أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: ("التفاهم الجزئي": السيناريوهات المحتملة لعودة إيران للمفاوضات النووية)
  • أحمد دياب يكتب: (القارة والأرخبيل: أسباب توقيع أستراليا وإندونيسيا على اتفاقية تعاون دفاعي جديدة)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (تعدد المنافسين: تحديات النفوذ التركي المتصاعد في دول القرن الإفريقي)
  • د. رغدة البهي تكتب: (تدخلات الخصوم: اتجاهات تزايد التهديدات السيبرانية للانتخابات الرئاسية الأمريكية)
  • آش روسيتر يكتب: (هل يمكن أن تتورط قبرص في صراعات الشرق الأوسط؟)

خلاف مُتجدد:

هل يضع ممر زانجيزور سقفاً للتعاون بين إيران وروسيا؟

11 سبتمبر، 2024


استدعت وزارة الخارجية الإيرانية، في بداية سبتمبر 2024، السفير الروسي لدى طهران إليكسي ديدوف، للاحتجاج على ترحيب موسكو بإنشاء ممر زانجيزور، الذي يربط بين جمهورية أذربيجان، وإقليم ناختشيفان التابع لها، والذي يقع كلياً في أراضي أرمينيا، ويمر عبر الحدود الشمالية بين إيران وأرمينيا. 

وقد جاء ذلك في أعقاب الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، في 18 أغسطس 2024، في زيارة دولة، استمرت يومين التقى خلالها نظيره الأذربيجاني إلهام علييف، وقد تم خلالها تأكيد حق باكو في امتلاك ممر بري يربطها بإقليم ناختشيفان. كما جدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تأكيد ضرورة تنفيذ أرمينيا اتفاق المعابر والممرات الذي تم الاتفاق عليه بعد حرب 2020، بين باكو ويريفان، والذي يتضمن إنشاء الممر المُشار إليه. 

وبموجب البند التاسع من هذا الاتفاق، سيتم ربط المنطقة المعزولة بأذربيجان عبر ممر زانجيزور؛ وهو ممر ضيق يمتد على طول الحدود بين أرمينيا وإيران ويخضع لدوريات من قبل "جهاز الأمن الفدرالي الروسي". 

مُعارضة طهران:

تنظر إيران إلى محاولة إنشاء ممر زانجيزور على أنها تهديد جيوسياسي واقتصادي لها، ويمكن إرجاع ذلك إلى عدد من العوامل، التي يمكن إجمالها على النحو التالي:

1. فصل إيران جغرافياً عن أرمينيا: من المفترض أن يربط الممر المُشار إليه بين أذربيجان وإقليم ناختشيفان التابع لها في أرمينيا، على طول الحدود الإيرانية الأرمينية، كما سبقت الإشارة؛ ومن ثمّ فإنه سيؤدي إلى عزل إيران جغرافياً عن أرمينيا، وبالتبعية عن المحيط الأوراسي المجاور، وكذلك عن طرق الوصول إلى دول شرقي أوروبا، بما يتضمنه ذلك من حرمان إيران من مزايا اقتصادية وجيوسياسية عديدة، في الوقت الذي تتعرض فيه طهران لعقوبات أمريكية وأوروبية على خلفية ملفيْها النووي والصاروخي، ودورها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة للتُّهم الغربية بإمدادها لموسكو بالأسلحة في حربها ضد كييف. هذا إلى جانب ما تصبو إليه إيران بأن تصبح بديلاً مُحتملاً لإمدادات الطاقة إلى أوروبا، في ظل الحظر الأوروبي على الإمدادات الروسية، على خلفية استمرار الحرب الأوكرانية.

