أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مؤشرات مقلقة:

دلالات أول حكومة تصريف أعمال في عهد طالبان

12 سبتمبر، 2021



كشفت طالبان في 7 سبتمبر عن قائمة بأعضاء حكومة تصريف الأعمال، والتي ضمت 33 شخصاً، فيها أسماء رئيس الوزراء ونائبيه والوزراء ورؤساء بعض الإدارات المستقلة. وأكدت طالبان أنها سوف تكون حكومة انتقالية، وإن لم توضح موعد الإعلان عن الحكومة الدائمة. وأجلت حركة طالبان إعلان الحكومة حتى القضاء على المقاومة في بنجشير، وهي آخر معاقل المعارضة المسلحة في أفغانستان، بقيادة أحمد مسعود، والذي دعا بدوره إلى انتفاضة جميع الأفغان احتجاجاً على ممارسات طالبان.

ملاحظات أولية على الحكومة:

يمكن إبداء عدد من الملاحظات على التشكيل الحكومي الذي أعلنته حركة طالبان، وذلك على النحو التالي: 

1- هيمنة البشتون على المناصب الرئيسية: هيمنت إثنية البشتون على المناصب الرئيسية في الحكومة الأفغانية الجديدة، في حين جاء تمثيل الجماعات العرقية الأخرى محدوداً، إذ إن رئيس الوزراء المولوي محمد حسن أخوند ونائبه الملا عبدالغني برادر ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والإعلام والكهرباء والمياه والتعليم العالي وشؤون المهاجرين، ورئيس جهاز الاستخبارات، ورئيس البنك المركزي كلهم من البشتون. 

وعلى الجانب الآخر، ينتمي بعض أعضاء الحكومة إلى الأوزبك، مثل الملا عبدالسلام حنفي، القائم بأعمال نائب رئيس الوزراء، والطاجيك، مثل قاري فصيح الدين، القائم بأعمال رئيس الأركان، وقاري الدين محمد حنيف، القائم بأعمال وزير الاقتصاد، غير أنهم في المقابل ينتمون سياسياً وأيديولوجياً إلى حركة طالبان. فيما تم استبعاد الشيعة الهزارة من أي مناصب في هذه الحكومة، في مؤشر على استمرار مناصبة الحكومة الجديدة العداء للشيعة. 

2- استبعاد القوى السياسية الأخرى كافة: يلاحظ أن حركة طالبان قد تراجعت عن تعهداتها الأولية التي أعلنتها على لسان الملا عبدالغني بردار، والذي أعلن أن طالبان تسعى لتشكيل "حكومة شاملة تمثل كل الشعب الأفغاني"، إذ لم يتم تمثيل أي من القوى السياسية الأخرى في أفغانستان، فلم يحصل الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، أو رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في الحكومة السابقة، عبدالله عبدالله، على أي مناصب بالحكومة الجديدة، على الرغم من انخراطهما في محادثات مكثفة مع قيادة طالبان. 

وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون مبرراً في ظل انتمائهما للحكومة السابقة، غير أنه تم استبعاد قلب الدين حكمتيار كذلك، زعيم الحزب الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، والمقرب من الاستخبارات الباكستانية والتركية، والذي لم يكن عضواً في الحكومة السابقة. وربما يؤشر ذلك على قلق الحركة من القوى السياسية كافة التي ترتبط بعلاقات قوية بدول أخرى، خاصة أن حكمتيار كان يحصل على دعم من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في فترة الثمانينيات لقتال الاتحاد السوفييتي.

وقد يكون التفسير الآخر المحتمل لهذا الاستبعاد هو وجود خلافات داخلية بين الجناح المعتدل داخل الحركة، والجناح المتشدد. ولعل ما يضفي صدقية على هذا التحليل هو زيارة رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية (ISI)، الجنرال فايز حميد، والتي كان من ضمن أهدافها هو محاولة إقناع طالبان بتشكيل حكومة شاملة، وذلك قبل إعلان الأخيرة أعضاءها بثلاثة أيام، وهي الزيارة التي يبدو أنها لم تنجح كثيراً على هذا المستوى. 

وعلى الرغم من أن تشكيل حكومة شاملة كان مطلباً دولياً، فإن إعلان طالبان حكومة تصريف أعمال، سوف يسمح لها باستيعاب بعض المواقف الدولية الناقدة لاقتصار تشكيل الحكومة على قيادات طالبان والمقربين منهم، وذلك على أساس أنها حكومة مؤقتة، وليست دائمة. 

