أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

ضغوط متصاعدة:

أبعاد كشف واشنطن تفاهماتها العسكرية مع إسرائيل ضد إيران

14 ديسمبر، 2021


تزايدت المخاوف الدولية والإسرائيلية بشأن إمكانية انهيار الجولة السابعة من المفاوضات النووية، بسبب تعنت طهران في هذه المفاوضات، وتقديمها مسودتين تتعلقان برفع العقوبات وكذلك بالإجراءات النووية التي سوف تلتزم بها، والتي تخالف ما تم الاتفاق عليه خلال الجولات السابقة من التفاوض. ولذلك اعتبر الغرب الجولة الحالية بمنزلة الفرصة الأخيرة لإيران، وإلا فإن المسار البديل، سوف يكون تجربة خيارات غير دبلوماسية، أي تشديد العقوبات بالتزامن مع تنفيذ عمليات تخريبية أو عسكرية ضد إيران. 

ووضحت بدايات هذا المسار في فرض الولايات المتحدة، في 7 ديسمبر، عقوبات جديدة تستهدف نحو عشرة كيانات ومسؤولين إيرانيين، أي بعد انتهاء المرحلة الأولى من مفاوضات الجولة السابعة، وقبل استئناف المرحلة الثانية، والتي بدأت في 10 ديسمبر، وذلك بالتزامن مع وجود مباحثات أمريكية – إسرائيلية مكثفة بدأت في 9 ديسمبر حول الخيارات البديلة للدبلوماسية. ومن المعروف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، قد طالب في أوائل ديسمبر، بوقف الجولة السابعة من المفاوضات مع إيران، رداً على قيامها بـ "الابتزاز النووي"، في إشارة إلى مماطلتها وتسويفها في المفاوضات. 

تحركات إسرائيلية موازية:

كثفت إسرائيل تحركاتها خلال الأيام القليلة الماضية لتعزيز قدراتها على التصدي للتهديدات الإيرانية المتصاعدة، وتتمثل أبرز الخطوات الإسرائيلية في التالي:

1- الاستعداد لمحاكاة ضرب إيران: سرب الجيش الإسرائيلي معلومات إلى الصحافة عن استعداده لإجراء مناورات جوية ضخمة خلال أشهر الربيع المقبلة تحاكي ضربة عسكرية محتملة لإيران. كما كشف أن هذه المناورات ستكون من أكبر التدريبات التي أجراها سلاح الجو الإسرائيلي على الإطلاق. 

فمن المقرر أن يشارك فيها عشرات الطائرات المقاتلة، بما في ذلك طائرات "إف – 16" و"إف – 35". كما ستُجرى التدريبات على مسافات بعيدة فوق البحر الأبيض المتوسط لمحاكاة المسافة، التي ستحتاجها المقاتلات لقطعها لضرب المنشآت النووية الإيرانية، والتي تقدر بأكثر من ألف كيلومتر، أو حوالي 620 ميلاً.

2- تنسيق جانتس مع البنتاجون: سعى وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، خلال لقائه نظيره الأمريكي، لويد أوستن، في 9 ديسمبر بواشنطن لمناقشة خيارات التعامل مع إيران حال إخفاق المفاوضات النووية. وكشف مسؤول أمريكي كبير أن جدول الأعمال الأمريكي – الإسرائيلي يتضمن مناقشات التدريبات العسكرية المحتملة التي من شأنها أن تهيئ لتدمير المنشآت النووية الإيرانية في حالة فشل المساعي الدبلوماسية. 

وفي سبيل تأكيد جدية هذا الخيار، تتضمنت المناقشات دراسة البنتاجون إمكانية تنفيذ مناورات عسكرية مشتركة لمواجهة إيران، إذ أكد الوزير الإسرائيلي أنه أتى لتعميق التعاون مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران، لاسيما على صعيد الجهوزية العسكرية المشتركة، مع التأكيد على الثقة الإسرائيلية في التزام الإدارة الأمريكية بعدم السماح بتملك إيران السلاح النووي.

