أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

رؤية مضادة:

هل تغرق الصين دول مبادرة الحزام والطريق بالديون؟

27 أغسطس، 2020


عرض: إيمان فخري - باحثة دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

قامت الصين في عام 2013 بإطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، التي يراها البعض استراتيجية جيوسياسية لإنشاء نظام دولي جديد محوره بكين. ويرى عدد كبير من المحللين والمفكرين أنها تسعى إلى إعادة كتابة التاريخ الجيوسياسي تمهيدًا لبسط سيطرتها على العالم.

ورغم نفي الصين لهذه المزاعم؛ إلا أن هذه الرؤية قد ترسّخت في دوائر صنع السياسة الغربية، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي ديسمبر 2018 صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك "جون بولتون" بأن مبادرة "الحزام والطريق" تهدف إلى تعزيز الهيمنة الصينية العالمية.

كما أشار وزير الخارجية الأمريكي السابق "ريكس تيلرسون"، في أكتوبر 2017، إلى أن القروض الصينية لتمويل مشروعات البنية التحتية تُعد نموذجًا لما أطلق عليه "الاقتصاد المفترس"، وأن هذه القروض تم تصميمها لتؤدي في نهاية الأمر إلى تخلف الدولة المقترضة عن تسديد القروض إلى الجانب الصيني.

وفي هذا السياق، غالبًا ما يقال إن الصين تنتهج "دبلوماسية فخ الديون"، بمعنى أنها تقدم عديدًا من التسهيلات للبلدان النامية والفقيرة للحصول على قروض لتنفيذ مشروعات البنية التحتية. بحيث عندما يواجهون صعوبات مالية لتسديد القروض، يمكن لبكين الاستيلاء على الأصول الخاصة بالمشروع، وبالتالي يمكن للصين توسيع رقعة نفوذها الاستراتيجي أو العسكري.

إلا أن التقرير الذي أصدرته مؤسسة تشاتام هاوس، في أغسطس 2020، ينطلق من أن الافتراض بأن الصين تنتهج دبلوماسية فخ الديون هو افتراض غير صحيح. وفي ضوء السعي لإثبات هذه الفرضية، يقدم التقرير عرضًا للدوافع الاقتصادية وراء طرح بكين لمبادرة "الحزام والطريق"، وكذلك التعرف على أهم الديناميكيات التي تحكم إدارة المبادرة. وفيما يلي ذلك عرض لحالتي كل من سريلانكا وماليزيا، وهما تعدان من أكثر الدول التي يطلق عليها أنها من ضحايا دبلوماسية فخ الديون الصينية. 

الدوافع الاقتصادية لمبادرة "الحزام والطريق":

شهد الاقتصاد الصيني انخفاضًا في متوسط معدل النمو الاقتصادي السنوي من 10% خلال عقد الألفينيات إلى أقل من 7% منذ عام 2015. مما كان يعني ضرورة قيام بكين بمراجعة نهجها الاقتصادي القائم على التصدير والاستثمار في البنية التحتية، وذلك لمحاولة حل المشاكل الهيكلية التي يعاني منها اقتصادها، وحيث إن الحزب الشيوعي الصيني يستمد شرعيته بشكل رئيسي من النمو الاقتصادي المضطرد، فكان التباطؤ الاقتصادي يمثل أزمة وجودية للحزب الشيوعي.

وفي هذا السياق، بدأت القيادة الصينية بتطبيق التوجه نحو إيجاد حل خارجي لعلاج المشاكل الاقتصادية الداخلية، وذلك من خلال إطلاق مبادرة "الحزام والطريق" التي تهدف إلى تحفيز الطلب الخارجي على السلع والخدمات ورؤوس الأموال الصينية، مما سيعمل على إنعاش وتحفيز الاقتصاد الصيني.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة هي انعكاس بشكل أوسع لسياسة التوجه نحو الخارج أو "Go Out policy" التي اتبعتها الصين منذ عام 2000 لتشجيع شركاتها على توسيع نطاق أنشطتهم في مجالات البنية التحتية خارج حدودها. وهذا قد يفسر السبب وراء قيام اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين (NDRC) -وهي الوكالة المسئولة عن التخطيط الاقتصادي المحلي- بالإشراف على تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق". فكأن تخطيط الصين لمبادرة "الحزام والطريق" هو امتداد لتخطيطها الاقتصادي المحلي، والعمل على تطوير المقاطعات الصينية الأقل نموًّا.