3- سيطرة قيادة طالبان على المناصب الرئيسية: تكشف القراءة الأولية إلى هيمنة الأشخاص المرتبطين بالملا محمد عمر على الحكومة الجديدة، وهو ما يتضح في أن الملا محمد حسن أخوند، رئيس الحكومة، كان مستشاراً سياسياً مقرباً من مؤسس حركة طالبان الراحل الملا محمد عمر، كما أن نائب رئيس الحكومة، الملا عبد الغني بردار، قد تولى منصب نائب وزير الدفاع خلال حكم الملا محمد عمر منذ عام 1996 حتى عام 2001. أما محمد يعقوب، وزير الدفاع في الحكومة الجديدة، فهو ابن الملا محمد عمر. كما عيّن المولوي أميرخان متقي، وزيراً للخارجية، وكان يشغل في السابق منصب وزير الإعلام في حكومة طالبان الأولى.

4- غياب منصب رئيس الدولة: أثيرت تكهنات بشأن تولي الزعيم الروحي لحركة طالبان، هبة الله أخوند زادة، منصب رئيس الدولة، أو حتى المرشد الأعلى للنظام الأفغاني الجديد، إلا أن تشكيلة الحكومة الجديدة لم تشر إليه. كما لم توضح من سيتولى منصب رئيس الدولة. ويلاحظ أنه بالتزامن مع إعلان أعضاء الحكومة، أعلنت طالبان ترأس زاده الحركة كأعلى سلطة مطلقة في البلاد.

5- إدراج بعض أعضاء الحكومة على قوائم الإرهاب: يقع معظم، إن لم يكن جميع، أعضاء الحكومة الجديدة، بمن فيهم القائم بأعمال رئيس الحكومة نفسه، على قوائم الإرهاب الأمريكية والأوروبية. ولذا طالب محمد نعيم، المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان، الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة رفع أسماء قادة حركة طالبان من قوائم الإرهاب والقوائم السوداء الأممية والأمريكية، معتبراً أن هذا المطلب يعد تطبيقاً لأحد بنود اتفاقية الدوحة الموقّع عليها بين حركة طالبان والولايات المتحدة، التي صدّق عليها مجلس الأمن ودول الجوار.

ويلاحظ أن أبرز أعضاء الحكومة الجديدة المصنفين على قوائم الإرهاب الأمريكية هو سراج الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني، والذي تولى وزارة الداخلية. ويعد حقاني مطلوباً من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "لهجمات دولية ضد الولايات المتحدة". 

والجدير بالذكر أنه في اتفاق الدوحة طلبت الولايات المتحدة من طالبان فك ارتباطها بالقاعدة، في حين أنها لم تطلب منها ذلك فيما يتعلق بشبكة حقاني، والمعروف أن الشبكة تتمتع بعلاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة، وقياداتها الحاليين والسابقين، بل وتوجه إليها اتهامات جدية بأن لها علاقات بداعش خرسان. 

6- استبعاد النساء من الحكومة: لم يتم تمثيل أي سيدات في الحكومة الجديدة، بل إن وزارة شؤون المرأة، والتي تم استحداثها في الحكومات التي تشكلت في ظل الاحتلال الأمريكي لأفغانستان قد تم حلّها. ويلاحظ أنه عشية إعادة فتح الجامعات الخاصة في أفغانستان، جاء في مرسوم صادر عن حكومة طالبان الجديدة أن على الطالبات ارتداء عباءة سوداء والنقاب، وأن عليهن متابعة الدراسة في صفوف غير مختلطة، وهو وضع لايزال أفضل من فترة حكم طالبان الأولى، والتي منعت التعلم للفتيات من الأساس.

7- عودة وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: يلاحظ أن الوزارة الأخيرة قد تم إلغائها بعد سقوط حكومة طالبان الأولى في عام 2001، قبل أن يتم استحداث "قسم أقل قوة" لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام 2006، وسط ضغوط من المحافظين على الرئيس الأفغاني حينها حامد كرزاي. ومن المثير للاهتمام أن هذه الوزارة الوحيدة التي لم تقم طالبان بترجمتها إلى الإنجليزية عند توزيع بيان تشكيل الحكومة على الصحافة الأجنبية، وهو ما يؤشر إلى حرص الحركة على الحفاظ على صورتها أمام المجتمع الدولي، خاصة أن هذه الوزارة كانت تتمتع بسمعة سيئة بسبب قيامها بتطبيق متطرف للشريعة الإسلامية، خلال فترة حكومة طالبان الأولى. 

