أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

النموذج الممتد:

ملامح التلاقي بين اقتصاديات الدول وكرة القدم بمونديال روسيا

20 يونيو، 2018


عرض: محمد بسيوني عبد الحليم- باحث في العلوم السياسية

تعكس الدول المشاركة في كأس العالم بروسيا 2018 أوضاعًا اقتصادية واجتماعية مختلفة، وعلى الرغم من صعوبة افتراض علاقة حتمية بين كرة القدم واقتصاديات هذه الدول، إذ إن الدول الأفضل اقتصاديًّا ليست بالضرورة الأفضل في تلك اللعبة الشعبية؛ فإن هذا لا ينفي وجود صلة بين اقتصاديات هذه الدول وكرة القدم، وتنطوي هذه الصلة على أهداف متباينة من جانب الدول المشاركة في المونديال. فبعض الدول، وعلى وجه الخصوص الدولة المستضيفة، تسعى إلى الحصول على المزيد من المكاسب الاقتصادية. ودول أخرى تطمح إلى استثمار كرة القدم في تحقيق درجة من التماسك الاجتماعي الداعم لسياسات الدولة.

وفي هذا الصدد، يطرح التقرير الصادر عن مؤسسة "جولدمان ساكس" المعنون "كأس العالم واقتصاد 2018"، رؤية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول المشاركة في كأس العالم بروسيا ممزوجة بتحليل لمسيرة منتخبات هذه الدول. ويحاول التقرير استكشاف ملامح التلاقي بين كرة القدم والاقتصاد في دول هي بطبيعتها تعبر عن نماذج اقتصادية واجتماعية مختلفة. 

النموذج الممتد

من القضايا التي طرحها التقرير قضية النماذج الممتدة التي تشير إلى أن كرة القدم في بعض الدول تحمل نفس الملامح التي تحكم السياق الاقتصادي والاجتماعي لها. فعلى سبيل المثال، يفترض التقرير أن كرة القدم الروسية تعاني من نفس المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الروسي، خاصة فيما يتعلق بالدور المفرط للدولة، ومحدودية التكامل مع الخارج، ونقص المنافسة. وهذه العوامل أعاقت التقدم في السنوات الأخيرة، كما أنها مسئولة -ولو بصورة جزئية- عن تراجع موسكو في ترتيب الفيفا لمنتخبات كرة القدم. 

وفي هذا السياق، فإن القوام الرئيسي للمنتخب الروسي يتكون من لاعبين محليين يلعبون في روسيا، وكما هو الحال في الاقتصاد فإن للدولة دورًا كبيرًا في كرة القدم، فمن جملة 36 فريقًا في القسمين الأولين بالدوري يتم إدارة 31 فريقًا من جانب الحكومات المحلية أو الشركات التابعة للدولة، ومع متوسط حضور للمباراة في الدوري الروسي الممتاز أقل من 12 ألفًا، وعدم تمثيل حقوق البث التلفزيوني سوى 10% من إيرادات الدوري، فالدولة تحظى بسيطرة ملحوظة على الأندية. 

تبدو أيضًا فكرة النموذج الممتد حاضرة في حالة ألمانيا، فقد تم استدعاء الآليات المستخدمة في الاقتصاد، لا سيما عملية الإصلاحات الهيكلية المنفذة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، والتكيف مع متطلبات العولمة والتنافسية في مجال كرة القدم بعد إخفاق المنتخب الألماني في التأهل لمرحلة المجموعات في بطولة كأس الأمم الأوروبية لعام 2000، لتقوم بعد ذلك المؤسسات المسئولة عن نشاط كرة القدم بإصلاح جذري وهيكلي للأكاديميات الرياضية وبرامج التدريب. 

وبالتوازي مع ذلك، واتساقًا مع التطورات الحادثة في المجتمع الألماني، فقد اتسعت الخلفية العرقية للمنتخب الألماني، كما انتقل المزيد من اللاعبين الألمان إلى الخارج، وتم استقدام لاعبين أجانب إلى الدوري الألماني، وهو ما ساهم في تطوير كرة القدم الألمانية، ليتمكن المنتخب الألماني من الحصول في نهاية المطاف على كأس العالم عام 2014.

