أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

دعم أممي:

دلالات تأجيل الانتخابات التشريعية في ليبيا إلى يناير 2022

11 أكتوبر، 2021


أعلن مجلس النواب الليبي، في 5 أكتوبر 2021، عن تعديل موعد الانتخابات في ليبيا، لتصبح الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر المقبل، وإجراء الانتخابات التشريعية بعدها بثلاثين يوماً ليصبح موعدها الجديد في يناير 2022، وذلك بعد أن كانت مقررة في يوم الانتخابات الرئاسية نفسه، وهي خطوة جديدة يتخذها البرلمان الليبي على طريق استكمال خريطة الطريق السياسية بالموافقة على قانون الانتخابات البرلمانية.

يكتسب إقرار البرلمان لقانون الانتخابات البرلمانية أهمية خاصة؛ نظراً لعدة أمور رئيسية، من أبرزها أنه تم التصويت على هذا القانون بموافقة 70 - 75 عضو من إجمالي أعضاء البرلمان (200 عضو) الذين كانوا حاضرين هذه الجلسة بمدينة طبرق شرقي البلاد. 

ويستند قانون الانتخابات القادمة على قواعد الانتخابات البرلمانية الحالية، ولكن مع تغيير النظام الانتخابي من نظام التصويت الفردي بدلاً من القوائم النسبية. وأبقى القانون الجديد للانتخابات البرلمانية على العدد الحالي لأعضاء مجلس النواب البالغ 200 عضو، كما يلزم القانون الانتخابي مجلس النواب الجديد بإعادة النظر في عدد المقاعد وتمثيل الناخبين في الدوائر الانتخابية الـ13 في البلاد.

وجاء إصدار قانون الانتخابات البرلمانية بعد شهر من إقرار مجلس النواب، الذي تم انتخابه عام 2014، لقانون الانتخابات الرئاسية الذي يقضي بانتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر من الناخبين.

ردود فعل متباينة:

1- ترحيب أممي بالقانون: أعربت البعثة الأممية في ليبيا عن ترحيبها وتأييدها لهذه الخطوة، خاصة أن يان كوبيتش، المبعوث الأممي إلى ليبيا، قد حث البرلمان من قبل على سرعة الانتهاء من إعداد هذا القانون.

2- رفض المجلس الأعلى: أعلن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا رفضه لقانون الانتخابات البرلمانية الصادر عن مجلس النواب، وذلك على غرار رفضه أيضاً لقانون الانتخابات الرئاسية الذي أقره البرلمان في سبتمبر الماضي، وبرر ذلك على الأسس التالية:

‌أ- خرق الاتفاق السياسي: أن إصدار القانون يعد خرقاً للاتفاق السياسي المضمن في الإعلان الدستوري، فقد تم إصدار هذا القانون من دون الالتزام بنص المادة 23 من الاتفاق السياسي، التي تستوجب التوافق بين المجلسين حول هذا القانون.

ويصر المجلس على مشاركته للبرلمان في عملية وضع القوانين الخاصة بالانتخابات، بل ويحمل المجلس البرلمان المسؤولية الكاملة عن أي تعطيل، أو تأجيل لموعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتفق عليه في 24 ديسمبر المقبل، في حين يؤكد البرلمان أنه السلطة الوحيدة المنتخبة من الشعب التي يحق لها إعداد مثل هذه القوانين.

‌ب- رفض ترشيح حفتر: يرفض المجلس الأعلى للدولة قانون الانتخابات الرئاسية، خاصة تلك المادة المتعلقة بالسماح للمسؤولين الحاليين بالترشح لهذه الانتخابات بشرط استقالتهم من مناصبهم قبل ثلاثة أشهر من موعد إجراء هذه الانتخابات، وهو ما دفع بالمشير خليفة حفتر، رئيس الجيش الوطني الليبي، بتقديم استقالته وتكليف خليفته رئيس الأركان، عبدالرزاق الناظوري، لتولي مهام منصبه.

‌ج- محدودية الدعم للقانون: زعم عضو مجلس الأعلى للدولة، عبدالسلام الصفراني، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين أن قانون الانتخابات البرلمانية نكسة للديمقراطية، على أساس أن التصويت على بعض مواد القانون تم بحضور 20 نائباً فقط، وفقاً لزعمه. 

‌د- رفض الانتخاب الفردي: تتمثل أحد أسباب رفض الإخوان المسلمين للقانون هو أنه يعتمد نظام الانتخاب الفردي، وليس القوائم النسبية، وهو ما ترتب عليه خسارة الإخوان المسلمين لهذه الانتخابات. 

ويطالب الإخوان في المقابل بإقرار نظام انتخابي يعتمد على الأحزاب السياسية بحيث لا تقل حصة المقاعد المخصصة للأحزاب عن 70% من إجمالي مقاعد البرلمان. وفي حقيقة الأمر، فإنه أياً كان النظام الانتخابي المتبع، فإنه لن يترتب عليه تفاوت كبير في عدد الأصوات التي سيحصل عليها أي حزب من الأحزاب، وبالتالي، فإن الاعتراضات الإخوانية هي اعتراضات شكلية هدفها الأساسي عرقلة إجراء الانتخابات من الأساس في ضوء إدراكهم تراجع شعبيتهم في الشارع الليبي.  