تحديات الحكومة الجديدة

ستتوقف قدرة طالبان على حكم الدولة الأفغانية على عدد من العوامل، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- إدارة الاقتصادي الأفغاني: سوف تحتاج طالبان للانتقال من الحركة المتمردة إلى الدولة أن تقوم بتنظيم الأنشطة الاقتصادية الرئيسية، لكي تحصل من خلالها على موارد لإدارة الدولة. ويلاحظ أن طالبان تواجه وضعاً مختلفاً تماماً عن فترة حكمها في التسعينات، فقد كان الشعب الأفغاني يقدر بحوالي 20 مليون نسمة، وكانت ميزانية حكومة طالبان في حدود 100 ألف دولار، أما الآن، فإن تعداد الشعب الأفغاني يقدر بحوالي 40 مليون نسمة، وكانت ميزانية الحكومة الأخيرة غير العسكرية حوالي 5.6 مليار دولار. 

ويلاحظ أن التقديرات تذهب إلى أن هناك حوالي 3 مليارات دولار من الميزانية الأفغانية كانت تضيع بسبب الفساد والاختلاسات، وهو ما يعني أن الحركة سوف تكون في حاجة إلى توفير 2.6 مليار دولار، على الأقل، لإدارة الأوضاع المدنية فقط. 

كما سوف يتوجب عليها النظر في عدد من الأنشطة غير الشرعية التي كانت تتم في مناطق سيطرتها وأن تقوم بتقنينها، مثل التعدين في ولاية بدخشان وقطع الأشجار في كونار، وإذا كان تقنين هذه الأمور لا يمثل تحدياً كبيراً، فإن التحدي الأكبر هو في كيفية التعامل مع إنتاج المخدرات.

ففي حال اتجهت طالبان لحظر زراعة الخشخاش، فإنها سوف تفقد الموارد المالية التي تؤهلها لحكم أفغانستان، خاصة في ضوء تجميد الولايات المتحدة الاحتياطي النقدي للبلاد، والمقدر بحوالي 9 مليارات دولار، كما أن 75٪ من ميزانية الدولة الأفغانية كانت تأتي في صورة معونات من الدول الغربية، وليس من الواضح كيف ستعوض طالبان هذه الموارد المالية، ما لم تنفتح على إقامة علاقات مع قوى أخرى، مثل الصين، فضلاً عن الحفاظ على حد أدنى من العلاقات مع الغرب لعدم قطع المعونات الدولية تماماً. كما أن نجاح الحركة في إدارة الأوضاع الاقتصادية سوف تعني منع تحول أفغانستان إلى دولة فاشلة، تفتح الباب أمام تدخل أجنبي، واندلاع حرب أهلية جديدة. 

2- هروب الكفاءات الوطنية: ترتب على سيطرة طالبان على كامل أفغانستان هروب العديد من الكفاءات الوطنية والتكنوقراط، وليس من الواضح تداعيات ذلك على قدرة طالبان على تقديم الخدمات الأساسية، مثل توصيل الكهرباء أو المياه، وكذا معالجة القضايا المعقدة، مثل وضع سياسات الاقتصاد الكلي أو معالجة حالات الجفاف.

ولذلك ستحتاج الحركة إلى التكنوقراط والمساعدات الأجنبية من خلال المنظمات غير الحكومية لضمان تقديم الخدمات، ولكن مع ورود تقارير بشأن بعض العمليات الانتقامية التي تقوم بها الحركة، فقد يواصل التكنوقراط الفرار.

3- انقسام حركة طالبان: قد يأتي التهديد الأكثر أهمية لنظام طالبان من داخلها، إذ إن الحركة تضم عدداً كبيراً من القوى والحركات والقبائل. وسوف تحتاج قيادة طالبان إلى إرضاء هذه الجماعات، سياسياً واقتصادياً، من أجل ضمان ولائهم. 

وقدّمت الحركة وعوداً بحظر زراعة الخشخاش، ولكن قد يترتب على هذا الأمر تداعيات سلبية في ظل اعتماد العديد من الشرائح الاجتماعية الداعمة لطالبان على هذه الزراعة، بل إن مثل هذا الحظر سيقضي على دخل القيادات الوسطى من حركة طالبان، ومقاتليها، كما أن الولايات المتحدة أثناء احتلالها أفغانستان قد تراجعت عن جهودها لمكافحة زراعة الأفيون، حتى لا تخسر دعم القوى المجتمعية الأفغانية لصالح طالبان.

4- الحصول على اعتراف المجتمع الدولي: سيتعين على حكومة طالبان الجديدة التصرف بصورة منضبطة من أجل أن تكسب الاعتراف الدولي، وأن تحصل على المساعدات الدولية، وكذلك احتياطي البنك المركزي الأفغاني في واشنطن، بالإضافة إلى الدخول في علاقات اقتصادية وتجارية مع دول العالم. وفي حين أن الولايات المتحدة والدول الغربية تتعامل مع طالبان، حتى الآن، فإنها لم تمنحها الاعترف بعد، في حين اتجهت دول أخرى للاعتراف بالحركة، على غرار روسيا والصين.