أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

دوافع متعددة:

أسباب تجديد مبايعة عناصر "داعش" للبغدادي

12 أبريل، 2018


يمثل إعلان تنظيم "داعش" عن قيام عناصره بتجديد مبايعتهم لأبوبكر البغدادي، من خلال بيان نشره في 5 إبريل الجاري على عدد من المواقع الإليكترونية التابعة له، أول تجديد علني للولاء منذ خروج التنظيم من المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا خلال الأعوام الماضية، وتشتت قياداته وكوادره وتحولهم إلى مجموعات متفرقة، على نحو بات يثير تساؤلات عديدة حول الدلالات التي يطرحها ذلك، خاصة أنه يتوازى مع تصاعد حدة الأزمات التي يواجهها التنظيم في المرحلة الحالية.

لكن اللافت في هذا السياق، هو غياب المؤشرات التي تؤكد أن إعلان تجديد البيعة يعبر عن الاتجاه الأبرز داخل التنظيم، خاصة أن معظم قياداته وكوادره تفرقوا وانتقلوا إلى مناطق مختلفة بعد الهزائم التي تعرض لها داخل العراق وسوريا، على نحو يفرض عقبات متعددة أمام الحصول على مبايعتهم بشكل مباشر من جديد، لا سيما في ظل صعوبة فتح قنوات تواصل معهم، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن يكون الإعلان صادر عن قيادة التنظيم نفسه من أجل تحقيق أهداف عديدة خاصة بتعزيز تماسكه الداخلي.

توقيت لافت:

يأتي الإعلان عن تجديد عناصر "داعش" مبايعتهم للبغدادي في وقت تزايد فيه تأثير متغيرات عديدة على نفوذ ونشاط التنظيم. إذ أنه يعانى من تراجع حاد، حيث فقد ما يقرب من 98% من الأراضي التي كان يسيطر عليها، ولم يعد يتواجد سوى في مناطق متفرقة داخل الدولتين. ورغم أنه يحاول مواصلة نشاطه واستعادة بعض المناطق عبر شن العديد من الهجمات الخاطفة، إلا أنه لم يحقق نتائج بارزة في هذا السياق.

كما يتزامن ذلك مع اتساع نطاق الدور الذي تقوم به بعض فروع التنظيم، مثل "ولاية خراسان" في أفغانستان و"ولاية غرب إفريقيا" (بوكو حرام سابقًا) في نيجيريا، وهو ما دفع اتجاهات مختلفة إلى ترجيح احتمال انتقال توازن القوى داخل التنظيم إلى أحد تلك الفروع، مثل "ولاية خراسان"، على نحو أثار قلقًا بالغًا لدى القيادة الحالية للتنظيم، التي تبدي تخوفات من احتمال الإقدام على إعلان البيعة لبعض قادة هذه الفروع، بحجة أن البغدادي محاصر وغير قادر على إدارة شئون التنظيم بشكل كامل كونه في حكم الأسير، بشكل قد يؤدي إلى افتقاده أهلية قيادة التنظيم خلال المرحلة القادمة.

دلالات مختلفة:

يكتسب هذا التطور أهميته من توقيته، حيث يطرح دلالات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- الحفاظ على الهيكل التنظيمي: يهدف تنظيم "داعش" من خلال الإعلان عن تجديد البيعة للبغدادي فى ذلك التوقيت إلى المحافظة على ما تبقى من هيكله التنظيمي الذي وصل إلى مرحلة الانهيار، حيث يعد الإعلان بمثابة رسالة مفادها أن التنظيم قوى ومتماسك وقادر على البقاء وإدارة وضبط حدود العلاقة بين القيادة والكوادر، إلى جانب الإيحاء بأن عناصره لا تزال متمسكة بقيادته، وهى مزاعم قد لا تتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض.

كما يهدف هذا الإعلان إلى ترسيخ مكانة القيادة الحالية وضمان ولاء الفروع الخارجية لها، حيث أن تجديد البيعة يعنى ضرورة التمسك بالبغدادي وتنفيذ توجيهاته في الداخل والخارج، وربما يشير ذلك إلى أن هذا الإعلان صادر بالفعل عن قيادة التنظيم الحالية، من أجل تعزيز نفوذها، خاصة وأنها تسيطر على كل الوسائل الإعلامية، وكانت حريصة على عدم نشر تقارير أو بث مقاطع فيديو تظهر مبايعة المجموعات المختلفة للبغدادي.

2- تجنب الانشقاق: وهو احتمال قائم بشكل كبير، بسبب الهزائم الكبيرة التي تعرض لها التنظيم في المناطق الرئيسية التي سيطر عليها في الأعوام الماضية، والتي يمكن أن تدفع بعض قياداته وكوادره إلى الانشقاق من أجل تكوين مجموعات أو تنظيمات فرعية أخرى أو الانضمام إلى بعض التنظيمات القائمة والمنافسة للتنظيم، والتي ما زالت تنشط داخل بعض المناطق في سوريا تحديدًا.

وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن عمليات الإعدام التي طالت بعض قيادات وعناصر التنظيم الذين اتهموا بمحاولة الانشقاق فرضت تداعيات عكسية، حيث أدت إلى تصاعد هذه الظاهرة خلال الفترة الأخيرة، بشكل ساهم في تراجع تأثير ونفوذ التنظيم.

3- إعادة تنظيم الصفوف: يسعى "داعش" في المرحلة الحالية إلى إعادة تنظيم صفوفه من جديد للتعامل مع المعطيات الجديدة التي أنتجتها الخسائر التي تعرض لها في الفترة الماضية، في ظل انخراطه في معارك مسلحة على أكثر من جبهة وضد أطراف متعددة سعت إلى إخراجه من المناطق التي سيطر عليها في السابق.

ومن هنا، يحاول التنظيم استغلال مثل هذه الآليات في إقناع بعض المجموعات الفرعية والخلايا النائمة بمواصلة الولاء لقيادته الحالية، وعدم الإقدام على الانشقاق، بشكل سوف يوجه ضربة قوية للتنظيم، ويخصم من قدرته على تفعيل نشاطه من جديد داخل الدولتين.

4- تحفيز الإرهابيين: خاصة أن الهزائم العسكرية التي تعرض لها أثرت على الحالة المعنوية لقياداته وكوادره، لا سيما بعد ما تبين أن التنظيم فشل في تحقيق الأهداف الرئيسية التي تأسس من أجلها واستطاع عبرها استقطاب عدد كبير من عناصره.

وقد فرض ذلك تداعيات مباشرة على العديد من المجموعات الداخلية والتنظيمات الفرعية في الخارج التي رجحت أن تتعرض بدورها لضربات عسكرية قوية من جانب القوى والأطراف المعنية بالحرب ضد الإرهاب في الفترة القادمة. وهنا، ربما يكون التنظيم قد تعمد نشر هذا الإعلان من أجل إقناع تلك التنظيمات والمجموعات بتجديد الثقة في قيادته الحالية.

وفي النهاية، ربما يمكن القول إنه رغم أن هذه الخطوة قد تكشف عن تراجع نشاط ونفوذ التنظيم، إلا أنها تؤشر في الوقت نفسه إلى أنه قد يسعى إلى تنفيذ عمليات إرهابية نوعية خلال المرحلة القادمة، من أجل تعزيز قدرته على دعم تماسكه الداخلي وتجنب استمرار ظاهرة الانشقاقات التي تصاعدت في الفترة الماضية.