وجَّهت أجهزة الأمن العراقية ضربات قوية لقادة تنظيم "داعش" في الفترة الأخيرة، حيث أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في 3 فبراير الجاري، مقتل الإرهابي أبو حسن الغريباوي الذي كان يتولى منصب "قائد جنوب العراق" في تنظيم "داعش" والإرهابي غانم صباح المسئول عن نقل الانتحاريين وآخرين من العناصر الإرهابية. وقبل ذلك تمكنت السلطات العراقية، بالتعاون مع التحالف الدولي لمكافحة "داعش"، في 27 يناير الفائت، من استهداف الإرهابي جبار سلمان علي الذي يلقب بـ"أبو ياسر"، وكان يشغل منصب "والي العراق" و"نائب قائد التنظيم المركزي" أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وذلك في إطار عمليات "ثأر الشهداء"، التي انطلقت في 22 يناير الفائت، وأسفرت عن مقتل أربعة من قيادات التنظيم في العراق، حيث جاء ذلك في أعقاب العملية الإرهابية التي نفذها "داعش" في ساحة الطيران بوسط بغداد في 21 يناير الفائت، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 32 مدنياً وإصابة نحو 110 آخرين، عبر قيام أحد عناصر التنظيم، وهو أبو يوسف الأنصاري، بتفجير حزام ناسف بالسوق، وهى العملية الأولى التي ينفذها "داعش" بوسط بغداد منذ ما يقرب من ثمانية عشر شهراً والعملية الإرهابية الأولى من حيث استخدام نمط الهجمات الانتحارية منذ ثلاث سنوات، في وقت ارتفع معدل العمليات الإرهابية من قبل التنظيم في الساحة العراقية، والذي وصل إلى أعلى مستوى له منذ هزيمته في الموصل في يونيو 2017، وهو ما دفع الأجهزة والقوات الأمنية والعسكرية العراقية إلى تنفيذ العملية النوعية الأخيرة والتي أدت إلى مقتل أبرز قيادات التنظيم، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول تداعيات هذه العملية والمسارات المحتملة للمواجهة مع "داعش" خلال المرحلة القادمة.
أهداف عديدة:
تمكنت أجهزة الأمن والقوات العراقية عبر شن ضربات أمنية قوية، في 27 يناير الفائت و3 فبراير الجاري، من القضاء على أبرز قادة تنظيم "داعش" في العراق. وقد جاءت هذه العملية النوعية للسلطات العراقية بالتعاون مع التحالف الدولي لمكافحة "داعش" في إطار الحملة العسكرية والأمنية التي تشنها الحكومة ضد التنظيم تحت اسم "ثأر الشهداء". وتسعى الحكومة من خلال تلك العملية العسكرية إلى تحقيق ثلاث أهداف عسكرية وأمنية وسياسية يمكن تناولها على النحو التالي:
1- احتواء الاستياء الشعبي: سارعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عديدة من أجل احتواء الاستياء الشعبي الذي تصاعدت حدته بعد التفجيرات التي نفذها تنظيم "داعش" في 21 يناير الفائت، حيث تعرضت لانتقادات حادة، خاصة أن التفجيرات وقعت في وسط العاصمة. ومن هنا، يمكن القول إن القيادات الأمنية الجديدة التي عينها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي محل القيادات السابقة التي أقيلت بعد التفجيرات، تسعى إلى إثبات قدرتها على تكريس الأمن داخل العاصمة وتقليص قدرة التنظيم على تكرار مثل تلك العمليات من جديد، فضلاً عن إعادة الثقة للرأى العام، لاسيما مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في يوينو القادم.
2- إضعاف التنظيم: تحاول السلطات العراقية عبر تلك العملية متابعة ومطاردة خلايا التنظيم في العديد من المحافظات والحد من قدراته المتنامية خلال عام 2020، حيث سجل أعلى معدل لعملياته الإرهابية منذ سقوط معقله الرئيسي في الموصل في نهاية عام 2017. وبعبارة أخرى، فإن الهدف الأساسي للعملية الأمنية لا يكمن فقط في الرد على الهجمات الإرهابية التي وقعت في بغداد، وإنما يمتد أيضاً إلى توجيه ضربات استباقية للتنظيم تمنعه من محاولة تصعيد نشاطه من جديد على الساحة العراقية. واللافت في هذا السياق أن العملية الأمنية تركز على استهداف القيادات الرئيسية التي تمتلك الصلاحيات الخاصة بتحديد اتجاهات عمليات ونشاط التنظيم، وذلك من أجل إرباك الخطط التي يتبناها من أجل تحقيق أهدافه.
3- منع السيطرة المكانية: لا يمكن فصل تلك التحركات عن الجهود التي تبذلها الدولة من أجل منع "داعش" من العودة إلى السيطرة المكانية، وبالتالي تكرار ما حدث في مرحلة ما بعد منتصف عام 2014، وتحديداً ما حدث في كل من الموصل في العراق ودير الزور والرقة في سوريا. ويتوازى ذلك مع فرض السيطرة الأمنية على الحدود مع سوريا لمنع انتقال العناصر "الداعشية" عبر الحدود إلى الأراضي العراقية سواء لتنفيذ هجمات إرهابية أو للاختباء والاندماج وسط التجمعات السكانية بعد هزيمة التنظيم في الباغوز.
مسار محتمل:
على الرغم من النجاح النسبي للعملية العسكرية الجارية "ثأر الشهداء" ضد تنظيم "داعش"، إلا أن قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات إرهابية في الداخل العراقي ما زالت قائمة، خاصة أنه تبقى لديه القدرة على الاستقطاب والتجنيد نتيجة الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها بعض الميليشيات المسلحة ولاسيما الحشد الشعبي. وربما يسعى التنظيم كذلك إلى استغلال أى تراجع محتمل في دور التحالف الدولي ضده، خاصة في الفترة القادمة التي سوف تشهد إجراء الانتخابات البرلمانية، والتي أشارت تقارير عديدة إلى أن هناك مشاورات تجري للبحث في إمكانية تأجيلها لعدة شهور، لاسيما في ظل انشغال السلطات حالياً في جهود مكافحة التنظيم.
في النهاية، تأتي العملية العسكرية "ثأر الشهداء" في توقيت مهم بالنسبة للسلطات العراقية، في ظل التوتر الذي تتصاعد حدته على الساحة الداخلية العراقية، بسبب تنامي الاستياء الشعبي واستمرار الصراعات السياسية، واتساع نطاق نفوذ الميليشيات المسلحة. وقد انعكس ذلك في تصريحات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في 3 فبراير الجاري، والتي قال فيها أن "بعض القوى لعبت دوراً أدى إلى أن يكون العراق ساحة لتسوية حسابات"، مضيفاً أن "الحرب استنزفت منا الكثير وكانت السبب الرئيسي وراء الأزمة الاقتصادية. لم نستطع أن نبني أنفسنا طوال السنوات الماضية لأننا انحصرنا في زاوية واحدة".
وربما يزيد ذلك من احتمال استمرار تلك العملية من أجل تقليص قدرة "داعش" على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية خلال المرحلة القادمة، وقد يتم شن مزيد من العمليات المماثلة بالتعاون مع التحالف الدولي والقوى المعنية بالحرب ضد التنظيم.