وبالنظر إلى الخطورة الاستراتيجية التي يُمثلها هذا الممر على طهران؛ فقد أبدت الأخيرة اعتراضاً واضحاً تجاه مُخطط هذا الممر؛ إذ شدّد المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، على رفض بلاده إغلاق الحدود مع أرمينيا، وذلك خلال لقائه كلاً من الرئيس الروسي بوتين، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء زيارتهما طهران، لحضور اجتماع قمة أستانا، في يوليو 2022؛ وهو الأمر ذاته الذي كرّرته أوساط إيرانية عديدة، خاصةً عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها بوتين إلى باكو، في أغسطس 2024؛ إذ وجه الإعلام الإيراني، انتقادات حادّة لروسيا على خلفية ترحيبها بإنشاء هذا الممر، وشددت وكالة تسنيم الإيرانية، التابعة للحرس الثوري، على "موقف طهران الرافض لهذا الممر، وأن إيران لا تقبل أي تغيير بأي شكل في حدودها وأطرافها الأمنية، وأن وزارة الخارجية الروسية واهمة وتعتقد أن من مصلحتها حل مشكلتها مع أرمينيا باستخدام ممر زانجيزور الوهمي الذي لن يتم إنشاؤه بالتأكيد بمعارضة إيران؛ لأنه يعني إغلاق إحدى بوابات إيران تجاه أوروبا وتقليص عدد جيران إيران من 15 إلى 14 دولة"، بحسب نص بيان الوكالة. 

كما أكّد الموقف ذاته وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، قائلاً: "إن أي تهديد ضد وحدة أراضي الدول الجارة لنا أو إعادة ترسيم الحدود، سواء في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، يمثل خطاً أحمر بالنسبة لإيران". وهو الموقف الذي كرّره أيضاً رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي؛ إذ أكد أن إيران تعتبر ممر زانجيزور خطاً أحمر، وسترد بحزم على أي تغيير فيه. 

2. التأثير في ممرات العبور والنقل الإيرانية: تنظر إيران إلى ممر زانجيزور على أنه محاولة لحرمانها من عوائد مرور الصادرات التركية إلى دول آسيا الوسطى، كما سيحرمها من رسوم عبور الشاحنات الأذربيجانية إلى إقليم ناختشيفان التابع لها في أراضي أرمينيا، وذلك في ضوء الاتفاق الذي وقّعته إيران مع أذربيجان في مارس 2021، للعبور إلى الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، بعد تقاعس أرمينيا عن تنفيذ المادة 9 في اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020؛ أي أنه في حال إتمام هذا الممر؛ فإن ذلك يعني أنه لا حاجة لاستخدام الأراضي الإيرانية، للعبور؛ بل إن إيران ستضطر لدفع رسوم، للسماح بمرور شاحناتها سواء إلى الأراضي الأذربيجانية أم عبر الممر الواقع على الحدود مع أرمينيا. 

أخذاً في الاعتبار محاولات أنقرة استكمال ممر اللازورد، الذي يربط أفغانستان بتركيا عبر تركمانستان وأذربيجان وجورجيا، مُتجاوزاً إيران وروسيا والصين، في مقابل إضعاف وتهميش ممر شمال–جنوب، الذي تحاول إيران استغلاله عبر الموانئ الجنوبية لها على الخليج العربي وخليج عُمان؛ لتصبح أقرب ممر عبور لدول آسيا الوسطى إلى المحيط الهندي والمياه الدولية.

3. التخوف الإيراني من تصاعد النفوذ التركي: يرتبط بالمخاوف الجيوسياسية والاقتصادية لممر زانجيزور على إيران، التحسب من تصاعد النفوذ التركي في منطقة القوقاز، وذلك في ضوء علاقات أنقرة الوثيقة مع أذربيجان، فضلاً عن طموحاتها القومية الكبرى في هذه المنطقة؛ إذ تجري أنقرة مُناورات عسكرية بشكل مُنتظم بمشاركة باكو منذ 2009، وكان آخرها التي حملت اسم "نسر القوقاز" وأُجريت بمشاركة جورجية، في يونيو 2024، وهي الخطوات التي تقرؤها إيران باعتبارها تهديداً لها في تلك المنطقة.

