أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (فرصة أمريكية: هل تستهدف "عسكرة" البحر الأحمر النفوذ الصيني في المنطقة؟)
  • ورشة عمل لمركز المستقبل بعنوان: (الذكاء الاصطناعي.. فرص واعدة وتداعيات مُربِكة)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التداعيات السياسية لشهر رمضان.. والقرارات المصيرية بالمنطقة)
  • شريف هريدي يكتب: (المتشددون الجدد: لماذا قد تتجه إيران للتصعيد الخارجي بعد انتخابات البرلمان؟)
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل بعنوان: (استدارة موسكو: كيف تأثر الشرق الأوسط بالحرب الأوكرانية في عامها الثالث؟)

مضاعفات الاضطراب:

كيف تغذِّي عمليات الاغتيال عدم الاستقرار في المنطقة العربية؟

29 يوليو، 2020


تساهم محاولات أو عمليات الاغتيال الموجهة لرؤساء حكومات وباحثين سياسيين ورجال دين ومواطنين عاديين، في تغذية مضاعفات عدم الاستقرار في المنطقة العربية من نواحٍ عديدة، تتمثل في مقاومة جهود وضع الأسلحة السائبة تحت سيطرة الدولة بالعراق، وقوة اقتصاديات الظل في بؤر الصراعات المسلحة، على نحو ما عكسته الاغتيالات الغامضة في صفوف العسكريين المقربين من ماهر الأسد في سوريا، وتصفية الخلافات بين الميلشيات المسلحة في ليبيا، ومعارضة التيارات المدنية ممارسات حركات الإسلام السياسي وخاصة حركة "النهضة" في تونس، وتعزيز قدرة التنظيمات الإرهابية على البقاء مثل حركة "شباب المجاهدين" بالصومال، وعرقلة مسار المرحلة الانتقالية في السودان.

حالات مختلفة:

أدت الموجة الحالية من الاغتيالات، التي تقوم بها جماعات مجهولة وكتائب مسلحة وتنظيمات إرهابية في عدد من الدول العربية، مثل السودان وليبيا وتونس والصومال وسوريا والعراق، إلى عرقلة الجهود الداعمة للاستقرار، على نحو ما توضحه النقاط التالية:

الأسلحة السائبة 

1- مقاومة جهود وضع الأسلحة السائبة تحت سيطرة الدولة: وهو ما تشير إليه حادثة اغتيال الخبير الأمني والمحلل السياسي هشام الهاشمي في العراق، في 6 يوليو الجاري، على يد اثنين يستقلان مركبة، حيث تم إطلاق النار عليه قرب مسكنه بحى الزينونة بالعاصمة بغداد، وفارق الهاشمي الحياة بعد ساعات من وصوله إلى المستشفى. وتشير بعض الكتابات إلى أن سبب اغتياله يعود إلى التحول في مواقفه، فبعد دعمه لدور قوات "الحشد الشعبي" في مواجهة تنظيم "داعش" وإنهاء سيطرته على عدد من المحافظات العراقية، بدأ يتخذ موقفاً مناوئاً من بعض الميلشيات المدعومة من قبل طهران. 

وكان الهاشمي يدعم خيار الإصلاحات التي تود حكومة مصطفى الكاظمي تنفيذها في القطاع الأمني وخاصة ما يتعلق بوضع الأسلحة تحت سيطرة الدولة. وسبق ذلك التصريحات التي أدلى بها الهاشمي بشأن ضرورة تقديم الأشخاص المنضوين تحت سيطرة الميلشيات إلى العدالة بعد دورهم في مواجهة الحراك الشعبي منذ نهاية سبتمبر 2019. وتلقى قبل وفاته تهديدات بالقتل من قبل "كتائب حزب الله العراقي"، حيث نشر زعيم تيار "مواطنون" العراقي، غيث التميمي، عبر حسابه الرسمي في موقع "تويتر"، محادثة جرت بينه وبين الهاشمي قبل تعرضه للاغتيال، تبرهن ذلك.

وقد تشهد المرحلة المقبلة تزايداً في عمليات استهداف الأكاديميين والصحفيين والجنود العراقيين، نظراً لوجود كم كبير من الأسلحة خارج نطاق سيطرة الدولة، علاوة على أن عدداً كبيراً من الميلشيات آمنة إلى حد كبير، وبعيدة عن المساءلة. وفي هذا السياق، صرح مصدر مسئول بالجامعة العربية، في 7 يوليو الماضي، بأن "الجامعة العربية تدعم بقوة الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية والرامية إلى حصر السلاح بيد الدولة، كما تضم صوتها لكافة الأصوات المطالبة بالكشف عن مرتكبي حوادث الاغتيالات التي طالت الناشطين السياسيين مؤخراً، وتقديمهم للعدالة".