3- مهاجمة أهداف في الأطراف: اصطحب جانتس في زيارته واشنطن رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنيا. وتجدر الإشارة إلى أن تل أبيب كانت قد توصلت لتفاهمات سابقة مع الإدارة الأمريكية على خطة بديلة للمفاوضات النووية مع إيران، عرفت حينها باسم "الموت بألف طعنة"، أي تدمير البرنامج النووي الإيراني عبر تنفيذ عدد واسع من العمليات التخريبية، ضد المنشآت النووية. وبطبيعة الحال، فإن الموساد الإسرائيلي بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية سيلعب دوراً في تنفيذ هذه الاستراتيجية. 

ويتمثل البعد الجديد في المحادثات الأمريكية – الإسرائيلية فيما كشفت عنه وسائل الإعلام العبرية بأن الحديث عن عمل عسكري أمريكي ضد إيران لن يكون عبر استهداف الأهداف النووية وحدها، بل عبر إضعاف النفوذ الإيراني الإقليمي، أو ما تمت الإشارة إليه باسم "مهاجمة أهداف في الأطراف"، ومن ذلك على سبيل المثال، مهاجمة مواقع الحرس الثوري الإيراني في اليمن، وذلك لتصعيد الضغوط على إيران وتهديد نفوذها الإقليمي، والذي توظفه في ردع أي عمليات عسكرية ضدها.

4- مسار دبلوماسي للتأثير على الموقف الأوروبي: أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، في أواخر نوفمبر زيارة إلى لندن وباريس؛ لحشد دعم الحلفاء الأوروبيين لصالح الموقف الإسرائيلي الرافض للمفاوضات مع إيران.

وتحرص إسرائيل باستمرار على دحض السرديات التي تحصر الخطر الإيراني في انعكاسه على الأمن الإسرائيلي وحده، بل تؤكد دوماً أنها تمثل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، بما يعنيه ذلك من ضرورة تدخل الولايات المتحدة والدول الأوروبية والمجتمع الدولي للضغط على إيران.

تحولات الموقف الأمريكي: 

تسود حالة من الاستياء الأمريكي بشأن المماطلة الإيرانية في الجولة السابعة من المفاوضات النووية، مما دفع واشنطن والترويكا الأوروبية للتعبير عن إمكانية انهيار المفاوضات، وذلك للضغط على إيران. ويمكن توضيح سياسات واشنطن على النحو التالي:  

1- استيعاب الخلافات الإسرائيلية – الأمريكية: تفاقمت الخلافات الأمريكية – الإسرائيلية منذ قدوم إدارة جو بايدن على أثر إصراره على حل مشكلة البرنامج النووي الإيراني دبلوماسياً، إذ ترى الدوائر الإسرائيلي أن إيران تعمد إلى التسويف، وأن استبعاد الخيار العسكري من الطاولة من جانب واشنطن سوف يترتب عليه تعنت إيراني في المفاوضات، وهو ما تحقق بدرجة أو بأخرى. 

ونظراً لإدراك واشنطن ذلك، فقد سعت للتعاون مع إسرائيل لتأليف جبهة موحدة لمواجهة تهديدات البرنامج النووي الإيراني عسكرياً. ويكشف إعلان واشنطن عن ذلك صراحة، وتسريب معلومات حول مضمون التفاهمات الأمريكية – الإسرائيلية في يوم 9 ديسمبر، أي بيوم واحد قبل استئناف مفاوضات الجولة السابعة عن حرص واشنطن إرسال رسالة لطهران بأن فشل هذه الجولة لن يترتب عليه، سوى انصياع واشنطن للتوجهات الإسرائيلية بتفعيل الخيار العسكري ضد طهران.  

2- الاستعداد لحلول غير دبلوماسية: دعا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لمباشرة التحضيرات اللازمة في حال فشلت السبل الدبلوماسية، وهو ما صرحت به المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين بساكي" في 9 ديسمبر، في إشارة إلى تفعيل الخيار التخريبي أو العسكري ضد إيران. 

كما لوحت الإدارة الأمريكية أيضاً بتشديد الضغط على إيران عبر ضمان التزام الدول كافة بالعقوبات الأمريكية عليها، خاصة الصين، فقد أشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إلى أن الإدارة الأمريكية تعمل على تحديد الكيانات التي تخرق العقوبات على إيران وتحرص على تحذيرها من الاستمرار في ذلك.