فضلاً عن أن تركيا، وفي ضوء الإنشاء المُحتمل للممر، ستكتسب نفوذاً مُتزايداً؛ إذ يربطها الممر بصلة برية مباشرة مع فضائها التركي، وصولاً إلى آسيا الوسطى في قوس جيوسياسي وممر اقتصادي مُتصل حول إيران من جهة الشمال.

4. هواجس إثارة النزعة القومية الأذرية: تتخوف إيران من أن تؤدي زيادة نفوذ أذربيجان وتركيا على حدودها الشمالية، في حال تم تنفيذ مشروع ممر زانجيزور، إلى إثارة النعرات الانفصالية لدى القومية الأذرية، والتي تمثل ثاني أكبر القوميات في إيران، بما يتجاوز الـ20% من الشعب الإيراني، والتي تقطن المحافظات الشمالية الغربية من إيران. وتتهم طهران، باكو بدعم الحركات الانفصالية في هذه المحافظات التي يقطنها الأذريون؛ خاصةً وأن إثارة المشاعر القومية التركية والأذرية -مع ما يعنيه ذلك من تهديدات لوحدة الأراضي الإيرانية ولسيادتها الإقليمية- سوف تدفع بالقضية الأذرية عبر الحدود بين إيران وأذربيجان إلى الواجهة، وتجدد نزعات الانفصال؛ وهي من المسائل المعقدة التي تنظُر إليها إيران بحساسية شديدة بالنظر إلى تركيبة سكانها المُعقّدة وانتشارهم الجغرافي عبر الحدود، والذي قد يطلق شرارةَ الانفصال ليس من جهة القوقاز وحسب، ولكن من جهات عديدة يقود بعضها التمرد على الدولة الإيرانية.

5. عرقلة العودة المُحتملة للمفاوضات النووية: ربطت بعض الأوساط الإيرانية بين الترويج لإنشاء ممر زانجيزور ومحاولات إيران خفض التوتر مع الغرب لإحياء الاتفاق النووي، كمحاولة استباقية من جانب موسكو لمنع احتمالية تشكيل قنوات اتصال بين الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة الرئيس مسعود بزشكيان، والولايات المتحدة، وهو ما صرّح به النائب البرلماني السابق حشمت فلاحت بيشه، والذي أشار إلى "رغبة روسيا في أن تكون إيران محاصرة"، وأن "انفتاح طهران على الغرب يمثل كابوساً لموسكو".

كما عدّدت هذه الأوساط محاولات روسيا إفشال أي خطوة من شأنها التقارب بين إيران والغرب أو محاولات إحياء الاتفاق النووي؛ وهو ما بدا في العصف بالمفاوضات التي كانت قائمة بين إيران ومجموعة 4 +1 بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، على خلفية أزمة أوكرانيا، وفقاً لهذه الأوساط. 

تعاون مُستمر: 

رغم الخلاف المُتجدد في العلاقات بين إيران وروسيا حول ممر زانجيزور؛ فإن ذلك لا يمنع من استمرار التعاون بين الدولتين في العديد من الملفات الاستراتيجية، ويمكن الإشارة إلى أبرز أوجه التعاون الأخيرة بين الجانبين على النحو التالي:

1. مزاعم غربية بإمداد طهران موسكو بالصواريخ البالستية: أشارت تقارير غربية، بداية سبتمبر الجاري، إلى أن إيران زوّدت روسيا، مؤخراً، بصواريخ بالستية قصيرة المدى من طراز "فاتح 360"، يصل مداها لنحو 500 ميل، عبر ميناء بحر قزوين، لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، وأضافت تلك المصادر أن عدد تلك الصواريخ قد تجاوز الـ200 صاروخ.