كما يؤكد التقرير أن الوثائق الرسمية تُظهر أن الحكومات الإقليمية في الصين في بعض الأحيان قد استخدمت التمويلات المخصصة لمبادرة "الحزام والطريق" من أجل إنقاذ الشركات المحلية المملوكة للدولة. فخلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2018، تم تخصيص 63% من المبلغ المخصص لمشروعات "الحزام والطريق" في مجال البناء والتشييد (404 مليارات دولار) إلى الشركات المملوكة للدولة والتي حصلت على 96% من عقود مشروعات البناء. وبالتالي فإن مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" تتعلق بالأنشطة الاقتصادية، وليس بالرغبة في التوسع وترسيخ المكانة الجيوسياسية للصين. 

ديناميكيات إدارة المبادرة:

استكمالًا لتبني التقرير فرضية أن الهدف الرئيسي للصين من مبادرة "الحزام والطريق" هو هدف اقتصادي بحت وليس التوسع الجيوسياسي، يقوم كاتبا التقرير باستعراض عنصرين هامين لتحديد ديناميكيات إدارة هذه المبادرة، وهما:

1- نظام المساعدات الإنمائية الصينية: فخلال الفترة من الخمسينيات إلى السبعينيات من القرن الماضي، تم توجيه المساعدات الصينية لخدمة أغراض استراتيجية، وتقديم الدعم المالي للحكومات الحليفة. ولكن منذ الثمانينيات، خضع نظام المساعدات الإنمائية الصينية إلى إعادة هيكلة جذرية، فأصبح الهدف الرئيسي من مساعدات التنمية هو دعم التنمية الاقتصادية للصين. وبناءً على ذلك، فإن الجزء الأكبر من تمويل التنمية يشمل الآن ائتمانات التصدير والقروض التي تدعم بشكل فعال توسع الشركات المملوكة للدولة على المستوى الدولي من خلال انخراطها في تنفيذ مشروعات ممولة من برنامج المساعدات الرسمية الصينية في الخارج. 

ويشير التقرير إلى أن عملية تخصيص المساعدات التنموية الصينية تخضع للمؤسسات الاقتصادية الصينية (وزارة التجارة، لجنة الإصلاح والتنمية)، في حين أن المؤسسات الدبلوماسية (وزارة الخارجية) لا دور لها في إقرار المساعدات التنموية.

فضلًا عن أنه على الرغم من توجيه القيادة الصينية إلى اعتبار مشروعات إنشاء محطات كهرباء أحدَ أهم المجالات التي يجب على الشركات الصينية أن تتوسع في العمل بها؛ إلا أن بعض الشركات الصينية قد انسحبت من مشروع إنشاء محطة كهرباء في رومانيا بعدما أثبت المشروع أنه لن يُدر الأرباح المتوقعة منه. كما تراجعت الشركات الصينية عن إنشاء عدد من المحطات التي تعمل بالفحم في إطار الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، حيث لم تتمكن الشركات الصينية من تأمين هامش الربح المتوقع. 

وهذا يسلط الضوء على حقيقتين؛ الأولى أن الهدف من مبادرة "الحزام والطريق" هو تعزيز النمو الاقتصادي، أما الحقيقة الثانية فهي أن الشركات الصينية المملوكة للدولة هي شركات شبه مستقلة وليست مجرد أدوات في يد القيادة الصينية. فعلى الرغم من أن الأخيرة تستطيع توجيه إحدى الشركات لتنفيذ مشروع ما، إلا أن الدافع الأكبر للشركات الصينية هو سعيها نحو الربح. علاوة على أن لجنة مراقبة وإدارة الأصول المملوكة للدولة التابعة لمجلس الدولة، وهي الهيئة التي تشرف على عمل الشركات المملوكة للدولة، تهتم في المقام الأول بالحفاظ على أصول الشركات وتعظيم قيمتها.

