيق والعهود الدولية في هذا المجال، فقد انضمت الجزائر إلى ثماني آليات دولية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى خمس آليات إقليمية، وإلى اتفاقيات عديدة تتعلق بحماية حقوق الإنسان. 

يضاف إلى هذا تبني الجزائر مخططًا للإصلاح المؤسسي يهدف إلى توسيع نطاق الممارسة الديمقراطية، فقد صادق البرلمان الجزائري على أربعة قوانين تتعلق بالنظام الانتخابي، والأحزاب السياسية، والإعلام، والتمثيل النسوي في المجالس المنتخبة، إلى جانب نصوص تشريعية تركز على تفعيل دور جمعيات المجتمع المدني.

تحقيق المصالحة الوطنية:

شهد نموذج المصالحة الوطنية في الجزائر تطورًا ملحوظًا عبر ثلاث مراحل رئيسية: مرحلة قانون الرحمة الصادر عام 1995، وقانون الوئام المدني عام 1999، ثم ميثاق المصالحة الوطنية المصادق عليه عن طريق الاستفتاء عام 2005. 

وقد لعب قانون الوئام المدني وقانون الرحمة ومن بعدهما ميثاق السلم والمصالحة الوطنية دورًا هامًّا في الحفاظ على تناسق وانسجام المجتمع الجزائري، واحتواء كل رغبة في الثأر والانتقام لضحايا المأساة الوطنية من الإرهابيين أو عائلاتهم وذويهم، حيث تقوم فلسفة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على مجموعة من القيم الروحية والأخلاقية المترسخة في المجتمع الجزائري، بالإضافة إلى قيم التسامح والإنسانية وقدسية الحياة البشرية. 

وقد ركز ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الصادر في فبراير 2006 على آليات لتعويض الضحايا، كما أشار المرسوم الرئاسي رقم 06-93 إلى آليات لتعويض ضحايا الماسأة الوطنية، فيما ركز المرسوم رقم 06-94 على خطوات لتعويض العائلات الفقيرة والتي انخرط أحد أبنائها في أعمال إرهابية. 

وجاءت هذه الترسانة من القوانين لتكمل الإطار القانوني الموجود منذ 1999 والذي يتكفل بضحايا الإرهاب من خلال المرسوم التنفيذي رقم 99-44 الصادر في فبراير 1999 والمتعلق بتعويض الأشخاص ضحايا الأعمال الإرهابية أو الذين تعرضوا لأذى أثناء مكافحة الإرهاب.

وفي السياق ذاته، ولتسهيل عودة السلم الأهلي، بادرت الجزائر باتخاذ مجموعة من التدابير لإعادة تأهيل الإرهابيين الراغبين في التوبة وإلقاء السلاح والعودة إلى أحضان المجتمع. ويؤكد البعض أن هذه القوانين قد ساهمت بطريقة فعالة في استتابة بعض الإرهابيين، وبعض عناصر الجماعات التكفيرية، حيث تم اتخاذ الخطوات التالية: إيقاف الدعوى العمومية ضد الأشخاص المتورطين في قضايا الإرهاب، وتخفيض مدة الحكم بالسجن، والتكفل بمسئولية عائلات الأفراد الذين لاقوا حتفهم في عمليات إرهابية، فيما اتخذت إجراءات لإقصاء الأشخاص الذين ارتكبوا أعمال اغتصاب واعتداءات باستخدام متفجرات في الأماكن العامة والاغتيالات.

بالإضافة إلى إقرار حزمة من التدابير لإعادة إدماج السجناء من المنخرطين في الإرهاب في المجتمع، من خلال إخضاع جميع الجرائم الإرهابية تحت طائلة قانون الإجراءات الجزائية وليس قانون الطوارئ، بالإضافة إلى التخلي عن تطبيق عقوبة الإعدام.

وطبقت الدولة داخل السجون إجراءات ترمي إلى الحّد من تأثير السجناء الراديكاليين والتكفيريين، أو المتورطين في أعمال ارهابية، مع الحرص على أن يتلقى المسجونون من هذه الفئة المعاملة ذاتها التي يتلقاها سجناء الحق العام من حيث: الرعاية الطبية، النظافة، الإطعام، الحق في زيارة العائلة، والحق في المراسلة.

وساهمت سياسة المصالحة الوطنية في حفظ أرواح الجزائريين، كما أعادت الاستقرار الأمني، وأصبح بإمكان المواطن الجزائري أن يتنقل من الحدود التونسية شرقًا إلى الحدود المغربية غربًا دون أن يعترض طريقه إرهابي. 

كما سمحت بإعادة المفصولين من عملهم بسبب انتمائهم السياسي، أو تعويض من صدرت في حقهم عقوبات إدارية أو تم فصلهم من مناصب عملهم لاعتبارات تتعلق بالمشكلات السياسية، وقدمت الدولة مساعدة (منحة وفاة أو إعانة) لعائلات الإرهابيين الذين لاقوا حتفهم في مواجهات مع الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى منح المغتصبات من قبل الإرهابيين صفة "ضحايا الإرهاب".

