أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تهديد قادم:

آليات مواجهة التمدد الإرهابي باتجاه دول خليج غينيا

06 يونيو، 2022


قتل ثمانية جنود توجوليين، على الأقل، وأصيب 13 في هجوم إرهابي في شمال توجو يوم 11 مايو، في واقعة هي الأولى في هذا البلد. وجاء هذا الهجوم الإرهابي في الوقت الذي ينتشر فيه الجيش في الشمال لمواجهة خطر تمدد عنف الجماعات الإرهابية الموجودة في بوركينا فاسو المجاورة. ولم يسبق أن شهدت توجو سوى هجوم وحيد في نوفمبر 2021.

تهديد خليج غينيا:

ظهر عدد من المؤشرات بشأن نجاح الجماعات الإرهابية في التمدد باتجاه دول خليج غينيا، والتي طالما حذر منها عدد من القادة العسكريين والسياسيين، وقد تبلور ذلك من خلال وقوع عدد من الهجمات الإرهابية في دول كانت مستقرة نسبياً، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- تحذيرات أمريكية وأوروبية: يلاحظ أن المخاوف من تمدد الجماعات الإرهابية إلى دول خليج غينيا ليس بجديد، فقد سبق وأن حذر مدير المديرية العامة الفرنسية للأمن الخارجي، برنارد إيمي، في فبراير 2020، من تمدد الجماعات الإرهابية إلى توجو وكوت ديفوار وبنين.

كما حذّر الأدميرال جيمي ساندز، قائد قوات العمليات الخاصة الأمريكية في أفريقيا، في مارس 2022، من استمرار توسع القاعدة عبر منطقة الساحل مع انتقالها إلى الدول الساحلية. وأشار منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى أن الهجوم الإرهابي في توجو في مايو يظهر أن التهديد الإرهابي ينتشر نحو دول خليج غينيا.

2- انتقال الإرهاب إلى توجو: تعرضت توجو لهجومها الأول على الإطلاق عندما هاجم مسلحون مركزاً أمنياً في قرية سانلواغا الحدودية الشمالية في 9 نوفمبر 2021. وفي 19 فبراير 2022، أصدر مسلحون تعليمات لسكان قرية لالابيجا في منطقة سافانيس للمغادرة خلال 72 ساعة، وذلك وفقاً لوزير الأمن والحماية المدنية في توجو "يارك دامهام".

وقامت مجموعة مدججة بالسلاح، في 11 مايو 2022، بنصب كمين لنقطة تابعة للجيش في محافظة كبندجال في توجو بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو، مما أسفر عن وقوع ثمانية قتلى و13 جريحاً في صفوف قوات الدفاع والأمن. وفي هذا السياق، أوضح محللون أمنيون أن الهجوم نفذه على الأرجح فرع محلي لتنظيم القاعدة مقره مالي، لكنه تمدد جنوباً في السنوات الأخيرة إلى بوركينا فاسو.

3- صعود نشاط داعش في بنين: شهد شمال بنين خمس هجمات إرهابية، لقي فيها ما لا يقل عن 11 شخصاً مصرعهم، بمن فيهم فرنسي كان عضواً في القوات الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن بنين شهدت حوالي خمس عمليات إرهابية خلال العام الماضي، فهي من أكثر دول خليج غينيا تضرراً من وجود حركة الجماعات الجهادية التي تنتمي إلى جماعة دعم الإسلام والمسلمين، وداعش بالصحراء الكبرى.

4- تنامي الهجمات الإرهابية في كوت ديفوار: قُتل أو جرح ما لا يقل عن 11 جندياً في هجمات متعددة شهدتها كوت ديفوار في النصف الأول من عام 2021. كما شهدت حوالي 13 هجوماً من قبل الجماعات المتشددة خلال 2021، وذلك وفقاً لمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية الممول من البنتاجون.

دوافع تمدد الإرهاب:

سعت الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية إلى التوسع جنوباً في غرب أفريقيا في عدد من الدول على حدود منطقة الساحل، وذلك للدوافع التالية:

1- نفاذية الحدود وسهولة اختراقها: تتسم الحدود بالهشاشة، خاصة في ضوء امتدادها لمساحات واسعة وصعوبة تضاريسها. وعلى سبيل المثال، تبلغ الحدود بين نيجيريا وبنين حوالي 700 كم، كما تنتشر في المناطق الحدودية بين بنين وكوت ديفوار الغطاء النباتي والغابات والمستنقعات، مما يوفر بيئة مناسبة لتنقل الجماعات الإرهابية.

كما وجهت دول المنطقة استثماراتها للمدن الكبرى، مع إهمال المناطق الحدودية، وهو ما يدفع الجماعات الإرهابية إلى استغلال إحباط السكان المحليين على الحدود الشمالية لبنين وكوت ديفوار. 

وفي بعض الأحيان شاركت الجماعات الإرهابية في الصراعات المجتمعية، وفي أوقات أخرى عن طريق الوعود بمساعدة الجماعات المحلية على الوصول إلى مناطق الصيد أو صيد الأسماك المحظورة، بل وتوفر أحياناً بعض الخدمات، بما في ذلك الأمن.

2- ضعف جيوش بعض الدول: كشفت التطورات الأمنية السابقة أن دول خليج غينيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مخططات الجماعات الإرهابية، غير أن القدرة الأمنية لدول المنطقة تعد متواضعة، إذ إن توجو وبنين يعتبران الأضعف في هذه الدول، فكلتا الدولتين لا يملكان جيشين بحجم غانا وكوت ديفوار المجاورتين، إذ لم يتم تصنيف جيشي بنين وتوجو أصلاً ضمن قائمة أقوى 140 جيشاً في العالم. 

