تعكس أوضاع الشباب في دول الإقليم، خلال النصف الأول من عام 2021، التفاعلات الجارية بمناطق الاشتعال في الشرق الأوسط، داخلياً وبينياً، وهو ما توضحه جملة من المؤشرات الدالة على ذلك مثل التجنيد في صفوف الميلشيات المسلحة، والانخراط في صفوف المرتزقة ببؤر الصراعات المشتعلة، وتنشيط دور الشركات الأمنية الخاصة في الساحة السورية، وتصاعد الطلب على الهجرة غير النظامية إلى الدول الأوروبية، وبدء متدرج لجهود تطوعية في إعادة إعمار المناطق المتضررة من سيطرة التنظيمات الإرهابية، وتعزيز دور الشباب في بناء الدول خلال مرحلة الانتقال السياسي.
إن هناك جملة من السياقات التي تعبر عن أن أحوال الشباب تمثل مرآة عاكسة لما يجري في الإقليم، خلال النصف الأول من عام 2021، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
سطوة الميلشيات
1- التجنيد في صفوف الميلشيات المسلحة: تشير العديد من التقارير الإعلامية إلى قيام الميلشيات الحوثية بحملات تجنيد في أوساط الشباب وصغار السن في 10 محافظات يمنية، بهدف تعزيز سيطرتها على ساحات القتال، وبشكل خاص في جبهة مأرب، وإن كانت تتخذ شعار "النصرة والجهاد لتحرير فلسطين" مدخلاً لها، لاسيما في ظل تصاعد المواجهات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
ووفقاً لما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 15 مايو الجاري، فإن القيادات الحوثية في محافظة إب نفذت خلال الفترة الماضية حملات تجنيد في صفوف الشباب بمديريات وقرى ريفية متعددة في المحافظة الخاضعة لسيطرتهم لإجبارهم على المشاركة في القتال الدائر تحت مزاعم "نصرة القضية الفلسطينية وتحرير المسجد الأقصى"، وهو ما استجاب إليه البعض، دون القدرة على تحديد الأعداد، التي رضخت تخوفاً من بطش الميلشيا. ولم يكن هذا السلوك هو الأول من نوعه الذي تتبعه ميلشيا الحوثي، إذ كانت هناك حملات تجنيد سابقة للشباب من صعدة وصنعاء وعمران وحجة، وهو ما يحدث عبر دورات تدريبية فكرية لزيادة "المقاتلين الجدد" في صفوفها.
كما تقوم الكتائب الإيرانية في مدينة حلب السورية بافتتاح مكاتب لتجنيد سوريين ضمن ميلشيا "كتائب الإمام علي" بالاتفاق مع وزارة الدفاع السورية، وهو ما توازى مع استقدام ميلشيا حركة "النجباء" العراقية التابعة لإيران تعزيزات عسكرية بما يدعم النفوذ الإيراني في حلب. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إيران تستغل الأوضاع الاقتصادية للشباب السوريين من ناحية وعدم قيامهم بأداء الخدمة العسكرية وتوتر علاقاتهم بنظام الأسد من ناحية أخرى، لتجنيدهم وتوفيق أوضاعهم داخل الميلشيات التابعة لها.
مكاسب المرتزقة
2- الانخراط في صفوف المرتزقة ببؤر الصراعات المشتعلة: تعمل بعض القوى الإقليمية، مثل تركيا وإيران، على إرسال عناصر من المرتزقة، وخاصة شريحة الشباب، إلى مناطق التوتر بالإقليم، مثلما هو الحال في ليبيا واليمن وسوريا. وفي هذا السياق، نشرت وكالة "الأناضول" التركية تقريراً يوم 7 مايو الجاري، استناداً إلى مصادر لها في دير الزور بشرق سوريا مفاده أن الحرس الثوري الإيراني أرسل عناصر سورية تابعة له إلى اليمن للقتال بجانب ميلشيا الحوثي ضد القوات المحسوبة على الحكومة الشرعية مقابل مبالغ مالية شهرية للمرتزقة.
وأوضحت تلك المصادر أن تلك العناصر تم نقلها إلى العراق عن طريق معبر البوكمال الحدودي مع سوريا ثم إلى إيران تحت مزاعم الحج إلى المقامات الشيعية. وفي مرحلة لاحقة، تنقل تلك العناصر إلى العاصمة اليمنية صنعاء من خلال رحلات بحرية ضمن سفن إغاثية – وربما يحدث ذلك عبر عمليات تهريب منظمة- حيث يخضعون لدورة عسكرية مكثفة للتدريب على الأسلحة، ثم يتم توزيعهم على نقاط القتال في البلاد. غير أن السفارة الإيرانية في أنقرة نفت صحة هذا التقرير، واعتبرته "دليلاً على الجهل بالحقائق الميدانية".
خصخصة الأمن
3- تنشيط دور الشركات الأمنية الخاصة في الساحة السورية: والتي تطلب شباب للتوظيف بالخارج، حيث تصاعد دور إحدى الشركات الأمنية الخاصة "الصياد" في محافظة السويداء، بعد تردد العديد من الشباب عليها منذ نهاية إبريل الماضي، بعدما عرضت عليهم السفر مع القوات الروسية إلى أرمينيا، لمدة خمسة أشهر وذلك مقابل رواتب شهرية تتراوح بين 2000 و2500 دولار، وفقاً لما نشرته بعض وسائل الإعلام العربية بتاريخ 12 مايو الجاري، شريطة أن يقوم الشباب بتسجيل كامل بياناتهم، بالإضافة إلى مبلغ 25 ألف ليرة سورية، التي تعد نظير التقرير الطبي لهذا الشاب أو ذاك. وتتمثل المهام التي يقوم بها هؤلاء الشباب في حماية منشآت روسية في أرمينيا.
