أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

التشارك الإلكتروني:

آليات مكافحة الشائعات في الفضاء السيبراني

29 مايو، 2017


جاء اعتراف فيسبوك في نهاية أبريل الماضي (2017) باستخدام "جهات خبيثة" لخدماته في بث معلومات كاذبة بهدف التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليثير حملة عالمية بشأن سبل مكافحة انتشار الشائعات والأخبار المزيفة والمعلومات المضللة عبر الفضاء السيبراني، لا سيما على شبكات التواصل الاجتماعي التي تمثل بيئة خصبة لانتشار الشائعات وتداولها بشكل فائق السرعة بفعل خصائص التشبيك والبث الفوري والتداول الجماعي التي تتمتع بها، وهي الأمور التي أثارت في مجملها جهودًا عديدة من أجل البحث عن طرق جديدة ومبتكرة للمواجهة تواكب تطور أدوات اختلاق الشائعات ونشرها.

بيئة خصبة للتضليل:

استخدام الشائعات كسلاح سياسي ليس بالأمر الجديد، بل ظلت الأخبار المزيفة جزءًا رئيسيًّا من حملات الدعاية والحروب النفسية عبر عقود، ولكن تكتسب الشائعات عبر الإنترنت زخمًا جديدًا في ظل عوامل رئيسية، أهمها: اتساع نطاق الانتشار بما قد يمتد للعالم أجمع، وسهولة تجهيل مصدر الشائعة وإطلاقها، خاصة مع انتشار الحسابات الوهمية التي قدّر فيسبوك عددها بنحو 83 مليون حساب عام 2012، إلى جانب إمكانات الانتشار السريع عبر الشبكات الاجتماعية، وكذلك توافر أدوات تزييف الصور وفبركة الفيديوهات التي تضفي حبكة محكمة على محتوى الشائعة تساعد في انتشارها.

ولم تعد الشائعة بمفهومها التقليدي هي المحتوى المضلل الوحيد على الشبكة، وإنما تنوعت أساليب التزييف والتضليل في بيئة المعلومات، والتي حددتها كلير ورادل Claire Wardle، الباحثة بمشروع "فيرست درافت First Draft" لمكافحة الأخبار الزائفة حول العالم، في مقال لها في فبراير الماضي (2017)  بعنوان "الأمر ليس سهلاً عندما يتعلق بالأخبار الزائفة" في عدة أنواع، هي: المحتوى الملفق وهو غير صحيح في معظمه ويهدف للخداع والأذى. والمحتوى المزور الذي ينتحل هوية المصادر الحقيقية. والمحتوى المضلل الذي يستخدم المعلومات بطريقة مضللة لتوجيه الاتهام زورًا. والتلاعب بالمحتوى. والسياق المزيف. والربط المزيف بوضع عناوين أو صور ليس لها صلة بالمحتوى. وأخيرًا التهكم أو السخرية التي قد تتسبب أيضًا في التضليل.

وقد استحوذت شبكات التواصل الاجتماعي على جانب كبير من الاهتمام عند بحث انتشار الشائعات عبر الإنترنت، في ظل انتشارها العالمي وإمكاناتها لتعزيز فرص النشر والتواصل. وقد طرح فانج ليو وآندرو بارتون من جامعة كوينزلاند بأستراليا نموذجًا لإعادة نشر الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي في فترات الأزمات والكوارث، جمع بين نموذجي نشر الشائعات واحتمالية التفسير Elaboration Likelihood model.

وحدد الباحثان خمسة مدخلات رئيسية تحكم اتجاه الأفراد لإعادة نشر محتوى الشائعة، وهي: القلق، أي تعبيرات الذعر والقلق التي يشعر المتلقي بأنها تعبر عما يشعر به في تلك الفترة ما يدفعه لإعادة نشر الشائعة. والانخراط الشخصي، أي أن تعبر الشائعة عن تجربة شخصية أو شهادة عيان. وغموض المحتوى وغموض المرسل، حيث يميل الناس للبحث عن مصادر ذات مصداقية لديهم أكثر من اهتمامهم بالمحتوى نفسه. وأخيرًا الجاذبية، إذ يميل الأفراد للتأثر بالمحتوى الذي يتضمن صورًا أو فيديو إلى جانب النصوص.

وإذ قامت تلك الدراسة بتحليل دوافع نشر الشائعات تحت تأثير الاضطراب الناتج عن أزمة أو كارثة، إلا أن الواقع يشير إلى الدور البالغ الذي باتت "مكبرات الشائعات" تمارسه في تعظيم نطاق تلك الأكاذيب وتأثيرها، وهي المكبرات التي تتمثل بشكل رئيسي في مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل امتلاك كل مستخدم أدوات لإعادة النشر والتداول عبر شبكة لا نهائية تمنح فرصًا هائلة للانتشار واسع النطاق، وكذلك في الإعلاميين الذين يعيدون تدويرها لأسباب عديدة يرجع بعضها للافتقاد لمهارات التدقيق والتحقق، أو الرغبة في الذيوع والانتشار. فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة كولومبيا عام 2015 أن عددًا كبيرًا من وسائل الإعلام الإلكترونية ساهم في التضليل لتحصد مزيدًا من الزيارات لمواقعها.