مكافحة التطرف الافتراضي: 

قامت الجزائر كذلك بإعادة هيكلة جهاز الشرطة، وإيجاد آليات تواصل بين الشرطة والمواطنين بهدف استعادة الثقة الشعبية في هذا الجهاز، وركزت الشرطة الجزائرية جهدها على حماية الشباب من الفكر المتطرف من خلال رصد وتحديد مصادر التطرف، وعزل الجماعات الراديكالية، ومحاولة السيطرة على الأفكار المتطرفة لا سيما في الفضاء الافتراضي.

وفي هذا السياق، تطالب الجزائر بصياغة ميثاق دولي يضبط ويُقنّن النشر في وسائل التواصل الاجتماعي حتى لا يستخدمها الإرهابيون كمنبر لنشر أفكارهم، ولهذا طورت الشرطة الجزائرية قدراتها في مجال مراقبة التكنولوجيا الرقمية والإنترنت، فقامت بتدريب فرق متخصصة لملاحقة المتطرفين على شبكة الإنترنت، ومراقبة كل ما ينشر من بيانات ومعلومات يمكن أن توجه الرأي العام من الشباب، بالإضافة إلى منع الإرهابيين من تجنيد عناصر جديدة من خلال قطع أي صلة لهم بالأحياء الشعبية.

وسحب كل الكتب التي تحض على العنف والتطرف،  وتجفيف مصادر الدعاية الإرهابية والتطرف، وإقامة دراسات بحثية متخصصة لمعرفة العوامل النفسية التي تحفز الأفراد على الانضمام إلى الجماعات الإرهابية لا سيما شباب الأحياء الفقيرة باعتبارهم أكثرهم انكشافًا وتأثرًا بالدعاية الإرهابية والراديكالية. 

المداخل الدينية والفكرية:

يمر تفكيك التطرف ومحاربة الإرهاب، وفقًا للرؤية الجزائرية، بضرورة إعادة الاعتبار إلى المرجعية الدينية للجزائر وقيم الوسطية والاعتدال والتسامح، والحفاظ على التراث الثقافي للبلد من الأفكار الهدّامة، مع ضرورة استرجاع المساجد من المتعصبين والتكفيريين، وإعادة تعريف الدور التربوي والاجتماعي لدور العبادة الدينية، ومنع إلقاء الخطب المتطرفة والتحريضية في صلاة الجمعة، وحظر كل نشاط يروج للفكر المتطرف ويحّض على العنف. 

كما قررت الدولة تنظيم الفتوى الدينية في الجزائر بقصد محاربة كل تفسير خاطئ للتراث الإسلامي؛ حيث سيتم استحداث مرصد وطني لمحاربة التطرف الديني، مُهمته مناقشة الظواهر ذات الصلة بالتطرف الديني، إلى جانب اقتراح الحلول وتزويد صنّاع القرار بالتوصيات الملائمة في هذا المجال. 

كما تُعوّل السلطات الجزائرية كثيرًا على الطرق الصوفية والمدارس القرآنية لإنجاح "استراتيجية تفكيك التطرف ومحاربة الإرهاب"، حيث تراهن الدولة عليها لنشر صورة الإسلام الوسطي، والتصدي للأفكار المتطرفة في صفوف الشباب.

وفي هذا الإطار، تحرص الجزائر من خلال وزارة الأوقاف على مراقبة جمع أموال الزكاة من أصحابها وتوزيعها بطريقة شفافة على العاطلين الراغبين في إنشاء مؤسسات صغيرة، من خلال منحهم قروضًا ميسّرة، وتفادي أن تقع في أيدي المتطرفين. 

يضاف إلى ذلك إصلاح مناهج التربية وتنقيتها من الأفكار الهدامة، حيث يتلقى التلاميذ في المدراس الجزائرية حاليًّا قيم الجمهورية والديمقراطية والمواطنة واحترام القانون والآخر، وسلطة الأغلبية وحقوق الأقليات، كما يتلقون قيم الهوية الوطنية ذات المرجعية العربية والإسلامية، إلى جانب التربية الإسلامية المستوحاة من المرجعية الدينية للدولة ومن القيم الإنسانية والأخلاقية التي نادى بها الإسلام. 

إجمالًا، يُمكن القول إن التكامل بين المداخل القانونية والأمنية والدينية والفكرية أسهم في محاصرة اتجاهات التطرف العنيف، وتحجيم نشاط الجماعات المتشددة في الداخل الجزائري، مما دفع عناصرها للانتقال إلى مناطق الصراعات في دول الشرق الأوسط، وعدم القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية داخل الجزائر، وهو ما يعزز أهمية تأمين الحدود مع دول الجوار لمنع اختراق العناصر الإرهابية للداخل الجزائري، والتصدي لعودة الكوادر التي انضمت لفروع داعش والقاعدة في شمال إفريقيا وسوريا والعراق.