فالشركات الصينية عندما تنفذ مشروعات في الخارج تسعى في الغالب إلى توسيع أنشطتها وتأمين تدفقات الإيرادات في المستقبل. ولكن يذكر التقرير أنه بسبب قلة خبرة الشركات الصينية في الأسواق الدولية فقد يؤثر ذلك على مسار تنفيذ المشروعات بالسلب. وهذا يفسر أن الشركات الصينية بحلول 2014 كانت لا تزال تسجل خسائر، فضلًا عن أن عددًا من الشركات الصينية المملوكة للدولة لا تزال تعتمد على القروض الصينية من أجل استمرار وجودها وأنشطتها.

2- الدول المتلقّية للمساعدات التنموية الصينية: لطالما أكد الجانب الصيني على تميز المساعدات التي يقدمها مقارنة بالمساعدات المقدمة من المانحين التقليديين، وذلك بسبب أن عملية الحصول على المساعدات التنموية الصينية لا بد أن تبدأ بقيام الدولة الأجنبية بتقديم طلب رسمي للسفارة الصينية يتضمن رغبتها في الحصول على تمويل صيني لتنفيذ مشروع ما. 

وبناء عليه، فحتى لو كان لدى الصين استراتيجية لتطويق الدول النامية بالديون، فهي بالتأكيد لا تستطيع إجبار الدول الأخرى على قبول تنفيذ المشروعات على أراضيها، خاصة وأنه يتعين على الدول المتلقية للمساعدات المبادرة بطلب تنفيذ مشروع معين من خلال برنامج المساعدات الصينية.

فالصين لا تنفذ مشروعاتها في إطار مبادرة "الحزام والطريق" بشكل أحادي الجانب، بل تعمل على تعزيز التعاون الثنائي مع الدول الأعضاء في المبادرة. وكذلك تسعى إلى دمج المصالح الصينية مع الاستراتيجيات والأولويات التنموية للدول المتلقية للمساعدات الصينية. ولهذا يؤكد التقرير أن إدارة الصين للتعاون الثنائي مع حوالي 130 دولة في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، هي عملية معقدة ومتشعبة، وسيكون من الصعب أن تتمكن الصين من إملاء رغباتها على كل هذه الدول لتنفيذ المشروعات التي تريدها لتوسيع نفوذها الاستراتيجي.

ويشير التقرير إلى أن الصين قد ملأت الفراغ الذي خلّفته الدول المتقدمة ومؤسسات التمويل الدولية التي باتت تركز بشكل أكبر على برامج الحوكمة الجيدة، وتغافلت -ولو جزئيًّا- عن أهمية مشروعات البنية التحتية التي قدر البنك الدولي أن العالم بحلول عام 2040 سيحتاج تنفيذ مشروعات بنية تحتية بمبلغ 18 تريليون دولار.

ولكن يشير التقرير إلى أن مشروعات البنية التحتية تعمل على تغذية شبكات المحسوبية وانتشار الرشاوى، فقد يعمل قادة الدول المتلقية للمساعدات على إدراج شركات معينة في عمليات تنفيذ المشروعات العملاقة كمقاولين من الباطن. مما قد يؤدي إلى سوء تصميم أو إدارة للمشروعات، فضلًا عن وجود بعض السلبيات على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والبيئي.

وفي السياق نفسه، فإن خط السكة الحديد الذي شيدته الصين في كينيا، وتبلغ قيمته 3.2 مليارات دولار أمريكي، يتكبد خسائر مالية ضخمة. في حين أن خط جيبوتي-أديس أبابا الذي تبلغ تكلفته 4.5 مليارات دولار واجه العديد من الصعوبات المالية والتشغيلية، وتكبد خسائر تصل إلى مليار دولار.

ومن الجدير بالذكر أن النخب الصينية تدرك بشكل متزايد هذه المشاكل، ففي أغسطس 2017، شددت بكين القيود على الاستثمار الخارجي بناء على شكوى من محافظ البنك المركزي الصيني مفادها أن بعض استثمارات الشركات المملوكة للدولة لا تدر أرباحًا مناسبة. 