التعافي الاقتصادي

تشهد العديد من الدول التي يتناولها التقرير مؤشرات للتعافي الاقتصادي بعد مرحلة من التأزم، فالاقتصاد الروسي خرج إلى حدٍّ ما من الانكماش الذي نجم عن الانخفاض الحاد في أسعار النفط والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا، ومن ثم حقق الاقتصاد عام 2017 نموًّا نسبته 1,5% ، كما تسعى الحكومة إلى تنفيذ برامج للاستثمار في البنية التحتية لدعم الاقتصاد، وتحسين الإجراءات والأطر المنظمة كي تكون أكثر جذبًا للاستثمار الخاص. ولا يمكن إغفال أن استضافة كأس العالم ستكون لها انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الروسي. 

 وتشهد كرواتيا هي الأخرى حالة من التعافي الاقتصادي بعد سنوات من الركود على خلفية الأزمة المالية العالمية، ويبدو أن الاقتصاد الكرواتي قد اتخذ خطوات إيجابية ملحوظة خلال العامين الماضيين، وسجل الاقتصاد نموًّا إيجابيًّا لثلاث سنوات متتالية (التوسع بنسبة + 2,8٪ على أساس سنوي في عام 2017). ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبقى النمو عند مستوى مماثل في عام 2018، وبالرغم من ذلك، فإن استمرار مسار التعافي والتحسن الاقتصادي على المدى البعيد يعتمد على الإصلاح الهيكلي، لا سيما إصلاحات سوق العمل. 

وتمر أيسلندا التي تظهر في بطولة كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها بمرحلة تعافٍ اقتصادي للخروج من آثار الأزمة المالية العالمية، وبلغ متوسط معدل النمو السنوي 6% تقريبًا على مدار العامين الماضيين، وهو ما كان مدعومًا بطفرة سياحية، كما تراجع معدل البطالة الذي كان قد وصل في 2009-2010 إبان الأزمة إلى أكثر من 9%، وانخفضت مستويات الديون للشركات غير المالية من نسبة عالية بلغت 650% من الناتج المحلي الإجمالي لتصبح 230% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، وبالمثل حدث تعافٍ في أسواق رأس المال. 

ويشير التقرير إلى أن مصر تمر بحالة من التعافي في الاقتصاد وكذلك في كرة القدم، فبعد سنوات من التراجع تمكن المنتخب المصري من الصعود إلى كأس الأمم الإفريقية عام 2017 بعد غياب عن البطولة ثلاث مرات متتالية، ونجح المنتخب في التأهل إلى كأس العالم بعد غياب 28 سنة منذ كأس العالم 1990. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن الدولة اتخذت إجراءات -بحسب التقرير- لمعالجة المشكلات الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، تم تحرير سعر صرف العملة، وتم إطلاق برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي لمدة ثلاث سنوات للحد من عجز الميزانية، وتم اتباع سياسة نقدية لاحتواء ضغوط التضخم، كما أن هناك برامج لتنشيط السياحة، ومحاولة لاستعادة معدلات السياحة التي كانت موجودة قبل يناير 2011.

توظيفات رئيسية

تفترض الكثير من الأدبيات أن الرياضة بوصفها أحد مصادر القوة الناعمة للدول، باتت حيزًا هامًّا لإدارة التفاعلات بين الدول، ناهيك عن كونها آلية تستخدمها العديد من الدول لخدمة أهداف سياسية واقتصادية داخلية، لا سيما مع قدرتها على تعزيز الهوية الوطنية المتماسكة عبر إيجاد أهداف مشتركة لأفراد المجتمع. ومن هذا المنطلق، يوضح التقرير أن المشاركة في كأس العالم يمكن أن تخضع لتوظيفات رئيسية من جانب الدول، وتتمثل فيما يلي:

أولًا- الوظيفة المعنوية: حيث إن المشاركة في كأس العالم يمكن أن تدعم الروح المعنوية للمجتمع، لا سيما في حالة المجتمعات التي تواجه تحديات اقتصادية، فالأرجنتين تواجه آفاقًا اقتصادية غير مواتية في ظل خلفية الاقتصاد الضعيفة، والتي تدفع الحكومة إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، وهو ما قد يؤدي إلى تعرض السلطة لمشكلات اجتماعية وسياسية. وفي هذا السياق المأزوم، يحتمل أن يكون للمشاركة في كأس العالم دور إيجابي، إذ إن تحقيق المنتخب الأرجنتيني إنجازًا في البطولة وحصوله على الكأس يرجح أن يرفع من الروح المعنوية للمجتمع في خضم الأزمات الاقتصادية.

