أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

إدانة دبلوماسية:

دلالات تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار الأزمة الأوكرانية

28 فبراير، 2022


استخدمت روسيا في مجلس الأمن الدولي حق النقض ضد مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة وألبانيا يستنكر "بأشد العبارات عدوانها على أوكرانيا"، ويدعوها إلى سحب قواتها من هذا البلد "فوراً". وصوّتت 11 عضواً من أعضاء المجلس الـ 15 لصالح النص في 25 فبراير، بينما امتنعت عن التصويت الدول الثلاث الباقية وهي الصين والهند والإمارات العربية المتّحدة.

ملاحظات أساسية:

تجدر الإشارة إلى ملاحظات أساسية حول مشروع القرار الأمريكي – الألباني، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- تخفيف واشنطن لغة القرار: كان من الواضح أن الولايات المتحدة تسعى إلى ضمان أن يتم تمرير القرار بأقل قدر من المعارضة، وهو ما وضح في تأكيد دبلوماسي إنّه تمّ التخفيف من لهجة مشروع القرار قبل ساعات من التصويت عليها، وذلك من أجل "ضمان" أن تمتنع الصين والهند عن التصويت بدلاً من أن تصوّت ضدّ النصّ.

وتمثلت أبرز البنود المعدلة في تخفيف مشروع القرار الذي تمّ التصويت عليه كلمة "يدين" إلى "يأسف المجلس"، وبطبيعة الحال، فإن الإدانة هو لفظ قانوني يعني أن السلوك الذي تبنته موسكو هو سلوك يخالف القانون الدولي، أما لفظ "الأسف" فلا يحمل هذه الدلالة، أي أن القرار خرج من دون أي إدانة رسمية للموقف الروسي من الأزمة. 

كما حذفت منه أيضاً الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة، وهو نص حتى لو تم إقراره كان من المستحيل في الواقع العملي أن يتم تنفيذه، إذ لن تجرؤ أي دولة في العالم على محاربة روسيا، بما في ذلك الولايات المتحدة، والتي أعلنت مراراً أنها لن تتدخل في صراع عسكري مع روسيا حول أوكرانيا، وذلك حتى لا تندلع حرب عالمية ثالثة.  

2- محاولة إظهار العزلة الروسية: كان استخدام موسكو حق النقض متوقعاً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاوروبية، ولذلك فإن السياسة الأمريكية كانت تهدف من عقد الجلسة إظهار مدى عزلة روسيا وتكديرها سياسياً، وبلورة موقف دولي واسع يستنكر ويعارض العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا لا التوصل إلى قرار له جوانب عملية يمكن أن تواجه العملية العسكرية، أو تضغط على روسيا من أجل أن تتراجع عن قرارتها.

ويلاحظ أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة سعت لإظهار أن الموقف الروسي بذلك يخالف الإجماع الدولي، إلا أنه من الملحوظ أن السياسة الأمريكية دأبت في السابق على اتباع الموقف الروسي نفسه في قضايا أخرى، فقد استخدمت الولايات المتحدة، في ديسمبر 2017، "الفيتو" رقم 43 لصالح إسرائيل، بعد تصويتها ضد مشروع قرار مصري يرفض إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها من تل أبيب. وصوتت 14 دولة، خلال جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي بناء على طلب من مصر، على مشروع القرار المصري الذي رفضته واشنطن وحدها.

واستمراراً للسياسة الأمريكية الرامية إلى إظهار عزلة الموقف الروسي، أصدرت 50 دولة، في 25 فبراير، بياناً مشتركاً أدانت فيه استخدام روسيا حق النقض "الفيتو" خلال جلسة بمجلس الأمن منع صدور قرار دولي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا. وتسعى واشنطن من ذلك الأمر إلى محاولة إيجاد موقف دولي مناهض لروسيا، ولكن بطبيعة الحال، فإن عدد هذه الدول يقل عن ربع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والمقدر بحوالي 193 دولة. 

أسباب الامتناع: 

يلاحظ أن ثلاث دول امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- الصين: يأتي امتناع الصين عن التصويت نتيجة طبيعية للمواقف الصينية السابقة من الأزمة، والتي رفضت الهجوم الروسي على أوكرانيا، باعتباره غزواً، فضلاً عن تأكيد الصين في أكثر من مرة على ضرورة تفهم "الهواجس الأمنية المشروعة" لروسيا، في إشارة إلى مطالبة موسكو بضرورة امتناع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي عن التمدد باتجاه الأراضي الروسية، خاصة أن بكين تعاني من السياسات الأمريكية نفسه، خاصة بعد تأسيس واشنطن تحالف أوكوس في مواجهة الصين.