وقد نفت إيران، على لسان بعثتها لدى الأمم المتحدة، هذه المزاعم وأكّدت موقفها المبدئي من الحرب الروسية الأوكرانية، داعية من وصفتها بـ"الدول الأخرى" في إشارة إلى الغرب، إلى وقف تزويد أي طرف من طرفيْ الصراع بالأسلحة. وقد كرّر هذا النفي أيضاً قائد العمليات في مقر خاتم الأنبياء المركزي التابع للحرس الثوري، العميد فضل الله نوذري. 

وفي حال صحة تلك التقارير؛ فإن ذلك يضفي زخماً للتعاون العسكري بين إيران وروسيا، والذي تزايد بشكل كبير منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وإمداد طهران موسكو بالطائرات المسيرة؛ ولاسيما من طراز شاهد، والتي تستخدمها الأخيرة في الحرب مع أوكرانيا. 

كما تتزامن تلك الأنباء مع تصاعد الحديث عن استعداد إيران لتسلم طائرات سوخوي 35 الروسية، وهي الصفقة التي أكّد إبرامها المسؤولون الإيرانيون، دون أي تأكيدات من الجانب الروسي حتى الآن. 

2. الحديث عن إبرام اتفاق شامل: أكّد وزير الخارجية الروسي، في 2 سبتمبر 2024، أن موسكو وطهران سينجزان التحضيرات اللازمة لاتفاق التعاون الشامل بين البلدين في وقت قريب جداً، وأضاف أن ما بقي هو بعض الأجزاء الفنية لهذا الاتفاق فقط؛ مؤكداً أن الاتفاق يتضمن كافة جوانب الشراكة بين إيران وروسيا.

وربما جاءت تلك التصريحات للتخفيف من التوتر الحاصل بين البلدين على خلفية زيارة بوتين إلى باكو، والمُشار إليها آنفاً، كما يتماهى ذلك مع ما كشفه السفير الإيراني في روسيا كاظم جلالي، بشأن اللقاء الأول المُرتقب بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة بريكس في كازان الروسية خلال الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر المقبل. 

3. تراجع حدّة الانتقادات الإيرانية لروسيا: رغم شنّ أوساط إيرانية، سواء من جانب المسؤولين أم وسائل الإعلام، هجوماً حاداً على روسيا على خلفية موقفها من ممر زانجيزور؛ فإنه لوحظ خلال الأيام القليلة الماضية، خفوت في هذه الحدّة؛ ولاسيما من جانب وسائل الإعلام التي تنتمي للتيار المحافظ، والتي سعت إلى التركيز على أن ترحيب روسيا بهذا الممر في إطار سعيها للضغط على أرمينيا، في ضوء اتجاه الأخيرة غرباً خلال الفترة الماضية، إلى جانب تسليط الضوء على أن النفوذ الروسي في هذه المنطقة، سيكون عاملاً مُناوئاً للنفوذ الإسرائيلي فيها، وأنه لا أحد يستفيد من الخلاف بين إيران وروسيا إلا الولايات المتحدة وإسرائيل. 

وفي التقدير؛ فإنه على الرغم من رفض إيران للموقف الروسي فيما يخص إنشاء ممر زانجيزور؛ فإن ذلك لم يؤثر في العلاقات التعاونية بين الطرفين؛ بما يعني أنه ليس من الضرورة التطابق بينهما في المصالح والمواقف، فقد يتفقان في ملفات في حين يتنافسان ويتعارضان في ملفات أخرى. 

ومن جهة أخرى؛ فإن الملفات الخلافية بين إيران وروسيا، والتي يأتي على رأسها ملف ممر زانجيزور وملف أسواق الطاقة وسوريا وغيرها، تضع حداً وسقفاً للتعاون بين الجانبين، وربما تمنع من وصوله إلى مستوى التحالف، وذلك في مقابل استمرار التعاون بينهما في ملفات أخرى بغية مواجهة الضغوط الغربية المفروضة عليهما.