اقتصاد الظل

2- قوة اقتصاد الظل في بؤر الصراعات المسلحة: على نحو ما عكسته الاغتيالات الغامضة في صفوف العسكريين المقربين من ماهر الأسد في سوريا، التي وقعت في أواخر يونيو الماضي وأوائل يوليو الجاري في دمشق وريفها. فقد تم الإعلان عن مقتل نزار زيدان قائد ميلشيا تابعة للفرقة الرابعة في قوات النظام السوري والعقيد علي جنبلاط قائد تلك الفرقة. كما اغتيل رئيس فرع المخابرات الجوية بالمنطقة الشرقية العميد جهاد زعل، مع عدد من مرافقيه، واغتيل أيضاً العميد في المخابرات الجوية ثائر خير بيك، والعميد معن إدريس.

واللافت للنظر أن حوادث الاغتيال في صفوف تلك الرتب العسكرية، التي تراوحت بين العقيد والعميد، وقعت أمام منازلهم أو في مكاتبهم، مع حالة واحدة جرى استهدافها بالسيارة. وهنا، تشير العديد من الكتابات إلى أنه خلال سنوات الحرب في سوريا، استولت الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد على اقتصاد الظل في سوريا – الذي كان يشكل نحو 55% من حجم الاقتصاد السوري قبل الحرب، لكنه اتسع خلال سنوات الحرب ليصبح 70%-، عبر فرض سيطرتها على مديرية الجمارك العامة، ونشر حواجزها على الطرق التجارية، وكذلك الطرق الواصلة إلى المعابر الحدودية، بما مكنها من إدارة شبكات تهريب تضرر منها آخرون.

خلافات ميلشياوية   

3- تصفية الخلافات بين الميلشيات المسلحة: وقد برز ذلك بشكل واضح في الساحة الليبية بعد تدفق المرتزقة برعاية الاستخبارات التركية لدعم حكومة الوفاق في مواجهة الجيش الوطني الليبي ضمن أعمال التحضير لمعركة سرت. وفي هذا السياق، تشير عدد من وسائل الإعلام إلى حدوث عمليات اغتيال في صفوف الميلشيات بعد تدفق المرتزقة من سوريا إلى ليبيا، وخاصة بعد مقتل بسام أبوغرسة معاون آمر ميلشيا "فرسان الغضب" في 17 يوليو الجاري. كما كشفت كتابات أخرى عن اندلاع اشتباكات دامية بين مجموعة من المرتزقة السوريين، ينتمون لما يسمى "لواء صقر الشمال" بسبب تأخر أجورهم، أسفرت عن مقتل وجرح بعضهم. 

مناوئة "النهضة"

4- معارضة التيارات المدنية ممارسات حركات الإسلام السياسي: وبصفة خاصة حركة "النهضة" في تونس. فقد عاد الحديث مرة أخرى عن الاغتيالات السياسية في تونس مع تلقي عدد من الرموز المدنية التونسية المناهضة لحركة "النهضة" تهديدات بالقتل، وخاصة عبير موسى رئيس "الحزب الدستوري الحر"، التي تلقت، في 11 مايو الماضي، تهديدات بالاغتيال بعد يوم واحد فقط من انتقادها التضارب في البيانات بشأن سماح الرئاسة التونسية بهبوط طائرة تركية تحمل مساعدات طبية مثيرة للشكوك في مطار جربة الجنوبي لإرسالها لدعم حكومة الوفاق الليبية. 

وتجدر الإشارة إلى أن ثمة بيئة خصبة تكرس المخاوف من عودة منهج الاغتيالات، ويظهر ذلك في نجاح القوى السياسية والتيارات المدنية التونسية في مناوئة التمدد التركي في الداخل التونسي، ودول الجوار وخاصة ليبيا، وهو الأمر الذي يدفع أنقرة إلى دعم حركة "النهضة" للهيمنة على مفاصل الدولة وتقليص دور الخصوم. 

كما تزامن حديث الاغتيالات مع تنامي الخلافات بين الرئيس قيس سعيّد وحركة "النهضة" بالإضافة إلى تفكك التحالف الحكومي الذي كان يجمع "النهضة" و"حزب حركة الشعب" و"التيار الديمقراطي" و"تحيا تونس"، لاسيما في ظل محاولات تركيا الهيمنة على الاقتصاد التونسي، وضم تونس للاصطفاف الإقليمي الداعم لأنقرة.

ضربات الإرهاب

5- تعزيز قدرة التنظيمات الإرهابية على البقاء: وهو ما تشير إليه عمليات الاغتيال الفردي التي تقوم بها حركة "شباب المجاهدين" في الصومال والتي تستهدف شرائح متعددة، مثل رجال الدين وضباط الأمن والسياسيين والمواطنين العاديين. فقد اغتالت الحركة الشيخ آدن معلم عبدالله العضو البارز بهيئة علماء الصومال، في 27 إبريل الماضي، وهو الهجوم الثالث من نوعه ضد علماء الدين في الصومال خلال الشهر نفسه، هذا إلى جانب مجموعة أخرى من الاغتيالات طالت عدداً من رجال الأمن والسياسيين. 

