أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

في إسرائيل... الانتخابات تلد انتخابات!

28 يناير، 2021


يعود الناخبون الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع في 23 مارس (آذار) المقبل لإجراء انتخاباتهم الرابعة خلال عامين. وفي حين أنها محاولة لكسر الجمود السياسي في البلاد، فإن الانتخابات المقبلة ستكون مختلفة عن الانتخابات الثلاثة السابقة التي جرت ما بين أبريل (نيسان) 2019 ومارس 2020. في تلك الانتخابات كان البديل الرئيسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب «ليكود» هو حزب «أزرق أبيض» الذي كان قد تم تشكيله حديثاً بزعامة القائد العسكري السابق بيني غانتس ولم تكن لديه أجندة آيديولوجية أو تركيبة واضحة. لكن هذه المرة يختلف أبطال المسرحية، إذ من المرجح أن يكون التهديد الأساسي لنتنياهو هو زميله المحافظ الذي يشاركه آيديولوجيته نفسها ونظرته إلى العالم. ويمثل هذا نوعاً مختلفاً من التحدي الذي سيزيد من بلورة الانقسام الأساسي الجديد في السياسة الإسرائيلية، وهو الانقسام الذي يتمحور حول نتنياهو نفسه.

سلسلة الانتخابات الثلاثة السابقة التي لم تحصل فيها الكتلة اليمينية بقيادة نتنياهو ولا الكتلة الوسطية بقيادة غانتس على مقاعد كافية لتشكيل حكومة، تم حلّها مؤقتاً في مارس الماضي عندما وافق نتنياهو وغانتس على تشكيل حكومة تضمنت ترتيباً غير مسبوق على تقاسم السلطة، ولم يقتصر الأمر علـى تناوب رئاسة الوزراء بين نتنياهو وغانتس بعد 18 شهراً، بل شمل أيضاً إنشاء منصب جديد لرئيس الوزراء المناوب (غانتس) وانقساماً متساوياً في وزارات الحكومة، حيث لا يمكن استبدال الوزراء المعنيين إلا بقرار من زعيم الكتلة الخاصة بهم، وليس من رئيس الوزراء.

سمح هذا الترتيب لنتنياهو بالبقاء في المنصب حتى في أثناء مواجهته للمحاكمة بثلاث تهم هي: الاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة، كما سمح لغانتس، الذي تعهد سابقاً بعدم العمل إلى جانب نتنياهو، بالحصول على الفضل في وضع مصالح البلاد أولاً، ومحاولة مواجهة تحديات فيروس «كورونا»، حتى مع الحفاظ نظرياً على إمكانية استبدال نتنياهو. لكن كان لاستراتيجية غانتس عيب فادح: أن موقعه كزعيم للكتلة المناهضة لنتنياهو، ورئيس لحزب كان سبب وجوده الإطاحة بنتنياهو يعني أن قراره بتشكيل حكومة مع نتنياهو انتحار سياسي، أدى إلى تمزق حزب «أزرق أبيض» إلى قسمين قبل توقيع الاتفاق، وهبطت أسهم غانتس في استطلاعات الرأي العام.

أقدم نتنياهو وحلفاؤه على منع المصادقة على الميزانية، على الرغم من اشتراط اتفاق الائتلاف على أن تقوم الحكومة بتمرير ميزانية لمدة عامين في تاريخ معين. هذا ما دفع غانتس الذي تخلى عنه ناخبوه وزملاؤه مشرعو حزب «أزرق أبيض»، إلى حل الكنيست الشهر الماضي.

يقف الآن حزب «أزرق أبيض» على عتبة 3.25% من الأصوات التي تخوّله دخول الكنيست، على الرغم من حصوله على أعلى أو ثاني أعلى إجمالي للأصوات في الانتخابات الثلاثة الماضية.

الانهيار الكبير لـ«أزرق أبيض» تزامن مع تشكيل حزب «الأمل الجديد» من قِبل جدعون ساعر، السياسي المحافظ الشهير والمنافس اللدود لنتنياهو في الليكود. من عام 2009 حتى عام 2014 شغل ساعر منصب وزير التعليم ثم وزير الداخلية في حكومات نتنياهو، قبل أن يأخذ استراحة من السياسة بسبب التوترات مع رئيس الوزراء. عاد إلى الليكود وتحدى نتنياهو على قيادة الحزب في ديسمبر (كانون الأول) 2019 إنما من دون جدوى. بين الانتخابات الثانية والثالثة، وعلى الرغم من احتلال ساعر المرتبة الخامسة في الانتخابات التمهيدية لـليكود في وقت سابق من ذلك العام مما يدل على شعبيته داخل الحزب، فإن نتنياهو لم يعيّنه وزيراً أو رئيساً للجنة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية مع «أزرق أبيض». منذ ذلك الحين يبدو أن ساعر كان ينتظر وقته.

