تصاعدت حدة المنافسة بين المرشحين لانتخابات الدورة الثانية عشر لرئاسة الجمهورية الإيرانية التي سوف تجرى في 19 مايو 2017، خاصة بعد انتهاء المناظرة الثالثة بينهم قبل أسبوع من الانتخابات والتي أعقبها انسحاب كل من محمد باقر قاليباف واسحق جهانجيري. وقد بدا جليًا خلال المناظرة الثالثة التي نظمت في 12 مايو، وركزت على القضايا الاقتصادية، أن الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي يسعى إلى تجديد ولايته الرئاسية لأربع سنوات قادمة، حاول انتزاع زمام المبادرة من مرشح تيار المحافظين الأصوليين إبراهيم رئيسي المشرف على العتبة الرضوية في مدينة مشهد، من خلال التركيز على المخاطر التي يمكن أن تواجه إيران في حالة تطبيق السياسات الاقتصادية التي يتبناها المحافظون، والتي يمكن أن تؤدي، حسب رؤيته، إلى تكرار "نموذج فنزويلا" في إيران.
إذ أشار الرئيس الحالي إلى أن المرشحين الآخرين يعطون وعودًا بزيادة قيمة الدعم المادي للمواطنين، مؤكدًا أن ذلك ممكن لكنه قد يعيد إنتاج سيناريو الارتفاع الكبير في معدل التضخم في فنزويلا، ما يهدد، في رؤيته، الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، وهو ما يتوازى مع تزايد تحذيرات بعض المسئولين في الدولة تجاه إمكانية تعرض البلاد، خلال فترة الانتخابات وما بعدها، لموجة من العنف قد تفوق في مستواها ما حدث في عام 2009 عندما اندلعت احتجاجات من جانب تيار الإصلاحيين أو ما يعرف بـ"الحركة الخضراء"، بسبب الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في يونيو من هذا العام وأسفرت عن فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.
سياسة النجاديين:
فضلا عن ذلك، أعاد روحاني التأكيد على أن تلك السياسات تشبه إلى حد كبير الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، لا سيما فيما يتعلق بتقديم دعم نقدي للمواطنين، بشكل تسبب في ارتفاع معدل التضخم في عهد أحمدي نجاد إلى نحو 40%، قبل أن تساهم الخطوات التي تبنتها حكومة روحاني، بالتوازي دون شك مع الوصول للاتفاق النووي، في خفضه إلى نحو 9.5%.
تركيز روحاني على استحضار التجربة الاقتصادية لحكومة أحمدي نجاد لا يعود فقط إلى وجود مسئولين في تلك الحكومة في حملة المرشح الرئاسي إبراهيم رئيسي، أو اهتمام الأخير بمحاولة استقطاب مواطني المناطق الفقيرة، على غرار ما كان يفعل الرئيس السابق، بالتعاون مع الحرس الثوري الذي يساعده في حشد المواطنين للتصويت لصالحه في تلك المناطق، وإنما يعود أيضًا إلى حرصه على إلقاء مسئولية الفشل في معالجة المشكلات الاقتصادية التي تواجهها إيران حتى بعد الوصول للاتفاق النووي، على عاتق الحكومة السابقة، سواء فيما يتعلق بتسببها في رفع مستوى العقوبات الدولية المفروضة على إيران، خاصة منذ منتصف عام 2012، أو فيما يتصل بعدم التحرك للحيلولة دون حجز قسم من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج خلال عامي 2008 و2009، وتقدر بحوالي 3.6 مليار دولار.
وهنا، ربما يسعى الرئيس الحالي إلى تعزيز فرص إحداث انقسام داخل تيار المحافظين، من أجل استقطاب عدد من قادته وأنصاره لدعمه في الانتخابات وتقليص فرصة مرشحه في منافسته. وبعبارة أخرى، فإن روحاني يبذل جهودًا حثيثة من أجل الحصول على تأييد النخبة المحافظة التي تضررت من السياسات الاقتصادية للرئيس السابق، أو على الأقل تحييدها بما يعني دفعها إلى عدم دعم منافسه.
استقطاب الإصلاحيين:
كما يبدو جليًا أن روحاني يحرص على مواجهة الضغوط التي يمارسها خصومه السياسيون، خاصة فيما يتعلق بتراجع قدرة الحكومة على استحصال العوائد الاقتصادية والمالية التي كانت متوقعة بعد الوصول للاتفاق النووي، من خلال فتح ملفات الفساد والحريات السياسية خاصة فيما يتعلق بفرض الإقامة الجبرية على مير حسين موسوي ومهدي كروبي، المرشحين الخاسرين في انتخابات 2009.