وتشير غالبية التحليلات إلى أن الظروف الاقتصادية المتدهورة والملاحقات الأمنية من قبل نظام الأسد أسهمت في تهيئة الأجواء لتعزيز دور تلك الشركات لاسيما في ظل العلاقات الوثيقة بين النظام السوري وروسيا، حيث تقوم الأخيرة بنقل العائدين من ليبيا وأرمينيا بعد انتهاء مدة عقودهم، وإن كانت هناك شكوك بشأن الالتزام بالقيمة المالية المحددة في العقد.
ضحايا الهجرة
4- تصاعد الطلب على الهجرة غير النظامية إلى الدول الأوروبية: مثّلت الأوضاع الاقتصادية الضاغطة والفوضى الأمنية عوامل طاردة للشباب الحاملين لجنسيات دول تتعرض لصراعات داخلية ممتدة، وخاصة الليبيين والسوريين، فضلاً عن دول تواجه أزمات سياسية حادة وتعثراً حكومياً في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وهو ما ينطبق على تونس. فقد كشف الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في تصريحات لموقع "سكاى نيوز عربية" في 17 مايو الجاري أن أكثر من 13 ألف مهاجر من مختلف الجنسيات وصلوا السواحل الإيطالية منذ بداية عام 2021 وحتى منتصف مايو الجاري 13 بالمئة منهم تونسيون، حيث وصل 1700 مهاجراً غير نظامي تونسي للسواحل الإيطالية.
تعافي المدن
5- بدء متدرج في إعادة إعمار المناطق المتضررة من سيطرة التنظيمات الإرهابية: شهدت المرحلة الماضية محاولات وعمليات إعادة إعمار المدن المنكوبة أو المناطق المتضررة داخل تلك المدن، مثل غات في ليبيا وتعز في اليمن وبيروت في لبنان وحلب في سوريا والموصل في العراق، وبرز دور الشباب جلياً في إعادة إعمار الموصل التابعة لمحافظة نينوى، عبر حملات تطوعية لحوالي 150 شاباً من أبناء تلك المدينة التي تعرضت لدمار واسع بعد سيطرة تنظيم "داعش" عليها لسنوات قبل تحريرها من خلال الجيش العراقي وقوات الشرطة.
إذ يقوم الشباب بمهمتين: أولاهما، إزالة الركام والأنقاض وتهيئة الطرق والمداخل للمدينة. وثانيتهما، تشجيع أهالي الموصل على العودة إلى مناطقهم السكنية. ولهذا اتخذ شباب الموصل لحملتهم شعار "نتعافى برجعتكم". ولعل ذلك يعطي بارقة أمل بأن ثمة تحركاً شعبياً ربما يسبق التحرك الرسمي العراقي، لاسيما في ظل تعدد الجهات المسئولة عن الإعمار وهي صندوق إعمار العراق ومحافظة نينوى ومجلس الإعمار والدوائر الخدمية، على نحو يعكس تباينات مختلفة في الرؤى والمصالح، بخلاف تأخر التمويل من الجهات المانحة الدولية.
تمكين جيلي
6- تعزيز دور الشباب في بناء الدول الجديدة: وهو ما ينطبق جلياً على الحالة الليبية، إذ رأى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، خلال حضوره مسابقة محلية للخيول في مدينة مصراتة في 15 مايو الجاري أن "مسئولية البناء والتنمية مسئولية مشتركة ولا تقتصر على الحكومة"، داعياً إلى "مساهمة الرياضيين ورجال الأعمال ونشطاء المجتمع المدني حتى تنعم ليبيا بالرخاء والاستقرار". وأكد الدبيبة على "قدرة الليبيين على إعادة تماسك النسيج الاجتماعي إلى ما كان عليه من خلال الأنشطة الرياضية والمجتمعية التي تضم مشاركين من مختلف مناطق ليبيا"، لافتاً إلى أن حكومته ستدعم جميع الأنشطة والمسابقات التي تستقطب الشباب، وتبعدهم عن أجواء الحروب والصراعات.
تكلفة باهظة:
خلاصة القول، إن ما سبق ذكره يشير إلى أن هناك ثمناً باهظاً يدفعه الشباب في بؤر الصراعات المسلحة في ليبيا واليمن وسوريا والعراق، والتي تجاوز بعضها عقداً كاملاً من الزمن، على نحو فرض على بعضهم الانخراط في صفوف ميلشيات مسلحة تطرح نفسها كمشروع بديل للدولة الوطنية، وكذلك التوظيف في صفوف المرتزقة التي تدعمهم بعض القوى الإقليمية المتدخلة في الشئون الداخلية للدول العربية، والسفر ضمن عقود مؤقتة تطرحها بعض الشركات الأمنية الخاصة دون تأكيد على تسلم المبالغ المالية المنصوص عليها في العقود، وإن اضطرتهم الظروف لذلك بعد فقدان مصادر الدخل. كما أن الشباب ملقى على عاتقهم أعباء إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد انتهاء الصراعات، لأنهم يمثلون الشريحة الأكبر داخل المجتمعات العربية.