أعلن أنه سيغادر الليكود قبل وقت قصير من حل الكنيست والدعوة إلى انتخابات جديدة. انضم إليه بعد ذلك بوقت قصير زئيف إلكين، وزير سابق آخر في الليكود. على عكس ساعر، كان إلكين حتى وقت قريب أحد أقرب المقربين من نتنياهو وأبرز حلفائه السياسيين، لكنّ ذلك لم يمنعه من اتهام نتنياهو بتدمير الليكود وتحويل الحزب إلى «عبادة الشخصية». على عكس بيني غانتس، فإن جدعون ساعر آيديولوجي متفانٍ، ومن الواضح أنه يميني أكثر من نتنياهو نفسه، ومثل غانتس فيما كرره عند تشكيل حزب «أزرق أبيض»، يعمل ساعر على قاعدة تستند أساساً إلى تجنب تشكيل حكومة مع نتنياهو. وعلى عكس غانتس فإن التزامات ساعر الآيديولوجية ليست موضع شك، أنه ليس مجرد آيديولوجي يميني مخلص فحسب، بل متشدد أكثر من نتنياهو في عدد كبير من القضايا أبرزها ضم إسرائيلي أحادي الجانب للضفة الغربية. سمح هذا لساعر بشدّ بعض الناخبين الذين ينادون «أي شخص باستثناء نتنياهو»، وكانوا قد انجذبوا نحو «أزرق أبيض»، مما جعل من الصعب على نتنياهو تلطيخه بفرشاة يسارية في بلد أغلب الناخبين فيه من يمين الوسط. نتيجة لذلك حقق ساعر تقدماً مبكراً في استطلاعات الرأي العام، التي تُظهر حزب «الأمل الجديد» في المركز الثاني بعد الليكود.

خلال الحملة الانتخابية تمسّك ساعر حتى الآن بالمواضيع الرئيسية لاستبدال نتنياهو، واستعادة الاحترام لمؤسسات الدولة، وقيادة إسرائيل بكفاءة خلال الوباء والتعافي الاقتصادي اللاحق. يبقى أن نرى ما إذا كان نتنياهو قادراً على إبعاد ساعر عن المسار الصحيح كما فعل مع غانتس. حتى لو استمر النجاح المبكر لساعر، فإن توجيه ضربة لنتنياهو سيتطلب منه الإبحار في الرياضيات السياسية الصعبة التي ابتُلي بها غانتس في إسرائيل.

هناك العديد من الأحزاب الأخرى المعادية لنتنياهو بما في ذلك حزب «هناك مستقبل» بقيادة يائير لابيد، الشريك السابق لغانتس في «أزرق أبيض»، وحزب «إسرائيل بيتنا» لأفيغدور ليبرمان، و«إسرائيليون» وهو حزب علماني يساري جديد شكّله الشهر الماضي رون هولداي، رئيس بلدية تل أبيب، و«ميرتس» اليساري المعلن، وحتى ما تبقى من «أزرق أبيض». ولكن حتى لو كان ساعر شريكاً لهم كلهم فلن يحقق الفوز بـ61 مقعداً، العدد المطلوب لتشكيل الحكومة.

من أجل التغلب على هذه العثرة سيحتاج ساعر إلى إحضار الحزب اليميني المؤيد للاستيطان بقيادة زميله اليميني نفتالي بينيت، إلى معسكره. وبدلاً من ذلك، سيتعين على ساعر إقناع الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة بالانشقاق عن نتنياهو، أو الاستعداد للجلوس مع أحزاب القائمة غير الصهيونية، التي تستمدّ معظم دعمها من المواطنين العرب في إسرائيل.

الشراكة مع العرب لا تشكل بداية لأي حزب في المؤسسة السياسية اليهودية في إسرائيل، مع العلم أن غانتس غازل فكرة تشكيل حكومة أقلية تعتمد علـى دعم القائمة المشتركة (مع العرب)، قبل التراجع أمام مواجهة المعارضة داخل حزبه. من وجهة نظر آيديولوجية لن يواجه بينيت مشكلة في الجلوس في حكومة مع ساعر، لكنّ إدراجه سيعني بالتأكيد خسارة أحزاب ذات ميول يسارية مثل «الإسرائيليين» و«ميرتس». علاوة على ذلك، أظهر بينيت في الماضي عدم ممانعته في الاستجابة لنتنياهو إذا ما دعاه... من ناحية أخرى، فإن ضم الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة، سيجعل من المستحيل تشكيل حكومة تضم أيضاً «هناك مستقبل» و«إسرائيل بيتنا»، لأن لابيد وليبرمان لديهما أجندات سياسية تتعارض بشكل أساسي مع الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة وقادتها. وإذا كان غانتس غير قادر على التصالح مع تشكيل حكومة تعتمد على «القائمة المشتركة»، فمن غير المرجح أن يكسر اليمين الآيديولوجي مثل ساعر هذا المحظور. من الممكن، بالنظر إلى أنهم ينتمون إلى نفس المعسكر الآيديولوجي، أن يوافق نتنياهو وساعر على تشكيل كتلة يمينية ضخمة، فتكون التزامات ساعر لمناهضة نتنياهو ضحلة كما أثبت غانتس. من الممكن أيضاً أن يكون نتنياهو قادراً على تشكيل ائتلاف بهوامش ضئيلة يتألف من الليكود والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة وحزب نفتالي بينيت اليميني «يامينا»، إذا نجح بينيت في استرجاع بعض الدعم المحافظ الذي خسره لصالح ساعر. بدلاً من ذلك، قد تكون المشاعر المعادية لنتنياهو قوية بما يكفي لإبراز ما قد يعد من أغرب «الرفقاء» السياسيين الذين شهدتهم السياسة الإسرائيلية على الإطلاق.

ومع ذلك، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنه بمجرد أن يهدأ الغبار وتصبح حسابات الائتلاف أكثر وضوحاً، لن تكون انتخابات 23 مارس المقبل، هي المرة الوحيدة التي يتوجه فيها الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع في عام 2021.

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط