أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الدرس الألماني:

كيف تسهم "الرياضة" في بناء "القوة الناعمة" للدول؟

16 فبراير، 2017


عرض: رحمة إبراهيم، باحثة في العلوم السياسية

أدى تصاعد التنظيم والاحترافية والعالمية في الممارسات الرياضية إلى اعتماد عدد كبير من دول العالم على الرياضة ضمن أدوات تفعيل القوة الناعمة للدولة، وبناء صور ذهنية إيجابية عنها لتعزيز أرصدة القوة غير المادية، والترويج للنموذج الجاذب الذي تسعى لتسويقه، واستعراض مركزية مكانة الدولة على المستوى العالمي.

ولذا، تصاعدت اتجاهات تسييس الرياضة والتداخل بين الإنجازات الرياضية للدولة، ومستوى الرضى الجماهيري والمكانة العالمية للدولة. وتعددت صيغ الإنجاز الرياضي التي لم تعد تقتصر على حصد البطولات الدولية، أو تقدم التصنيف العالمي في الممارسات الرياضية المختلفة، وإنما باتت تشمل اقتناء الأندية الرياضية العالمية، والاستحواذ على الامتياز الإعلاني لها، والحصول على حقوق الرعاية الحصرية للبطولات الكبرى، واستضافة الفاعليات الرياضية الأكثر جذبًا للجماهير.

وفي هذا الإطار، تركز دراسة جوناثان جريكس وباري هوليهان على تحليل مدى إسهام الرياضة في تعزيز القوة الناعمة للدول من خلال دراسة حالتي ألمانيا في عام 2006 وبريطانيا في عام 2012؛ حيث تركز الدراسة على كيفية توظيف الدول للرياضة في إطار سياسات تدعيم القوة الناعمة، والترويج للنموذج الذي تُمثله عالميًّا؟.

الرياضة والدبلوماسية العامة:

تُشير الدراسة إلى اتجاه الدول مؤخرًا لاستخدام الرياضة كقوة ناعمة، وذلك عبر سعيها إلى استضافة الألعاب الرياضية لاستخدام مثل هذه الأحداث لتنشيط الدبلوماسية العامة، مدللة على ذلك بكيفية استخدام ألمانيا وبريطانيا ذلك لتغيير صورتهما بين الجماهير الأجنبية وكسب هيبة دولية. إذ زاد تنافس الدول على استضافة الألعاب الرياضية البارزة باعتبارها أداة لتسريع نمو الاقتصاد (مثل: انطلاق دورة ألعاب الكومنولث من الهند عام 2010، واستضافة البرازيل كُلاًّ من كأس العالم عام 2014، ودورة الألعاب الأولمبية، وأولمبياد المعاقين 2016)، كما زاد اهتمام دول الخليج كقطر والبحرين بتنظيم الأحداث الرياضية.

وتُسهم الرياضة في إبراز صورة وهوية الدولة وعلامتها التجارية على الساحة الدولية، وتعزيز الفخر بإنجازات المنتخب الوطني؛ حيث تنجح الأحداث الرياضية الضخمة في جذب انتباه مليارات الأشخاص، فضلا عن أنها تعد منصة مثالية لتسليط الضوء على الدولة المضيفة. فعلى سبيل المثال، أدى استضافة ألمانيا لكأس العالم في عام 2006 إلى زيادة ثقة النخبة السياسية في أنفسهم، وتعزيز الوطنية بين المواطنين، وتحسين معدلات السياحة، ونمو الاستثمار الداخلي والصادرات.