وعلى سبيل المثال، بلغ تعداد جيش بنين نحو 11.1 ألف جندي وضابط فقط، مزودين بـأسلحة وعتاد منخفضة العدد على غرار 10 دبابات صينية، ونحو 47 مدرعة فرنسية وأمريكية وصينية من طرازات قديمة، بالإضافة إلى عدد قليل من طائرات الاستطلاع. وعلاوة على ما سبق، بلغ تعداد الجيش التوجولي، 11 ألف عنصر، ويملك 11 دبابة سوفييتية قديمة أغلبها خرجت عن الخدمة مثل "تي 34"، بالإضافة إلى نحو 50 عربة مدرعة.

3- تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية: يلاحظ أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية في توجو هدف رئيسي للعمليات الإرهابية، إذ تتسم توجو بأنها دولة هشة، حيث يعيش أكثر من 50٪ من سكان توجو تحت خط الفقر البالغ 1.25 دولار أمريكي في اليوم. كما أنها واحدة من أكثر البلدان تخلفاً في العالم، وفقاً لمؤشر التنمية البشرية. وفي عام 2021، انخفض متوسط العمر المتوقع في توجو 61.49 سنة لما لها من دلالة على انخفاض مستويات الرعاية الصحية، كما بلغ معدل الأمية بين مواطني الدولة حوالي 40٪.

4- توافر الموارد الطبيعية: يتمثل الهدف الرئيسي وراء تمدد الجماعات الإرهابية باتجاه ساحل غينيا في هو الوصول إلى موارد مالية جديدة. وعلى سبيل المثال، فإن دولة غانا تخشى أن تهدف الجماعات الإرهابية للسيطرة على مناجم الذهب في البلاد، حيث تقدر وكالات الاستخبارات الأمريكية أن عناصر القاعدة يبتزون عمال المناجم في الساحل، بما يوازي حوالي 20 مليون دولار نقداً، أو ذهباً كل عام. 

وبحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن أنصار تنظيم داعش في الصحراء الكبرى يديرون أيضاً مستودعات سرية في بنين وغانا وتوجو. وكشف مسؤولون أمنيون أوروبيون أن كلاً من تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، يستغلان الطرق الرعوية والتهريب في شمال غانا وبنين.

آليات المواجهة:

تسعى الدول الأفريقية في غرب أفريقيا إلى التكامل الإقليمي، والاستفادة من خبرات الدول الغربية، في إطار محاولة احتواء تفاقم مخاطر الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال عدد من الخطوات التالية:

1- إطلاق مبادرة أكرا: أطلقت مبادرة "أكرا" في سبتمبر 2017 من قبل بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغانا وتوجو استجابة لمشكلة تزايد انعدام الأمن المرتبط بالعمليات الإرهابية في المنطقة. وترتكز هذه المبادرة على ثلاثة محاور وهي: تدريب أفراد الأمن والاستخبارات، وتبادل المعلومات، والقيام بعمليات عسكرية مشتركة عبر الحدود للحفاظ على أمنها. 

وتجدر الإشارة إلى أن الاجتماعات تُعقد على مستوى رؤساء أجهزة الأمن والمخابرات، ووزراء الحكومة المكلفين بالأمن. وفي هذا السياق، أطلقت كل من بوركينا فاسو وكوت ديفوار وغانا وتوجو العملية العسكرية (Koudanlgou 4 Zone 2) في إطار مبادرة أكرا في نوفمبر 2021، والتي تضمنت نشر حوالي 6000 جندي، واعتقال 300 إرهابي مشتبه به.

ومن جهة أخرى، تواجه هذه المبادرة تحديات تمويلية وعملياتية، كما أن القوات العسكرية غير مجهزة تجهيزاً كافياً، فضلاً عن الافتقار إلى الأسلحة المتقدمة، مثل الطائرات المسيّرة المخصصة لمهام الاستخبارات والاستطلاع والمراقبة في المناطق الحدودية.

2- تدريبات عسكرية بقيادة أمريكية: أطلقت الولايات المتحدة البرنامج التدريبي السنوي للقوات الأفريقية على مكافحة الإرهاب لمساعدة الوحدات العسكرية في غرب أفريقيا على محاربة المسلحين ومواجهة تكتيكات حرب العصابات. 

فقد شارك نحو 370 جندياً من أربع دول أفريقية وسبع دول غربية في التدريبات التي استضافتها للمرة الأولى في بلد يقع على خليج غينيا وهي "كوت ديفوار"، ومن المقرر أن تستضيف غانا عام 2023.

3- فرص إعادة توزيع القوات الفرنسية: أعلنت باريس، في منتصف فبراير، أنها ستسحب قواتها من مالي وتعيد نشرها في أماكن أخرى في المنطقة، ولذلك أشارت التحليلات إلى إمكانية إعادة توزيع قوات برخان وتاكوبا المنسحبة من مالي في النيجر وخليج غينيا، لاسيما في ضوء إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هذا القرار.

وفي الختام، يمكن القول إن امتداد الإرهاب إلى دول خليج غينيا أصبح حقيقة واقعة في ضوء الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها توجو في مايو لتلقي الضوء على أن الفترة القادمة ستشهد المزيد من هذه العمليات، في ضوء حالة عدم الاستقرار التي تعصف بدول الساحل الواقعة على حدود دول خليج غينيا.