وفي عام 2018، أقر الرئيس الصيني بأن مبادرة "الحزام والطريق" تعمل في إطار مبادئ توجيهية فضفاضة، وتحتاج إلى أن يتم تحديدها بشكل أكثر إحكامًا، لتنفيذ مشروعات ذات جودة أفضل تحت إشراف الحزب الشيوعي. وبناء عليه تم في مارس 2018 إنشاء وكالة التعاون الإنمائي الصينية (CIDCA) لتحسين عمليات التنسيق الداخلي بين المؤسسات الصينية المختلفة. مما يعني أن فشل المشروعات التي تمولها الصين قد لا يُعزَى إلى دبلوماسية فخ الديون ولكن إلى التقاطع بين مصالح الشركات الصينية والنخب وجماعات المصالح داخل الدول المتلقية. فالشركات الصينية المملوكة للدولة بحاجة ماسة إلى تنفيذ عدد من المشروعات للحفاظ على زخمها الاقتصادي، والحكومات المتلقية تحتاج إلى التمويل لتنفيذ المشروعات، وفي الغالب تتسم هذه الحكومات بالضعف وسوء التخطيط والفساد.

أزمة ميناء هامبانتوتا في سريلانكا:

يوضح التقرير أن الحديث عن دبلوماسية فخ الديون التي تتبعها الصين قد تزامن مع ما أثير حول إمكانية استيلاء الصين على ميناء هامبانتوتا على الساحل الجنوبي لسريلانكا. فيرى بعض المحللين أن الصين منحت سريلانكا قرضًا لبناء هذا الميناء، وأن الصين كانت تعرف أن سريلانكا سوف تتعثر في سداد القرض، مما يخول لها الاستيلاء على الميناء والسماح باستخدامه من قبل البحرية الصينية، وذلك مقابل تخفيف ديون سريلانكا. 

وقد أشار التقرير إلى أن بعض المحللين الهنود يرون أن مبادرة "الحزام والطريق" ما هي إلا آلية صينية لتعزيز نفوذها البحري في جنوب آسيا، وأن الاستيلاء على ميناء هامبانتوتا ما هو إلا جزء من الاستراتيجية الصينية في هذا الشأن.

ولكن التقرير يتبنى وجهة نظر مخالفة لذلك، حيث يشير إلى أن أزمة ميناء هامبانتوتا لا تعد دليلًا على استخدام الصين للتمويلات المقدمة في إطار مبادرة "الحزام والطريق" لإغراق الدول في الديون والاستحواذ على ممتلكاتهم. ويسرد التقرير بعض المؤشرات التي تدعم هذا الطرح، وهي كالتالي:

1- لم تقترح الصين على الحكومة السريلانكية تنفيذ هذا المشروع، بل إن فكرة إنشاء هذا الميناء تضرب بجذورها في سريلانكا منذ السبعينيات عندما اقترح العضو البرلماني "د. أ. راجاباكسا" إنشاء هذا الميناء. وفي عام 2001، قام أحد أبناء هذا البرلماني "ماهيندا راجاباكسا" الذي كان وزيرًا مسؤولا عن الموانئ آنذاك، بطلب إجراء دراسة جدوى للمشروع، والتي اعتبرت الموقع المقترح لتشييد الميناء غير مناسب.

ومع ذلك، فقد تم إدراج إنشاء هذا الميناء في استراتيجية التنمية الحكومية لعام 2002، وعندما أصبح "ماهيندا راجاباكسا" رئيسًا للوزراء في عام 2004 حاول إعادة إحياء المشروع من خلال إجراء دراسة جدوى أخرى، ولكنه لم يتمكن من ذلك بسبب عدم توافر الموارد المالية الكافية.

إلا أنه في عام 2006، وجدت دراسة جدوى أخرى أجرتها شركة Rambøll الدنماركية، بأن المرحلة الأولى ستكون مجدية تجاريًّا. مما أقنع هيئة الموانئ السريلانكية بتأييد تنفيذ المشروع، وبدأ في عام 2007 البحث عن مصادر تمويل خارجية لإنشاء الميناء. وتم التقدم بطلب تمويل رسمي إلى الصين في عام 2009.

2- التنافس بين الشركات الصينية المملوكة للدولة: تنافست شركتا CHEG وSinohydro الصينيتان على نيل عقد تنفيذ هذا الميناء، وكلاهما قام بالضغط على أشقاء الرئيس السريلانكي لكي يقوم بتزكية إحدى الشركتين. وفي نهاية الأمر تقاسمت الشركتان عقد تنفيذ المشروع. وهذا التنافس بين الشركات الصينية يؤكد عدم وجود تنسيق استراتيجي صيني لتحقيق أهداف بعيدة المدى من خلال الشركات الصينية.