3- الإعلان عن مناورات عسكرية مشتركة: درس جانتس وأوستن، في 9 ديسمبر، في البنتاجون تنفيذ مناورات عسكرية مشتركة من أجل الاستعداد لشن ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية في حال فشلت المحادثات النووية. ثم سعت واشنطن لتخفيف حدة هذه التصريحات عبر التأكيد بأن تلك التدريبات المشتركة تجريها الولايات المتحدة بشكل متكرر من أجل التعامل مع التهديدات الإقليمية المشتركة.

كما أشار أوستن إلى المناورات العسكرية المشتركة التي أجريت قبل فترة قصيرة في البحر الأحمر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، معرباً عن اعتزام تطوير التنسيق الأمني الإقليمي عبر تعميق التعاون العسكري وتكثيف التدريبات والمناورات، في مؤشر على أنها سوف تكون إحدى الآليات التي يتم الارتكاز عليها في مواجهة إيران. 

حدود التوافقات المشتركة:

يتضح أن محاولات إحداث توافق نسبي في الموقف الأمريكي – الإسرائيلي لا تلغي وجود خلافات بين الطرفين، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- تفضيل واشنطن الحل الدبلوماسي: على الرغم من إعادة واشنطن خيار توجيه ضربات عسكرية، أو تخريبية ضد البرنامج النووي الإيراني، أو وكلائها على الطاولة، وكشف واشنطن أن العمليات التخريبية الإسرائيلية ضد إيران، في يونيو وسبتمبر، قد تمت بضوء أخضر أمريكي، فإن واشنطن لا تزال تضع الخيار التخريبي العسكري في آخر خياراتها. 

فقد أشارت الولايات المتحدة، في السابق، إلى النتائج العكسية للضربات التخريبية الإسرائيلية. كما أن الولايات المتحدة تفضل تحاشي الانجرار لمواجهات عسكرية تزيد من تورطها في الشرق الأوسط. ولذا، فإنه في حالة توصل واشنطن مع إيران لتفاهمات دبلوماسية، فإن التفاهمات الإسرائيلية – الأمريكية سوف تنهار. ولعل تل أبيب نفسها تتحسب لهذا الخيار، عبر تأكيد مخاوفها من إمكانية تحجيمها من تنفيذ ضربات ضد إيران، في حالة تم التوصل إلى تسوية الملف الإيراني دبلوماسياً. 

2- رهان إسرائيلي على الخيار العسكري وحده: ترفض تل أبيب أي اتفاق دبلوماسي بين واشنطن وإيران، إدراكاً منها أن مثل هذا الاتفاق قد لا يضمن منع إيران من تطوير قدراتها في مجال تخصيب اليورانيوم، على غرار اتفاق 2015، أي أن مثل هذا الاتفاق المتوقع سوف يطيل من الفترة التي تستطيع فيها إيران أن تصل لمستويات مرتفعة من تخصيب اليورانيوم، ولن يمنعها تماماً. 

كما أنه في ضوء السوابق الإيرانية بمحاولة إقامة برنامج نووي سري بعيداً عن أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن المخاوف الإسرائيلية تزداد من إمكانية اتجاه إيران، في النهاية، لامتلاك قنبلة نووية حتى في حالة إحياء الاتفاق النووي معها. ولذلك أكد بينيت، مراراً، عدم التزامه بالانصياع لمثل هذا الاتفاق، كما أكد إمكانية تحرك إسرائيل منفردة لتحقيق أمنها القومي. 

وفي التقدير، فإن الموقف الإيراني سوف يمثل العامل الحاسم فيما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل سوف تتبنيان سياسة مشتركة تجاه إيران أم لا. ففي حالة إبداء طهران مرونة في المفاوضات، فإن التفاهمات الأمريكية – الإسرائيلية سوف تتراجع. أما في حالة استمرار التعنت الإيراني، فإن واشنطن وتل أبيب قد تتجهان في النهاية لتفعيل الخيار العسكري ضد إيران.