كما يأتي الموقف الصيني اتساقاً مع اتفاق موسكو وبكين في البيان المشترك الصادر عنهما في 4 فبراير، والذي يعبر عن شراكة "بلا حدود"، ويتضمن دعم الدولتين لمواقفهما حيال أوكرانيا وتايوان مع وعود قطعتها كل منهما للأخرى بالتعاون في مواجهة الغرب. ولا شك أن الصين تدرس مدي إمكانية تكرار التجربة الروسية مع أوكرانيا في حالة تايوان إذا ما عجزت واشنطن عن تبني أي سياسات فاعلة في الرد على العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا. 

2- الهند: يكشف السياسة الصينية عن استمرار رافد سياسة "عدم الانحياز" في السياسة الخارجية الهندية. وعلى الرغم من وجود مؤشرات على تغاضي الهند عن مبدأ عدم الانحياز في بعض الحالات، كما في انضمامها للتحالف الرباعي مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان "الكواد" في مواجهة الصين، فإن ذلك الموقف يرتبط بوجود هواجس أمنية لدى الهند من الصين بسبب الخلافات بينهما في أكثر من ملف.

ومن جهة أخرى، فإن العلاقات الدفاعية الوثيقة بين الهند وروسيا يجعل هناك حدوداً على قدرة نيودلهي في إدانة موسكو، وهو الأمر الذي يبدو أن واشنطن تتفهمه تماماً.

3- الإمارات العربية المتحدة: شددت السفيرة لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون السياسية المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة في نيويورك، على ضرورة الامتثال للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة كأساس للحوار. كما طالبت مندوبة دولة الإمارات بالتهدئة في أوكرانيا ووقف الأعمال العدائية وأن تظل القنوات الدبلوماسية مفتوحة.

ويتسق الموقف الإماراتي مع مواقف الدول العربية التي تبنت مواقف معلنة من هذه الأزمة، إذ يلاحظ أن ثلاث دول عربية فقط، هي التي أصدرت تصريحات علنية حيال الأزمة، حتى الآن، وتحديداً مصر والأردن وقطر. ويلاحظ أن مضمون مواقف الدول الثلاث لم يخرج عن التعبير عن قلق من تطورات الوضع، والدعوة لتهدئة الأزمة من خلال الحوار والطرق الدبلوماسية. 

الخطوة التالية: 

أعلنت الولايات المتحدة أنها سوف تأخذ مشروع القرار إلى الأمم المتحدة، حيث لا تتمتع فيه روسيا بحق الفيتو، ويمكن توضيح دلالات هذه الخطوة على النحو التالي: 

1- قرار غير ملزم: يلاحظ أن القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي قرارات غير ملزمة، فهي لا تعبر سوى عن مواقف دبلوماسية. ولا تلزم إلا الدول التي صوتت عليها، ولذلك، فإنه لن يترتب على هذه الخطوة في نجاح واشنطن عن الحصول على تأييد المجتمع الدولي لصالح فرض عقوبات جماعية على روسيا، إذ إن نطاق هذه العقوبات سوف يظل مرتبطاً بالدول الغربية، إلى جانب نيوزيلاندا وأستراليا واليابان. 

2- معضلة أمريكية: يلاحظ أن واشنطن احتاجت إلى تخفيف لغة القرار من أجل ضمان عدم تصويت الصين ضده. وسوف تواجه واشنطن العقبات نفسها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ لا يتوقع أن يتجه عدد كبير من الدول إلى تبني قرار مناوئ لموسكو، لو تضمن لغة أكثر حزماً، وهو الأمر الذي سوف يضعف الموقف الأمريكي، فهي أمام خيارين، وهما إما تخفيف لغة الإدانة ضد روسيا، من أجل ضمان تصويت أكبر عدد من الدول لصالحه، وبذلك يخرج قرار ضعيف لا يرضي طموح أوكرانيا، أو تشديد لغة القرار، ومن ثم امتناع العديد من الدول عن التصويت عليه، وهو ما يمثل انكشافاً للموقف الأمريكي من الأزمة، إذ سيظهر أن العديد من الدول لا تتبنى المواقف الأمريكية نفسها. 

وفي الختام، يبدو في النهاية أن الموقف الأمريكي في مجلس الأمن يهدف بشكل أساسي إلى تبني مواقف دبلوماسية وإعلامية ضد موسكو، وهو بذلك لن يفرض أي قيود عملية على العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، ولا يتوقع أن يؤدي نقل مشروع القرار من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أي نتائج مختلفة.