3-  دوافع سريلانكا السياسية والاقتصادية لتنفيذ المشروع، حيث تعاني سريلانكا من فجوة خطيرة في تمويل مشروعات البنية التحتية، قُدرت بنحو 36 مليار دولار في عام 2014. وقد غطت الاستثمارات الصينية المتعهد بها بعد عام 2006 ثلث هذه الفجوة.

إلا أنه لا يمكن إغفال وجود دوافع سياسية لرئيس الوزراء "ماهيندا راجاباكسا"، لإنشاء هذا الميناء تحديدًا. وأهم هذه الدوافع هو توجيه المزيد من الموارد والاستثمارات إلى مسقط رأسه لنيل مزيد من الدعم. علاوة على محاولة تخفيف المعارضة التي واجهتها حكومته آنذاك، من خلال الحديث عن إنشاء مزيد من المشروعات القومية، مثل ربط وإنشاء الطرق والسكك الحديدية، وإنشاء مطار جديد يكون الأكبر في جنوب آسيا، وتأسيس شركة طيران جديدة.

كما أوضح كاتبا التقرير أن تنفيذ مشروع ميناء هامبانتوتا قد عزز شبكات الفساد في سريلانكا، حيث تم إسناد الأعمال المحلية في تشييد الميناء إلى الشركات المحلية التي لها صلة وثيقة بالرئيس السريلانكي وحاشيته.

تم بناء المرحلة الأولى من الميناء في الفترة من 2008-2010، وتم وضع خطة أنه بحلول عام 2014 سيكون هو أكبر ميناء في جنوب آسيا. إلا أن الميناء الآن نادرًا ما يتم استخدامه، وقد مُني بخسائر فادحة نتيجة انخفاض عدد السفن التي تمر به من 335 سفينة عام 2014 إلى 270 عام 2018. وصرح وزير المالية السريلانكي بأن الميناء قد سجل خلال الفترة من 2011-2016 خسائر تقدر بـ230 مليون دولار.

ورغم هذه الخسائر إلا أن ذلك لم يمنع سريلانكا من استمرار التعاون مع شركتي CHEG وCMPORT الصينيتين لتطوير محطة حاويات في الميناء ذاته.

4- القروض الصينية لم تتسبب في أزمة الديون السريلانكية، فمنذ عام 2016 عانت سريلانكا من أزمة ديون طاحنة، حيث ازدادت الديون الحكومية بنسبة 52% خلال الفترة من 2009-2016. وانخفضت قيمة الروبية السريلانكية مقابل الدولار بنسبة 36%، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف سداد القروض، حيث مثلت القروض الأجنبية 61% من إجمالي عجز الموازنة في سريلانكا.

وتفاقمت الأزمة في 2019 عندما سجل الاحتياطي النقدي في سريلانكا 6 مليارات دولار، في حين أنه كان يتعين عليها تسديد 17 مليار دولار كأقساط وفوائد للقروض. ووفقًا لبيانات البنك المركزي السريلانكي فإن أكبر نسبة من الديون كانت للبنك الآسيوي للتنمية بنسبة 14% من إجمالي ديون سريلانكا الخارجية، في حين أن نصيب الصين كان 4% فقط، وأن إجمالي أقساط وفوائد القرض الصيني لتشييد ميناء هامبانتوتا التي سددتها الحكومة السريلانكية خلال الفترة من 2011-2016 تبلغ فقط 215.6 مليون دولار. لذا فمن غير المرجح أن تكون القروض الصينية تسببت في أزمة الديون الخارجية المتراكمة التي تعاني منها سريلانكا.

5- الصين لم تستحوذ على ميناء هامبانتوتا، على الرغم مما أثير حول أن الصين نزعت ملكية الميناء مقابل إعفاء سريلانكا من الديون، وذلك بعد أن تعذر على حكومة سريلانكا تسديد القرض. ويشير التقرير إلى أن ذلك غير صحيح، فما حدث هو أن شركة صينية مملوكة للدولة قامت باستئجار الميناء في مقابل مبلغ مالي تم دفعه للحكومة السريلانكية لكي يساعدها على تخفيف أزمة تسديد الديون التي تُعاني منها. إذن، فالصين لم تعفِ سريلانكا من تسديد القرض ولم تستحوذ على الميناء.

