أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

علاقة جدلية:

تصاعد ظاهرة محاكاة مشاهد "الدراما العنيفة" بالمنطقة

13 يناير، 2017


بدأت أحداث العنف التي تشهدها العديد من دول العالم، ومنها بعض دول الشرق الأوسط، والتي يتشابه بعضها، بدرجة كبيرة تصل، في بعض الأحيان، إلى حد التطابق مع عدد من المشاهد الدرامية المحلية والعالمية، تطرح جدلا مجتمعيًا وفنيًا واسعًا داخل تلك الدول حول مدى تأثير الدراما على ظاهرة العنف، اللفظي والجسدي، داخل المجتمعات وأسباب تفاقم هذه الظاهرة خلال الفترة الأخيرة.

فقد شهدت دول عديدة بالمنطقة تقليدًا لبعض أحداث العنف التي تضمنتها الدراما التي تعرض على شاشات بعض وسائل الإعلام، سواء كانت دراما محلية أو عالمية، بشكل بات يثير استياءً واضحًا بسبب تدني مستوى المحتوى الدرامي، وسعى القائمين على إنتاج هذا النوع من الدراما إلى تحقيق أرباح سريعة، بدعوى أن هذه الأعمال ذات جماهيرية عالية، وشعبيتها في بعض المجتمعات تفوق الحملات التي يشنها النقاد والمثقفون ضدها.

وبعبارة أخرى، فإن تعمد منتجي هذه النوعية من الدراما تسليط الأضواء على القضايا ذات الطابع الجنائي، على غرار الاتجار بالمخدرات والإدمان وتهريب الأسلحة والخروج على القانون وعلى تضمين تلك الأعمال أكبر قدر من مشاهد العنف الجسدي واللفظي، يهدف إلى استقطاب بعض الفئات الاجتماعية، لا سيما الشباب والأطفال، لمشاهدة تلك الأعمال، بالتوازي مع عدم الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تساعد في تنمية الوعي المجتمعي والأخلاقي لدى تلك الفئات.

مؤشرات مختلفة: 

قدمت أعمال الدراما في بعض الدول، خلال السنوات الماضية، نماذج عدة لأشخاص يمارسون العنف أو يقعون ضحية له، بشكل دفع بعض الأطفال والمراهقين إلى محاولة تقليدهم، فانتشرت حوادث الانتحار لأطفال أفاد ذووهم بأنهم كانوا يحاولون تقليد أبطال بعض المسلسلات. وقد أجريت دراسات عديدة أشارت إلى أن هناك علاقة طردية بين تعرض الأطفال تحديدًا لمشاهد العنف في الأعمال الدرامية وبين سلوكياتهم الاجتماعية، التي تتسم بطابع عنيف في بعض الأحيان.

كما احتوت بعض الأعمال الدرامية على كم كبير من مشاهد العنف ضد بعض الفئات المجتمعية، وهو ما بدأت اتجاهات عديدة في التحذير منه، على غرار لجنة رصد دراما رمضان التي شكلتها لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة في مصر، والتي أصدرت تقريرًا، في يوليو 2016، كشفت فيه أن المرأة تعرضت في المسلسلات التي عرضت في هذا الشهر إلى نحو 1607 مشاهد للعنف.

كما أصدرت الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري في تونس بيانًا، في يوليو 2015، أكدت فيه أن "بعض الأعمال الدرامية جاءت محملة بنسبة كبيرة من العنف بجميع أنواعه، وهو ما من شأنه التأثير سلبيًا على فئات واسعة من المشاهدين وخاصة الشرائح الاجتماعية الهشة، خاصة الأطفال والمراهقين".

وقد أشارت صحف جزائرية في عام 2012 إلى أن عدد الأطفال الذين أقدموا، خلال فترة قصيرة، على الانتحار بالطريقة التي عرضها أحد المشاهد في الحلقة الأخيرة للمسلسل الكرتوني الشهير "المحقق كونان" وصل إلى نحو 15 طفلا في مختلف أنحاء البلاد.

بينما تُعد حادثة تقليد مشهد في أحد المسلسلات المصرية بإحدى المحافظات المصرية عرض في منتصف عام 2016، نموذجًا صارخًا لتأثير الدراما على مستوى العنف المجتمعي، حيث أجبر مواطنون رجلا على ارتداء ملابس نسائية، وتصوير مقطع فيديو له، ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب خلافات شخصية.

واللافت أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي ربطت بين انتحار السوري جابر البكر، المشتبه به في محاولة تفجير إحدى محطات القطار في ألمانيا في زنزانته في أكتوبر 2016، وبين المسلسل الأمريكي "هوملاند" الذي أشار إلى أحداث مشابهة.