ولاحظ الباحثان أنه حتى عام 2004، كان هناك افتقار في الأدبيات الخاصة بدراسة الرياضة لاعتبارها قوة ناعمة ذات أهمية في تعزيز العلاقات بين الدول، بيد أن الاهتمام قد زاد بها في الآونة الأخيرة، ويرى بعض علماء السياسة أن الرياضة قد تمثل -في بعض الأحيان- مؤشرًا على المواقف السياسية للدول. فعلى سبيل المثال، قاطعت الولايات المتحدة الأمريكية أولمبياد موسكو عام 1980 احتجاجًا على الحرب السوفيتية على أفغانستان. كذلك كانت مباراة كرة الماء بين الفريق السوفيتي وفريق المجر عام 1956 أبرز دليل على توتر العلاقات بينهما، فعلى خلفية قيام حكومة الاتحاد السوفيتي آنذاك بقصف المجر في 10 نوفمبر 1956، حدث عراك بين لاعبين أحدهما مجري والآخر سوفيتي أثناء لقائهما خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بأستراليا عام 1956، ونتج عن هذا إصابتهما بجروح بالغة، مما جعل البعض يطلق على هذه المباراة اسم "مباراة الدماء في الماء".

صناعة الصورة الألمانية:

تُعد ألمانيا من أبرز الدول التي قامت بتسييس الرياضة كجزء من استراتيجيات الدبلوماسية العامة، فمنذ بدايات القرن العشرين قامت النخبة الرياضية في ألمانيا النازية باستخدام دورة الألعاب الأولمبية النازية لتحقيق اعتراف دولي وشرعي بالنازية، وكان يطلق على ممثلي الرياضة في ألمانيا الشرقية (دبلوماسيين في ملابس رياضية) بسبب مساهمتهم في كسر الجمود الدبلوماسي، وتحرير بلادهم من العزلة.

أيضًا، استخدمت ألمانيا كأس العالم عام 2006 كأداة دبلوماسية لتحسين صورتها الخارجية بسبب تاريخها النازي والسلوك العدواني لها طوال القرن العشرين، وعدم اعتراف الدول الأجنبية بتطورها الثقافي وصعودها المذهل من أنقاض ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، لذلك اتجهت إلى تنويع موارد قوتها الناعمة لتغيير الصورة السلبية لها في الخارج، وأقامت مراكز ثقافية، ووجهت حملات للخارج كسفراء للثقافة واللغة الألمانية، مثل: منظمة خدمات التبادل الأكاديمي الألماني، ومعهد جوتة.

وبالرغم من صعوبة تحديد مفهوم "القوة الناعمة" وقياس أثرها، إلا أن هناك مؤشرات لنجاحها عندما استخدمتها ألمانيا عام 2006 وتمثلت في استمرار السياحة لمدة 6 سنوات بعد استضافة كأس العالم، بجانب الاستفادة المالية الضخمة لشركات الطيران ووسائل الإعلام، ووفود أكثر من 2 مليون سائح أجنبي إلى ألمانيا في عام 2006 وحدها.

ووفقًا لمؤشر "السمات المميزة للأمم Nation Brand index" الصادر عن معهد "جي إف كي" الألماني بالتعاون مع البروفيسور البريطاني الشهير "سيمون أنهولت" والذي يقوم بقياس تأثير الدول عن طريق استطلاعات الرأي؛ احتلت ألمانيا المركز الأول في هذا المؤشر للمرة الأولى عام 2007 بعدما كانت تحتل المركز 17 في عام 2004.

في هذا السياق، أشار الباحثان إلى أن هناك عدة عوامل أدت إلى نجاح ألمانيا في استغلال الرياضة لدعم قوتها الناعمة، منها: الحملات المنسقة لرفع الوعي الألماني، بالإضافة إلى استراتيجية استضافة كأس العالم التي خططت لها ألمانيا بعناية لتحسين صورتها من خلال تنظيم حملات دولية ممولة بشكل رئيسي من قبل الحكومة الاتحادية بالتعاون مع رجال الأعمال تحت شعار "مرحبا بك في ألمانيا: بلد الأفكار"، وقد لقي هذا الشعار ترحيبًا كبيرًا لدي الألمان لأنه غير حزبي ولا ينتمي لشركة معينة.