ويستدل التقرير بأن تأجير ميناء هامبانتوتا ليس موضوعًا جديدًا، ففي عام 2016 طلبت الحكومة السريلانكية من الشركات اليابانية والهندية استئجار الميناء، ولكن لم يوافق البلدان على هذا الاقتراح. بل ويذكر التقرير أنه وفقًا لوزير الموانئ والشحن البحري "ماهيندا ساماراسينغي"، فقد طلب رئيس الوزراء السريلانكي "رانيل ويكرمسينغي" من الرئيس الصيني مساعدة مالية أو حصول الصين على أغلبية الميناء، إلا أنه رفض ووعد بالمساعدة في العثور على مستثمر يستأجر الميناء وهذا ما حدث بالفعل.

وحتى ما أُثير عن رغبة الصين في استخدام الميناء كقاعدة عسكرية، لم يحدث. فبموجب اتفاق تأجير الميناء فإن كل المسؤوليات المتعلقة بأمن الميناء تم إسنادها إلى السلطات السريلانكية. علاوة على أنه تقرر في عام 2018 نقل القيادة الجنوبية للبحرية السريلانكية إلى الميناء، وبالتالي فلا يوجد أي دليل على أي نشاط عسكري صيني في هذا الميناء.

التعاون بين ماليزيا والصين:

أكد بعض المحللين أن الصين تعمل على فرض تنفيذ مشروعات معينة على ماليزيا في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وذلك لكي تقع ماليزيا في فخ الديون، وتستحوذ الصين على أصولها الاستراتيجية؛ إلا أن التقرير يتبنى وجهة نظر أخرى تفيد بخطأ هذا التحليل في الحالة الماليزية، للأسباب التالية:

1- الطبيعة غير الاستراتيجية لغالبية المشروعات الصينية في ماليزيا: فالمشروعات التي يتم تنفيذها بتمويلات حكومية صينية في ماليزيا ليست مشروعات حيوية، فمعظمها في قطاعات مثل العقارات والترفيه والصناعة. في حين أن مشروعات البنية التحتية، مثل تطوير الموانئ والسكك الحديدية، يتم تمويلها بقروض تجارية من قبل الصين وماليزيا بشكل مشترك. ناهيك عن أن طلب تنفيذ هذه المشروعات جاء في الغالب بناء على رغبة القطاع الخاص الماليزي أو حكومات الولايات الماليزية وليس من الجانب الصيني. فضلًا عن أن هناك مشروعات للبنية التحتية تم تنفيذها بين الجانبين قبل طرح مبادرة "الحزام والطريق" بعدة سنوات، مما يدحض فرضية استغلال الصين للمبادرة لتعزيز تواجدها الجيوسياسي في ماليزيا. 

2- تعطش ماليزيا للمشروعات الصينية: فقد استغل حزب UMNO -أثناء حكمه لماليزيا- الاستثمارات الصينية في المساعدة على تحقيق النمو الاقتصادي الذي يعد المصدر الأهم لشرعية الحزب واستمراره في الحكم، وكذلك العمل على خلق وتقوية طبقة من رجال الأعمال الماليزيين من عرقية المالايو تحديدًا. وقد أشار كاتبا التقرير إلى أن ماليزيا رحبت بمزيد من الاستثمارات الصينية، خاصة قبيل الانتخابات التي أجريت في عامي 2008 و2013. أي إن الحزب الحاكم قد استغل الاستثمارات الصينية لتعزيز شرعيته وبقائه في السلطة.