فقد تم استهداف أحد الضباط في الشرطة الصومالية، في 21 إبريل الماضي، وذلك بمنطقة أرجنتين في مديرية كاران بالعاصمة مقديشيو، كما أعلنت الحركة، في 15 من ذلك الشهر، مسئوليتها عن ثلاثة اغتيالات طالت جنديين حكوميين وطبيباً صومالياً. وقتلت الحركة أيضاً مواطنين بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي ذلك، بعد أن كانت الحركة تركز على الهجمات الإرهابية التقليدية، التي يتم تنفيذها بالمتفجرات على غرار السيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة، وهو ما كان يؤدى إلى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين، داخل المدن الكبرى في جنوب ووسط الصومال.

ويشير قيام الحركة بالتوسع في عمليات الاغتيال والقتل الفردي، إلى جملة من الأهداف تتمثل في محاولة تحقيق استراتيجية الردع بالخوف، القائمة على بث الرعب في صفوف الشعب الصومالي، واحتكار الخطاب الديني، حيث تدرك الحركة مدى الخطورة التي تمثلها الهيئات الدينية الوسطية على غرار هيئة علماء المسلمين الصومالية التي ينتمي اليها الشيح آدن معلم عبد الله، التي تسعى إلى نشر تعاليم الوسطية والاعتدال ومحاربة الفكر المتطرف الذي تعتنقه الحركة.

متاهة الانتقال 

6- عرقلة مسار المرحلة الانتقالية: فقد تعرض رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك لمحاولة اغتيال استهدفت موكبه في العاصمة الخرطوم، في 9 مارس الماضي، وهو ما يأتي في سياق محاولة بعض الأطراف الداخلية إعاقة الحكومة عن القيام بمهامها وتجاوز مرحلة حكم نظام الإنقاذ، على نحو ما عكسه البيان الصادر عن جامعة الدول العربية، حيث عبرت الأخيرة عن صدمتها جراء "وقوع هذه المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء، وجددت التزامها بالوقوف مع السودان في عملية الانتقال الديمقراطي التي تمر بها البلاد وفي كل ما يتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنه واستقراره ومواجهة كل تهديد يمس سلامة أراضيه".

سياسات المواجهة:

تنوعت السياسات التي تبنتها الحكومات في المنطقة العربية لمواجهة ظاهرة الاغتيالات، ومنها تشكيل لجان قضائية للتحقيق في حوادث بعينها. إذ أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق، وفقاً لبيان صادر عن وكالة الأنباء العراقية في 17 يوليو الجاري، عن تشكيل هيئة قضائية تختص بالتحقيق في جرائم الاغتيالات، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، وستتكون الهيئة من 3 قضاة، بالإضافة إلى عضو ادعاء عام. 

أما النظام السوري فلا يشغله سوى قدرته على البقاء، مهما تزايدت التصفيات الغامضة في صفوف قوات داعمة لأسرة الأسد، لأنها تعبر عن شبكات ظل اقتصادية وليس خلافات أجنحة عسكرية. على جانب آخر، تزايد الاقتتال الميلشياوي في ليبيا على خلفية تأخر المخصصات المالية للعناصر المرتزقة التي جلبتها الاستخبارات التركية وخاصة من سوريا. وفي الحالة الصومالية، ستتواصل عمليات الاغتيال الفردي لحركة "شباب المجاهدين" بسبب ضعف الحكومة المركزية.

في حين تشير حالات أخرى إلى دعم القوى المدنية التونسية للمؤسسات السيادية، وخاصة الجيش وجهاز الأمن القومي، لأنهما النواة الصلبة للدولة التونسية، بحيث تشكل حائط صد أمام تحركات "النهضة"، خاصة في ظل مساعي الأخيرة لتعزيز اصطفاف تونس إلى جوار تركيا في دعم حكومة الوفاق الليبية. وقد أكد الرئيس قيس سعيّد، في 25 يوليو الجاري، على استعداد المؤسسة العسكرية للتصدي لكل من يحاول التعدي على الدولة والخروج عن الشرعية سواء من الداخل أو الخارج. 

كما صرح سعيّد قائلاً أنه "لا أحد فوق القانون بشأن ملف الاغتيالات"، مشدداً على أن الدولة ستوفر كل إمكانياتها لكشف حقيقة اغتيال المعارضين السياسيين. ومن الجدير بالذكر أن هناك اتهامات من جانب هيئة الدفاع عن المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي لما يطلق عليه الجهاز السري لحركة "النهضة" بالتورط في هذه القضية وإخفاء وثائق وأدلة الاتهام. ومن الملاحظ أن هذه القضية سوف تتصاعد وتيرتها خلال المرحلة المقبلة. في حين ستحاول الحكومة الانتقالية في السودان إضعاف نفوذ ممثلي النظام السابق بصور مختلفة.

خلاصة القول، إن عمليات ومحاولات الاغتيال في الدول العربية تعكس حالة عدم الاستقرار المزمن في المنطقة العربية، بدرجات متفاوتة، والتي لا يوجد مؤشرات توحي بقرب الخروج منها، بل تتزايد المتغيرات الداعمة لاستمرارها وربما تفاقمها.