آليات الرصد والمكافحة:

إذا كانت التكنولوجيا عاملاً فاعلاً في هذا الانتشار الكبير للشائعات والأكاذيب عبر فضاء الإنترنت، فإنها أيضًا وفرت الحلول لمكافحة تلك الأكاذيب ومحاصرتها، وذلك عبر أدوات جديدة استحدثتها شركات التكنولوجيا ومعامل الأبحاث، والتي يمكن تحديد أهمها في:

أولا- تطبيقات الذكاء الاصطناعي: والتي تعتمد على خوارزميات متطورة لتحليل المعلومات ورصد الأخبار المزيفة بشكل فوري وأوتوماتيكي وأكثر سرعة من مجموعات رصد المعلومات المزيفة التقليدية.

وقد قامت شركة جوجل خلال عام 2016 بتمويل 20 مشروعًا أوروبيًّا يعمل على التحقق من المعلومات، تضمنت مشروعين في بريطانيا استخدما تقنيات الذكاء الاصطناعي لمكافحة الأخبار المزيفة إبان الانتخابات البرلمانية في المملكة المتحدة.

كما نشر موقع فيسبوك ورقة باسم عمليات المعلومات في أبريل 2017 تضمنت تطوير خوارزميات قادرة على رصد الحملات المنظمة الهادفة لنشر الشائعات عبر رصد هذا النوع من السلوك الممنهج لنشر أخبار بعينها، وهي الخوارزميات القادرة على منع الحسابات الوهمية، ورصد نشر الحساب للخبر ذاته بشكل متكرر، أو قيامه بإرسال مراسلات بشكل مشبوه.

ثانيًا- التعقب الرقمي: وهي الحلول التي لا تكتفي برصد الشائعة فقط، ولكنها تعمل على تتبع انتشارها، وتعقب مصدرها، والتحقق من عناصرها بشكل فوري ومنظم. ومن أبرز أمثلتها موقع Emergent، وهو جزء من مشروع بحثي تابع لمركز "تو للصحافة الرقمية" بجامعة كولومبيا، ويقوم الموقع بوضع لافتات على الشائعة، بحيث يوضح كونها شائعة أو معلومة صحيحة أو غير مؤكدة بعد، وبالضغط عليها يوضح مصدرها وحجم انتشارها وغيرها من المعلومات.

ثالثًا- مراكز التحكم في الشائعات: وهي مراصد مزودة بالتقنيات والتطبيقات التقنية اللازمة لمتابعة الفضاء السيبراني ورصد الشائعات، خاصة في فترات الأزمات والطوارئ. وقد أشار الباحث أونوك من جامعة ورك البريطانية في دراسته حول انتشار الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أهمية تلك المراكز لدحض التضليل، وتزويد المواطنين في الوقت المناسب بالمعلومات الصحيحة من خلال قنوات الإعلام والتواصل المختلفة، مثل: مواقع الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، وخدمات التغذية الفورية، والبريد الإلكتروني، والرسائل الهاتفية، فضلا عن وسائل الإعلام التقليدية، وهي التغذية المتدفقة التي تمثل تيارًا مضادًّا يحاصر انتشار الشائعات ويمنع تداولها، مشيرًا إلى الدور الإيجابي الذي لعبه مركز التحكم في الشائعات التابع للوكالة الأمريكية الاتحادية لإدارة الطوارئ خلال إعصار ساندي.

وفي التشيك أنشأ مركز مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية مبادرة لمكافحة الشائعات، وذلك بعد إنشاء 40 موقعًا باللغة التشيكية تحتوي قصصًا مفبركة ضد المهاجرين، ما دفع المركز لإطلاق مبادرة تدحض تلك المعلومات عبر حساب على تويتر وموقع إلكتروني يعرض وجهة نظر الحكومة.

رابعًا- المبادرات المتخصصة: وهي المشروعات التي يتم إطلاقها بغرض مكافحة الشائعات في فترة أو نطاق محدد، مثل: مشروع كروس تشيك الذي أطلقه تحالف "فيرست درافت" لمكافحة الأخبار المزيفة في غرف الأخبار، والذي تخصص لمكافحة المعلومات المضللة والمزيفة في فترة انتخابات الرئاسة الفرنسية. وكذلك مبادرة CredibleU التابعة لمركز الابتكار الرقمي لجامعة ليدن الأمريكية، والتي تستهدف السياسيين وسلوكهم على تويتر. 