3- فضيحة الصندوق السيادي الماليزي وشبهات الفساد الصيني في ماليزيا: حيث أُنشئ هذا الصندوق عام 2009، وشابه عدد من تهم الفساد حتى انهياره خلال الفترة من 2014- 2016 بسبب تراكم الديون الخارجية. وما جعل البعض يحمل الصين مسئولية أزمة الديون الماليزية هو محاولة بعض مسئولي الشركات الحكومية الصينية إنقاذ الصندوق من الانهيار وذلك بالاتفاق مع "نجيب عبدالرزاق" رئيس الوزراء الماليزي السابق على عقد صفقة شابتها لاحقًا تهم بالفساد بمبلغ 34 مليار دولار لإنشاء خطي أنابيب وكذلك خط سكة حديد على الساحل الشرقي الماليزي، وقد أكد ذلك "نجيب عبدالرزاق" في شهادته أمام المحكمة. فقد تم الاتفاق بين "عبدالرزاق" ومسئولي الشركات الصينية على مضاعفة التكلفة التقديرية لمشروع إنشاء خط سكك حديد في الساحل الشرقي الماليزي من 30 مليار رينغيت ماليزي إلى 60 مليار رينغيت ماليزي. ولكن ذلك لا يعني أن الصين تعمل على توريط ماليزيا في فخ من الديون للاستيلاء على أصولها الاستراتيجية، ولكنه بالأحرى يعني أن هناك شبكات فساد مستشرية لدى الجانبين الماليزي والصيني. لذا فإن كاتبي التقرير يؤكدان أن الدول المتلقية تقع على كاهلها مسؤولية كبيرة حيال تفشي الفساد في المشروعات التي تمولها الصين.

ورغم أن حزب Pakatan Harapan المعارض لنجيب عبدالرزاق انتقده انتقادًا لاذعًا في ضوء قضية الفساد المتعلقة بالصندوق السيادي الماليزي، إلى حد وصفه بأنه يقوم ببيع ماليزيا إلى الصين؛ إلا أن التقرير يؤكد أن ذلك تم لأسباب سياسية، حيث لم يُصدر الحزب أي نقد لمبادرة "الحزام والطريق"، وتمحور نقده حول طريقة إدارة عبدالرازق. وتم تعليق العمل بمشروعي خطي أنابيب وإنشاء خط سكة حديد على الساحل الشرقي الماليزي. في حين لم تتأثر أي من المشروعات الأخرى الجاري تنفيذها مع الصين. مما يؤكد أن الهجوم على الصين من قبل المعارضة الماليزية كان سببه سياسيًّا في المقام الأول وليس التأكد من وجود نوايا للصين لبسط نفوذها في ماليزيا أو إغراقها في الديون.

ويذكر التقرير أن تراكم الديون الخارجية لماليزيا جاء بسبب اقتراضها بشكل مكثف من الدول الغربية والمؤسسات الدولية، وكذلك بسبب سوء وفساد إدارة "نجيب عبدالرزاق"، حيث تم تحويل مبالغ كبيرة من هذه القروض إلى حساباته الخاصة في البنوك. 

ختامًا، قدم التقرير بعض التوصيات التي من شأنها أن تعمل على تعزيز إدارة الصين والدول المتلقية للمساعدات في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وعلى رأس هذه التوصيات كان ضرورة قيام بكين بوضع ضوابط أكثر صرامة على آليات عمل الشركات المملوكة للدولة، للعمل على تحسين العوائد الاقتصادية من المشروعات التي تنفذها، ولتقليل شبهات الفساد التي قد تشوب بعض معاملات هذه الشركات في الخارج. 

كما تمت الإشارة إلى ضرورة قيام الصين والدول المتلقية للمساعدات بتدشين حوار مع منظمات المجتمع المدني حيال الآثار المحتملة للمشروعات التي يتم تنفيذها، وذلك لدراسة كافة جوانب المشروعات بشكل أفضل. وقد أوصى التقرير الدول المتلقية للمساعدات بضرورة تعزيز قدرتها على تقييم المشروعات المطروحة في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وكذلك تطوير مهارات التفاوض بشكل أفضل. ويقترح كاتبا التقرير أن تقوم الدول المانحة والمؤسسات الدولية بمساعدة الدول النامية على تعزيز نظامها لإدارة المساعدات الخارجية. علاوة على ضرورة انخراط الصين في حوار مع الدول المتلقية لضمان تنفيذ المشروعات بشكل أفضل.

المصدر: 

Lee Jones and Shahar Hameiri, Debunking the Myth of ‘Debt-trap Diplomacy’ How Recipient Countries Shape China’s Belt and Road Initiative, Chatham House, 19 August 2020, https://www.chathamhouse.org/publication/debunking-myth-debt-trap-diplomacy-jones-hameiri