دلالات سياسية:

يلاحظ أن تمرير قانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية قد كشف عن عدد من الدلالات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- إخفاق مشاورات الرباط: جاء إصدار مجلس النواب لقانون الانتخابات البرلمانية من دون الاتفاق أو التنسيق مع المجلس الأعلى للدولة، خاصة أن المجلسين قد عقدا جلسة مشاورات في هذا الخصوص بالرباط في 4 أكتوبر الجاري، إلا أن هذه المشاورات فشلت في التوصل لتوافق بين المجلسين بشأن كيفية أو آلية إقرار القوانين الانتخابية.

2- الاستجابة للضغوط: جاء إقرار مجلس النواب لقانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية استجابة للضغوط المتزايدة على المتسويين الداخلي والخارجي، من أجل تنفيذ بنود خريطة الطريق الأممية، لاسيما فيما يتعلق بانتخاب رئيس جديد وبرلمان جديد للبلاد بعد مرور عشر سنوات من الاضطراب السياسي والصراعات العسكرية داخل البلاد. 

كما يأتي الإعلان عن هذا القانون بعد إقرار الكونجرس الأمريكي قانون استقرار ليبيا الذي يتضمن فرض عقوبات على الجهات والأشخاص الذين يقومون بعرقلة إجراء الانتخابات القادمة، وهو ما دفع مجلس النواب لتسريع عملية إقرار هذه القوانين الانتخابية حتى يؤكد للإدارة الأمريكية حرصه على إجراء الانتخابات، وأن "الإخوان المسلمين" هم الذين يسعون لعرقلتها. 

وسبق وأن اتهمت واشنطن مجلس النواب بتأجيل إقرار القاعدة الدستورية التي سيتم إجراء الانتخابات القادمة على أساسها، كما شارك السفير الأمريكي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، في الاجتماعات الأخيرة بالرباط التي جمعت وفدي مجلسي الأعلى للدولة والبرلمان في الرباط، والتي هدفت إلى محاولة التوافق على القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات المقرر إجراؤها في ليبيا أواخر شهر ديسمبر المقبل.

3- فتح الباب أمام سحب المرتزقة: تزامن الإعلان عن قانون الانتخابات البرلمانية مع إعلان نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية الليبية، عن بدء إجراءات خروج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد. وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 6 أكتوبر الجاري، عن عودة 300 مقاتل سوري من ليبيا إلى تركيا. ويلاحظ أن إقرار قوانين الانتخابات وانتخاب حكومة ليبيا جديدة، غير محسوبة على الإخوان، سوف تعيد النظر في الوجود الأجنبي في ليبيا، وقد تتجه لإنهاء وجوده.

وعلى الصعيد الأفريقي دعا "مجلس السلم والأمن" التابع للاتحاد الأفريقي إلى ضرورة سحب المقاتلين الأجانب ولكن بطريقة منظمة ومنسقة وبشكل تدريجي مع تهديده بالكشف عن الشخصيات والجهات المتورطة في توريد السلاح إلى الداخل الليبي بهدف عرقلة مسار التسوية السياسية للأزمة الليبية، وهو ما يصب في مصلحة تأمين الأجواء الداخلية قبل موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في ديسمبر المقبل، ومن بعدها الرئاسية في يناير القادم.

4- الكشف عن المعرقلين: يأتي إعلان مجلس النواب لقانون الانتخابات البرلمانية القادم، ورفض المجلس الأعلى للدولة برئاسة القيادي الإخواني، خالد المشري له، ليؤكد أن "الإخوان المسلمين" هي التي تعرقل إجراء الانتخابات. 

وفي حالة استمرار رفض المجلس الأعلى للدولة قانوني الانتخابات، الرئاسية والبرلمانية، اللذين أيدتهما البعثة الأممية في ليبيا، فإنه سيصبح في خانة الجهات المعرقلة لإجراء الانتخابات، مما يعرضه للعقوبات الأمريكية المنصوص عليها في قانون دعم استقرار ليبيا.

5- إنعاش الاقتصاد الوطني: رأى خبراء الاقتصاد الليبيون أن إقرار مجلس النواب قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من شأنه أن يسهم بشكل مباشر في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية داخل البلاد، فعملية انتخاب رئيس جديد للدولة بشكل مباشر من قبل الشعب الليبي، وتوحيد السلطتين التشريعية والتنفيذية سوف ينعكس بشكل إيجابي على مناخ الاستثمار المحلي والأجنبي الذي تأثر طوال السنوات الماضية بغياب عامل الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.

وفي الختام، عكست ردود أفعال الإخوان المسلمين استمرار محاولتهم الرامية لعرقلة إصدار قانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إلا أن التأييد الأممي للقوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب والضغوط الأمريكية من شأنها فتح المجال أمام إجراء الانتخابات القادمة في موعدها المقرر، ونزع الشرعية عن أي محاولة لعرقلة إجرائها.