ثانيًا- الهوية المشتركة: إذ إن المشاركة في كأس العالم يمكن أن تضطلع بدور هام في تدعيم الهوية الوطنية المشتركة للدولة، والتي يُمكن توظيفها كآلية لمواجهة الأزمات الداخلية، والتعامل مع المتغيرات المجتمعية. فعلى سبيل المثال، لم تختفِ التوترات الممزوجة باختلافات وتمايزات ثقافية وإثنية ولغوية بين الشمال والجنوب في بلجيكا، ويشير التقرير إلى أن تحقيق إنجاز بلجيكي في كأس العالم يمكن أن يدعم الوحدة والهوية الوطنية المشتركة ولو بصورة مؤقتة. 

وتظل فكرة الهوية الوطنية قائمة في حالتي إنجلترا وإسبانيا أيضًا، ففي حالة الأولى تكتسب المشاركة في كأس العالم أهمية نظرًا لدورها في التأكيد على الهوية الإنجليزية في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن جانبها، قد تشكل مشاركة إسبانيا في كأس العالم آلية لدعم الهوية الوطنية المشتركة في ظل المطالب الانفصالية التي يرفعها إقليم كتالونيا، فالمنتخب الإسباني يجمع بين صفوفه اللاعبين من مناطق مختلفة ومن كلٍّ من فرقتي ريال مدريد وبرشلونة، ومن ثم يقدم فرصة لتجديد منظومة التماسك الاجتماعي، خصوصًا مع ما أظهره رئيس الوزراء الإسباني "بيدرو سانشيز" من مؤشرات على السعي إلى هدنة سياسية، وإعادة فتح الحوار مع السياسيين في كتالونيا. 

ثالثًا- الانفتاح الخارجي: فبعض الدول توظف مشاركتها في كأس العالم وغيرها من الأحداث الرياضية الدولية من أجل الانفتاح الخارجي، وتقليل الضغوط والعزلة المفروضة عليها خارجيًّا، ولعل هذا النموذج أكثر تعبيرًا عن دولة إيران، ففي خضم الضغوط المفروضة عليها دوليًّا، والتي تعززت بعد انسحاب الرئيس الأمريكي "ترامب" من الاتفاق النووي، يمكن أن تكون المشاركة في كأس العالم أداة لإثبات حضور خارجي، على النحو الذي قد يساعد في تخفيف التوترات السياسية. ويستدعي البعض هنا المباراة التاريخية التي جمعت بين الولايات المتحدة وإيران في كأس العالم عام 1998، والتي شهدت تبادل اللاعبين الأمريكيين والإيرانيين للزهور والهدايا التذكارية، وهو ما اعتبره البعض حينها محاولة لتهدئة التوترات بين إيران والعالم الخارجي.

خلاصة القول، ربما تتباين الأوضاع الاقتصادية للدول المشاركة في كأس العالم، بين دول تشهد ازدهارًا اقتصاديًّا، ودول تحاول التعافي من أزماتها، ودول أخرى تعاني من أزمات هيكيلة. ولكن مع هذا التباين ستظل هناك مساحة للتلاقي بين الرياضة والقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالدول -بشكل أو بآخر- توظف الرياضة في بناء صورتها الإيجابية الخارجية، والتي تنطوي على مكاسب للدول تتراوح بين جذب المزيد من الاستثمارات والانفتاح الخارجي على العالم والخروج من العزلة، ناهيك عن قدرة الرياضة على الكشف عن الهوية المشتركة للمجتمعات، والتي تتزايد الحاجة إليها من وقت لآخر لخلق نوعٍ من الدعم لسياسات معينة ومواجهة تحديات ومطالب انفصالية.

المصدر: 

The Goldman Sachs Group, The World Cup And Economics 2018, Global Macro Research,  June 11, 2018