وقد ركز روحاني في هذا السياق على مؤسستين رئيسيتين في النظام، هما السلطة القضائية والحرس الثوري، باعتبار أن إبراهيم رئيسي تولى مناصب قيادية في الأولى على غرار منصب المدعي العام، وأن الحرس الثوري يبذل جهودًا حثيثة من أجل دعم فرصه في الفوز بالانتخابات ومنع روحاني من تجديد ولايته الرئاسية.
فقد تعمد روحاني توجيه انتقادات قوية لرئيسي لعدم قدرة القضاء على مواجهة الفساد الذي كان منتشرًا في بعض مؤسسات الدولة، حيث استند في هذا السياق إلى بعض النماذج البارزة لحالات الفساد التي حظيت بدعم من جانب بعض مسئولي الدولة. كما اتهم الحرس الثوري بعرقلة الاتفاق النووي من خلال الكشف عن مواقع الصواريخ التي أنشأت تحت الأرض وكتابة شعارات تثير استياء الدول الغربية، في إشارة إلى الشعارات المناهضة لإسرائيل التي كتبت على بعض الصواريخ. ووجه أيضًا انتقادات غير مباشرة للحرس بدعم رئيسي عندما قال في تجمع انتخابي في 16 مايو 2017: "لا تذهبوا إلى المناطق النائية وتكذبوا على الناس، لا تجمعوا الناس في باصات، ولا تقدموا لهم وجبات غداء في قواعد عسكرية".
فضلا عن ذلك، حرص الرئيس الحالي على تحدي القيود الإعلامية المفروضة على الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي يمثل أحد أهم رموز تيار الإصلاحيين، من خلال نشر صورة على موقع "انستجرام" تجمعه مع الأخير إلى جانب هاشمي رفسنجاني، حيث علق عليها بقوله: "طريقنا هو الحرية".
ومن دون شك، فإن روحاني يسعى من خلال ذلك إلى تعزيز قدرته على استقطاب دعم تيار الإصلاحيين الذي صوت له في الانتخابات الرئاسية الماضية لكن تأييد بعض أقطابه لروحاني تراجع بعد ذلك، بسبب عزوفه عن فتح الملفات الخلافية الأبرز التي تحظى باهتمام خاص من جانبهم، على غرار رفع الإقامة الجبرية عن زعيمي "الحركة الخضراء"، مير حسين موسوي ومهدي كروبي.
وبالطبع، فإن عدم وجود خيارات أخرى أمام هذا التيار سوف يدفعه إلى دعم فرص روحاني في تولي فترة رئاسية جديدة، وهو ما انعكس في مطالبة مجلس التخطيط السياسي للإصلاحيين اسحق جهانجيري بالانسحاب لصالح روحاني.
ارتفاع نسبة المشاركة:
ورغم اتساع نطاق الانتقادات الحادة بين المرشحين خلال المناظرات الانتخابية الثلاثة، خاصة في ظل ما شهدته من تراشق غير معهود وصل إلى درجة إطلاق اتهامات متبادلة بالفساد، إلا أن النظام لم يتدخل لتقليص هذا الجدل. إذ أنه يرى أن هذا الصراع لا يخلو من تداعيات إيجابية، لا سيما أنه يمكن أن يساهم في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات، سواء لمؤيدي مرشح تيار المحافظين الأصوليين الذي يريد انتزاع منصب رئيس الجمهورية من جديد بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية الماضية، أو لمناصري مرشح تيار المعتدلين الذي يسعى إلى دعم احتمالات فوز روحاني وحصوله على فترة رئاسية جديدة لاستكمال تنفيذ برامجه السياسية والاقتصادية، التي واجهت عقبات عديدة في الفترة الرئاسية الأولى.
وبالطبع، فإن ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات (عدد الناخبين وصل إلى 56 مليون نسمة حسب إحصاءات لجنة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية)، يكتسب أهمية خاصة من جانب النظام، الذي يعتبر أن ذلك يعزز من شرعيته الداخلية، التي ما زالت تواجه إشكاليات عديدة لم يستطع حتى الآن تقليص حدتها، ويدعم موقعه في مواجهة الضغوط التي تفرضها التطورات الطارئة على الساحتين الإقليمية والدولية، خاصة في ظل المؤشرات التي تزيد من احتمالات تصاعد حدة التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية وربما عودة أزمة الملف النووي إلى مربعها الأول من جديد خلال فترة مع بعد إجراء الانتخابات وتحديد هوية الرئيس القادم لإيران.