كما أطلق "الفيفا" والاتحاد الألماني لكرة القدم شعار "وقت لكسب الأصدقاء"، وأطلق حملات لإعداد ألمانيا لاستضافة الزوار؛ حيث نشر كتيبات تحتوي على إرشادات حول كيفية التعامل مع الزوار الأجانب لجذب السياحة والاستثمار الأجنبي، كما اهتمت ألمانيا في سبيل تحقيق غايتها بتطوير البنية التحتية، واستثمار قرابة 3,7 ملايين يورو في تحسين السكك الحديدية والبنية التحتية للطرق قبل نهائيات كأس العالم. كما ساهم الإعداد طويل الأجل، والحملات المخطط لها بعناية، وكفاءة البنية التحتية، وهيمنة كرة القدم باعتبارها الرياضة الأكثر شعبية، والطقس الجيد؛ في نجاح الاستراتيجية الألمانية، وتحسين صورتها أمام الخارج. وبناءً على استطلاع رأي ألماني تم إجراؤه في ألمانيا عقب كأس العالم، وصل مستوى الفخر الوطني إلى 72% بين عينة ممثلة من الألمان.

خبرات بريطانية:

احتفظت بريطانيا بصورة عالمية إيجابية، وظلت تتمتع بسمعة دولية قوية بفعل ممارساتها الديمقراطية والتعددية السياسية، لذلك اعتبرت بريطانيا استضافة دورة الألعاب الأولمبية عام 2012 فرصة مهمة لتعزيز هذه الصورة، وزيادة التفاهم بين شباب بريطانيا والدول الأخرى.

ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا قد بدأت منذ عام 2008 التعاون مع المجلس الثقافي البريطاني ومنظمة اليونيسيف لتوفير الأنشطة الرياضية للشباب في عشرين دولة نامية (مثل: الهند، والبرازيل، وإندونيسيا)، وعقد معسكرات لتدريب شبان الجامعات، وقد وضعت بريطانيا 4 أهداف لتحقيقها من خلال استضافة دورة الألعاب الأولمبية وأولمبياد المعاقين:

1- ثقافة التعايش: توظيف الألعاب الأولمبية لترسيخ قيم الانفتاح والتسامح وقبول الآخر في الثقافة البريطانية في الداخل، والترويج لبريطانيا خارجيًّا كمجتمع منفتح ومتحضر يقبل التعددية.

2- المكاسب الاقتصادية: دعم الاقتصاد البريطاني، وزيادة الفرص التجارية لرجال الأعمال البريطانيين في الدول المختلفة، وتأمين قيمة عالية للاستثمار الداخلي.

3- الوقاية الأمنية: الإسهام في تعزيز الأمن داخل المجتمع البريطاني من خلال دفع الشباب للمشاركة في الأنشطة الرياضية، والابتعاد عن التطرف والعنف، وترسيخ قيم المنافسة والتسامح وقبول الآخر.

4- السمعة العالمية (State Brand): الترويج للنموذج البريطاني عالميًّا باعتباره يمثل المدنية والتحضر والتقدم التكنولوجي والاقتصادي، وهو ما يرسخ الصورة الإيجابية عن بريطانيا في الوعي الجماهيري العالمي.

ختامًا، قدمت الدراسةُ نموذجين مختلفين لاستغلال الرياضة كقوة ناعمة؛ حيث تم استخدام الفعاليات الرياضية الكبرى في الحالة الألمانية لصناعة الصورة، والتغلب على بعض الصور النمطية شائعة الانتشار عن المجتمع الألماني، خاصة ما يرتبط بالإرث التاريخي للنازية. أما بريطانيا التي كانت تتمتع بسمعة دولية طيبة فقد استخدمتها بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي يأتي على رأسها: تحقيق الأمن البريطاني، واستيعاب الشباب، والتغيير من ثقافة المجتمع البريطاني باتجاه التسامح وقبول الآخر.

المصدر:

Jonathan Grix and Barrie Houlihan, "Sports Mega-Events as Part of a Nation’s Soft Power Strategy: The Cases of Germany and the UK, British Journal of Politics and International Relations, 2016.