كما أطلق فيسبوك مشروعًا لمكافحة الأخبار المزيفة على فيسبوك أثناء الانتخابات الهولندية والفرنسية، وقام بالفعل بإغلاق 30 ألف حساب في فرنسا قامت بإعادة ونشر ومشاركة أخبار مزيفة.

خامسًا- المكافحة التشاركية: والتي تقوم على إدماج المستخدم نفسه في مواجهة الشائعات، عن طريق نشر الوعي بين المستخدمين، وحثهم على الإبلاغ عن المحتوى المشكوك فيه، وهو ما اتبعه فيسبوك، حيث أضاف إرشادات للمستخدمين لضبط الأخبار المزيفة على تطبيقه للهواتف المحمولة في 14 دولة حول العالم، وأتاح للمستخدمين تحديدها والإبلاغ عنها لتنتقل مباشرة إلى جهات مسئولة عن عمليات التدقيق والتحقق.

كما أطلق جيمي واليس، مؤسس موقع ويكيبيديا، مشروعًا جديدًا باسم ويكيتريبيون، وهو يجمع صحفيين محترفين إلى جانب مجموعة من المتطوعين بهدف إصدار تقارير يكون التحقق فيها من المعلومات أمرًا أساسيًّا وبواسطة تقنيات رقمية حديثة في إطار من التشارك بين المستخدمين الذين يتولون دورًا محوريًّا في عمليات الإبلاغ والتدقيق.

وهي المساهمات التي تعبر كلها عن إدماج المستخدمين في عمليات المكافحة، والاستفادة من خصائص الاندماج والتواصل والتشارك التي تعد سمات أساسية للتواصل الرقمي.

سادسًا- نظم إدارة السمعة الرقمية: وهي نظم ارتبطت بالعلاقات العامة وبيئة الشركات والأعمال، ولكن يمكن الاستفادة منها بشكل عام في رصد الموضوعات المتداولة، وجمع ردود الفعل بشأنها، وصياغة الردود أو محتوى مضاد ونشرها.

محاور استراتيجية:

يبدو من تلك الأدوات المستحدثة التي اتجهت إليها دول العالم وجود محاور أساسية في الاستراتيجيات العامة لمكافحة الشائعات والأخبار المزيفة، أهمها بروز دور الآلة في عمليات الرصد والتعقب، وهو ما يتواكب مع الانفجار الهائل في البيانات أو ما يسمى بالبيانات الضخمة التي تنمو بمعدلات فائقة ويصعب على الفرق البشرية التقليدية تحليلها وتتبعها.

هذا إلى جانب دمج الشركات الموفرة للخدمات الرقمية، مثل فيسبوك وجوجل وتويتر، في عمليات المكافحة باعتبارها طرفًا أصيلاً إن لم يكن متهمًا، ففي مارس الماضي وافقت الحكومة الألمانية على مقترحات قوانين جديدة تجبر شبكات التواصل على المشاركة في محاربة خطاب الكراهية على الإنترنت وإلا واجهت غرامات تصل إلى 50 مليون يورو.

وقد ساعد هذا الدمج في وجود اتجاه قوي بين هذه الشركات لإغلاق الحسابات المزيفة، وتغيير سياسات الاستخدام بما يقلل من فرص ظهور النشاطات المشبوه فيها، وغير ذلك من الإجراءات الهامة. 

وعلى الصعيد نفسه، يتصاعد دور المؤسسات الأكاديمية والعلمية في تدشين مشروعات تتعاون فيها التخصصات التكنولوجية والإعلامية والاجتماعية لاستحداث منصات تستخدم التكنولوجيا في رصد الشائعات ومكافحتها دون الاقتصار على الرصد الأمني وأساليب المعالجة التقليدية، الأمر الذي يشير إلى الأثر البالغ لنشاطات البحث العلمي وربطها باحتياجات المجتمع، وفتح قنوات للتواصل بينها وبين المؤسسات المجتمعية المختلفة.

ويمثل الجمهور والإعلاميون محورًا رئيسيًّا لاستراتيجيات المجابهة، باعتبارهم يمثلون مكبرات للشائعات بإعادة بثهم لها، ما يمنح أهمية خاصة لمفاهيم الثقافة الإعلامية والوعي الجماهيري والتفكير النقدي من ناحية، وخطط التدريب المهني وتقييم الأداء وتطوير المهارات للإعلاميين من جانب آخر.

إن هذه المحاور الاستراتيجية الأساسية تكشف تجاوز متطلبات مكافحة الشائعات عبر الإنترنت أساليب المجابهة الأمنية التقليدية، واستلزامها تكاتف الجهود وتحمل الأطراف المختلفة مسئولياتها في إطار من مفاهيم التصحيح السريع والانفتاح والتواصل التي ترسخ بيئة أقل قابلية لانتشار الشائعات والأخبار المزيفة.