أسباب متعددة:

في ظل ما يسود من افتراضات نظرية تقضي بأن الدراما هى مرآة عاكسة لواقع المجتمع، تؤثر فيه ويؤثر فيها، فإن التطبيق يعكس بشكل كبير جدلية هذه العلاقة بين الدراما والمجتمع، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أسباب تزايد تأثير الدراما على العنف داخل المجتمعات في المنطقة، وذلك على النحو التالي:

1- إبداء فئات عديدة داخل بعض المجتمعات استعدادًا للتجاوب مع ما يشاهدونه من عنف درامي: وهو ما تعيده اتجاهات عديدة إلى التكوين الشخصي، أو البيئة المحيطة التي يغلب عليها الفوضى وغياب القانون. وتتواجد تلك الفئات في بعض دول المنطقة، حيث تعاني تهميشًا اقتصاديًا وسياسيًا وتراجعًا في تقديم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. وهنا، فإن هذه الاتجاهات ترى أن التأثر بالدراما يبقى أحد عوامل انتشار العنف المجتمعي، لكنه يرتبط بمُحفِّزات أخرى، على غرار التنشئة الاجتماعية والظروف الاقتصادية المحيطة.

وقد تعرضت الدراما في العديد من دول المنطقة لخطر ما يسمى بـ"المناطق العشوائية"، التي تمثل، وفقًا لتقارير عديدة، مصدرًا لتصاعد حدة العنف وانتشار الإرهاب، غير أن زيادة التركيز عليها قد اتخذ مؤخرًا منحى مختلفًا، عندما وجد منتجو هذا النوع من "دراما العشوائيات" أنها تلقى قبولا وتحقق إيرادات عالية، لتصبح الأعمال الدرامية، في كثير من الأحيان، سببًا في الترويج لها بدلا من التحذير منها. كما يتزايد تأثير الدراما على معدلات العنف المجتمعي في المناطق التي يشتهر قاطنوها بحمل السلاح، أو تتزايد فيها أنشطة بعض المجموعات الإجرامية.

2- عدم إقرار القوانين اللازمة لحماية بعض الفئات المجتمعية: فعلى الرغم من حرص العديد من المواد الدرامية على مناقشة أوضاع المرأة والطفل، واحتياجهم، في كثير من الدول، إلى قوانين وتشريعات منصفة تحميهم من التعرض للعنف المجتمعي والتشغيل القصري، إلا أن هذا النوع من الدراما عادة ما يكون عاجزًا عن التأثير الإيجابي في بعض المجتمعات، خاصة مع استمرار غياب مثل هذه القوانين، بشكل يصبح من الصعب معه الحيلولة دون وقوع المزيد من أعمال العنف تجاه تلك الفئات.

فقد ركزت الدراما في بعض دول المنطقة على سلبيات العنف الأسري ضد المرأة والطفل، لكن ذلك لم يمنع استمرار ارتكاب أعمال عنف ضدهما، حتى مع وجود العديد من المنظمات الحقوقية النسائية التي لا تستطيع تغيير واقع تعرض نسبة كبيرة من النساء للعنف الأسري بدون وجود قوانين وتشريعات رادعة.

ورغم أن الدراما الإيرانية تركز على العنف الأسري ضد المرأة، إلا أن ذلك لم يفرض تداعيات إيجابية على الأخيرة، بسبب غياب النصوص التشريعية التي تفرض عقوبات ضد أعمال العنف الموجه ضدها.

3- تراجع الشعور بالانتماء لدى بعض الفئات: لا سيما في ظل انتشار  حالة من الاستقطاب السياسي في العديد من دول المنطقة، خاصة الدول التي تتصاعد فيها الصراعات المسلحة، ويتزايد داخلها نشاط التنظيمات الإرهابية التي نجحت في استمالة الفئات الأكثر عرضة لإحباطات اجتماعية واقتصادية، مما يجعل بعض عناصرها أكثر استعدادًا لارتكاب أعمال عنف سواء بتطبيق بعض الأفكار التي تحتويها المشاهد الدرامية العنيفة، أو بتنفيذ الآليات نفسها التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم "داعش"، الذي استطاع، بدرجة ما، توظيف وسائل الإعلام لخدمة أهدافه والترويج لتوجهاته من خلال مقاطع فيديو تظهر عنفه في مواجهة الدول والمجتمعات، بل إن نمطًا جديدًا بدأ يظهر في هذا السياق، ويتمثل في لجوء بعض الأفراد إلى التنظيمات الإرهابية بغرض الحصول على تمويل للقيام بأعمال عنف وإرهاب سواء داخل دولهم أو في دول أخرى. وقد بدا ذلك جليًا في إعلان السلطات الألمانية، في 2 يناير 2017، عن إلقاء القبض على لاجئ سوري يُشتبه في أنه كان يخطط للحصول على أموال من تنظيم "داعش" وشراء شاحنة لشن هجوم مشابه لحادث الدهس الذي تم تنفيذه في برلين. 

وفي النهاية، يُمكن القول إنه مع التسليم بأن ما تشهده المجتمعات من تغيرات وتطورات سياسية واجتماعية واقتصادية لابد وأن يُلقي بظلاله -على المدى الطويل- على ما تقدمه الأعمال الفنية من محتوى درامي؛ فإن تأثير الأخير على تلك المجتمعات بات حقيقة شديدة الوضوح، لا سيما فيما يخص مشاهد العنف، وذلك في ظل بروز ظاهرة محاكاة هذه المشاهد بكثافة في بعض دول المنطقة، الأمر الذي بات يستوجب تبني آليات رقابية تجاه المحتوى الفني غير المنضبط الذي يمكن أن يساعد في ارتفاع مستويات العنف داخل بعض المجتمعات.